أعلن رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية، الاثنين، استقالة حكومته مؤكدا أن المرحلة المقبلة تتطلب "ترتيبات حكومية وسياسية جديدة تأخذ بالاعتبار الواقع المستجد" في قطاع غزة.
ويأتي هذا القرار في ظل مطالبة واشنطن رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، بإجراء تغييرات في السلطة لبدء العمل على هيكل سياسي جديد لحكم قطاع غزة بعد الحرب
وسبق أن دعا وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، إلى "إصلاح" السلطة الفلسطينية مرارا بعد هجوم السابع من أكتوبر، وما أعقبه من الحرب في غزة؟
والاثنين، رحبت الولايات المتحدة، بما وصفته بـ"خطوات السلطة الفلسطينية لإصلاح نفسها".
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، ماثيو ميلر، في مؤتمر صحفي: "نرحب بخطوات السلطة الفلسطينية لإصلاح نفسها ونعتقد أن هذه الخطوات مهمة لإعادة توحيد الضفة الغربية والقطاع تحت قيادتها".
وتجري دول غربية على رأسها الولايات المتحدة اتصالات دبلوماسية تناقش مسألة "إصلاح السلطة الفلسطينية" التي يرأسها عباس منذ عام 2004.
واقترحت واشنطن أن تؤدي السلطة الفلسطينية بعد الحرب دورا في حكم القطاع، لافتة إلى أنها "تحتاج إلى تجديد وتنشيط وتحديث فيما يتعلق بأسلوب حكمها، وتمثيلها للشعب الفلسطيني".
وقال اشتيه في الإعلان الذي أصدره، الاثنين، في مستهل الاجتماع الأسبوعي لمجلس الوزراء: "وضعت استقالة الحكومة تحت تصرف السيد الرئيس في 20 فبراير الجاري واليوم أتقدم بها خطيا"، مشيرا إلى أن هذه الخطوة تأتي "على ضوء المستجدات السياسية والأمنية والاقتصادية المتعلقة بالعدوان على قطاع غزة والتصعيد غير المسبوق في الضفة الغربية والقدس".
وطرحت هذه الخطوة تساؤلات عن الهدف منها وعما إذا كانت ستلبي المطالب الأميركية، بينما ترفض إسرائيل في الوقت ذاته أن يكون للسطة الفلسطينية أي دور في القطاع بعد أن تتوقف الحرب.
ويرأس عباس حركة فتح، التي طُردت من قطاع غزة إثر مواجهات مع حركة حماس التي تحكم القطاع منذ عام 2007.
وتراجعت شعبية عباس كثيرا في أوساط الفلسطينيين، ويتعرض لانتقادات بسبب "عجزه" إزاء الحرب الدائرة في قطاع غزة والتصعيد المستمر في الضفة الغربية.
نائب مفوض العلاقات الدولية في حركة فتح، عبد الله عبد الله، أوضح في تصريحات لموقع الحرة أن قرار اشتية جاء بعد أن "أكملت الحكومة فترتها المعتادة وهناك محاولات لتوسيع إطار الحكومة مع وجود مستجدات على الساحة الدولية".
وأضاف أنه "ربما نحتاج إلى حكومة موسعة تستطيع أن تواجه المرحلة المقبلة مع تقديرنا لما قامت به في خلال فترة كوفيد، وفترة الاعتداءات الإسرائيلية في الضفة الغربية، وحرب غزة، إذ قامت بمسؤولياتها رغم أن الظروف لم تكن اعتيادية".
محلل الشؤون الإسرائيلية والفلسطينية، المقيم في إسرائيل، جلال بنا، اعتبر في تصريحات لموقع الحرة أن استقالة الحكومة الفلسطينية "لها علاقة بشكل مباشر بمطالب الإدارة الأميركية، وهي تريد من جهة أن تثبت لإسرائيل ولشركائها الآخرين أن هناك تغييرا في صفوف القيادة الفلسطينية، وأنها يمكن أن تكون شريكة محتملة في عملية التسوية ، ومن جهة أخرى تريد أن تضخ دماء جديدة في قيادة السلطة التي هي في غالبيتها قيادات متقدمة سنا لا تملك التأُثير على الشارع الفلسطيني وهي ضعيفة سياسيا واقتصاديا، مقابل شعبية حركة حماس التي يرى البعض أنها ازدادت في الشارع الفلسطيني بعد أحداث السابع من أكتوبر".
المحلل السياسي الفلسطيني، مازن النجار، اعتبر أيضا في تصريحات لموقع الحرة أن الاستقالة "جاءت استجابة لدعوات التجديد وهي دعوة غير محددة بشكل دقيق".
توافق فلسطيني؟
وعن الدور الذي يمكن أن تلعبه السلطة في القطاع، قال عبد الله إن "هناك جهودا عربية ودولية لرأب الصدع الفلسطيني وتحقيق وحدة الصف لمواجهة معركة الوجود التي يخوضها الشعب الفلسطيني، لذلك نأمل من الحكومة أن تتمكن أولا من توفير المتطلبات الضرورية للمواطنين وأن تتولى الملف السياسي وتتم وحدة الصف الذي نفتقدها بشدة منذ عقدين من الزمان".
وكان اشتية قد قال في بيانه: "أرى أن المرحلة القادمة وتحدياتها تحتاج إلى ترتيبات حكومية وسياسية جديدة تأخذ بالاعتبار الواقع المستجد في قطاع غزة ومحادثات الوحدة الوطنية والحاجة الملحّة إلى توافق فلسطيني فلسطيني مستند إلى أساس وطني، ومشاركة واسعة، ووحدة الصف، وإلى بسط سلطة السلطة على كامل أرض فلسطين".
ويرى المحلل السياسي المقيم في واشنطن، حسن منيمنة، إنه يمكن ترتيب البيت الداخلي من خلال التوصل لصيغة توافقية ربما تشمل إقرارا ضمنيا من حماس بأنها توافق على حل الدولتين، لكن المشكلة أن هناك "تصلبا إسرائيليا إزاء السلطة".
رفض إسرائيل.. مشكلة قائمة
وتصطدم المقترحات بتولي السلطة دورا في حكم القطاع برفض إسرائيلي واضح منذ اندلاع الحرب.
واقترح رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، الأسبوع الماضي، خطة "لمرحلة ما بعد الحرب" تنصّ على الحفاظ على "السيطرة الأمنية" الإسرائيلية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهو ما رفضته السلطة الفلسطينية وحركة حماس.
وتعرضت الخطة التي لم تأت على ذكر إقامة دولة فلسطينية لانتقادات من الولايات المتحدة.
وعارض وزير الخارجية الأميركي، من جانبه، "إعادة احتلال" قطاع غزة الذي انسحب منه الجيش الإسرائيلي عام 2005.
ويقول منيمنة، وهو باحث في معهد الشرق الأوسط، إن إسرائيل لا تثق بالسلطة الفلسطينية كما هي قائمة ولا بعد تحديثها والتحديث بالنسبة لإسرائيل لا يجب أن يعني ضم حماس ولكن إخراج أي رغبة في المقاومة أو إقامة دولة فلسطينية تتعدى الحكم الذاتي للأشخاص ولكن لا يجب أن تكون دولة حقيقية.
وردا على سؤال بشأن مدى واقعية دخول السلطة القطاع، قال عبد الله إن هذه الواقعية "تعتمد على المستجدات ومدى انسجام مواقف الأطراف الدولية مع القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، لكن ما هو قائم الآن انحياز كامل للجرائم التي ترتكب في غزة".
ويقول المحلل السياسي، مازن النجار، في حديثه إلى موقع الحرة إن الإشكالية أن غزة ليست مفتوحة للسلطة ولا حتى لأعمال الإغاثة ودخول الأغذية،"لذلك لن تفعل الحكومة شيئا مهما تجددت".
ويضيف النجار: "رصيد السلطة عند أهل القطاع أقرب إلى الصفر أو على الأقل منخفض جدا جدا" ويتساءل: "كيف ستتولى مسؤولية القطاع؟ هل ستحضر الآلاف من القوات الأمنية في الضفة؟ الحقيقة أن المقاومة ستكون باقية وليست هناك مؤشرات على أنها ستختفي، والناس شاهدت الدمار ولديها مشاعر سلبية من إسرائيل وأميركا وكل من يتحالف معهما".
ويقول بنا في حديثه لموقع الحرة إن "من يتولى السلطة على أرض الواقع في المناطق الفلسطينية هو وزير الدفاع الإسرائيلي... لا يمكن لأحد التحرك لا في غزة ولا في الضفة بدون إذن أو تأشيرة من المنسق أو من وزير الدفاع، لذلك ما تبقى من صلاحيات لرئيس الحكومة الفلسطينية صلاحيات محلية في نطاق تسيير الأعمال وإدارة قوات الشرطة الفلسطينية وإقامة بعض المشاريع المحلية والتربية والتعليم".
ويضيف: "لذلك لا أرى أي تغير محتمل من إقامة حكومة فلسطينية جديدة، لكن على ما يبدو فإن الإدارة الأميركية تريد أن تعود إلى نفس السيناريو الذي كان في فترة بوش الابن عندما أرادوا تقليص صلاحيات رئيس السلطة الفلسطينية آنذاك، ياسر عرفات، ومنح الصلاحيات لرئيس الحكومة، محمود عباس أبو مازن، الذي تولى لاحقا أيضا رئاسة السلطة الفلسطينية".
ويرى بنا أن الهدف النهائي محاولة فتح آفاق جديدة وتجهيز المنطقة لليوم التالي بعد الحرب، ومحاولة منح السلطة الفلسطينية صلاحيات للسيطرة على قطاع غزة "لأن إسرائيل لا تريد السيطرة المدنية وتريد أن تكتفي بالسيطرة الأمنية والسيطرة على الحدود ولا يمكن إدخال قوات دولية لأن الأمر قد تكون له تبعات في القانون الدولي".
ويرى المحلل السياسي حسن منيمنة أن المعطيات الحالية لا تعطي مسارا يجري باتجاه خطة واقعية تدفع إلى تحديث السلطة ومن ثم تسليم السلطة أي مسؤولية.
ويتحدث منيمنة عن "تعنت إسرائيلي" وتصورات أميركية "شكلية" تدفع باتجاه تحقيق تحالف سعودي إسرائيلي أميركي يكون أساسا للشرق الأوسط الجديد بصرف النظر عما يجري في غزة.
وأضاف منيمنة: "لا يمكن أن نلتمس من الاستقالة تنفيذ أي مشروع جدي. نحن لانزال أمام المعادلة نفسها التي طرحتها الادارة الأميركية منذ بداية المعركة وهي ترك إسرائيل تكمل الحرب، وإلى جانب ذلك تكمل الشق الأهم وهو الاستقرار الذي يأتي مع انتهاء إسرائيل من المعركة، والاندماج من خلال التطبيع".
وكان وزير الخارجية الأميركي قد أكد مجددا أن السعودية لا تزال "مصممة" على مواصلة الجهود نحو التطبيع مع إسرائيل، مؤكدا أن ذلك سيتطلب تهدئة الأوضاع في غزة والدفع نحو حل الدولتين.
وقال بلينكن إن "ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، كرر رغبته وتصميمه على مواصلة مساعي تطبيع العلاقات مع إسرائيل".