في خضم الحرب المستعرة في قطاع غزة، وجدت الكثير من النساء أنفسهن أرامل، مع الارتفاع المستمر لأعداد القتلى والذي تعدى الـ23 ألفا، بحسب أرقام وزارة الصحة في القطاع، ومن بينهن مريم أبو عكر التي نجت من الموت مرتين، كما تذكر لمجلة "فورين بوليسي" الأميركية.
وأوضحت أبو عكر، أنها في المرة الأولى نجت من الموت عندما سقطت قذيفة على منزل زوجها في 17 أكتوبر، بيد أنها ابنتها سارة التي بلغت من العمر من العمر 17 عاما، قُتلت بعد أن انشطر جسدها إلى نصفين.
وعقب وفاة سارة، قالت أبو عكر، البالغة من العمر 40 عاما، إنها اعتمدت على زوجها سلامة في الحصول على الدعم النفسي، مضيفة: "لقد كان يواسيني بفقدان طفلتنا، مؤكدا أنها بنعيم الجنة".
وبعد 7 أسابيع، كان سلامة يتحدث مع أحد جيرانه عندما سقطت قنبلة في مكان قريب، مما أدى إلى مقتلهما. وفي تلك اللحظة أصبحت أبو عكر أرملة، ومسؤولة عن رعاية 4 أطفال لوحدها.
وقالت والدموع تنهمر على خديها الشاحبين: "لا أعرف كيف سأواجه غيابه وأربي الأطفال من دونه.. في بعض الأحيان، عندما يغضبني الأطفال، أقول لهم: (سأخبر والدكم بكل شيء)، ثم أتذكر أنه لم يعد معنا".
وابنة أبو عكر الراحلة وزوجها، هما من بين أكثر من 23 ألف فلسطيني قضوا في الهجمات الإسرائيلية على غزة. ويقدر أن حوالي 70 بالمائة من الضحايا هم من النساء والأطفال - وفقًا لمنظمة كير الدولية، وهي منظمة إنسانية عالمية.
وفي 7 أكتوبر، هاجمت حركة حماس، المصنفة إرهابية، جنوبي إسرائيل، مما أسفر عن مقتل حوالي 1200 شخص، معظمهم من المدنيين وبينهم نساء وأطفال. كما تم اختطاف أكثر من 240 رهينة ونقلهم إلى القطاع الفلسطيني، وفقًا للأرقام الإسرائيلية.
وردت إسرائيل على الهجوم بحملة قصف واسعة النطاق في غزة، ترافقت مع توغل بري منذ 27 أكتوبر. وتظهر بيانات من منظمة الأمم المتحدة للمرأة في الدول العربية، أن أكثر من 2780 امرأة في غزة أصبحن أرامل.
"فقدت حياتي"
وبين أولئك الأرامل، وداد أبو جامع، التي فقدت زوجها مؤخراً، قائلة إن الجنود الإسرائيليين "أطلقوا النار عليه وأردوه قتيلاً عندما ذهب إلى مزرعته لتفقد ماشيته والبحث عن طعام لأسرته".
وقالت الأرملة البالغة من العمر 45 عاما: "أشعر وكأنني فقدت حياتي، وليس زوجي فقط"، وذلك في وقت كان أطفالها الستة ملتفين حولها يبكون من الجوع والبرد، خلال تواجدهم بفصل مزدحم بمدرسة تابعة للأمم المتحدة.
وتابعت: "تزوجت عندما كان عمري 15 عامًا. وعشت مع زوجي لفترة طويلة جدًا، حيث عملنا معًا في أرضنا، وأمضينا ساعات طويلة في زراعة المحصول وحصاده".
وختمت : "الآن سأذهب إلى الأرض بدونه. سأكون وحدي بين المحاصيل".
وقالت العديد من المنظمات الإنسانية، إنه مع نزوح ما لا يقل عن 85 بالمائة من سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، وندرة الغذاء والوقود والأدوية والمياه، فإن هذه الأسر التي أضحت تعيلها نساء، "تكافح من أجل البقاء".
وبحسب خبراء وحقوقيين، فإن هؤلاء النسوة "أصبحن الآن عرضة بشكل متزايد للعنف القائم على النوع الاجتماعي، وغير قادرات على إعالة أنفسهن وأسرهن، ويفتقرن إلى الوصول إلى المنظمات التي يمكن أن تساعدهن".
وقالت لوسي ثلجية، رئيسة برنامج المرأة في مركز تحويل الصراع الفلسطيني، وهي منظمة مجتمع مدني مقرها بيت لحم، إن "معظم العبء سيقع على عاتق النساء".
وتابعت: "على هؤلاء الأرامل أن يكن قويات حتى يتمكن من بدء حياة جديدة ورعاية أطفالهن، دون أن ننسى معاناة النساء اللواتي أصبح أزواجهن معاقين أو لديهم إصابات خطيرة، وبالتالي بات العبء عليهن ثقيلا".
وقالت الأمم المتحدة في تقرير صدر عام 2018، إن "القوانين في قطاع غزة تضع المرأة تحت حماية ووصاية الرجل، وتفشل في حماية المواطنات من جرائم الشرف والاغتصاب الزوجي والعنف المنزلي".
وأشار التقرير إلى أنه "يمكن أن تفقد المرأة حقها في النفقة، إذا اختارت مغادرة منزل زوجها".
وفي عام 2021، قضت محكمة تديرها حركة حماس، بأن المرأة "تحتاج إلى إذن من زوجها أو والدها أو أخيها أو حتى ابنها للسفر".
وعلى الرغم من ارتفاع معدلات معرفة القراءة والكتابة بين الإناث في غزة، فإن 17 بالمئة فقط من النساء كن يشكلن القوى العاملة اعتبارًا من عام 2021، مقارنة بـ 69 في المئة من الرجال، وفقًا لبيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.
وفي عام 2017، كان في غزة أعلى معدل بطالة في العالم بنسبة 44 في المئة، وفقا لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية.
وقالت منظمة العمل الدولية في أواخر ديسمبر الماضي، إن ما لا يقل عن ثلثي الوظائف في غزة فُقدت منذ بدء الحرب (ما يقرب من 192 ألف وظيفة)، محذرة من أن النساء العاملات في الزراعة "يمكن أن يخسرن المزيد من أعمالهن إذا أدى ارتفاع البطالة إلى استيلاء الرجال على أعمالهن".
"كيف سأكمل طريقي؟"
وكانت أبو عكر قد تزوجت في العشرين من عمرها، دون أن تتمكن من إتمام دراستها الجامعية، لتصبح ربة منزل تعتمد ماليًا على زوجها الراحل، الذي كان يكسب حوالي 9 دولارات يوميًا من بيع الملابس في السوق.
وأوضحت: "كان هو المعيل الوحيد لنا.. لست معتادة على تحمل المسؤولية وحدي، ولا أعرف كيف سأكمل طريقي مع أطفالي".
من جانبها، قالت المستشارة الإقليمية لشؤون الحماية والنوع الاجتماعي في حالات الطوارئ بمنظمة "كير"، نور بيضون، إن "بعض الأمهات يأكلن مرة واحدة فقط في اليوم، لأنهن يضعن صحة أطفالهن في المقام الأول"، وسط تحذيرات برنامج الأغذية العالمي من ارتفاع حالات الجفاف وسوء التغذية.
وبالنسبة لقضايا الصحة العقلية الخطيرة، تحاول منظمة "كير" الاستفادة من البنية التحتية الحالية للرعاية الصحية، لإحالة الأشخاص إلى الأطباء النفسيين وتزويدهم بالأدوية.
ومع ذلك، توقف مستشفى الطب النفسي الوحيد في غزة عن العمل في نوفمبر، بعد تعرضه لأضرار إثر إصابته بعدة قذائف.
وحتى منتصف ديسمبر، كان أقل من ثلث مستشفيات غزة البالغ عددها 36 مستشفى لا يزال يعمل، وبشكل جزئي فقط، وفقا لمنظمة الصحة العالمية.
وتوصلت الأبحاث التي أجرتها مجموعة من المنظمات تشمل البنك الدولي ومكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، إلى أن "العنف القائم على النوع الاجتماعي، بما في ذلك الاستغلال الجنسي والإتجار، يتزايد أثناء الحرب وفي حالات ما بعد الصراع، بسبب الصعوبات الاقتصادية والنزوح وانهيار المجتمعات المحلية والهياكل الاجتماعية".
وقالت سانام أندرليني، المؤسسة والرئيسة التنفيذية لشبكة عمل المجتمع المدني الدولي، وهي منظمة معنية بالمرأة والسلام والأمن: "أول ما يحدث هو أن مستويات الفقر تجبر النساء على القيام بأعمال محفوفة بالمخاطر، مثل العمل في مجال الجنس، كما أن تداعيات الحرب تجبر الأطفال على العمل في وقت مبكر".
وتابعت: "بالإضافة إلى ذلك، سنشهد أيضًا ارتفاعًا كبيرًا في حالات الزواج المبكر للفتيات".
ويقيم حاليا نحو 1.4 مليون فلسطيني في قطاع غزة، في ملاجئ تابعة للأمم المتحدة، حيث حذرت وكالات الإغاثة من أن الاكتظاظ في مثل هذه الأماكن "يزيد من خطر الانتهاكات ضد النساء والفتيات".
ووفقا لأندرليني وثلجية، فإن مساعدة الأرامل وربات الأسر في العثور على عمل وكسب المال لدعم أسرهن، هي وسيلة رئيسية لحماية النساء والأطفال من اللجوء إلى العمل عالي الخطورة كخيار وحيد.
فعلى سبيل المثال، يخطط المركز الفلسطيني لمساعدة النساء، على تطوير مشاريعهن الخاصة التي تدر المال، فضلاً عن توفير التمويل الأولي لتأسس شركات صغيرة لهن.
وقالت ثلجية: "سيعملن من داخل منازلهن على مستوى صغير، لكنهن سيجدن الدعم من منظمات المجتمع المدني".