مرضى يخضعون لجلسة غسيل كلى بمستشفى في خان يونس بجنوب قطاع غزة في 24 أكتوبر 2023
مرضى يخضعون لجلسة غسيل كلى بمستشفى في خان يونس بجنوب قطاع غزة في 24 أكتوبر 2023

"منسيون ومهملون، ولا يجدون العلاجات، وقد يداهمهم الموت قريبا"، هكذا يدق أطباء ومسؤولون فلسطينيون تحدث معهم موقع "الحرة" ناقوس الخطر بشأن مرضى الأمراض المزمنة في غزة، في ظل شبه انهيار للمنظومة الصحية بالقطاع.

والأربعاء، حذرت منظمة الصحة العالمية، من أزمة تواجه أصحاب الأمراض المزمنة في غزة، مع وجود أكثر من ألف مريض بحاجة إلى غسيل الكلى للبقاء على قيد الحياة.

وأشارت لوجود أكثر من ألفي مريض يتعالجون من السرطان، و45 ألف شخص مرضى بأمراض القلب والأوعية الدموية، وأكثر من 60 ألف مريض بالسكري.

أصحاب الأمراض المزمنة "يعانون"

 يكشف المتحدث باسم وزارة الصحة الفلسطينية، الدكتور أشرف القدرة، عن "أزمة خطيرة تواجه مرضى الأمراض المزمنة في قطاع غزة، في ظل انهيار المنظومة الطبية بالقطاع".

وهناك أكثر من 130 من الأطفال الخدج بحضانات الأطفال، و160 مريضا تحت أجهزة التنفس الاصطناعي، و1100 مريض بالفشل الكلوي، وفق حديثه لموقع "الحرة".

ويشير إلى وجود 9 آلاف مريض بالسرطان، وكان يتم إجراء أكثر من 200 عملية قيصرية يوميا، لكنهم اليوم "لا يتلقون خدمات طبية"، على حد قوله.

ويشدد القدرة على أن "هؤلاء بحاجة للحصول على الخدمات الصحية العاجلة والأساسية في ظل نقص الأدوية والإمدادات الصحية والمساعدات الأخرى، مثل الوقود والمياه والغذاء".

كارثة تلوح بالأفق

يؤكد مسؤول الإعلام في الهلال الأحمر الفلسطيني، رائد النمس، أن المرضى الأكثر تضررا من "انهيار المنظومة الطبية في غزة"، هم أصحاب الأمراض المزمنة.

وبسبب شح الموارد الأساسية ونقص العلاجات والأدوية وعدم قدرة المرضى على مغادرة غزة لتلقي بعض العلاجات في الضفة الغربية وإسرائيل، منذ بدء الحرب، فإن غالبية هؤلاء "معرضون للخطر"، حسبما يوضح لموقع "الحرة".

وقبل السابع من أكتوبر، كان نحو 100 مريض يوميا بحاجة إلى الخروج من القطاع للحصول على خدمات صحية متخصصة بسبب نقص الخدمات الصحية المتخصصة، وفق وكالة "فرانس برس".

وفي ظل القصف الإسرائيلي المستمر وعدم وجود "مياه ولا دواء ولا كهرباء"، فهناك "كارثة تلوح في الأفق"، خاصة أن أصحاب الأمراض المزمنة هم "الأكثر عرضة للخطر، في حال انهارت المنظومة الصحية بشكل".

في المقابل، قالت وحدة المتحدثين باسم الجيش الإسرائيلي، في وقت سابق لموقع "الحرة"، إن "منظمة حماس الإرهابية، وبما يشكل انتهاكا صارخا للقانون الدولي، تعمل من داخل المرافق المدنية (مثل المستشفيات)، وبالتالي تستخدم سكان غزة دروعا بشرية وتعرّض مواطني قطاع غزة للخطر".

وأضافت: "الجيش يعمل على إخلاء السكان المدنيين من شمالي القطاع إلى جنوبه، وهو منطقة تم تعريفها كأكثر أمانا، والتي تتوفر فيها البنى التحتية الإنسانية".

وشددت على أن "عدم المساس بالمدنيين خلال الغارات على القطاع يمثل مصلحة مشتركة لمواطني غزة ودولة إسرائيل".

"في مهب الريح"

في حديثه لموقع "الحرة"، يحذر رئيس قسم جراحة العظام في المستشفى الأهلي العربي "المعمداني" بغزة، الدكتور فضل نعيم، من غياب الاهتمام بمرضى "السكري والسرطان والفشل الكلوي والربو وضغط الدم وأمراض القلب والأوعية الدموية".

ومنذ بدء الحرب فإن أصحاب الأمراض المزمنة "منسيون ومهملون" لكنهم يعانون يوميا، نتيجة نقص الأدوية والعلاجات، وإغلاق عيادات الرعاية الأولية"، ما يجعلهم "في مهب الريح"، على حد تعبيره.

ويشير إلى أن "نقص العلاجات وعدم وجود متابعة صحية دورية"، قد يؤدي في النهاية إلى حدوث مضاعفات خطيرة لدى أصحاب الأمراض المزمنة.

ويتطرق في حديثه إلى مرضى السرطان والذين يتلقون العلاج في مستشفى الصداقة التركي الفلسطيني، وبعد توقفه عن العمل، تم نقل بعض المرضى لمستشفيات مختلفة بالقطاع في محاولة "لمتابعة حالتهم".

لكن علاجهم ومتابعة حالتهم الصحية "لن يتم بالشكل الأمثل"، خاصة أن غالبية مرضي السرطان يحتاجون للعلاج في الخارج سواء بالضفة الغربية أو الداخل الفلسطيني أو مصر، ومع إغلاق المعابر يفقدون "فرصتهم في العلاج من المرض العضال"، حسبما يؤكد نعيم.

على "شفير الموت"

بدوره، يشدد مدير مستشفى غزة الأوروبي، الدكتور يوسف العقاد، على حاجة مرضى السرطان لعلاجات خاصة، تبدأ بـ"جلسات العلاج الكيماوي، ثم العلاج الإشعاعي، وبعض أدوية الهرمونات".

والعلاج الإشعاعي غير متوفر في غزة منذ سنوات، ما يضطر المستشفيات إلى تحويل المرضى للعلاج خارج القطاع، وهو ما لا يحدث في الوقت الحالي، حسبما يوضح لموقع "الحرة".

وفيما يخص العلاج الكيماوي، فـ٥٠ بالمئة من تلك العلاجات "غير متوفرة" بالقطاع بالأساس، وفي ظل الحرب الدائرة حاليا وإغلاق المعابر، فالوضع أصبح "أكثر صعوبة"، وفق العقاد.

ويشدد على أن هؤلاء المرضى يحتاجون لـ"رعاية صحية دورية، ومتابعة دائمة، وتلقى العلاجات بانتظام"، لكن في ظل الحرب الحالية فمن المستحيل "رعايتهم بالشكل الأمثل".

ويحذر العقاد من مضاعفات قد تطال أصحاب الأمراض المزمنة عامة، ومرضى السرطان خاصة، وفي حال تخلفهم عن تلقى العلاجات في مواعيدها المحددة فإن مصيرهم "الموت".

مساعدات "غير كافية"

الأربعاء، دخلت إلى غزة، 61 شاحنة محملة بمساعدات إنسانية، بحسب السلطات الإسرائيلية.

ودخل قطاع غزة 272 شاحنة مساعدات حتى الأول من نوفمبر، وفق وكالة "أسوشيتد برس".

رغم الزيادة الطفيفة في الإمدادات فإن عدد شاحنات المساعدات التي تدخل غزة، وهو في المتوسط 14 شاحنة يوميا، لا يزال ضئيلا مقارنة مع 400 شاحنة كانت تدخل في الأوقات العادية يوميا لسكان القطاع، حسبما تشير "رويترز".

ولذلك يشدد العميد السابق لكلية فلسطين للتمريض، الدكتور نبيل النجار، على أن تلك المساعدات "غير كافية" لمساعدة مرضى الأمراض المزمنة.

ويحتاج مرضى السكري والضغط وغسيل الكلى والسرطان عدة علاجات بعضها متوفر بغزة، لكن "عيادات الأونروا التي تساعد وزارة الصحة حاليا مقفلة، ولا يسمح للأطباء بتداول العلاج الموجود كمخزون بداخلها"، وفق حديثه لموقع "الحرة".

ورغم تدفق مساعدات على غزة، لكن لا يوجد بها "علاجات للأصحاب الأمراض المزمنة"، ولذلك فهناك أزمة حقيقية تواجه هؤلاء المرضى، حسبما يشدد النجار.

ويشير إلى "تناقص العلاجات بشكل ملحوظ"، ما يجعل مصير أصحاب الأمراض المزمنة "الموت القريب".

وأسفر الهجوم الذي شنته حركة حماس في السابع من أكتوبر عن مقتل أكثر من 1400 شخص في إسرائيل معظمهم من المدنيين، وبينهم أطفال ونساء، بحسب السلطات الإسرائيلية.

وردت إسرائيل بقصف مكثف على غزة، ما أدى إلى مقتل 9061، بينهم 3760 طفلا، و2326 سيدة و32 ألف مصاب، حسب آخر إحصائيات وزارة الصحة في القطاع التابعة لحماس، الخميس.

إسرائيل تقول إن حماس تستخدم المستشفيات كغطاء في حرب غزة وحماس تنفي ذلك.
إسرائيل تقول إن حماس تستخدم المستشفيات كغطاء في حرب غزة وحماس تنفي ذلك. Reuetrs

أعلن مدير مستشفى كمال عدوان في شمال قطاع غزة، الجمعة، تعرض المؤسسة "لغارات إسرائيلية عدّة منذ الصباح" أدت إلى سقوط "عدد كبير من الشهداء والجرحى"، مؤكدا اقتحام القوات الإسرائيلية المستشفى الليلة الماضية وأمرت بإجلاء بعض العاملين والنازحين ثم انسحبت، وإن الجثث تناثرت في الشوارع المحيطة جراء غارات جوية.

ونفى الجيش الإسرائيلي الجمعة تقارير عن قصف واقتحام مستشفى كمال عدوان في شمال قطاع غزة، قائلا إنه ينفذ عمليات "في جوار" المنشأة الطبية.

وأورد الجيش الإسرائيلي في بيان "خلافا للتقارير التي صدرت خلال اليوم الماضي، لم يقصف (الجيش) مستشفى كمال عدوان أو ينفذ عمليات داخله". وأضاف أنه "سيواصل عملياته ضد البنى التحتية للإرهاب والإرهابيين" في شمال غزة، بما في ذلك "في جوار" المستشفى.

وفي وقت سابق قال مدير المستشفى، حسام أبو صفية، لصحافيين "كانت هناك سلسلة من الغارات الجوية على الجانبين الشمالي والغربي من المستشفى، مصحوبة بنيران كثيفة ومباشرة. هناك عدد كبير من الشهداء والجرحى، بينهم 4 شهداء من الكوادر الطبية في المستشفى".

وأكد "لم يتبق أي جراحين" في المستشفى الواقع في مدينة بيت لاهيا شمال غزة وهو من المؤسسات الاستشفائية المعدودة التي لا تزال تعمل في القطاع.

بدوره، أكد الناطق باسم الدفاع المدني، محمود بصل، أن الجيش الاسرائيلي اقتحم مستشفى كمال عدوان في شمال القطاع و"يقوم بإفراغه من المرضى ومرافقيهم ويقتاد عددا من الفلسطينيين إلى جهة مجهولة بعد اعتقالهم، والدبابات والمدرعات داخل وفي محيط المستشفى".

من جهته، قال الجيش الإسرائيلي في بيان له إن يعمل على "إخلاء السكان المدنيين غير المشاركين في القتال من مناطق القتال إلى مناطق أكثر أمنا في قطاع غزة بهدف حمايتهم".

وأضاف أنه "يلتزم بالقانون الدولي ويعمل وفقا لهذا الالتزام"، مؤكدا في الآن ذاته أنه سيعمل الجيش في هذه المناطق "إذا حدد نشاطا لمنظمة إرهابية تهدد أمن إسرائيل".

وذكّر الدفاع المدني الفلسطيني أن مدينة بيت لاهيا تشهد عملية عسكرية مكثفة منذ شهرين تكثفت في الأيام الأخيرة، ما أجبر آلاف السكان على الإخلاء وسط القصف.

واقتحم الجيش الإسرائيلي مستشفى كمال عدوان عدة مرات منذ بدء الحرب، وأعلن المستشفى مقتل مدير وحدة العناية المركزة أحمد الكحلوت في غارة جوية أواخر نوفمبر.

ويأتي الاقتحام الجديد للمستشفى بعد أيام فقط من إعلان منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة أن فريقا طبيا طارئا وصل إلى المؤسسة لأول مرة منذ 60 يوما.

خطر الموت

وقال مراسل الحرة إن خطر الموت يهدد قرابة 100 مريض وجريح يتواجدون داخل المستشفى بعد إخراج ما تبقى من طواقم طبية، مشيرا إلى سقوط 30 قتيلا وعدد من الجرحى في سلسلة غارات جوية طالت منازل سكنية في محيط مستشفى كمال عدوان.

وأفاد مراسل الحرة بسقوط 3 قتلى وعدد من الاصابات باستهداف مسيرة إسرائيلية لمجموعة من المواطنين في محيط مقبرة الشجاعية شرق مدينة غزة.

وأشار أيضا إلى أن الطائرات المسيرة تستهدف خزانات المياه في المستشفى الإندونيسي شمالي قطاع غزة.

كما سقط 3 قتلى وأصيب العشرات جراء قصف مسيرة إسرائيلية مجموعة من المواطنين بحي الجنينة شرقي مدينة رفح. ووصلت جثة طفل إلى المستشفى الأوروبي تم انتشاله من شرقي مدينة رفح جنوبي قطاع غزة.

وأوضح الدفاع المدني أن مدينة بيت لاهيا باتت فارغة من السكان بعد تهجير الحيش الإسرائيلي أكثر من 20 ألف مواطن منها. وذكر أن الأسلحة التي يستخدمها الجيش الإسرائيلي في العمليات شمالي القطاع تتمتع بقدرات تدميرية واسعة.

وأكد الدفاع المدني توقف 13 مركبة إطفاء وإنقاذ عن العمل جنوبي قطاع غزة بسبب نقص الوقود، وحذر من توقف خدماته في المنطقة الإنسانية.

ومن جانبها، أعلنت الأونروا أن الأسر في قطاع غزة تواجه ظروفًا مزرية جراء النزوح المتكرر بسبب الهجمات الإسرائيلية.

وتعرضت المستشفيات في غزة لهجمات عدة من الجيش الإسرائيلي منذ بداية الحرب بين إسرائيل وحماس بعد هجوم الحركة غير المسبوق في السابع من أكتوبر 2023.

ومنذ أسابيع، يواصل الجيش الإسرائيلي عملية عسكرية برية في شمال القطاع، مؤكدا أنه يستهدف مقاتلي حماس الذين يعيدون تشكيل قواتهم.

ويرفض الجيش الإسرائيلي التعليق حتى الآن. ويتهم مسلحي حركة حماس باستخدام المباني المدنية بما في ذلك المستشفيات والمدارس والمباني السكنية غطاء لعملياتهم منذ بدء الحرب في غزة قبل 14 شهرا. وتنفي حماس ذلك وتتهم إسرائيل بالقصف العشوائي والاعتداءات.

وأدّى هجوم حماس على إسرائيل إلى مقتل 1208 أشخاص في الجانب الإسرائيلي، غالبيتهم من المدنيين، بحسب إحصاء أعدّته وكالة فرانس برس استنادا إلى أرقام رسمية. وتشمل هذه الحصيلة رهائن قتلوا أو ماتوا في الأسر.

ومنذ بداية الحرب بين إسرائيل وحماس، قُتل ما لا يقل عن 44812 شخصا في غزة، معظمهم من المدنيين النساء والأطفال، وفق بيانات وزارة الصحة التابعة لحماس في غزة والتي تقول الأمم المتحدة إنّ بياناتها جديرة بالثقة.

وأعلنت إسرائيل في أكتوبر 2023 "حصارا كاملا" على القطاع الذي يناهز عدد سكانه 2,4 مليون نسمة، وتفرض حتى الآن قيودا صارمة على إدخال المساعدات.