أشار خبراء إلى أن عدم انفجار عدد كبير من القنابل في غزة، بغض النظر إن كانت لحماس أو إسرائيل، سيشكل تهديدا كبيرا لحياة سكان القطاع لفترة طويلة حتى بعد انتهاء الحرب.
ونقلت صحيفة "واشنطن بوست" عن الخبير، تشارلز بيرش، قوله "زيادة عن التلوث الذي ستخلفه الحرب، ستكون هناك مئات إن لم يكن الآلاف من الذخائر غير المنفجرة".
وأضاف أن هناك الكثير من الصواريخ بدائية الصنع لحماس لم تنفجر إضافة إلى الذخائر عالية التقنية التي قدمتها الولايات المتحدة لإسرائيل.
وبيرش خبير في إزالة المتفجرات لدى دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام (UNMAS)، وكان في غزة في ذروة حملة القصف.
وقدر بيرش أن الأمر سيكلف عشرات الملايين من الدولارات وسيستغرق سنوات عديدة لجعل المنطقة بأكملها آمنة.
وشردت الحرب ما يقدر بنحو 80% من سكان غزة، إلى جانب 3% من سكان القطاع الذين قتلوا أو أصيبوا.
وكان غالبية الضحايا من النساء والأطفال، بحسب وزارة الصحة في غزة.
وبحسب الصحيفة، ستكون عملية عكس هذا النزوح "مهمة ضخمة" حيث تمت تسوية المباني بالأرض، وتم تدمير البنية التحتية، بما في ذلك مجاري مياه الصرف الصحي.
"والعديد من الأسلحة التي يقول المحللون إنها استخدمت في غزة، بما في ذلك الفسفور الأبيض الحارق المثير للجدل، يمكن أن تتسرب إلى إمدادات المياه" وفق تقرير "واشنطن بوست".
وتقول إسرائيل إنها تهدف إلى تدمير حركة حماس بالكامل، ولا يزال السؤال حول من سيكون لديه السلطة أو الموارد لإعادة بناء القطاع المدمر اقتصاديا دون إجابة.
وقد تكون الذخائر غير المنفجرة هي التهديد الأكثر إلحاحا على السكان بعد الحرب وفق ذات التقرير.
وحتى في أوقات السلام النسبي في غزة، فإن القنابل المتبقية من جولات القتال السابقة تقتل وتشوه بانتظام السكان، وستصبح هذه المشكلة الآن أسوأ.
إرث ثقيل
تشكل الذخائر غير المنفجرة إرثا ثقيلا للحرب، حيث تشكل مخاطر على المدنيين لأجيال عديدة.
وبعض تلك المتفجرات -مثل الألغام المنتشرة في أنحاء أوكرانيا بعد الغزو الروسي-، من المفترض أن تظل خاملة، لكن بعضها الآخر قد لا يكون كذلك، ونفس الأمر ينطبق على غزة.
وغالبا ما تبدو الأسلحة المتفجرة الصغيرة مثل الألعاب للأطفال، ما قد يجعل حياة أطفال غزة الذين نجوا من الحرب في خطر حتى بعد انتهائها.
كما يمكن أن تنفجر قنبلة مدفونة على عمق كبير تحت الأرض عن غير قصد أثناء جهود إعادة الإعمار، ما يؤدي إلى حدوث وفيات حتى بعد فترة طويلة من انتهاء الصراع.
وتقول دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام، وخبراء، إنه بشكل عام، واحدة من كل 10 ذخائر لا تنفجر، على الرغم من أن الرقم يختلف بشكل كبير حسب نوع السلاح، لكن هذا يشير إلى أن عددا كبيرا منها لا ينفجر في حينه.
في الصدد، قال جيمس كوان، الذي يقود منظمة HALO Trust، وهي منظمة غير ربحية تعمل على إزالة الألغام "هناك معدلات كبيرة لفشل انفجار بعض الذخائر، خصوصا بالمناطق الحضرية لأن الكثير من أنواع الذخيرة ستهبط بسلاسة من خلال السقف أولا، ثم من خلال عدة طوابق لتستقر في مكان ما بهدوء".
والوضع في غزة يشبه إلى حد ما الوضع في مدينة الموصل العراقية، في أعقاب معركة تحريرها من تنظيم "داعش" في عام 2017.
وفي عام 2021، قالت دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام إنها قامت بإزالة أكثر من 1200 ذخيرة من تلكيف، وهي منطقة تقع شمال الموصل.
لكن غزة قد تمثل مشكلة أكثر تعقيدا وفق الصحيفة الأميركية.
وقال سايمون إلمونت، خبير إزالة الألغام في منظمة "الإنسانية والشمول" غير الربحية والذي عمل في الموصل ومدن أخرى تمت استعادتها من تنظيم "داعش"، إن هناك في كثير من الأحيان منطقة لم تمس نسبيا حيث يمكن للمدنيين أن يعيشوا بينما يعمل خبراء الذخائر في أماكن أخرى.
من ناحية أخرى، ستكون مدينة غزة "غير صالحة للسكن إلى حد كبير بينما تستمر عمليات التطهير"، يؤكد إلمونت.
ورأى هذا الخبير أن المباني المتهالكة في المدينة والأزقة الضيقة "والأنفاق تحت الأرض التي من المحتمل أن تخفي مصانع صواريخ حماس سوف تحتاج إلى عملية شاقة لتطهيرها" وفق قوله.
وقال غاري تومبس، خبير إزالة الألغام السابق في الجيش البريطاني الذي يعمل مع منظمة Humanity & Inclusion "عليك أن تنظر إلى الأمر بشكل ثلاثي الأبعاد، بما في ذلك ما هو موجود تحت الأنقاض".
"ليس لدينا أي فكرة عما يوجد هناك"
العديد من الأسلحة التي يُعتقد أنها استخدمت في غزة مصممة بحيث لا تنفجر عند ملامستها، ولكن بها فتيل مؤجل يسمح لها بالانفجار تحت الأرض أو داخل المباني "لذلك قد يكون من الصعب تحديد موقع هذه الذخائر ".
ويعتقد أن الصواريخ التي تستخدمها حماس والجماعات المسلحة الأخرى، وبعضها موجه إلى إسرائيل والتي تسقط في غزة، لديها معدل فشل مرتفع.
في الجانب الآخر، لفت التقير إلى أن إسرائيل أيضا لم تنشر أرقاما دقيقة بشأن الذخائر التي استخدمتها.
وفي بداية نوفمبر، قال وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، إن إسرائيل أسقطت 10 آلاف قنبلة على مدينة غزة، وهو رقم لا يمكن التحقق منه بشكل مستقل.
ويقول خبراء إن تدمير البنية التحتية الثقيلة يشير إلى استخدام قنابل كبيرة مثل قنبلة مارك 84 التي يبلغ وزنها 2000 رطل، وهي "قنبلة غبية" غير موجهة، تم تحديثها باستخدام نظام JDAM الذي قدمته الولايات المتحدة لتصبح سلاحًا دقيقًا.
وانتقد مشرعون أميركيون إدارة الرئيس، جو بايدن "لافتقارها إلى الشفافية بشأن عدد الأسلحة التي أرسلتها إلى إسرائيل، على عكس المساعدات العسكرية المرسلة إلى أوكرانيا" وفق التقرير.
وقال بيرش من دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام: "ليس لدينا أي فكرة عما يوجد هناك".
ولم يتم توثيق استخدام إسرائيل للذخائر العنقودية، التي تثير مخاوف متزايدة بشأن التأثير العشوائي وارتفاع معدلات الفشل، في الصراع الدائر، رغم أنها فعلت ذلك في الماضي.
وفي حين أن خبراء إزالة الألغام لديهم بعض المعرفة بصواريخ JDAM الأميركية الصنع أو قذائف المدفعية المتفجرة، على سبيل المثال، إلا أن معظمهم عملوا بشكل نادر مع الأسلحة المنتجة في إسرائيل مثل سلسلة صواريخ سبايك.
قال ديفيد ويلي، خبير إزالة الألغام في المجموعة الاستشارية للألغام "يمكن أن يكون نوع الصمامات في هذه العناصر معقدًا للغاية".
ونادرا ما يساعد المصنعون خبراء إزالة الألغام، وغالبا ما تكون تقنيات نزع فتيل الألغام التي تستخدمها الجيوش سرية.
إلى ذلك، يعد تطهير غزة من المتفجرات معقدا بسبب الضوابط الحدودية الصارمة.