عناصر مسلحة بلباس مدني هي التي تقاتل في غزة حاليا حسب الجيش الإسرائيلي
عناصر مسلحة بلباس مدني هي التي تقاتل في غزة حاليا حسب الجيش الإسرائيلي

تحوّلت مدينة غزة ومناطق شمالي القطاع إلى مسرح عمليات عسكرية وأمنية تنفذها قوات من الجيش الإسرائيلي، وبينما يقول الأخير إنه "ينتشر في كل منطقة" وينفذ مداهمات في عدة مواقع بينها مجمع "الشفاء" الطبي لم يُرصد خلال الأيام الماضية أي ظهور لمسلحي حماس في النقاط المستهدفة.

ومنذ دخول الجيش الإسرائيلي إلى مدينة غزة ومناطق شمال القطاع بقيت أماكن تواجد مسلحي الحركة أو مصير نقاط قيادتها غامضة، ومع ذلك استمرت بالإعلان عن استهداف مدرعات ودبابات بقذائف محلية الصنع، تعرف باسم "قذائف الياسين".

وفي حين نشرت حماس سلسلة تسجيلات مصورة وثقت فيها استهداف المدرعات والدبابات بالقذائف المذكورة، لم تتطرق إلى الوضع المتعلق بالسيطرة التي كانت عليها قبل التوغل الإسرائيلي، وما إذا كانت قد أخلت منطقة شمالي غزة بالكامل أم ما تزال تواصل نشاطها العسكري.

وفي حديث لموقع "الحرة" قال الناطق باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي إن "قوات الجيش منتشرة في كل منطقة بشمالي القطاع، وتنفذ في الوقت الحالي أعمال مداهمة داخل المدينة".

تحدث أدرعي عن "سيطرة عملياتية على الكثير من الأحياء داخل غزة وشمالها"، وأن "قوات الجيش الإسرائيلي تستطيع إعادة التمركز في نقاط الاشتباك".

وردا على سؤال حول معنى "السيطرة العملياتية"، أوضح المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أنها تدل على "سيطرة عسكرية مع احتمال تواجد عناصر مسلحة في مناطق محددة، تحت الأنقاض أو الأنفاق"، وتابع: "يتم تحقيق السيطرة الكاملة بعد تدمير العدو، والاستيلاء على مقراته وبنيته التحتية"، مشيرا إلى أنه "يتم تطهير المنطقة الآن، للتأكد من أن هناك سيطرة تامة".

"مجموعات متحركة"

وقبل بدء الجيش الإسرائيلي عمليات التوغل البري في مناطق شمال غزة دار الحديث كثيرا عن "حرب عصابات ومدن"، وأن حماس كانت تتحضر لمثل هذه المواجهة، معتمدة بذلك على "خبرة" مسلحيها، وعلى شبكة الأنفاق الواسعة التي تتيح لهم التحرك تحت الأرض. 

لكن لم يُوثق خلال الأيام الماضية حصول مواجهات مباشرة بمعنى اشتباك مقاتلين مقابل مقاتلين، وبدلا من ذلك خيّم على مشهد الحرب إعلانات رسمية عن سيطرة وتدمير غرف قيادة، وفي المقابل تدمير مدرعات ودبابات بقذائف محلية.

ويعتقد اللواء واصف عريقات، وهو خبير عسكري واستراتيجي فلسطيني، أن "فصائل المقاومة تخوض في الوقت الحالي حرب عصابات، بمعنى مجموعات صغيرة متحركة تتحرك من منطقة لأخرى حسب الحاجة".

ويقول عريقات لموقع "الحرة": "هذه المجموعات لا تدافع عن مواقع بحد ذاتها وإنما تستخدم نقاط قوتها أمام نقاط ضعف العدو".

يستبعد اللواء المتقاعد أن يكون مسلحو حماس قد خرجوا من كامل شمال القطاع، ويضيف أنهم "يعتمدون على عمليات التنسيق وتبادل المعلومات، ويحاولون إيقاع العدو الإسرائيلي بكمائن"، وفق تعبيره.

وكان إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، المصنفة إرهابية قد أعلن أن إسرائيل "لن تتمكن من تحقيق أي من أهدافها أو استعادة أسراها إلا بدفع الثمن"، الذي تحدده الحركة.

وأضاف في كلمة متلفزة يوم الخميس: "نخوض مع العدو الصهيوني صراعا استراتيجيا لن نكون فيه إلا منتصرين، وإن أرادها العدو معركة طويلة فنحن نفسنا أطول من نفس عدونا".

لكن في مقابل الرواية المذكورة تحدث أدرعي عن "تفكك شبه كامل" للمنظومة العسكرية للحركة في شمال قطاع غزة، كاشفا عن "القضاء على كتيبتين كاملتين لحماس، تضم الأولى نحو 200 عنصر والثانية حوالي 250 عنصرا".

وأشار أدرعي إلى أن قيادة "حماس" تفقد السيطرة"، ويظهر هذا، على حد تعبيره، في: "الفيديوهات التي ينشرونها، حيث تظهر عناصر مسلحة بلباس مدني، تعمل مثل العصابات، وليس تحت قيادة وتعليمات وأوامر منظمة".

"تحديان وحالة"

ولا يبدو أن قوات الجيش الإسرائيلي ستمكث في مناطق شمال القطاع فقط، وتشي منشورات ألقيت على مدينة خان يونس الخميس إلى أنها تخطط لعمليات عسكرية في جنوب غزة. وتطالب المنشورات من سكان بعض الأحياء إخلاء منازلهم.

وأكد على ذلك أدرعي بقوله إن "الجيش مستعد للتقدم نحو الهدف القادم بعد إتمام المهمة في الشمال".  

ومن وجهة نظر الباحث الأميركي والمختص بشؤون الشرق الأوسط، راين بوهل "تفيد التقارير بأن مسلحي حماس مازالوا زالوا يخوضون معارك بالأسلحة النارية مع الجيش الإسرائيلي، لذا فهم يواصلون تنفيذ العمليات القتالية".

لكن في المقابل يرى بوهل في حديث لموقع "الحرة" أن "حماس باتت تواجه العديد من التحديات العسكرية المباشرة مع سيطرة الجيش الإسرائيلي على مدينة غزة ومناطق في شمالها".

ويكمن التحدي الأول بأنه "ومع سيطرة جيش الدفاع الإسرائيلي على الأرض وتدمير شبكة الأنفاق سيتم تدمير ترسانة الحركة من الصواريخ والقذائف أيضا".

ولذلك "سيكون لديهم حافز لمحاولة استخدامها قبل أن يتمكن جيش الدفاع الإسرائيلي من إكمال تلك العملية".

أما التحدي الثاني يراه الباحث الأميركي بوجود الجيش الإسرائيلي على الأرض، "ما يدفع حماس إلى خوض معارك رمزية بالأسلحة النارية. وهذه لن تغير النتائج الاستراتيجية للحرب أو القتال"، وفق تعبيره.

لكن وبخلاف ذلك يوضح اللواء المتقاعد عريقات أن "حماس ليست جيشا يمسك بخطوط دفاعية ويحفاظ عليها".

ويقول: "الحرب المتحركة التي يتبعها المقاتلون هي الحالة الأنجح، ولذلك نرى انتشارها على مساحة واسعة في قطاع غزة وليس في منطقة محددة".

وأضلف أن "تمدد الجيش الإسرائيلي ووجوده في أي مكان لا يعني خلو المكان من المقاومة، وأكبر مثال على ذلك ما يحصل في الضفة الغربية بين فترة وأخرى".

ويتابع عريقات: "هناك تمدد للجيش الإسرائيلي في شمال غزة، وهو أمر صحيح، لكن هناك قوات مقاومة موجودة، وتختار الأوقات المناسبة للإغارة على العدو الصهيوني"، حسب تعبيره.

"بيانات بين جبهتين"

وخلال اليومين الماضيين نشرت "كتائب القسام" التابعة لحماس سلسلة بيانات أعلنت فيها استهداف نقاط تجمع قوات إسرائيلية في شمالي القطاع، وبالتحديد في منطقة بيت لاهيا وبيت حانون.

ويظهر تسجيل مصور نشرته الحركة عبر "تلغرام" الجمعة استهداف "قوات إسرائيلية متوغلة" في بيت حانون بقذيفة "الياسين المحلية"، ووثق آخر "مشاهد لتفخيخ فتحة أحد الأنفاق في بيت حانون واستدراج قوة من سلاح الهندسة للمكان وتفجيره".

وفي يوم السادس عشر من نوفمبر الحالي أعلنت الحركة أن مسلحيها "تمكنوا من الإجهاز" على قوة من الجيش الإسرائيلي متحصنة في مبنى ببيت حانون.

وأعلنت في ذات اليوم استهداف 5 مدرعات عسكرية حاولت التسلل إلى غرب منطقة بيت لاهيا، بقذائف "الياسين 105"، ما أدى إلى تدمير إحداها وهي من نوع وولف، وإعطاب الأخرى من نوع "ديفندر".

وتشير هذه الإعلانات إلى أن مسلحي الحركة مازالوا يتواجدون في مناطق شمالي القطاع، ومع ذلك لا يعرف ماهية نشاطهم وتحركاتهم، وما إذا كانوا يستخدمون شبكات الأنفاق أم يواجهون القوات فوق الأرض.

وعن توازن القوى على الأرض، قال أدرعي لموقع "الحرة" إن العمليات الإسرائيلية تسعى "إلى "تطهير المنطقة للتأكد من أن هناك سيطرة تامة، وعدم وجود للعدو"، مشيرا إلى أن "خطوات أخرى سيتم اتخاذها، خلال الأيام المقبلة، لإتمام السيطرة".

وأوضح أن العمليات الإسرائيلية بالقطاع "قضت على عدد كبير من القادة، سواء في الصف الأول من قيادة "كتائب القسام" أو ما يسمى المكتب السياسي لحماس"، وأن "قيادات بارزة تم استهدافها في الأيام الأخيرة، وحماس تخفي المعلومات المؤكدة".

ماذا عن المدنيين؟

وبينما يواصل الجيش الإسرائيلي عملياته في غزة ومناطق شمال القطاع ويهدد بتمديد رقعة التوغل على الأرض يعيش مئات آلاف المدنيين في ظروف إنسانية صعبة.

وذكر تقرير صادر عن "الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني" أن 807 آلاف فرد ما زالوا يقيمون في محافظتي غزة وشمال غزة، والتي تشمل تجمعات "أم النصر-القرية البدوية، بيت لاهيا، بيت حانون، جباليا ومخيمها، مخيم الشاطئ، مدينة غزة، مدينة الزهراء، المغراقة، وجحر الديك".

 ويمثل هؤلاء نحو 152 ألف أسرة، وذلك من أصل 1.2 مليون فلسطيني كانوا يقيمون في تلك المحافظات، منهم 448 ألف في محافظة شمال غزة، و754 ألف في محافظة غزة.  

وحسب التقرير فإن نحو ثلثي سكان محافظتي الشمال ما زالوا يقيمون في مناطق شمال القطاع.  ونزح نحو ثلث سكان محافظتي الشمال أي ما يقارب 400 ألف نسمة إلى محافظات وسط وجنوب قطاع غزة وهي "دير البلح، خان يونس، رفح"، وبذلك يكون عدد المقيمين حاليا في محافظات وسط وجنوب القطاع 1.43 مليون نسمة، وفق التقرير.

حتى بالنسبة للعديد من سكان غزة، كان الظهور السريع لمسلحي حماس  مفاجئ ا (AFP)
حتى بالنسبة للعديد من سكان غزة، كان الظهور السريع لمسلحي حماس مفاجئ ا (AFP)

بمجرد بدء سريان وقف إطلاق النار في غزة، جابت شوارع القطاع المدمر شاحنات بيضاء نظيفة تحمل أعلام حركة حماس وعلى متنها مسلحون ملثمون يحملون بنادق آلية.

كانت الرسالة التي حاولت حماس إظهارها واضحة ولا لبس فيها: رغم الضعف إلا أن الحركة نجت من حملة القصف الإسرائيلي التي استمرت 15 شهرا على غزة، ولا تزال تشكل الطرف الفلسطيني الأقوى في القطاع، وفقا لصحيفة "نيويورك تايمز".

وتضيف الصحيفة أن ، حماس تعمل بشكل مكثف منذ بدء وقف إطلاق النار يوم الأحد على إظهار أنها ما زالت تسيطر على غزة، حتى بعد أن قتلت إسرائيل الآلاف من عناصرها ودمرت أنفاقها ومصانع أسلحتها.

حتى بالنسبة للعديد من سكان غزة، كان الظهور السريع لمسلحي حماس، وبعضهم ارتدى الزي الرسمي للحركة، مفاجئا.

يقول محمد (24 عاما) الذي طلب عدم ذكر اسمه الأخير لتجنب احتمال انتقام حماس: "لقد خرجوا من مخابئهم في لمح البصر، لم يكن لدينا أي فكرة عن مكان وجود هؤلاء الأشخاص خلال الحرب."

وصف مسؤولون إسرائيليون الظهور العسكري الذي نظمه مسلحو حماس للاحتفال بوقف إطلاق النار يوم الأحد أمام حشود المحتفلين بأنه محاولة منظمة بعناية لتضخيم قوة الجماعة المسلحة الفلسطينية.

ونقلت رويترز عن 10 من السكان والمسؤولين والدبلوماسيين الإقليميين وخبراء الأمن القول إن سلطة حماس لا تزال مترسخة بشدة في غزة برغم تعهد إسرائيل بتدميرها وإن سيطرتها تشكل تحديا لتنفيذ وقف إطلاق نار دائم.

وقالوا إن الحركة لا تسيطر على قوات الأمن في غزة فحسب، بل إن القائمين عليها يديرون الوزارات والهيئات الحكومية ويدفعون رواتب الموظفين وينسقون مع المنظمات الدولية غير الحكومية.

في الأسابيع الماضية، استهدفت الغارات الجوية الإسرائيلية مسؤولين إداريين من رتب أدنى في غزة، في محاولة واضحة لكسر قبضة حماس على الحكومة.

وكانت إسرائيل قد قضت بالفعل على قيادات حماس، بمن فيهم رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية ومهندسا هجوم السابع من أكتوبر، يحيى السنوار ومحمد الضيف.

وبموجب بنود وقف إطلاق النار، يتعين على إسرائيل سحب قواتها من وسط غزة والسماح بعودة الفلسطينيين إلى الشمال خلال مرحلة أولى مدتها ستة أسابيع، يتم خلالها إطلاق سراح بعض الرهائن.

وبدءا من اليوم السادس عشر لوقف إطلاق النار، يتعين على الجانبين التفاوض على مرحلة ثانية، من المتوقع أن تتضمن وقف إطلاق نار دائم وانسحاب القوات الإسرائيلية بالكامل.

وبينما كان العالم يتابع، الأحد، عملية تسليم ثلاث رهائن إسرائيليات لمنظمة الصليب الأحمر، ظهر العشرات من عناصر كتائب عز الدين القسام، الجناح المسلح لحركة حماس، ملثمين بلباسهم العسكري وهم يقومون بتأمين تسليم الرهائن في ساحة السرايا رئيسية في مدينة غزة، حيث تجمع مئات المواطنين.

في غزة، قال مؤيدو حماس إنهم شعروا بالاطمئنان بسبب استعراضها للقوة هذا الأسبوع، لكن كثيرين ممن ليس لديهم ولاءات للجماعة أعربوا عن قلقهم من أنه إذا بقيت في السلطة، فسيكونون تحت حكمها الصارم، وأن حربا أخرى ستندلع عاجلا أم آجلا.

يقول علاء (28 عاما)، والذي كان يختبئ في دير البلح وسط غزة، "قد يستغرق الأمر وقتا حتى تصل حماس إلى نقطة قد تستفز فيها إسرائيل لدخول حرب كبيرة أخرى".

ويضيف لـ"نيويورك تايمز" أنه "طالما بقيت حماس قي السلطة فالأمر مجرد وقت فقط. من الصعب الوصول إلى أي استنتاج غير أنه لا يوجد مستقبل هنا."