قالت مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي كايا كالاس إن التكتل يجري محادثات لإحياء مهمة مدنية لمراقبة معبر رفح الحدودي بين غزة ومصر، وذلك بعد الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس.
وجرى تشكيل بعثة مدنية تابعة للاتحاد الأوروبي للمساعدة في مراقبة معبر رفح بموجب اتفاق بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية في عام 2005، في إطار مساعدة دولية لجهود السلام حين سحبت إسرائيل قواتها والمستوطنين من غزة.
لكن المهمة لم تعمل إلا لمدة عام ونصف قبل أن يتم تعليقها عندما سيطرت حماس على قطاع غزة وطردت السلطة الفلسطينية المعترف بها دوليا.
والتقت كالاس مع رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى في بروكسل صباح الجمعة، وتحدثت عبر الهاتف مع وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر.
وقالت كالاس للصحفيين في بروكسل إن الاتحاد الأوروبي "يجري مناقشات بشأن إعادة نشر بعثة المراقبة التابعة لنا في رفح لضمان الاستقرار على الحدود، حتى نكون مستعدين".
وأردفت تقول إن إعادة الانتشار تتطلب دعوة من إسرائيل والسلطة الفلسطينية واتفاقية تعاون مع مصر.
تاريخ البعثة الأوروبية
في نوفمبر من عام 2005 توصل الجانبان الفلسطيني والإسرائيلي إلى اتفاق لإعادة تشغيل معبر رفح البري الفاصل بين قطاع غزة ومصر، وذلك بعد نحو أربعة عقود من إدارة إسرائيل لهذا المعبر.
بعد الاتفاق أصبح المعبر فلسطينيا – مصريا، ولكن تحت رقابة إسرائيلية غير مباشرة، فيما أنيطت مهمة المراقبة لبعثة أوروبية قوامها 70 موظفا، لفرض رقابة على الجانب الفلسطيني من المعبر.
جرى ربط صالات المعبر وأجهزته الإلكترونية بالجانب الإسرائيلي لمراقبة سير العمل فيه وبيانات المسافرين القادمين والمغادرين بأجهزة مراقبة الحدود الإسرائيلية.
كذلك جرت مراقبة عمليات دخول البضائع ومتعلقات المسافرين وأقسام الجمارك، بحيث يتواجد المراقبون الأوروربيون في تلك القاعات والأقسام بشكل عملي.
وأيضا جرى مراقبة عمليات الإشراف على عمل الكوادر الفلسطينية التابعة للسلطة الفلسطينية وقوات الأمن والموظفون التابعون لوزارة الداخلية الفلسطينية والإشراف على عملية تأهيلهم وتدربيهم للتعامل مع الحالات والمشاكل اليومية التي تواجههم.
وبحسب الاتفاقية فمن حق إسرائيل أن تطلب مقابلة أي مسافر يدخل أو يخرج من القطاع، من خلال عملية تدقيق أوراقه الثبوتية وإجراء مقابلة مع سلطات المعابر الفلسطينية وبوجود عناصر المراقبة الأوروبية في قاعات مرتبطة بأنظمة المراقبة الإسرائيلية عن بعد، وإجراء تحقيق معه.
أطلق تسمية "بعثة الاتحاد الأوروبي للمساعدة الحدودية عند معبر رفح" على المراقبين الأوروبيين وهي ثاني بعثة لإدارة الأزمات المدنية في الأراضي الفلسطينية إلى جان بعثة شرطة الاتحاد الأوروبي لقطاع غزة.
في 13 يونيو 2007، وعقب استحواذ حركة حماس بالقوة على السلطة في قطاع غزة، أعلن رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي للمساعدة الحدودية تعليقا مؤقتا للعمليات عند المعبر، عازيا السبب لعدم قدرة السلطة الفلسطينية على توفير الأمن لمراقبي الاتحاد الأوروبي.
مخاوف إسرائيلية
كان الهدف المعلن من وجود بعثة مراقبة الاتحاد الأوروبي للمساعدة الحدودية توفير وجود طرف ثالث في معبر رفح، من أجل التعاون لبناء المؤسسات مع المفوضية الأوروبية، والمساهمة في عملية فتح معبر رفح، والإبقاء عليه كشريان رئيسي لتغذية قطاع غزة بالاحتياجات الأساسية، وبناء الثقة بين حكومة إسرائيل والسلطة الفلسطينية.
لكن إسرائيل كانت لديها مخاوف أمنية تتعلق بإمكانية استخدامه في عمليات نقل أسلحة محتملة والعودة غير المقيدة للقادة المبعدين.
خلال الأشهر التسعة عشر التي أدار فيها الفريق الأوروبي الوضع في معبر رفح، (من نهاية نوفمبر 2005 حتى يونيو 2007)، استخدم ما يقرب من 450 ألف شخص المعبر، بمعدل 1500 شخص في اليوم.
وبحسب الاتحاد الأوروبي، فإن بعثة المساعدة الحدودية في رفح هي عبارة عن بعثة مدنية غير مسلحة وتتألف بشكل رئيسي من ضباط الشرطة وشرطة الحدود والجمارك.
كان الهدف في الأصل هو أن تكون البعثة في قطاع غزة في مجمع تم بناؤه خصيصا بمعبر رفح، مع مقر للبعثة في مدينة غزة.
ومع ذلك، فقد تم نقل الفريق لأسباب أمنية إلى تل أبيب بإسرائيل، بعد أن كان موقع الفريق في في مدينة أشكلون جنوبي إسرائيل.
كذلك جرى تخفيض عدد الموظفين الأوروبيين إلى حد كبير، بعد تعليق عمل البعثة في معبر رفح، كما حافظ الاتحاد الأوروبي للمساعدة الحدودية على قدرته لإعادة الانتشار في معبر رفح.
وتحتفظ البعثة بخبرتها في إدارة الحدود وعمليات الجمارك، ويتم الاتصال بها بانتظام لتبادل خبراتها مع أصحاب المصلحة الآخرين المشاركين في قضية الحدود والعبور، كما تقوم بالتنسيق مع الأطراف على أساس منتظم وعلى المستوى التشغيلي.
وحتى عام 2007، كان مراقبو الاتحاد الأوروبي للمساعدة الحدودية في رفح يستخدمون معبر كيرم شالوم الحدودي الإسرائيلي للوصول إلى معبر رفح الحدودي.
وفي أكتوبر 2014، أطلق الاتحاد الأوروبي مشروعه للتأهب للسلطة الفلسطينية بهدف تعزيز قدراتها لإعادة الانتشار السريع، وقدرتها على تشغيل معبر رفح في المستقبل.
في 1 يوليو 2015، جرى تعيين ناتاليا تشيا على رأس بعثة الاتحاد الأوروبي للمساعدة الحدودية في رفح من قبل اللجنة السياسية والأمنية بالاتحاد الأوروبي.
ومنذ عام 2015، كانت البعثة محدودة المأهولية، وقد أعرب مجلس الاتحاد الأوروبي عن استعداده لإعادة تنشيطها حالما تسمح الظروف السياسية والأمنية.
ومنذ ذلك الحين، لم يطلب أي من أطراف اتفاق 2005 (السلطة الفلسطينية وإسرائيل) رسميا من الاتحاد الأوروبي إعادة تنشيط وإعادة نشر الاتحاد الأوروبي للمساعدة الحدودية في رفح.
ومع اندلاع الحرب في قطاع غزة، في أعقاب هجمات السابع من أكتوبر عام 2023، برزت الحاجة لإعادة تأهيل وتشغيل معبر رفح البري لاستقبال المساعدات الدولية.
وفي مايو من عام 2024 اجتاحت القوات الإسرائيلية مدينة رفح، وسيطرة على المعبر وقامت بإغلاقه بالكامل.
تسبب ذلك في تعرض مباني المعبر لأضرار جسيمة جراء العمليات العسكرية.
بالمقابل أغلقت مصر الطريق المؤدي إلى المعبر بكتل وجدران إسمنتية تحسبا من تسلل أشخاص أو مسلحين إلى حدودها أو وصول شظايا وطلقات إلى الجانب المصري من المعبر جراء القتال.
وأبدى وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي في اجتماعهم الذي عقد في بروكسل في 27 مايو الماضي، استعدادهم لإعادة إحياء مهمة بعثة مراقبة الحدود في رفح، كحل لإنهاء الأزمة الإنسانية والمساعدة في إدخال المساعدات المكدسة على الجانب المصري من المعبر.
غير أن إسرائيل لم تتعاط مع المقترحات الأوروبية في ذلك الحين، ولم يتم إعادة طرح الفكرة إلا في نوفمبر 2024، بعد إعلان المفوضية الأوروبية عن فتح باب التوظيف للانضمام إلى مهمة بعثة المراقبة الأوروبية في معبر رفح.
ومن المتوقع أن يصل فريق يمثل بعثة المراقبة الأوروربية إلى مصر مطلع الأسبوع المقبل والانتقال منها برا إلى معبر رفح، لتقييم الوضع هناك والاجتماع مع الطواقم الأمنية والفنية المصرية، تمهيدا لاعادة افتتاح معبر رفح.
من المقرر أن يجري كل ذلك وفق صيغة اتفاق عام 2005 بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية.
ولم تتضح بعد آلية التعاون وطبيعة المهام الجديدة، في ظل غياب الطرف الفلسطيني المشغل للمعبر، والدمار الكبير الذي لحق بمنشأته وانقطاع وسائل الاتصال مع مراكز المراقبة الإسرائيلية منذ سيطرة حماس على غزة في صيف عام 2007.