بدأت تفاصيل العملية العسكرية التي أعلنت إسرائيل أنها ستشنها في مدينة رفح جنوبي قطاع غزة، في الظهور، حيث قال رئيس الوزراء، بنيامين نتانياهو، إنها تتضمن وجود "ممر آمن" لإجلاء المدنيين و"تنتهي في غضون شهر"، إلا أن "الرعب" يسيطر على أكثر من مليون نازح هناك، يواجهون مصيرا مجهولا في آخر النقاط الحدودية المحاذية لمصر.
وتحدث عدد من المواطنين الفلسطينيين في تقارير صحفية عن شعورهم بالرعب من تلك العملية، حيث بدأت التساؤلات عن المكان الذي يمكن أن يذهبوا إليه، بعدما نزحوا على مدار أشهر، منذ السابع من أكتوبر، من شمالي القطاع إلى أقصى جنوبه.
وحذرت دول عربية وغربية ومنظمات دولية من الخطوة الإسرائيلية المرتقبة، في ظل تكدس النازحين المدنيين واقترابهم من الحدود مع مصر، التي تخشى بدورها من سيناريو تهجير الفلسطينيين من غزة إلى سيناء، أعلنت أنها تعتبر ذلك "خطا أحمر".
ونقلت صحيفتا "نيويورك تايمز" و"وول ستريت جورنال" الأميركيتين، في تقريرين السبت، أن مسؤولين مصريين "حذروا إسرائيل من إمكانية تعليق معاهدة السلام بين البلدين"، حال شن القوات الإسرائيلية هجوما في رفح.
"الموت هنا أفضل"
الفلسطينية أحلام الشمالي (31 عاما)، قالت لصحيفة "نيويورك تايمز"، إنها من سكان رفح، موضحة أنه مع توسع الحرب رأت كيف وصل النازحون إلى مدينتها، وارتفعت أسعار الإيجارات، وبدأت العديد من الأسر تعيش في شقق صغيرة، فيما تحولت أغلب المناطق المفتوحة إلى خيام للنازحين.
وأشارت كذلك إلى شُح الوقود والطعام، مما دفعها إلى "حرق ملابسها القديمة وكتب، لتسخين الأطعمة المعلبة وإعداد الخبز".
وقالت الشابة الغزية إنها "تعيش في رعب حاليا" مع الأنباء عن عملية برية، "ولا فكرة لديها عن المكان الذي يمكن أن تلجأ إليه مع عائلتها"، مضيفة: "ماذا سنفعل لو كانت هناك دبابات واشتباكات واقتحام وجيش؟".
أما فتحي أبو سنيمة (45 عاما)، فأكد أنه يعيش مع أسرته في مدرسة تابعة للأمم المتحدة في رفح، وقال: "لا نأكل هنا سوى الطعام المعلّب، وهو غير صحي بالمرة. كل شيء هنا باهظ الثمن".
وأشارت الصحيفة إلى أنه "يخشى موت الكثيرين حال اجتاحت إسرائيل رفح، خصوصا أنه لا مكان آخر ليذهبوا إليه"، وقال: "أفضّل الموت هنا. لا يوجد مكان آمن في غزة. يمكنك أن تُقتل في أي مكان".
والجمعة، أعلن نتانياهو أنه أمر الجيش الإسرائيلي بإعداد "خطة لإجلاء المدنيين" من رفح، وسط خشية دولية متزايدة من "كارثة".
وحذر مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، السبت، من هجوم محتمل للجيش الإسرائيلي في رفح، قائلا إنه سيكون بمثابة "كارثة إنسانية لا توصف".
وتواصلت التحذيرات من شن إسرائيل هجوما بريا على رفح. وكانت الأمم المتحدة وكذلك الولايات المتحدة، الحليف الرئيسي لإسرائيل، قد أعربتا عن مخاوفهما من عملية في المدينة الحدودية مع مصر.
"الخيمة بـ400 دولار"
أما عبود مجدي (21 عاما) فقد انتقل من مدينة غزة إلى خان يونس ومن ثم إلى رفح في الجنوب. ويعيش حاليا في قبو مع عائلته، ودفع ثمن عربة يجرها حمار لنقل أمتعة الأسرة.
ومما يزيد مأساة الشاب وعائلته، أنه "لا يملك المال لشراء خيمة، لأن الأسعار وصلت إلى 400 دولار"، وفق "وول ستريت جورنال"، موضحا: لو تعرضت رفح للهجوم، "سينتهي بنا الأمر في الشارع، ولا مكان لنا لنذهب إليه".
فيما قال معز قاسم (25 عاما) إن منزلهم دُمر في خان يونس، مشيرا إلى أن ما عانوه خلال 4 أشهر من القتال، جعل الناس "لا تهتم، إذ لن يحدث ما هو أسوأ".
أين يذهب النازحون؟
ونقلت "وول ستريت جورنال"، السبت، عن مسؤول إسرائيلي قوله، إن "أي خطة لعملية برية في رفح، يجب أن تسمح باستمرار تدفق المساعدات إلى القطاع". وأضاف: "يجب أن يستمر تدفق المساعدات، وأن يتم كل شيء بالتنسيق مع الحلفاء".
وأشارت الصحيفة إلى أنه وفقا لمحللين، فإن هناك خيارات "محدودة" لإجلاء المدنيين بعيدا عن مناطق عملية محتملة في رفح.
وأوضح المحللون أن الخيار المرجح هو "عملية تطهير تدريجية" للمدينة، وهو أسلوب مماثل لما استخدمه الجيش الإسرائيلي حينما نشر خرائط لغزة ببلوكات مرفقة بأرقام، على مواقع التواصل الاجتماعي، وحذر في كل مرة من الوجود في منطقة تحمل رقما بعينه، وكان يناشد السكان للتحرك إلى مناطق أخرى محددة أيضًا.
أما الخيار الثاني، فيتمثل في توفير مناطق آمنة في ضواحي رفح الغربية، حيث قال الباحث في المعهد الدولي لمكافحة الإرهاب، آفي جاغر، لوول ستريت جورنال، إنه "يمكن توفير ملاذ آمن في تلك المناطق، مع تجنب أماكن وجود النازحين".
وفي هذا السياق، قال نتانياهو في مقابلة ضمن برنامج "هذا الأسبوع مع جورج ستيفانوبولوس" عبر قناة "إيه بي سي نيوز" الأميركية، تُبث الأحد، ونُشرت مقتطفات منها مساء السبت، إنه "تم تطهير" مناطق في شمال رفح، "يمكن استخدامها كمناطق آمنة للمدنيين"، على قوله.
واندلعت الحرب في 7 أكتوبر عقب هجوم غير مسبوق شنته حماس على جنوب إسرائيل، أسفر عن مقتل أكثر من 1160 شخصا، معظمهم مدنيون وبينهم نساء وأطفال، حسب حصيلة أعدتها وكالة فرانس برس تستند إلى أرقام رسمية إسرائيلية.
كذلك، اختطف في الهجوم نحو 250 رهينة تقول إسرائيل إن 132 بينهم ما زالوا محتجزين في غزة، و29 منهم على الأقل يُعتقد أنهم قُتلوا، حسب أرقام صادرة عن مكتب نتانياهو.
وترد إسرائيل منذ ذلك الحين بحملة قصف مركز أتبعتها بهجوم بري واسع في القطاع، مما أسفر عن مقتل 28064 شخصا، غالبيتهم نساء وأطفال، حسب أحدث حصيلة لوزارة الصحة في غزة.