بالنسبة إلى المهندسة المعمارية الفلسطينية، ريم زاهر أحمد (25 عاما)، فإن "كل شيء توقف في العاشر من أكتوبر"، وبالتحديد "في الرابعة عصرا"، عندما استهدف القصف الإسرائيلي منزل عائلتها في محافظة خان يونس، في قطاع غزة، فتحول إلى أنقاض.
فجأة، وجدت ريم نفسها في ظلام دامس، وباتت جسما لا يتحرك أسفل أربعة أمتار تحت الأرض، حتى أنها لم تكن تشعر إن كانت عيناها مفتوحتين أم لا.
وتتذكر ريم في عدد من المنشورات على حسابها على إنستغرام، أنها بدأت تسمع الكثير من الأصوات والنداءات، "لكن صوتك الوحيد هو غير المسموع صداه"، على حسب ما ذكرت على حسابها على إنستغرام.
نادت ريم على أمها وأخواتها لكن لا من مجيب.
وتقول: "كنت أحاول تحريك جسدي اليابس، ربما يمكنني إخبارهم أنني ما زلت على قيد الحياة لكني لا أستطيع، فجسدي عالق".
حاولت ريم البحث عن شيء تطرق به سقف الخرسانة فوقها لعل أحد يسمعها، "أخيرا حصلت على حجر، أدق السقف، يبدو أن الصوت لا يزال غير مسموع.. أعلي من صوتي ونداءاتي، أطرق مرة أخرى بحجر أكبر حجما، لكن الصوت يبدو أنه لم يكن يصل إلى من هم فوق الأرض".
تخيل إليها لبعض الوقت أنها ماتت وأنها في حياة البرزخ أو في عالم آخر، لكن عندما حاولت النوم بهدوء لتتخيل الجنة، أيقظها رنين الهاتف.
"رغم أنني أذكر أن هاتفي فقد وذهب بعيدا عني عند أول قذيفة رميت فوقنا، لماذا صوته مرتفع جدا وكأنه بجواري"، تسأل ريم نفسها.
وتقول: "كنت أغلق العينين، لربما أستطيع اللحاق بأمي التي فارقت الحياة وتقبع على بعد متر من جواري، فلا أستطيع، هناك صوت رنة هاتف توقظني كلما حاولت النوم بهدوء وتخيل الجنة".
تتذكر ريم وهي قابعة تحت الأنقاض أنها سمعت أذان العصر مع صوت القذيفة: "أتحسس الجسد لا يوجد غطاء للرأس لكنني متوضأة وكنت أجلس باتجاه القبلة، أسأل نفسي، هل يتقبل الله صلاتي بهذه الحال، لابد من اللحاق بصلاة العصر حتى لو كان الجسد لا يتحرك".
بعد فترة من الوقت تسأل ريم نفسها، كم مر من الوقت، "لابد أنه قد حان موعد صلاة المغرب، الله رحيم سيتقبل صلاتي بدون غطاء رأس".
ظلت ريم تبكي، وتبتهل ثم تعود للبكاء، والصراخ مرة أخرى، والطرق بالحجر من جديد.
تستطرد ريم في حديها مع موقع "الحرة" أنه "بعد فترة أعتقد أنها ساعات بدأ ثقل الركام يزداد فوقي والأكسجين يقل، كان يبدو أن مراحل الإنقاذ انتهت، وتم وضع المزيد من أطنان الردم فوقي خلال بحثهم عن ناجين. بالتأكيد لا يعلمون بوجود أحد بالأسفل، أو أنهم فقدو الأمل في إخراجنا، إذ كان من المستحيل تواجد إنسان على قيد الحياة بعد كل هذا الوقت وتحت كل هذا الركام وأطنان الأسمنت".
وأضافت "أصوات الناس بدأت تنخفض شيئا فشيئا، فقدت الأمل تماما ونمت، كان النوم والهرب من الواقع أكثر ما تمنيته خلال الساعات السابقة".
ثم فجأة، سمعت ريم صوت الهاتف مرة أخرى، ما أيقظها من النوم، "لا أعلم كيف جاءتني القوة، إذ كان كل جسمي لا يتحرك ماعدا يدي اليمنى، ولكن من جديد مسكت حجرا وبدأت أطرق السقف فوقي وأصرخ، إلى أن سمعت صوت أحدهم وطمأنني بأنه سينقذني".
وتقول لموقع "الحرة": "بدأوا بالحفر في الركام بعضهم بأيديهم العارية وبأدوات بسيطة لمدة ست ساعات إلى أن تمكنوا من إحداث حفرة صغيرة بحجم 30 سنتيمتر، لا تتسع إلا لشخص واحد، تم سحبي منها وإنقاذي".
في الرابعة فجرا من صباح اليوم التالي، "تم إنقاذ جسدي من تحت الركام، ولكن من دون أحبتي، أمي وأخي بلال وابنه الصغير حمود".
عندما تم انتشال ريم، كانت قد أصيبت بإصابات طفيفة باليد والقدم وحروق وإصابة بالوجه، "أنا كنت مثل من عاد للحياة بعد أن مات وتم إعلان موته للجميع".
12 ساعة مرت على ريم تحت الركام، لكنها لا تشعر أنها مكثت هناك أربعة أيام، مضيفة "كل الشكل لذلك المنقذ الذي لم يخبرني في اللحظة الأولى أنني على خطأ وأنني لم أتعد اليوم الأول".
وتقول: "منذ ذلك الوقت، لا الساعات تمر ولا الدقائق تتحرك، لكني في كل صباح أحمد الله على لطفه وكرمه، أنا مؤمنة أن الله أنجاني من بين كل هذا الركام بأعجوبة، وأخرجني من هذه الفتحة بمعجزة"، معلقة على مقطع فيديو يصور الركام الذي كان يقبع فوقها.
كانت ريم تعتقد أن كل أهلها قتلوا في تلك الغارة الإسرائيلية، لكنها اكتشفت أنه كان قد تم إنقاذ إخوتها المتبقين، لكنهم لا يزالون مصابين بجروح.
ووفقا لتقديرات الأمم المتحدة، فإن ما يقدر بنحو 2700 شخص، من بينهم 1500 طفل، اعتبروا في عداد المفقودين، ويعتقد أنهم محاصرون أو ماتوا تحت الأنقاض.
واندلعت الحرب بين إسرائيل وحماس عقب هجوم غير مسبوق شنّته الحركة الفلسطينية على جنوب إسرائيل في 7 أكتوبر، أدّى إلى مقتل نحو 1200 شخص غالبيّتهم مدنيّون قضوا بمعظمهم في اليوم الأوّل للهجوم، وفق السلطات الإسرائيليّة.
وتوعدت الدولة العبرية حماس بـ"القضاء" عليها وتشن حملة قصف جوي ومدفعي كثيف، وبدأت عمليات برية اعتبارا من 27 أكتوبر، ما تسبب بمقتل 13 ألف شخص في قطاع غزّة بينهم 5500 طفل و3500 امرأة، وفق الأرقام الصادرة عن حكومة حماس.