بلينكن التقى عباس في رام الله
لقاء سابق لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس في رام الله

لعقود من الزمن، التزمت الولايات المتحدة بسياسة تقوم على أن المفاوضات المباشرة بين الإسرائليين والفلسطينيين هي الطريق لقيام دولة فلسطينية، لكن يبدو أن الحرب في غزة غيرت تفكير الإدارة الأميركية التي بدأت بالفعل دراسة الاعتراف بدولة فلسطينية لإنهاء الصراع، وفقا لتقرير نُشر الأربعاء.

وكشف التقرير الذي نشره موقع "أكسيوس" أن وزير  الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، طلب من وزارة الخارجية إجراء مراجعة وتقديم خيارات سياسية بشأن اعتراف أميركي ودولي محتمل، بـ"دولة فلسطين" بعد الحرب في غزة.

ونقل الموقع عن اثنين من المسؤولين الأميركيين، من دون أن يكشف هويتهما، قولهما إن دراسة وزارة الخارجية لمثل هذه الخيارات تشير إلى تحول في التفكير داخل إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، بشأن الاعتراف المحتمل بالدولة الفلسطينية، "وهو أمر حساس للغاية على المستويين الدولي والمحلي" وفق تعبير الموقع.

تفكير خارج الصندوق

وقال مسؤول أميركي لأكسيوس إن الجهود المبذولة لإيجاد طريقة دبلوماسية للخروج من الحرب في غزة فتحت الباب أمام إعادة التفكير في الكثير من النماذج والسياسات الأميركية القديمة.

ونقلت صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية عن مسؤول أميركي كبير أن الحرب في غزة والجهود المبذولة لإيجاد حل دبلوماسي (للصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين) فتحت الطريق لإعادة النظر داخل الإدارة".

ووفقا للمسؤول، هناك عناصر داخل إدارة بايدن توصي بتغيير السياسة والتحرك نحو الاعتراف بدولة فلسطينية كخطوة أولى في عملية سلام متجددة وليس كخطوة أخيرة تكون نتيجة لمفاوضات بين الطرفين.

ويرى السفير الأميركي السابق، جيمس جيفري، أن حرب غزة "حدث كبير يجبر الولايات المتحدة والقوى الأخرى على التفكير بحلول من خارج الصندوق والتقدم إلى الأمام بخطوات كبيرة". 

وفي حديث هاتفي مع موقع "الحرة"، لفت جيفري، وهو ديبلوماسي رفيع شغل مناصب عديدة في واشنطن وخارج الولايات المتحدة إلى أن الإدارة الأميركية لم تؤكد تقرير أكسيوس، وقال إنه لا يشكك في صحة التقرير، لكن "الأمر يجري في وزارة الخارجية ولم يحصل على مباركة مجلس الأمن القومي" الأميركي، بحسب قوله.

وتابع جيفري أن "كثيرا من الدول كانت قد اعترفت بفلسطين كدولة، "ويمكن تحقيق ذلك من خلال اعتراف الولايات المتحدة بفلسطين بشكل أحادي أو بالسماح لها بأن تصبح دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة.

لكن من المهم أن نشير إلى أن أيا من هذه الخطوات لن تحل النزاع، يقول السفير السابق، مضيفا "من الواضح أنها تصب في مصلحة الفلسطينيين، لكن الموقف الأميركي يتمثل في أن مستقبل الأراضي الفلسطينية، الضفة الغربية، وقطاع غزة الأكثر تعقيدا، يجب حله من خلال المفاوضات بين طرفي النزاع".

وقال مسؤول أميركي لصحيفة "جيروزاليم بوست" إن بلينكن طلب أيضا من وزارة الخارجية تقديم مقترحات لما قد تبدو عليه "الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح" بناء على نماذج مختلفة من جميع أنحاء العالم.

وتربط إدارة بايدن التطبيع المحتمل بين إسرائيل والسعودية بإنشاء مسار لإقامة دولة فلسطينية كجزء من استراتيجيتها بعد الحرب. 

وتستند هذه المبادرة إلى الجهود التي بذلتها الإدارة قبل هجوم حركة حماس على مناطق إسرائيلية في 7 أكتوبر، للتفاوض على صفقة مع السعودية تتضمن اتفاق سلام بين المملكة وإسرائيل.

وسبق أن أوضح مسؤولون سعوديون، منذ 7 أكتوبر، أن أي اتفاق تطبيع محتمل مع إسرائيل سيكون مشروطا بإنشاء مسار "لا رجعة فيه" نحو إقامة دولة فلسطينية.

الشيطان يكمن في التفاصيل

وفي وقت يرى السفير الأميركي السابق جيمس جيفري، أن الخطوة واحدة من الخطوات الحكيمة التي تنظر فيها الولايات المتحدة، يشير السفير ومساعد وزير خارجية سابق، فيليب كراولي إلى أنها "فكرة تستحق النظر"، مستدركا بالقول: "لكن الشيطان في التفاصيل".  

وفي حديث هاتفي مع موقع "الحرة"، يقول كراولي "بعد حرب غزة، ولحل النزاع بشكل نهائي ستكون هناك حاجة لطريق موثوق نحو دولة فلسطينية. لكن كي تعترف بدولة لابد أن يكون لها حدود، وهذه كانت ولا تزال من بين المسائل الأساسية التي يفترض أنها مرهونة بالمفاوضات بين الطرفين". 

ويعتقد كراولي أنه في الواقع هناك الكثير الذي يجب عمله على الأرض لجعل الفكرة قابلة للتطبيق. "يمكن أن تسرّع العملية لكننا لا نزال نتحدث عن سنوات من التفاوض"، يؤكد المسوؤل الأميركي السابق.

والأربعاء، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، ماثيو ميلر، إن الولايات المتحدة منخرطة في "عمليات تخطيط" مستمرة حول أفضل السبل للمضي قدما في إقامة دولة فلسطينية، لكنه شدد على أن هذا ليس تغييرا في السياسة.

وقال ميلر للصحفيين في واشنطن، الأربعاء، عندما سئل عن التقارير التي تتحدت عن دراسة واشنطن الإعتراف بدولة فلسطينية "نعم، نحن نسعى بنشاط لإقامة دولة فلسطينية مستقلة مع ضمانات أمنية حقيقية لإسرائيل".

ويرى الاتحاد الأوروبي بدوره أن الدولة الفلسطينية هي أفضل ضمان أمني لإسرائيل، وفق تصريح لجوزيب بوريل، الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، ونائب رئيس المفوضية الأوروبية، أواخر العام الماضي.

ويقول رئيس الدبلوماسية الأوروبية "لمنع غزة من الوقوع في أيدي الجماعات المسلحة الخارجة عن السيطرة التي قد تزعزع استقرار المنطقة بأكملها، بدءا من إسرائيل، يجب أن تحكم المنطقة دولة تمثل شعبها".

وأضاف "أن أمن إسرائيل يتطلب إقامة دولة فلسطينية في غزة والضفة الغربية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية".

رفض إسرائيلي

يقول السفير كراولي "من الصعب رؤية كيف ستسير الأمور، بالنظر إلى العوائق السياسية الموجودة. حاليا ليس لديك، على سبيل المثال، حكومة إسرائيلية مستعدة لتقديم أي نوع من التنازل للفلسطينيين، ولديك قيادة فلسطينية منقسمة، مجموعة في غزة وأخرى في الضفة الغربية".

ويتابع "بإمكانك الاعتراف بالدولة، لكن يجب أن تتوفر لها أسباب واقعية لكي تعمل، وإلا فأنك تجبر نفسك على الانخراط في مرحلة أخرى لنزاع مستمر منذ أكثر من 75 عاما".

وتعليقا على ما يدور داخل الإدارة الأميركية من تغيير في التفكير تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، قال عضو الكنيست جدعون ساعر من حزب الوحدة الوطنية إن "دولة فلسطينية ستعرض أمن إسرائيل ومستقبلها للخطر"، وأضاف ستكون دولة راديكالية وقاعدة للإرهاب الإسلامي وتحالفا مع العناصر الأكثر تطرفا من شأنه أن يزعزع استقرار المنطقة بشكل دائم"، وفق ما نقلت صحيفة "جيروزاليم بوست".

ورفض رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، الذي عارض منذ فترة طويلة حل الدولتين.

وتعارض إسرائيل بشدة أي اعتراف بدولة فلسطينية من جانب الدول بشكل فردي أو في الأمم المتحدة.

وتضم حكومة نتانياهو قوميين متطرفين يعارضون حتى المبادرات الصغيرة تجاه الفلسطينيين. وقد اعترف المسؤولون الأميركيون بأنه من غير المرجح أن يوافقوا على مسار نحو دولة فلسطينية مستقبلية، وفق "أكسيوس".

إسرائيل تقول إن حماس تستخدم المستشفيات كغطاء في حرب غزة وحماس تنفي ذلك.
إسرائيل تقول إن حماس تستخدم المستشفيات كغطاء في حرب غزة وحماس تنفي ذلك. Reuetrs

أعلن مدير مستشفى كمال عدوان في شمال قطاع غزة، الجمعة، تعرض المؤسسة "لغارات إسرائيلية عدّة منذ الصباح" أدت إلى سقوط "عدد كبير من الشهداء والجرحى"، مؤكدا اقتحام القوات الإسرائيلية المستشفى الليلة الماضية وأمرت بإجلاء بعض العاملين والنازحين ثم انسحبت، وإن الجثث تناثرت في الشوارع المحيطة جراء غارات جوية.

ونفى الجيش الإسرائيلي الجمعة تقارير عن قصف واقتحام مستشفى كمال عدوان في شمال قطاع غزة، قائلا إنه ينفذ عمليات "في جوار" المنشأة الطبية.

وأورد الجيش الإسرائيلي في بيان "خلافا للتقارير التي صدرت خلال اليوم الماضي، لم يقصف (الجيش) مستشفى كمال عدوان أو ينفذ عمليات داخله". وأضاف أنه "سيواصل عملياته ضد البنى التحتية للإرهاب والإرهابيين" في شمال غزة، بما في ذلك "في جوار" المستشفى.

وفي وقت سابق قال مدير المستشفى، حسام أبو صفية، لصحافيين "كانت هناك سلسلة من الغارات الجوية على الجانبين الشمالي والغربي من المستشفى، مصحوبة بنيران كثيفة ومباشرة. هناك عدد كبير من الشهداء والجرحى، بينهم 4 شهداء من الكوادر الطبية في المستشفى".

وأكد "لم يتبق أي جراحين" في المستشفى الواقع في مدينة بيت لاهيا شمال غزة وهو من المؤسسات الاستشفائية المعدودة التي لا تزال تعمل في القطاع.

بدوره، أكد الناطق باسم الدفاع المدني، محمود بصل، أن الجيش الاسرائيلي اقتحم مستشفى كمال عدوان في شمال القطاع و"يقوم بإفراغه من المرضى ومرافقيهم ويقتاد عددا من الفلسطينيين إلى جهة مجهولة بعد اعتقالهم، والدبابات والمدرعات داخل وفي محيط المستشفى".

من جهته، قال الجيش الإسرائيلي في بيان له إن يعمل على "إخلاء السكان المدنيين غير المشاركين في القتال من مناطق القتال إلى مناطق أكثر أمنا في قطاع غزة بهدف حمايتهم".

وأضاف أنه "يلتزم بالقانون الدولي ويعمل وفقا لهذا الالتزام"، مؤكدا في الآن ذاته أنه سيعمل الجيش في هذه المناطق "إذا حدد نشاطا لمنظمة إرهابية تهدد أمن إسرائيل".

وذكّر الدفاع المدني الفلسطيني أن مدينة بيت لاهيا تشهد عملية عسكرية مكثفة منذ شهرين تكثفت في الأيام الأخيرة، ما أجبر آلاف السكان على الإخلاء وسط القصف.

واقتحم الجيش الإسرائيلي مستشفى كمال عدوان عدة مرات منذ بدء الحرب، وأعلن المستشفى مقتل مدير وحدة العناية المركزة أحمد الكحلوت في غارة جوية أواخر نوفمبر.

ويأتي الاقتحام الجديد للمستشفى بعد أيام فقط من إعلان منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة أن فريقا طبيا طارئا وصل إلى المؤسسة لأول مرة منذ 60 يوما.

خطر الموت

وقال مراسل الحرة إن خطر الموت يهدد قرابة 100 مريض وجريح يتواجدون داخل المستشفى بعد إخراج ما تبقى من طواقم طبية، مشيرا إلى سقوط 30 قتيلا وعدد من الجرحى في سلسلة غارات جوية طالت منازل سكنية في محيط مستشفى كمال عدوان.

وأفاد مراسل الحرة بسقوط 3 قتلى وعدد من الاصابات باستهداف مسيرة إسرائيلية لمجموعة من المواطنين في محيط مقبرة الشجاعية شرق مدينة غزة.

وأشار أيضا إلى أن الطائرات المسيرة تستهدف خزانات المياه في المستشفى الإندونيسي شمالي قطاع غزة.

كما سقط 3 قتلى وأصيب العشرات جراء قصف مسيرة إسرائيلية مجموعة من المواطنين بحي الجنينة شرقي مدينة رفح. ووصلت جثة طفل إلى المستشفى الأوروبي تم انتشاله من شرقي مدينة رفح جنوبي قطاع غزة.

وأوضح الدفاع المدني أن مدينة بيت لاهيا باتت فارغة من السكان بعد تهجير الحيش الإسرائيلي أكثر من 20 ألف مواطن منها. وذكر أن الأسلحة التي يستخدمها الجيش الإسرائيلي في العمليات شمالي القطاع تتمتع بقدرات تدميرية واسعة.

وأكد الدفاع المدني توقف 13 مركبة إطفاء وإنقاذ عن العمل جنوبي قطاع غزة بسبب نقص الوقود، وحذر من توقف خدماته في المنطقة الإنسانية.

ومن جانبها، أعلنت الأونروا أن الأسر في قطاع غزة تواجه ظروفًا مزرية جراء النزوح المتكرر بسبب الهجمات الإسرائيلية.

وتعرضت المستشفيات في غزة لهجمات عدة من الجيش الإسرائيلي منذ بداية الحرب بين إسرائيل وحماس بعد هجوم الحركة غير المسبوق في السابع من أكتوبر 2023.

ومنذ أسابيع، يواصل الجيش الإسرائيلي عملية عسكرية برية في شمال القطاع، مؤكدا أنه يستهدف مقاتلي حماس الذين يعيدون تشكيل قواتهم.

ويرفض الجيش الإسرائيلي التعليق حتى الآن. ويتهم مسلحي حركة حماس باستخدام المباني المدنية بما في ذلك المستشفيات والمدارس والمباني السكنية غطاء لعملياتهم منذ بدء الحرب في غزة قبل 14 شهرا. وتنفي حماس ذلك وتتهم إسرائيل بالقصف العشوائي والاعتداءات.

وأدّى هجوم حماس على إسرائيل إلى مقتل 1208 أشخاص في الجانب الإسرائيلي، غالبيتهم من المدنيين، بحسب إحصاء أعدّته وكالة فرانس برس استنادا إلى أرقام رسمية. وتشمل هذه الحصيلة رهائن قتلوا أو ماتوا في الأسر.

ومنذ بداية الحرب بين إسرائيل وحماس، قُتل ما لا يقل عن 44812 شخصا في غزة، معظمهم من المدنيين النساء والأطفال، وفق بيانات وزارة الصحة التابعة لحماس في غزة والتي تقول الأمم المتحدة إنّ بياناتها جديرة بالثقة.

وأعلنت إسرائيل في أكتوبر 2023 "حصارا كاملا" على القطاع الذي يناهز عدد سكانه 2,4 مليون نسمة، وتفرض حتى الآن قيودا صارمة على إدخال المساعدات.