"أصبحت أنا وأبنائي وأحفادي في العراء"، هكذا تحدث الناشط الفلسطيني، فخري أبو دياب، لموقع قناة "الحرة" بعد أن أقدمت السلطات الإسرائيلية على هدم منزله الكائن بالقدس الشرقية، في خطوة أدانتها الولايات المتحدة.
وقال أبو دياب في اتصال هاتفي، وهو يتحدث بلهجة يعتريها الحزن، إن شعوره كان "غريبا"، مردفا: "لأول مرة أشعر بهذا وأنا بدون مأوى".
وتعود قضية منزل الناشط الفلسطيني إلى عدة سنوات سابقة بعد أن دخل أبو دياب في معارك قانونية طاحنة أمام المحاكم الإسرائيلية في نزاع طويل الأمد مع منظمات يهودية.

وقضية أبو دياب واحدة من مئات القضايا لسكان بلدة سلوان بالقرب من منطقة المسجد الأقصى، وهي منطقة متنازع عليها بين منظمات يهودية وفلسطينيين.
ولطالما كانت المدينة الغنية بالمواقع الأثرية التي يعود تاريخها إلى العصر البرونزي، محط نزاع بين عرب يقولون إن هناك "خطة لتهويد القدس"، ويهود يقولون إنهم يستخدمون الطرق القانونية الشرعية لاستعادة أملاكهم القديمة.
"بعد سياسي"
وقال أبو دياب إن "وحدات خاصة من الشرطة اقتحمت المنزل وأخرجت الناس ونفذت عملية الهدم"، مشيرا إلى أنها "المرة الأولى" التي يتم فيها هدم منزل "بهذه الطريقة" في المنطقة.
وأثار توقيت تنفيذ العملية تساؤلات في ظل صدور حكم المحكمة الإسرائيلية بهدم جزء من المنزل عام 2010، فضلا عن انشغال إسرائيل بحرب مدمرة في غزة بهدف "القضاء على حماس".
وقال المحلل السياسي الإسرائيلي، يوآب شتيرن، إن سلطات بلاده "تختار توقيت تنفيذ مثل هذه العمليات بعناية شديدة"، نظرا لما وصفه بـ "حساسية هذه القضية".
وأضاف شتيرن ذو الميول اليسارية، في تصريحات لموقع "الحرة" أن "هذه القضية تحمل بعدا سياسيا؛ لأن هذه المنطقة متنازع عليها ولهذا السبب قرار تنفيذ أمر المحكمة يحمل طابعا سياسيا أيضا".
وفي هذا الإطار، اتهم أبو دياب، السلطات الإسرائيلية بـ "الانتقام" منه على اعتبار أنه ينشط في تسليط الضوء على قضيتهم لما وصفه بـ "همزة وصل" بين السكان من جهة والمجتمع الدولي ووسائل الإعلام والمؤسسات الحقوقية من جهة أخرى.
واستطرد قائلا: "في نهاية شهر يناير وعلى مدار 3 أيام، زار منزلي مجموعة من الدبلوماسيين الأوروبيين وموظفين في وزارة الخارجية الأميركية وتم تهديدي لوجود هؤلاء الشخصيات في منزلي للدفاع عن قضيتي".
وتابع: "لا أقوم بعمل غير قانوني، لكن الضابط الذي جاء مع الوحدة الخاصة المكلفة بهدم المنزل قال لي صراحة إن (المجتمع الدولي لن يستطيع حمايتك). وقال أبو دياب: "كنا معتادين على التهديدات المبطنة، ولكنها الآن أصبحت مباشرة".
واتصل موقع "الحرة" هاتفيا بالناطق الرسمي باسم الشرطة الإسرائيلية، الرائد وسيم بدر، طلبا للتعليق، لكنه طلب إرسال رسالة رسمية عبر البريد الإلكتروني ليتم الرد وفق الإجراءات المعتمدة.
ولم ترد شرطة إسرائيل على أسئلة موقع "الحرة" المرسلة عبر البريد الإلكتروني حتى ساعة نشر هذا التقرير.
"قيادي مجتمعي بارز"
والأربعاء، دانت الولايات المتحدة هدم منزل أبو دياب الذي وصفه المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، ماثيو ملير، بأنه "قيادي مجتمعي بارز".
وقال ميلر في مؤتمره الصحفي الاعتيادي إن الولايات المتحدة تدين عملية الهدم وستحث إسرائيل على عدم استهداف منازل أخرى.
ومع ذلك، رجح أبو دياب أن تقدم السلطات الإسرائيلية على هدم المزيد من المنازل في سلوان على اعتبار أنها "خطة لتهويد المدينة"، معتبرها أنها "فترة ذهبية لتنقض (إسرائيل) على هذه المنطقة".

وقال إن المشروع الإسرائيلي يسمى "الحوض التاريخي المقدس، وحي البستان هو الحديقة رقم 7 حسب المخطط الذي يريدون من خلاله تغيير المشهد" في سلوان.
وأضاف أن إسرائيل وجدت "الظروف مناسبة الآن" بانشغال العالم بالحرب في غزة، حيث "لم تستطيع الهيئات الدولية إجبار إسرائيل على الالتزام بالمعاهدات والمواثيق الدولية"، وفق تعبيره.
وتقع سلوان في منطقة يعرفها العرب بـ "عين الحلوة"، ويسميها اليهود "مدينة داوود"، وهي ملاصقة تماما للمسجد الأقصى في الجزء الشرقي من القدس.
وذكر أبو دياب بأن منزله "يبعد 300 متر فقط عن المسجد الأقصى"، ثالث أقدس موقع لدى المسلمين والذي يسميه اليهود "جبل الهيكل"، وهو من أقدس المواقع في الديانة اليهودية أيضا.
"مسألة قانونية بحتة"
في المقابل، استبعد الباحث والمحلل السياسي الإسرائيلي، مردخاي كيدار، أن يكون لهدم منزل بناء على قرار محكمة علاقة بحرب غزة، قائلا: "إنها مسألة قانونية بحتة".
وعزا كيدار في حديث لموقع "الحرة" تأخر السلطات في تنفيذ مثل هذه القرارات "للإجراءات الطويلة التي تستغرقها المحاكم للفصل في هذه القضايا على اعتبار أنها قد تصل 3 درجات من التقاضي".
ومضى بقوله إن "الإجراءات الخاصة بهدم مبنى حتى وإن كانت غير مرخصة، طويلة وتستغرق سنوات عديدة.. هذه القضايا القانونية موجودة في إسرائيل حتى بين الأخ وأخيه والحياة لن تتوقف لأن السلطات ملزمة بتقديم خدماتها العامة".
وتابع: "علينا أن ننظر في تفاصيل كل قضية على حدة ولا نرفع شعارات وهتافات بهدف صناعة ضجيج ... علينا النظر بجدية للتفاصيل الصغيرة في كل حالة ونتعلم ماهيتها".
وقال كيدار إن مثل هذه القرارات "لا تأتي ضد العرب، بل على العكس المحاكم الإسرائيلية تميل للتيار اليساري في البلد وهي قلب الحراسة الأكبر لحقوق الفلسطينيين حتى على حساب حقوق اليهود".
ومع ذلك، قال زياد قعوار، وهو محامي الناشط الفلسطيني وترافع عنه أمام المحاكم الإسرائيلية إن "جزءا من المنزل صدر أمر قضائي بهدمه وهو ساري المفعول، لكن جزءا ثانيا من المنزل لم يصدر قرار حتى الآن بهدمه".
وتابع: "ومع ذلك، السلطات (الإسرائيلية) قامت بهدم القسمين"، لتترك أفراد العائلة في بلا مأوى تلجأ إليه.
وكان المتحدث باسم الخارجية الأميركية أشار إلى أن جزءا من المبنى يعود تاريخه إلى ما قبل عام 1967، حينما كانت الأردن تسيطر على القدس الشرقية.
إلى ذلك، اعتبر المحامي قعوار في تصريحاته لموقع "الحرة" أن "كل عمليات الهدم غير قانونية لأنها سياسية ديمغرافية وعنصرية".
وقال إن "بلدية إسرائيل تمتنع عن إعطاء تراخيص بناء للمقدسيين (الفلسطينيين) بهدف تهويد القدس ومصادرة أراضيهم وزرع تاريخ ديني غير موجود في الأراضي الفلسطينية".
ولطالما انتقدت منظمات حقوقية، بما في ذلك "هيومان رايتس ووتش" السلطات القضائية في إسرائيل لإصدار قرارات "بموجب قانون تمييزي".
بموجب القانون الإسرائيلي، يُمنع الفلسطينيون من استعادة أي ممتلكات كانت لهم في الأراضي التي هربوا منها عام 1948 وباتت تشكل حاليا إسرائيل، طبقا لـ "هيومان رايتس ووتش".
وقال المنظمة في تقرير لها عام 2022 إن صعوبة الحصول على تصاريح البناء الإسرائيلية في القدس الشرقية.. دفعت الفلسطينيين إلى تشييد مبان معرضة باستمرار لخطر الهدم أو المصادرة لكونها غير مرخصة".
"100 أمر هدم"
ويرى قعوار أن السلطات الإسرائيلية "مرتاحة لاتخاذ إجراءات تعسفية في القدس والضفة وبناء مستوطنات جديدة وهدم البناء الفلسطيني لتهويد المناطق الفلسطينية لأن جميع أنظار العالم موجهة لغزة".
ويذهب المحلل الإسرائيلي، شتيرن في اتجاه مواز بقوله إن "هناك جهات في الحكومة معنيين بتنفيذ هذه القرارات الآن واستغلال الأجواء والظروف الحالية".
وأشار إلى أنه "عند حدوث المواجهات (في القدس الشرقية والضفة الغربية بين الفلسطينيين والإسرائيليين) فإن المستوطنين يقومون بأعمال لا يستطيعون القيام بها في أوقات أخرى".
ويعتقد أبو دياب أن نائب رئيس بلدية القدس، أرييه كينغ، سيدخل انتخابات بلدية خلال الأسبوع المقبل وهو بحاجة لكسب تأييد "المتطرفين الذين ينتمون لنفس أيدولوجيته على اعتبار أنه مستوطن يسكن في إحدى مستوطنات الجزء الشرقي من القدس".
ويسكن كينغ في "معاليه زيتيم"، وهو "جيب للقوميين المتطرفين في القدس الشرقية تم إنشاؤه في وسط حي رأس العامود الفلسطيني"، وفقا لصحيفة "تايمز أوف إسرائيل".
وسبق أن طالب كينغ بـ "إعدام كل إرهابي وترحيل عائلاته وتسليم منزله للمستوطنين حتى يتمكنوا من البدء في إنشاء مستوطنات يهودية داخل القرى الفلسطينية"، طبقا لما ذكرته الصحيفة ذاتها في تقرير لها نشر أغسطس الماضي.
وقال قعوار إنه "سيدرس" الخطوات المستقبلية التي سيتخذها بعد "التشاور" مع موكله، بما في ذلك "تعزيز الاتصالات مع الدبلوماسيين حتى تكون القضية على كل أجندة دولية" على حد وصفه.
وأفاد قعوار بأنهم يملكون "100 أمر هدم (في سلوان) حاليا"، معتبرا أن السلطات الإسرائيلية "وجدت فرصة وسوف تستغلها لتسليم الأراضي لجهات استيطانية متطرفة".
ولم يستبعد أن يكون الإقدام على هدم منزل أبو دياب مدعوما من الائتلاف الحاكم قائلا: "إنها حكومة تضم مستوطنا مدانا في قضايا سابقة لا أتفاجأ من دعمها وتشجيعها للهدم".
أما أبو دياب الذي وجد نفسه "بلا مأوى"، ختم حديثه بقوله: "أخشى أن يشهد الأسبوع المقبل تنفيذا لعمليات هدم جديدة" في سلوان.