في عام 2015 اشكتى مزارعون مصريون من تلف محاصيلهم بعد أن لجأت سلطات البلاد إلى ستخدام مياه البحر لإغراق الأنفاق التي يديرها مهربون تحت معبر رفح الحدودي مع غزة، وفق صحيفة وال ستريت جورنال.
هذه الواقعة تعود للأذهان بالتزامن مع تقارير تفيد ببدء إسرائيل تطبيق خطة إغراق أنفاق حركة حماس بمياه البحر في قطاع غزة، ضمن خطط الحرب التي يشنها الجيش الإسرائيلي لتدمير القدرات العسكرية للحركة.
ونقلت وول ستريت جورنال، الثلاثاء، عن مسؤولين أميركيين لم تذكر أسماءهم، أن الجيش الإسرائيلي بدأ ضخ مياه البحر في مجمع أنفاق حركة حماس في غزة، وأضافت أن العملية ستستغرق على الأرجح أسابيع.
وأوضحت الصحيفة أن بعض مسؤولي إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، يقولون إن العملية قد تساعد في تدمير الأنفاق التي تعتقد إسرائيل أن الحركة المسلحة تخفي رهائن ومقاتلين وذخائر بداخلها.
لكن مسؤولين آخرين أبدوا مخاوفهم من أن مياه البحر قد تعرض إمدادات المياه العذبة في غزة للخطر، وفق الصحيفة.
وقد استخدمت مصر، خلال العقد الماضي، هذه التكتيكات عدة مرات لتدمير الأنفاق التي تعبر من غزة إلى شبه جزيرة سيناء، والتي تستخدم في المقام الأول للتهريب.
وباستخدام مضخات مياه البحر، غمرت مصر العديد من شبكات أنفاق غزة في عامي 2013 و2015، لكن الآثار البيئة كانت ضارة على مياه الشرب ومحاصيل الزراعة.
وكانت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، ذكرت بأن خبراء بيئيين حذروا الجيش الإسرائيلي من إغراق أنفاق غزة بمياه البحر "بسبب آثار بيئية سلبية خطيرة ستمتد لأجيال".
ومصدر مياه الشرب يأتي من الآبار التي تمتلئ من مياه الأمطار التي تنتقل إلى مناطق التخزين الجوفية، أو طبقات المياه الجوفية. ويتم ضخها لهذه الآبار لتوفير المياه للسكان.
ويعيش في قطاع غزة أكثر من مليوني شخص، وهي بقعة من أكثر الأماكن كثافة سكانية على وجه الأرض. وتأتي معظم مصادر المياه العذبة في القطاع من المياه الجوفية الضحلة.
وفي السنوات الأخيرة، انخفضت مستويات المياه الجوفية إلى حد كبير، مما أدى إلى دخول مياه البحر إلى طبقة المياه الجوفية واختلطت مع بعض من المياه العذبة المتبقية، لدرجة أن 97 بالمئة من المياه العذبة في غزة لم تعد تلبي معايير جودة المياه التي حددتها منظمة الصحة العالمية، بحسب الصحيفة.
وحتى قبل الحرب، كان معظم سكان غزة يعتمدون على صهاريج المياه الخاصة وعلى إنتاج محطات تحلية المياه الصغيرة للحصول على مياه الشرب.
في أعقاب هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر، أغلقت إسرائيل ثلاثة خطوط أنابيب تحمل مياه الشرب إلى القطاع. وتحت ضغط أميركي، أعادت فتح اثنتين منها.
ومع ذلك، لا يزال سكان غزة يعانون من نقص شديد في المياه النظيفة.
ونقلت الصحيفة عن الخبير معهد زوكربيرغ لأبحاث المياه في جامعة بن غوريون، في إسرائيل، إيلون أدار، أنه إذا تم ضخ عدة ملايين من الأمتار المكعبة في الأنفاق وتسربت إلى طبقة المياه الجوفية، فإن "التأثير السلبي على نوعية المياه الجوفية سيستمر لعدة أجيال، اعتمادا على الكمية التي تتسرب إلى باطن الأرض"، مشيرا إلى أن إسرائيل لن تتأثر، لأن المياه الجوفية الساحلية تتدفق من إسرائيل إلى غزة وليس العكس.
وأضاف قوله: "كمواطن إسرائيلي، على الرغم من الكارثة التي مررنا بها في السابع من أكتوبر، ما زلت أعتقد أنه على المدى الطويل، وبما أننا نفكر في المستقبل، سيكون من غير الصحيح سياسيا وأخلاقيا أن يكون لدينا جار عطشان".
وقالت رئيسة برنامج الهندسة البيئية في جامعة تل أبيب، هداس ماماني، إنه يجب أخذ التأثيرات البيئية لجميع خيارات تدمير الأنفاق بعين الاعتبار، واختبار آثارها على الهواء والماء والتربة والهيدرولوجيا والبيئة مقدما".
ويقول ضابط المخابرات الإسرائيلي السابق والخبير الأمني الاستراتيجي، آفي ميلاميد، لموقع "الحرة" أن "تطبيق فكرة إغراق الأنفاق أمر ممكن إذا استنزف الجيش الخيارات والبدائل الأخرى".
وأكد ميلاميد أن "الجيش الإسرائيلي لديه بالفعل علم من أن هناك مخاوف من أن يكون لهذه الخطوة تاثيرات سلبية لجودة المياه الجوفية والبيئة، هذا الموضوع معلوم لدى السلطات".
وأضاف أن "القرار الذي سيتخذ سيكون بناء على ما هو أفضل نفعا وأقل ضررا بما يتعلق بالبيئة والمنطقة".
في المقابل، يعبر ضابط المخابرات المصرية السابق والخبير الاستراتيجي، محمد عبد الواحد، في حديث لموقع "الحرة" عن "اندهاشه" من "أن إسرائيل لديها تخوفات بيئية".
وقال: "إسرائيل بالفعل تلقي على المدنيين قنابل فسفورية ستظل موجودة لأشهر طويلة جدا، فالفسفور يحترق كلما يجد الأكسجين، ويؤدي إلى تشوهات في الأطفال، كما أنها تستخدم أسلحة محرمة دولية، ما أدى إلى ظهور أمراض يعجز الأطباء عن تفسيرها وعلاجها، فضلا عن حجم القنابل والمتفجرات والألغام التي لم تنفجر بعد، والجثث المتناثرة في الشوارع التي تتحلل من العفونة وتنشر البكتيريا. ألا يؤثر كل هذا على البيئة".
لكن الجيش الإسرائيلي نفى استخدام الفسفور الأبيض في حربه بغزة، في رده على اتهامات نشرتها منظمة "هيومن رايتس ووتش".
ولم يعلق الجيش الإسرائيلي على الفور على تقرير وال ستريت جورنال بشأن تطبيق خطة ضخ المياه في أنفاق غزة. ولم يرد متحدث باسم وزارة الدفاع الإسرائيلية على الفور على طلب للتعليق قائلا إن "عمليات الأنفاق سرية".
وتقول الصحيفة إن خطوة إغراق الأنفاق بالمياه من البحر الأبيض المتوسط، والتي لا تزال في مرحلة مبكرة، هي مجرد واحدة من عدة تقنيات تستخدمها إسرائيل لمحاولة تدمير الأنفاق.
ويقول المسؤولون الإسرائيليون إن شبكة حماس الضخمة تحت الأرض كانت أساسية لعملياتها في ساحة المعركة. ويقولون إن نظام الأنفاق يستخدم من قبل حماس لمناورة المقاتلين عبر ساحة المعركة وتخزين صواريخ الحركة وذخائرها، ويمكّن زعماء حماس من قيادة قواتهم والسيطرة عليها. وتعتقد إسرائيل أيضا أن بعض الرهائن محتجزون داخل الأنفاق.
وتشير وال ستريت جورنال إلى أن فائدة استخدام مياه البحر في متاهة واسعة تحت الأرض تمتد لحوالي 300 ميل وتتضمن أبوابا سميكة لا تزال قيد التقييم من قبل الإسرائيليين، وفقا لمسؤولين أميركيين.
وقال مسؤولون أميركيون إن غمر الأنفاق، والذي من المرجح أن يستغرق أسابيع، بدأ في الوقت الذي أضافت فيه إسرائيل مضختين أخريين إلى المضخات الخمس التي تم تركيبها الشهر الماضي وأجرت بعض الاختبارات الأولية.