دخان يتصاعد بعد غارات جوية إسرائيلية على غزة في 21 نوفمبر 2023
دخان يتصاعد بعد غارات جوية إسرائيلية على غزة في 21 نوفمبر 2023

مع تزايد التصريحات والمؤشرات حول "صفقة مرتقبة وهدنة مؤقتة" في قطاع غزة، يرصد محللون إسرائيليون وفلسطينيون تأثير تلك الصفقة على مسار الحرب بين إسرائيل وحركة حماس، والتي يرون فيها "فرصة لالتقاط الأنفاس" قبل استكمال متوقع للعمليات الميدانية.

كيف ترى إسرائيل "الصفقة المرتقبة"؟

لا يزال مصير الغالبية العظمى من المختطفين مجهولا، وأفرجت حماس عن أربع نساء، بينما أعلن الجيش الإسرائيلي تحرير جندية مختطفة، والعثور على جثتين لمختطفتين.

وفي تصريحات لموقع "الحرة"، يؤكد المحلل السياسي الإسرائيلي، يوآب شتيرن، أن الطرفين بحاجة "لإتمام الصفقة المرتقبة"، والتي سوف تمثل فرصة ميدانية "لالتقاط الأنفاس".

وسوف تؤثر الصفقة المرتقبة على الأوضاع الميدانية، لأنها "تلزم الطرف الإسرائيلي بالتمركز والتموضع في المناطق الموجود بها"، ما يعني أن القوات الإسرائيلية "لن تستطيع التقدم أو التراجع"، حسبما يوضح شتيرن.

لكنه يشدد على أن إسرائيل قادرة على العودة للمعارك وبقوة وبزخم "بعد انتهاء المهلة" التي لن تؤثر على قدرات أو إمكانات الجيش الإسرائيلي ميدانيا، حسبما يقول.

ويرى أن حماس سوف تستغل الهدنة المرتقبة للاستعداد لمواجهة الهجوم الإسرائيلي والتصدي له، وللعمل على "تصوير حجم الدمار الذي لحق بالقطاع"، والترويج لذلك إعلاميا في مواجهة الزخم الدولي الذي يؤكد "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها".

ويعتقد أن الحركة تعول على الصفقة والهدنة لأنها قد تقود لـ"وقف المعارك" في قطاع غزة، لأن استمرار المعارك "يشكل خطرا وجوديا" على عناصر الحركة التي تتكبد "خسائر كبيرة وتتعرض لضربات قاسية".

ويشير شتيرن إلى أن حماس تسعى لـ"وقف المعارك، والتفاوض على صفقات إضافية ومراحل أخرى من تبادل الأسرى"، بهدف "الوصول لبر الأمان".

وعلى جانب آخر، تحتاج إسرائيل للصفقة أيضا لإعادة المختطفين وخاصة "الأطفال والأمهات وربما كبار السن لبيوتهم آمنين، قبل أن يموتوا داخل القطاع"، حسبما يؤكد المحلل السياسي الإسرائيلي.

ويؤكد وجود "ضغط شعبي" على الحكومة الإسرائيلية، في ظل وجود "حاجة إنسانية ملحة" لإعادة المختطفين لبيوتهم، وهذا ما يمثل "المصلحة الإسرائيلية" قبل كل شيء.

وفجر الثلاثاء، قال رئيس المكتب السياسي لحماس، إسماعيل هنية، إن الحركة "تقترب من التوصل لاتفاق هدنة" مع إسرائيل، بينما يستمر الهجوم على غزة وإطلاق الصواريخ على إسرائيل.

وقال هنية، في بيان أرسله أحد مساعديه إلى وكالة "رويترز": "سلمت الحركة ردها للإخوة في قطر والوسطاء، ونحن نقترب من التوصل لاتفاق الهدنة".

وتواصل موقع "الحرة" مع المتحدث باسم الخارجية الإسرائيلية، ليور حياة، لكنه رفض التعليق على ما قاله هنية وما ذكرته التقارير الإعلامية حول قرب الهدنة مع حماس.

ومن جانبه، يتحدث المحلل السياسي الإسرائيلي، إيلي نيسان، عن "تفاؤل حذر" بشأن الصفقة المرتقبة داخل إسرائيل.

وحتى الآن فإن مسودة المناقشات تتم بـ"الأحرف الصغيرة"، وإذا كانت البنود مقبولة بالنسبة لإسرائيل، فستتم الصفقة، وفق حديثه لموقع "الحرة".

ويرى المحلل السياسي الإسرائيلي أن قيادات حماس تحاول "ممارسة الحرب النفسية على إسرائيل، ودق إسفين" بين الحكومة الإسرائيلية وعائلات المختطفين.

ويشير نيسان إلى مخاوف إسرائيلية بشأن الصفقة المرتقبة وتتعلق بإمكانية "تلاعب" القيادات العسكرية لحركة حماس وعلى رأسهم، يحيى السنوار، بالصفقة بهدف "ممارسة الضغوط على إسرائيل".

ويعتبر السنوار الشخصية الأبرز التي حملتها إسرائيل مسؤولية هجوم السابع من أكتوبر، ووصفه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، بأنه "رجل ميت يمشي"، قاصدا الهدف المتعلق بقتله.

وقد يقول السنوار إنه "لم يعثر على كافة المختطفين خلال ٥ أيام"، لأنهم موجودين لدى فصائل فلسطينية مختلفة، بهدف "إعادة تنظيم صفوف حماس"، وفق حديث المحلل السياسي الإسرائيلي.

ويرى نيسان أن السنوار يريد وقف طيران الطائرات المسيرة في سماء غزة والتي تجلب الكثير من "المعلومات الاستخباراتية" للجيش الإسرائيلي، بهدف استغلال ذلك لاحقا.

كيف يرى الفلسطينيون الصفقة؟

يؤكد المحلل السياسي الفلسطيني، أشرف العكة، أن "الصفقة إذا تمت" سوف تعني وقف أعمال القتال برا وجوا لمدة خمسة أيام في غزة، ما يعني "التقاط حماس وإسرائيل أنفساهما" في ظل وضع ميداني معقد وصعب.

ويتكبد الجيش الإسرائيلي "خسائر في الجنود والآليات" منذ أن بدأ بتنفيذ عمليات برية في داخل غزة، في 27 أكتوبر، وفق حديثه لموقع "الحرة".

وقال الجيش الإسرائيلي إن عدد جنوده الذين قتلوا في غزة منذ بداية الحرب وصل إلى 67، حسبما ذكرت وكالة "فرانس برس".

وقد يسعى الجيش الإسرائيلي لاستغلال فترة الهدنة المرتقبة لـ"وضع تغييرات وترتيبات ميدانية"، حسبما يرجح العكة.

وعلى جانب آخر سوف تسعى حماس لـ"استكشاف طبيعة تقدم القوات الإسرائيلية" على عدة محاور، حسبما يضيف العكة.

وفي سياق متصل، يشير المحلل السياسي الفلسطيني، عزام شعث، إلى أن "الأهداف العسكرية الكبيرة التي وضعتها إسرائيل في قطاع غزة لم تتحقق".

وبعد هجوم السابع من أكتوبر، توعدت إسرائيل بـ"القضاء"على حماس وإنهاء حكمها في غزة، وتشن قصفا جويا ومدفعيا بلا هوادة على القطاع، لكن ذلك لم يتم حتى الآن، ولم يتم كذلك إطلاق سراح المختطفين، ما دفع بإسرائيل للبحث عن "اتفاق سياسي"، وفق حديثه لموقع "الحرة".

وميدانيا، تحتاج إسرائيل للصفقة المرتقبة حتى لا تفقد عدد أكبر من "المختطفين"، الذين أعلنت حماس "مقتلهم" بسبب القصف الجوي، وإنقاذ الأحياء منهم في مواجهة ضغوط تتعرض لها الحكومة الإسرائيلية في الداخل الإسرائيلي، حسبما يوضح شعث.

وتواصل موقع "الحرة" مع المتحدثة باسم الجيش الإسرائيلي، إيلا، للتعليق على ذلك، لكنها لم تجب.

ويرى شعث أن حماس تدرك "مأساوية الأوضاع الإنسانية في غزة"، ولذلك فإن تهدئة لمدة خمسة أيام "يمكن جزئيا أن تصلح الأحوال"، في انتظار حل نهائي بوقف كامل لإطلاق النار وتفاوض سياسي من أجل الوصول لاتفاق نهائي بضمانات دولية.

"أقرب نقطة"

الثلاثاء، أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية، ماجد الأنصاري، أن المفاوضات بوساطة قطرية بشأن المختطفين الذين تحتجزهم حركة حماس منذ هجومها على إسرائيل، بلغت "أقرب نقطة" من التوصل إلى اتفاق منذ بداية الحرب في السابع من أكتوبر.

وقال الأنصاري في مؤتمر صحفي في الدوحة إن "الوساطة وصلت إلى مرحلة حرجة ونهائية وتجاوزت القضايا الجوهرية والمحورية، والمتبقية هي قضايا محدودة، وبالتالي هذا يعني (أنها) في أقرب نقطة وصلنا إليها للوصول إلى اتفاق منذ بداية هذه الأزمة".

وأضاف "نحن متفائلون، متأملون جدا.. لكننا أيضا حريصون جدا على نجاح هذه الوساطة في التوصل إلى هدنة إنسانية".

والاثنين، أعلن الرئيس الأميركي، جو بايدن، أنه "يعتقد" أن التوصل إلى اتفاق للإفراج عن مختطفين تحتجزهم حركة حماس في قطاع غزة بات وشيكا.

وفي وقت لاحق الاثنين، قال المتحدث باسم البيت الأبيض، جون كيربي، "نحن أقرب ما نكون (للتوصل إلى اتفاق).. نحن واثقون.. ولكن يبقى عمل (للقيام به).. لا شيء منجزا ما دام الأمر غير مكتمل".

وفي تصريحات لقناة "الحرة"، الثلاثاء، قال المتحدث الإقليمي باسم الخارجية الأميركية، صامويل وربرغ:" لن نستبق أي إعلان رسمي بشأن الاتفاق المحتمل لإطلاق المختطفين المحتجزين في غزة".

وأضاف:" نحن على تواصل مع كل الأطراف المهمة فيما يتعلق بجهود التوصل لاتفاق لإطلاق المختطفين".

ماذا نعرف عن "الصفقة المرتقبة"؟

تجري حاليا مناقشات منفصلة حول احتمال إطلاق سراح بعض المختطفين من خلال وسطاء، حيث تتواصل إسرائيل والولايات المتحدة مع "حماس فقط" عن طريق الرسائل التي ينقلها المفاوضون في مصر وقطر، حسب تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز".

قال مصدر مطلع لـ"رويترز "، الثلاثاء، إن الاتفاق الذي تتوسط فيه قطر بين إسرائيل وحماس لإطلاق سراح المختطفين ووقف الأعمال القتالية لعدة أيام في "مراحله النهائية" وإنه "أقرب من أي وقت مضى".

وأضاف المصدر أن الاتفاق ينص على إطلاق سراح حوالي 50 مختطفا من المدنيين محتجزين لدى حماس وإطلاق سراح نساء وأطفال فلسطينيين من السجون الإسرائيلية.

وسيمثل الاتفاق أكبر إطلاق سراح للمختطفين وأول تبادل منذ بدء الحرب في السابع من أكتوبر.

وفي سياق متصل، قال مصدران مطلعان على المفاوضات الجارية حول الاتفاق بين إسرائيل وحماس لوكالة "فرانس برس" إن "الصفقة تتضمن هدنة لخمسة أيام تشمل وقفا شاملا لإطلاق النار والأعمال القتالية، ووقفا تاما لتحليق الطيران الإسرائيلي في سماء قطاع غزة، باستثناء مناطق الشمال حيث سيوقف تحليق الطيران لمدة ست ساعات يوميا فقط".

وأضاف المصدران أن "الصفقة تتضمن إطلاق سراح ما بين 50 ومئة" مختطف في قطاع غزة "لدى حماس والجهاد الإسلامي من المدنيين وحملة الجنسيات الأجنبية من غير الجنود، مقابل إفراج إسرائيل عن 300 أسير من الأطفال والنساء" الفلسطينيين".

وأوضح المصدران أن الإفراج عن هؤلاء "سيتم على مراحل، بمعدل عشرة مختطفين من الإسرائيليين يوميا مقابل ثلاثين أسيرا فلسطينيا، على أن يتم الإفراج عمن يتبقى في اليوم الأخير".

ويتضمن الاتفاق أيضا، وفق المصدرين، "إدخال ما بين مئة و300 شاحنة من المساعدات الغذائية والطبية بما في ذلك الوقود، إلى كافة مناطق القطاع، بما فيها الشمال".

ولفت المصدران إلى أن "حماس والجهاد الإسلامي أبلغتا الوسيط المصري بموافقتهما مبدئيا على بنود الصفقة"، مشيرين إلى أن "احتمالات التغيير في البنود تبقى قائمة".

وبحسب المصدرين فإن "إسرائيل أصرت على ترابط العائلة، أي أنه في حال الإفراج عن سيدة ينبغي الإفراج أيضا عن زوجها حتى لو كان عسكريا، وهو ما رفضته حماس، لكن مصر وقطر تعملان حاليا بتنسيق مع الإدارة الأميركية لإنهاء هذه النقطة".

وما أن تُحل هذه النقطة العالقة "سيتم إعلان موعد الهدنة الإنسانية لخمسة أيام قابلة للتجديد"، وفق المصدرين.

واندلعت الحرب بين إسرائيل وحماس بعد هجوم مباغت شنته الحركة على مواقع عسكرية ومناطق سكنية محاذية لقطاع غزة، أدى إلى مقتل 1200 شخص، معظمهم مدنيون وبينهم نساء وأطفال، واختطاف 239 شخصا، وفق السلطات الإسرائيلية.

ومنذ ذلك الحين، ترد إسرائيل بقصف جوي وبحري وبري مكثف على القطاع المحاصر، أتبعته بعملية برية لا تزال متواصلة، وبلغت حصيلة القتلى في غزة أكثر من 13 ألفا و300 شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، فضلا عن إصابة ما يزيد على 30 ألف شخص، بحسب آخر حصيلة نشرتها وزارة الصحة التابعة لحركة حماس، الاثنين.

الذكاء الاصطناعي استخدم بكثرة لإنتاج محتوى زائف خلال حرب غزة
الذكاء الاصطناعي استخدم بكثرة لإنتاج محتوى زائف خلال حرب غزة

تشكل الحرب الجارية بين إسرائيل وحماس في قطاع غزة، وما يتخللها من معارك تأثير واستقطاب وتلاعب بالرأي العام، أحدث ميادين الاختبار للدور الذي تلعبه الأخبار الزائفة وحملات التضليل في تشكيل الروايات والسرديات بشأن أحداث الحرب، والمآسي الناجمة عنها، فضلاً عن التلاعب بانطباعات المتابعين وعواطفهم.

ويشكل هذا تحديا أساسيا اليوم بالأخص، مع تقدم برمجيات الذكاء الاصطناعي. 

وعلى الرغم من الدور الذي سبق ورُصد لتلك التقنيات في تزييف الواقع وبث المعلومات المضللة خلال أزمات سابقة شهدها العالم، كزلازل تركيا والمغرب وكارثة ليبيا فضلاً عن الحرب الروسية على أوكرانيا، تشهد الحرب بين إسرائيل وحماس اليوم، التجلي الأبرز والأحدث، والاستثمار الأوسع لتقنيات الذكاء الاصطناعي في وسائل التواصل الاجتماعي، ومحاولة التأثير على الرأي العام. 

هذا الواقع يضع العالم الآن وجها لوجه مع تحقق أبرز المخاوف التي طالما أحاطت باستخدام الذكاء الاصطناعي، من ناحية قدرته على تزييف الواقع، ومدى الإقناع الذي قد يتمتع به، وتالياً مدى التأثير، وهو ما بلغ مؤخرا مرحلة جعلت العاملين في مجال تدقيق المعلومات ومحاربة الأخبار المضللة في حالة من العجز والتخبط، في مجاراة سوء استخدام الذكاء الاصطناعي في التضليل.  

"أكبر مما يمكن توقعه" 

مئات الصور والقصص والأخبار والمعلومات المزيفة، اجتاحت على مدى شهرين من الحرب مواقع التواصل الاجتماعي، واكتسبت انتشارا عالميا مرتبطا بالمتابعة الواسعة لمجريات النزاع الذي اندلع في السابع من أكتوبر، عقب هجوم حماس على إسرائيل.  

وكان أمرا متوقعا، بالنسبة لمدققي المعلومات، الذين اعتادوا على ازدياد منسوب الأخبار الزائفة وحملات التضليل في أوقات الأزمات والحروب، حيث يتسنى لها عبور أسهل في زحمة الأخبار وكثافة المعلومات، بحسب ما يؤكد الصحفي ومدقق المعلومات في منصة "صواب" العاملة على مكافحة الأخبار الزائفة، ميغيل حدشيتي.

ويقول إنه في وقت الأزمات والحروب "تصبح هذه الأخبار تفاصيل في المشهد العام، لا قدرة على التوقف عندها وتدقيقها بصورة كاملة".

وكانت هذه الإساءة في استخدام تقنيات وأدوات الذكاء الاصطناعي متوقعة منذ إنشائها، بحسب ما تؤكد مديرة مشروع "الشبكة العربية لمدققي المعلومات" (AFCN)، سجى مرتضى، "لكن أحداً لم يكن يتخيل أن تصل الأمور إلى هذا الحد".  

وتضيف في حديثها لموقع "الحرة"، أن "الحرب في غزة جاءت لتبين هذا الأمر بشكل أوضح، وتثبت أن الآثار السلبية للذكاء الاصطناعي بما يخص انتشار المعلومات الخاطئة والمضللة، يمكن أن تكون أكبر مما يمكن توقعه".

ولا يزال من المبكر حتى الآن، بحسب مرتضى، تحليل وتقييم التجربة الجارية حالياً، "بحكم أنها ما زالت مستمرة مع تواصل الأزمة، ونحتاج إلى وقت لكشف التأثير الحقيقي الذي تركته تلك الأخبار وحملات التضليل التي اعتمدت على الذكاء الاصطناعي".  

لكن ما يمكن تأكيده وفق الخبيرة في تدقيق المعلومات، هو أن ما يجري في الحرب المندلعة، "تخطى استخدام الذكاء الاصطناعي من قبل شركات التكنولوجيا والإعلام والتواصل الاجتماعي، في سبيل التحكم بالسرد والمحتوى، بل بات هناك إنتاج ممنهج للمواد المزيفة باستخدام الذكاء الاصطناعي وبتقنيات عالية، تنخرط فيه جهات حكومية ورسمية وعسكرية".  

عجز وتخبط  

أبرز أشكال التزييف كانت الصور والفيديوهات، بعضها صدّقها الناس بشكل كبير جدا، فيما كان التلاعب في بعضها الآخر واضحا فلم ينطل الأمر على الناس بصورة واسعة.

ولكن هناك صور استخدمت وانتشرت، ترى مرتضى أنه "عجزنا حتى عن الوصول إلى نتيجة حاسمة بشأنها، إذا ما كانت منتجة بالذكاء الاصطناعي أم لا، حيث أن التقنيات المستخدمة كانت عالية الدقة بشكل يمنع كشفها بسهولة".

وفي مثال على تلك المواد، كانت الصورة التي نشرها رئيس الوزراء الإسرائيلي، بينيامين نتانياهو، وقال إنها تعود لطفل اسرائيلي أحرقه مسلحو حماس خلال هجومهم، حيث كانت، بحسب مرتضى، موضع تدقيق من قبل الفريق، إضافة إلى الكثير من مؤسسات التدقيق العربية والعالمية.  

وفي هذا السياق، جرى استخدام عدة أدوات لكشف ما إذا كانت الصور مولَّدة بالذكاء الاصطناعي، بحسب مرتضى، التي أضافت: "بعضها كان يقدم نتيجة إيجابية وبعضها لا، حاولوا تحليل الصورة قدر المستطاع، لكنهم لم يصلوا إلى الصورة الأصلية. حسم النتيجة كان أمرا صعبا جدا، ولم يحصل حتى الآن. ومثلها كان هناك بعض المحتوى الذي صعُب كشفه بصورة حاسمة".

في المقابل، كانت هناك صور سهلة الكشف، مثل صورة لما قيل إنه "مخيم إسرائيلي للنازحين". وفي هذا الصدد قالت مرتضى: "مع ذلك كثيرون صدقوها، لكن كشفها كان سهلا ومحسوما بأنها مصنَّعة بالذكاء الاصطناعي".

وأدى تطور أدوات الذكاء الاصطناعي المخصصة لإنتاج الصور والفيديوهات، إلى جعلها أقرب في كل مرة من الحقيقة، وصعّب من عملية كشفها أو تبيان مصدرها، إذا ما كان بشرياً أو عبر الذكاء الاصطناعي، وهو ما بات مشكلة حقيقية يعاني منها مدققو المعلومات، بحسب ما يؤكد حدشيتي في حديثه لموقع "الحرة".  

يأتي ذلك في وقت يفتقد مدققو المعلومات، لاسيما في الدول العربية، إلى البرامج والأدوات التي يمكن استخدامها عبر الإنترنت للتبين من حقيقة الصور المنتشرة ومصدرها، خاصة بعدما باتت الأدوات التقليدية المستخدمة في عمليات التدقيق والتحقق غير نافعة أمام المحتوى الذي يولده الذكاء الاصطناعي. 

في هذا السياق يشرح حدشيتي، أن "الصور المزيفة المنتجة عبر أدوات الذكاء الاصطناعي، على سبيل المثال، تعتبر جديدة، فلا بصمة إلكترونية سابقة لها يعتمد عليها للكشف عن تاريخها وسياقها ومصدرها، كما كان الحال مع الأساليب التقليدية للأخبار المزيفة التي تستخدم الصور القديمة في غير سياقاتها أو يجري التعديل عليها". 

ويضيف أنه "في السابق عادة ما كان يتم التحقق من الصور عبر خدمات تقدمها محركات البحث مثل غوغل.. أما اليوم فأصبح الأمر معضلة تمنع التحقق التام والأكيد من الصور المولدة بالذكاء الاصطناعي". 

ويواجه المدققون حالة من التخبط في الاعتماد الموثوق على التقنيات والمعايير المستخدمة والمتوفرة حاليا لكشف التزييف، مما يزيد من مسؤولياتهم وحجم عملهم وصعوبة مهمتهم، خاصة أن تقنيات التزييف المعتمدة تتجه لتكون "أكثر إقناعا يوما بعد يوم"، وفقا لحدشيتي.  

وسبق لدراسة أجراها معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، أن أظهرت أن "الأخبار الزائفة تنتشر بمعدل 6 مرات أسرع من القصص الحقيقية، إذ ترتفع احتمالية إعادة تداول الأخبار غير الحقيقية بنسبة تزيد عن 70 في المئة". 

صورة للوغو تطبيق شات جي بي تي
تشويه سمعة ومعلومات مغلوطة.. هل يتحول الذكاء الاصطناعي لمصنع شائعات؟
بداية من اتهامات ملفقة بالتحرش، مرورا بتشويه سمعة بعض الناس، ختاما بتزييف حقائق ووقائع تاريخية، شهدت الفترة الماضية عدة وقائع كان بطلها الجانب المظلم من برامج الذكاء الاصطناعي، بينما يتوقع خبراء تحدث معهم موقع "الحرة" إمكانية تحول تلك التطبيقات إلى ساحة مستقبلية لنشر الشائعات والأكاذيب.

منظومة متكاملة.. تصعُب مجاراتها 

وفي ظل التدفق الهائل للأخبار والمعلومات الزائفة في سياق الحرب، باتت عملية التحقق والتدقيق اليدوية أو البشرية خصوصاً معوّقة بصورة كبيرة، ولا تتناسب مع حجم المواد المنتشرة.

فمهما بلغ حجم التدقيق والمدققين والعاملين في هذا المجال، لا يزال الذكاء الاصطناعي، وفق حدشيتي، قادراً على الإنتاج بغزارة تفوق القدرات البشرية على التدقيق.  

ويزداد الأمر صعوبة نتيجة عدم اقتصار دور الذكاء الاصطناعي على توليد المحتوى، بل يمتد إلى ترويجه ونشره على نطاق واسع وبشكل تلقائي على مواقع التواصل، عبر أدوت أخرى (بوتات) تشكل بدورها أداة من أدوات الذكاء الاصطناعي.  

وبذلك يكون الذكاء الاصطناعي اليوم قادراً على إنتاج قصة مكتوبة، مع صور ومقاطع مناسبة ومرتبطة تعزز الثقة بالقصة، ثم يتولى نشرها والترويج لها، مما يحوله بحسب حدشيتي إلى "منظومة إعلامية كاملة وقائمة بحد ذاتها، يمكن أن تشن حملة تزييف وتضليل بمجرد تلقيها طلباً بذلك، وبالتالي تصبح عملية التزييف آلية بصورة كاملة". 

وبالنسبة للمتابع العادي، فإنه من الصعب عليه أن يتأكد من الأخبار المزيفة بواسطة الذكاء الاصطناعي، لاسيما مع عدم توفر الثقافة الكافية والوعي الإعلامي والتقني لدى شريحة واسعة من الجمهور للتعامل مع ذلك المحتوى، مما يعرضهم بصورة أوسع للانخداع والتضليل.  

ورغم تواجد العديد من المواقع التي توفر أدوات التأكد من مصدر الصور وإذا ما كانت مولدة بالذكاء الاصطناعي من عدمه، إلا أن ضعف تلك التقنيات يجعل من الصعب الاعتماد عليها أو نصح الناس باللجوء إليها كمصدر حاسم، بحسب حدشيتي، الذي يؤكد أنه ما عادت هناك نصائح محددة يمكن تقديمها للمتابعين كثوابت وخطوات للتحقق الأكيد.  

بدورها، تلفت مرتضى إلى أن "عدم معرفة الناس، وكذلك الصحفيين ومدققي المعلومات، بكيفية عمل الذكاء الاصطناعي الذي يعتبر مجالاً حديثاً وواسعاً، مما يزيد بصورة كبيرة من خطورة هذا الواقع".  

ورغم كل التقدم التقني الذي تحققه أدوات الذكاء الاصطناعي، يلفت حدشيتي إلى أن استخدام التزييف العميق "لا يزال أقل من غيره من الأساليب ومحصور بحالات محددة، كشفها متاح وسهل نسبيا".

ويتابع: "لكن نستطيع التأكيد أننا مقبلون على مرحلة يكون فيها الأمر منتشراً على نطاق أوسع وبالسهولة نفسها للتزييف الذي نراه اليوم، فيما سيزداد كشفه صعوبة وتحديا".  

ولا يزال المنطق البشري "المعيار الأجدى"، بحسب مدققي المعلومات، للتعرف على الصور والمقاطع المزيفة، والتي تقوم على دراسة المحتوى ومراقبته بدقة لكشف السقطات التي لا يزال الذكاء الاصطناعي يقع بها خلال عملية توليد المحتوى، كالتشوهات غير المنطقية في الصور، وتبدد الملامح البشرية، وعدم تناسق الظلال مع مصدر الضوء، ودمج الأجسام والخلفيات والكتابات الظاهرة في الصور.  

إلا أن التحدي يبقى في القدرة على المجاراة، حيث إن إنتاج المادة المزيفة قد يتطلب ثوان معدودة من الذكاء الاصطناعي، في حين أن التأكد منها بشرياً يستغرق وقتا أطول بكثير لكشفها والتحقق منها بصورة حاسمة.  

الضوابط الأخلاقية.. أساس الحل 

على الرغم من حجم المأساة الكبيرة في غزة، والتي ينتج عنها الكثير من المحتوى المؤلم والصادم من صور ومشاهد مروعة بما فيه الكفاية، لا يزال الذكاء الاصطناعي يستخدم بصورة أساسية في إنتاج محتوى يتمحور حول هذه المأساة، ويسعى لإظهارها بصورة أكثر إيلاماً.

وتعتبر مديرة مشروع "الشبكة العربية لمدققي المعلومات"، أن هذا يحدث "لمحاولة إثارة عواطف الناس بصورة أكبر، وزيادة المشاعر الإنسانية السلبية، أو من أجل تصيّد المتابعات والمشاهدات".

وتستطرد: "أو يتم ذلك من خلال المؤسسات الحكومية والعسكرية التي تبث حملات تضليلية ممنهجة، وغالباً ما ينساق الناس بإعادة نشر وترويج هذا المحتوى على سبيل التعاطف أو قلة الدراية".  

وإذ تشدد مرتضى على أنه ما من شيء يمنع أي شخص حول العالم من استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي وإنشاء الصور والفيديوهات بحرية تامة، فإنها تلفت إلى "ضرورة انتهاج الشفافية تجاه هذا المحتوى، من خلال توضيح مصدره عند النشر، وأنه عبارة عن محتوى تعبيري وليس أصليا، منتج عبر أدوات الذكاء الاصطناعي".  

"هذه الشفافية ليست متوفرة اليوم في خضم الحرب الجارية"، بحسب ما تؤكد مرتضى، التي "تأسف لانعدام الشفافية لدى كثير من المؤثرين والصحفيين والمؤسسات الإعلامية".  

ولا يزال التعامل مع الذكاء الاصطناعي من قبل الأفراد والمؤسسات على حد سواء، في مرحلة الاستكشاف، فبحسب الخبيرة في تدقيق المعلومات "حتى المؤسسات الصحفية الكبرى مثل أسوشيتد برس ونيويورك تايمز وواشنطن بوست، ما زالت تقول إنها في مرحلة اختبار واستكشاف لهذه الأدوات، لتحديد ما هو المفيد منها وما هو غير مفيد، وهذه نقطة أساسية جداً."  

إلا أن المزيد من التعمق في هذا المجال، يثبت، بالنسبة لمرتضى، أن الحاجة الأساسية "تكمن في تحديد المعايير الأخلاقية في التعامل مع هذه الأدوات، خاصة في السياق الإعلامي".

وتضيف: "مستوى الضرر الذي يمكن أن يتسبب به الذكاء الاصطناعي كبير جداً، إن كان على صعيد التحيز أو نشر المعلومات الخاطئة أو على صعيد خصوصية البيانات والشفافية ومدى ثقة الجمهور بالإعلام في المستقبل، بسبب استخدام الذكاء الاصطناعي".  

وتتابع: "وعليه يتوجب على أية مؤسسة إعلامية تستخدم الذكاء الاصطناعي في إنتاج المحتوى، أن تكون قد وضعت قواعد ومعايير أخلاقية واضحة.. ما المسموح وما الممنوع وما شروط الاستخدام".

وبحسب مرتضى، فإن "هناك مؤسسات بنت هذه القواعد، لكن للأسف هذا الأمر غير معمول به في أغلب وسائل الإعلام العربية، مما يجعل استخدام الذكاء الاصطناعي عشوائي جدا وغير خاضع لأي معيار أخلاقي، وهو سبب رئيسي بما نشهده اليوم".

أداة مكافحة 

وكانت شركات التكنولوجيا قد عقدت آمال عريضة على إمكانية مواجهة الأخبار الزائفة باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، خاصة بعد الانتخابات الأميركية عام 2016، حيث أعلنت شركات مثل غوغل وفيسبوك وتويتر (في حينها) عن اتخاذ إجراءات لمكافحة انتشار الأخبار الزائفة، وإطلاق برامج وأدوات مشغلة عبر الذكاء الاصطناعي من أجل الحد منها.  

آمال لا تزال معقودة بالدرجة نفسها حتى اليوم على الذكاء الاصطناعي، لكي يكون تقنية مفيدة في مكافحة التضليل والتزييف، وهذا ما تؤكد عليه مرتضى، أن "جانباً إيجابياً للذكاء الاصطناعي يمكن أن يتم استثماره إذا تم تطوير أدوات فعالة للتحقق، وهو الأمر الذي لا يزال يحتاج إلى وقت حتى يصبح صالحاً للاعتماد عليه".  

و"في ظل غياب شبه تام للأدوات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي الداعمة للغة العربية، بما يشكل نقطة ضعف في رصد وتدقيق المحتوى العربي المزيف والمضلل، تعمل الشبكة العربية لمدققي المعلومات، على تطوير بعض الأدوات من ناحية، وتعريب أدوات أخرى من ناحية ثانية (أداة "فول فاكت") بشكل كامل، وتقديمها لمؤسسات التدقيق في الدول العربية، مما سيسهل التدقيق، وسيجعل نحو 50 في المئة من العمل يتم بصورة آلية بدلاً من الآلية اليدوية، مما سيوفر وقتاً كبيراً خاصة في فترة الأزمات"، وفق مرتضى.  

يذكر أن خبراء سبق أن أكدوا في تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي يمكن أن تجعل إنتاج "المعلومات المضللة أرخص وأسهل"، خاصة للمتخصصين في نشر "نظريات المؤامرة". 

جائحة معلومات مضللة انتشرت مع جائحة كورونا. أرشيفية - تعبيرية
سلاح ذو حدين.. مخاوف من "جائحة الأخبار الزائفة" مع تطور الذكاء الاصطناعي
تحتفى منظمة الصحة العالمية الجمعة باليوم العالمي للصحة والذي يصادف أيضا مرور 75 عاما على تأسيسها، وبعد أن تعاملت المنظمة مع تحديات كبيرة في ظل جائحة كورونا خلال العامين الماضيين، إلا أنها الآن أمام جائحة من نوع آخر ترتبط في "المعلومات الخاطئة".

وتنقسم الأخبار الزائفة إلى نوعان، الأول يسمى "معلومات مضللة" ( Disinformation)، وهي إنشاء أو مشاركة معلومات خاطئة بشكل متعمد من أجل التضليل، والثاني "معلومات خاطئة" ( Misinformation) والتي تنطوي على مشاركة معلومات أو تقارير من دون معرفة أنها خاطئة. 

وأيّد هذه المخاوف ما أعرب عنه باحثون من شركة "أوبن أيه أي" التي طورت "تشات جي بي تي"، إذ عبروا في ورقة بحثية صدرت عام 2019، عن قلقهم من "قدرات هذه التطبيقات على خفض تكاليف حملات التضليل.. والتي قد تستخدم لتحقيق مكاسب مالية أو للوصول إلى أجندة سياسية معينة، أو الرغبة في خلق الفوضى والارتباك". 

وأكد الخبراء للصحيفة، أن روبوتات الدردشة قد "تشارك نظريات المؤامرة بطريقة أكثر مصداقية وإقناعا، بتقليل الأخطاء البنيوية أو الترجمات الخاطئة"، مشيرين إلى أنه لا يوجد "تكتيكات متاحة لرصدها بشكل فعال".

وخلصوا إلى أنه "لا توجد آلية واضحة من شأنها إلغاء التهديدات التي أوجدتها" روبوتات الذكاء الاصطناعي التوليدي.