قاعدة رفح اللوجستية، عند معبر رفح، تؤوي أكثر من 8000 شخص، يتشارك كل 400 شخص منهم مرحاضا واحدا فقط. فماذا سيحدث لو تحركت الدبابات الإسرائيلية من شمال قطاع غزة إلى جنوبه؟
وخلال الأيام السبعة الماضية، نجح الوسطاء، قبل ساعات من انتهاء الهدن، في تمديدها ليوم آخر، في محاولة لتأخير هجوم جوي وبري إسرائيلي على جنوب قطاع غزة الذي بات مكتظا بنازحين من مناطق الشمال، وسط تأكيد إسرائيلي أن غزو الجنوب "أمر لا مفر منه".
واليوم الجمعة، فشلت جهود الوسطاء في التوصل لتمديد جديد، لتستأنف المعارك، حيث شنت الطائرات الحربية الإسرائيلية قصفا على قطاع غزة، وفي المقابل دوت صفارات الإنذار في جنوب إسرائيل.
ويثير وجود ما يقرب من مليوني مدني من النازحين في ملاجئ مكتظة معظمهم في الجنوب، مخاوف من أن يسبب شن هجوم عسكري إسرائيلي واسع على جنوب قطاع غزة كارثة إنسانية جديدة خلال فصل الشتاء البارد الممطر.
وتصر إسرائيل على ضرورة التوغل جنوبا، لاعتقاد أجهزتها الاستخبارية بأن قدرات حماس القتالية وأنفاقها لا تزال سليمة هناك، وأن القادة البارزين يختبؤون في الجنوب.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، لقواته في إحدى زياراته لجبهة القتال: "لا يوجد مكان في غزة لن نصل إليه".
ومن جانبها، تخشى مصر أن يمتد القتال إلى حدودها، حيث حذرت مرارا من أنها لا تريد أعدادا كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين في أراضيها، وحذرت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، من أنه لا ينبغي طرد الفلسطينيين من غزة.
ومساء الخميس، شارك وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، في اجتماع مجلس الوزراء الحربي بإسرائيل "كابينيت"، مؤكدا موقف الإدارة الأميركية بأن العملية البرية المتوقعة للجيش الإسرائيلي في جنوب قطاع غزة يجب أن تتم بطريقة "لا تتسبب في نزوح جماعي للسكان".
ماذا تقول المعطيات السكانية قبل الحرب؟
وفق حسابات الكثافة السكانية فإن كل 6102 من مواطني قطاع غزة يتشاركون مساحة كليو متر مربع فقط. هذه النتيجة جعلته البقعة الأكثر كثافة على مستوى العالم.
ويتوزع سكان قطاع غزة على خمس محافظات إدارية، حيث يسكن 444 ألف نسمة في محافظة شمال غزة، و749 ألف نسمة في محافظة غزة، و319 ألف نسمة في محافظة دير البلح، و438 ألف نسمة في محافظة خان يونس، و275 ألف نسمة يسكنون محافظة رفح، بمجموع عدد سكان يبلغ 2.23 مليون نسمة، يعيشون على مساحة 365 كيلومترمربع.
وبمقارنة كثافة قطاع غزة السكانية بالحال في الضفة الغربية، التي تبلغ مساحتها 5660 كيلومترا مربع، ويسكنها 3.25 مليون نسمة، ستكون غزة أعلى بنحو 10 أضعاف، فلكل 575 مواطن في الضفة الغربية مساحة كيلومتر مربع.
ومتوسط كثافة السكن على مستوى قطاع غزة بلغ 1.7 فردا لكل غرفة، وبحسابات بسيطة، فإن المتوسط الطبيعي أن يتشارك شخصان في غرفة واحدة.
لكن 9 بالمئة من إجمالي الأسر في قطاع غزة، تسكن في وحدات سكنية ذات كثافة سكنية عالية، والتي تعني أن 3 أفراد فأكثر مضطرون للعيش في غرفة واحدة.
والتصميم العام لمنازل المواطنين في قطاع غزة يشير إلى أن متوسط عدد الغرف في المسكن الواحد يبلغ 3.5 غرفة. ومتوسط مساحة الوحدة السكنية يبلغ نحو 170 مترا مربعا.
ومتوسط حجم الأسرة الفلسطينية في قطاع غزة يبلغ 5.5 فردا، عام 2022، انخفاضا من 6.5 فرادا، عام 2007.
في المجمل، فإن منزلا واحدا في قطاع غزة، بمتوسط مساحة 170 مترا، مكون من 3 غرف، يعني أن شخصين في الأسرة على الأقل سيتشاركان غرفة واحدة، وبعض الغرف قد تأوي 3 أشخاص فأكثر.
ماذا عن حسابات الحرب؟
نحو 80 بالمئة من سكان قطاع غزة باتوا بلا مأوى، فبعد السابع من أكتوبر، تغيرت كل الأرقام والعمليات الحسابية السكانية هناك، فأصبحت أكثر تعقيدا، لأن نحو 1.8 مليون شخص نزحوا فعليا من شمالي القطاع إلى جنوبه، وفقا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا).
تقول معلومات الأونروا إنه بحلول 29 نوفمبر، كان ما يقرب من 1.1 مليون نازح يقيمون في 156 منشأة تابعة للأونروا في جميع المحافظات الخمس في قطاع غزة، بما في ذلك الشمال ومدينة غزة، وهذه الأرقام تتغير مع كل تطور عسكري في القطاع.
وكان ما يقرب من 958 ألف نازح يقيمون في 99 منشأة في المناطق الوسطى وخانيونس ورفح، وفق الأونروا.
النزوح من الشمال إلى الجنوب يعني ترك المنازل التي دمر نحو 56 بالمئة منها، وفقدان المقتنيات والأمتعة، والسير في ظروف صعبة وخطرة بحثا عن الأمان في الجنوب.
والأهم بالنسبة للنازحين هو البحث عن المأوى، الذي قد يكون مدرسة ترفع علم الأونروا، أو مستشفى يتوقع المدنيون أنه لن يقصف، أو بيوتا تستأجرها القلة المقتدرة، أو منازل ضيقة ومكتظة تعيشها فيها أسر وجدت نفسها تستقبل الأقارب ليشاركوهم غرفا ضيقة.
وبينما لا تزال الهدنة لتبادل الرهائن والأسرى بين إسرائيل وحماس قائمة، فإن استئناف الهجوم الإسرائيلي المتوقع في الجنوب، قد يجبر مئات الآلاف الذين فروا من مدينة غزة على النزوح مرة أخرى، إلى جانب سكان خان يونس، المدينة التي يسكنها أكثر من 438 ألف نسمة، مما يفاقم الأزمة الإنسانية.
وتقع مدينة خانيونس في النصف الجنوبي من قطاع غزة، وقد لجأ عشرات آلاف النازحين من الشمال إلى المدارس والخيام، مما تسبب في اكتظاظ شديد وسط نقص في الغذاء والماء.
أصبحت منطقة مستشفى ناصر في مخيم خان يونس نقطة محورية، حيث تضم مدارس ومرافق تديرها وكالة الأونروا، ويقصدها الهاربون من القصف العنيف.
بنيت هذه المؤسسات في الأساس للأغراض التعليمية، أعيد توظيفها كملاجئ منذ بدء الحرب، لكنها تفتقر لأدنى مقومات السكن أو الأمان.
وقد أدى ارتفاع أعداد النازحين الباحثين عن الأمان إلى اكتظاظ هذه المرافق التي تحولت في كثير من الأحيان إلى بؤر خطرة صحيا.
ويجد النازحون الجدد من المناطق الشمالية والمناطق الأخرى المتضررة من النزاع، ملاذا في مخيمات مؤقتة تقع حول المستشفيات والمدارس في الجنوب.
لكن المشكلة أن مدارس الأمم المتحدة والأونروا والملاجئ الحكومية غير كافية لاستيعاب 234 ألف نازح داخليا، سجلهم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، في خان يونس فقط. ويقيم العديد منهم في مخيمات مؤقتة.
وتستوعب ملاجئ الأمم المتحدة عددا أكبر بكثير من الأشخاص مما يفوق طاقتها الاستيعابية، وهي غير قادرة على استيعاب الوافدين الجدد.
ويساهم الاكتظاظ في انتشار الأمراض، بما في ذلك أمراض الجهاز التنفسي الحادة والإسهال، مما يثير مخاوف بيئية وصحية.
وفي المتوسط، يتقاسم 160 شخصا يقيمون في مدارس الأونروا في جنوبي قطاع غزة مرحاضا واحدا.
وفي قاعدة رفح اللوجستية، عند معبر رفح، حيث لجأ أكثر من 8000 شخص إلى المأوى، يتشارك 400 شخص في مرحاض واحد، وهو أمر وصفه المسؤولون الأمميون بالكارثي.
ومع تكدس غالبية سكان غزة في الملاجئ العامة أو المنازل الخاصة، ومع تمركز مقاتلي حماس في الأحياء السكنية المكتظة، فمن المرجح أن يؤدي القتال العنيف في شوارع جنوبي غزة إلى سقوط عدد كبير من الضحايا بين المدنيين.
المواصي لا تصلح
ويطلب الجيش الإسرائيلي من المدنيين التحرك إلى "المنطقة الإنسانية المقترحة"، وهي المواصي، لكنها صغيرة نسبيا وينقصها البنية التحتية كي تكون صالحة لسكن مئات آلاف النازحين.
في المواصي، إذا نصبت الخيام للنازحين، فلن تكون مأوى آمنا لهم خلال أشهر الشتاء الممطرة والباردة، خاصة عندما تنخفض درجات الحرارة إلى مستوى التجمد.
وبينما يترقب العالم بقلق عميق ما سيجري في الأيام المقبلة، فإن التوقعات داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية تشير إلى أن العملية العسكرية في الجنوب قد تستغرق شهرين أو ثلاثة أخرى لإكمال الهجوم.
واندلعت الحرب بين إسرائيل وحماس بعد هجوم مباغت شنته الحركة على مواقع عسكرية ومناطق سكنية محاذية لقطاع غزة، أدى إلى مقتل 1200 شخص، معظمهم مدنيون وبينهم نساء وأطفال، وتم اختطاف 239 شخصا، وفق السلطات الإسرائيلية.
وردت إسرائيل بقصف جوي وبحري وبري مكثف على القطاع المحاصر، أتبعته بعملية برية، وبلغت حصيلة القتلى في غزة 14854 شخصا، بينهم 6150 طفلا وأكثر من 4 آلاف امرأة، فضلا عن إصابة نحو 36 ألف شخص، فيما بلغ عدد المفقودين قرابة 7 آلاف مفقود، بحسب ما ذكرته السلطات التابعة لحماس قبل انتهاء الهدنة.