الجيش الإسرائيلي ذكر أن عشرات الأشخاص أصيبوا نتيجة التدافع والدهس
الجيش الإسرائيلي ذكر أن عشرات الأشخاص أصيبوا نتيجة التدافع والدهس

يمكن أن تغير حادثة مقتل عشرات الفلسطينيين في شارع الرشيد بمدينة غزة خلال عملية توزيع مساعدات غذائية، مسار الحرب بين إسرائيل وحركة حماس، وفقا لتحليل نشرته صحيفة "هآرتس" الجمعة.

ويرى التحليل أنه "سواء كان الحادث عرضيا أم لا، فإن "الكارثة" التي وقعت في شمال غزة يوم الخميس ستكون لها تداعيات بعيدة المدى على الجهود المبذولة للتفاوض على وقف إطلاق النار، وقد تثير الغضب على جبهات أخرى". 

ويشير التحليل، الذي كتبه الصحافي الإسرائيلي عاموس هاريل، إلى حوادث مماثلة جرت في السابق وتسببت في وقف عمليات عسكرية إسرائيلية واسعة كانت تشنها ضد جماعات فلسطينية مسلحة أو حزب الله في لبنان.

الكاتب ذكر أن الحادث الذي وقع صباح الخميس "حقيقي" ووقع في إحدى المناطق الضعيفة والمعرضة للكوارث في غزة، مضيفا أنها من بين الأماكن القليلة في شمال القطاع التي تصل إليها المساعدات الإنسانية.

وبحسب تقديرات مختلفة يعيش حاليا في شمال قطاع غزة نحو ربع مليون نسمة يتنقلون بين المنازل والبنى التحتية والمباني العامة التي دمرتها الحرب، في محاولة للعثور على مأوى آمن بطريقة أو بأخرى والحصول على الغذاء لأنفسهم ولعائلاتهم. 

وعلى النقيض من جنوب قطاع غزة، فإن سيطرة حماس في الشمال ضئيلة جدا فيما تسود الفوضى معظم أنحاء المنطقة، وفقا للصحيفة.

تناول كاتب التحليل كلا الروايتين الفلسطينية والإسرائيلية بشأن الحادث، وأشار إلى أن الجيش الإسرائيلي ذكر أن "الكارثة وقعت عندما حاصر حشد من الفلسطينيين شاحنات المساعدات، وفي حالة من الارتباك، أصيب أو قُتل العشرات بسبب التدافع أو دهس الشاحنات لهم".

"وبعد ذلك، حاصر حشد كبير من الفلسطينيين وحدة صغيرة من الجيش الإسرائيلي، قبل أن تفتح دبابة إسرائيلية النار لتخليص نفسها"، وفقا لكاتب التحليل.

ووصف متحدث باسم الحكومة الإسرائيلية سقوط القتلى الفلسطينيين أثناء توزيع المساعدات قرب مدينة غزة بأنه "مأساة".

وأضاف الكاتب أن التحقيقات الأولية للجيش الإسرائيلي أشارت إلى أن معظم الضحايا سقطوا نتيجة "التجمهر" وأن عددا صغيرا فقط منهم وقع نتيجة إطلاق النار من قبل الجنود. 

بالمقابل ذكرت السلطات الصحية في غزة أن أكثر من 110 أشخاص قتلوا وأصيب 280 جراء إطلاق القوات الإسرائيلية النار باتجاه حشد كان ينتظر للحصول على مساعدات قرب مدينة غزة.

وفقا للكاتب فإن هذا الوضع يمكن أن يتكرر على نطاق أوسع في المستقبل عندما تصبح الفوضى في غزة أكثر حدة، في وقت لا توجد تسوية سياسية من شأنها تهدئة المشاعر قليلا وسط محاولات لفرض النظام هنا وهناك.

ويرى الكاتب أن الخطر الأكبر يتمثل حاليا في تزايد الفوضى واليأس في غزة مع اقتراب شهر رمضان بالتزامن مع احتمالات تأجج المشاعر في مناطق أخرى أيضا، كالضفة الغربية، على خلفية حادثة الخميس.

ويرجح الكاتب أن يمتد تأثير الأحداث إلى أبعد من ذلك، ليصل إلى دول إسلامية وعربية، حيث تتصاعد الاتهامات ضد إسرائيل بقتل المدنيين.

ووقع الحادث وسط جهود أميركية للتوصل لاتفاق جديد لإطلاق سراح الرهائن، والذي سيشهد في مرحلته الأولى وقف إطلاق النار لمدة ستة أسابيع.

يقول الكاتب إن واشنطن ممكن أن تستفيد من كارثة الخميس لتكثيف الضغط على إسرائيل من أجل تقييد نشاطها العسكري والموافقة على تسوية سريعة. 

وفي السيناريو الأكثر تشاؤما من وجهة النظر الإسرائيلية، فإن إسرائيل قد تواجه مطلبا دوليا شاملا وأكثر إصرارا على وقف إطلاق النار حتى من دون التوصل لحل، ولو جزئيا، بشأن الرهائن، بحسب الكاتب.

كذلك يشير الكاتب إلى وجود قلق حقيقي في واشنطن في أن المواجهة مع حماس قد تتحول لحرب إقليمية، الأمر الذي سيعرض مصالح الإدارة وحتى حياة الأميركيين للخطر.

وأثار مقتل الفلسطينيين خلال عملية توزيع مساعدات في مدينة غزة موجة تنديد واسعة من دول غربية وعربية كرّرت الدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار، وطالب بعضها بتحقيق.

وأبدى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش "صدمته" بعد التقارير الواردة عن مقتل الفلسطينيين خلال هرعهم للحصول على مساعدات، منددا بواقعة "مروعة".

وكذلك أكد الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر أن الولايات المتحدة تطالب بـ"أجوبة" من إسرائيل في شأن الحادثة.

وأعلن البيت الأبيض أن الرئيس جو بايدن تناول هذه "الحادثة المأساوية والمقلقة" عبر الهاتف مع أمير قطر والرئيس المصري.

وندد منسّق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل بـ"المجزرة الجديدة"، واصفا ما حصل بأنه "غير مقبول".

وأعرب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن "سخط عميق إزاء هذه الأحداث" ضد المدنيين "الذين استهدفهم جنود إسرائيليون"، مطالبا بـ"الحقيقة والعدالة واحترام القانون الدولي".
 

 

دمار هائل حل بقطاع غزة جراء الحرب (رويترز)
دمار هائل حل بقطاع غزة جراء الحرب (رويترز)

ساحة من الأنقاض والركام.. هذا كل ما بقي من معظم أنحاء قطاع غزة بعد 15شهراً من الحرب المتواصلة.. حيث المباني السكنية لم تعد سوى هياكل متصدعة تحمل آثار أشهر قاسية من اقتتال، لم تسلم منه حتى المستشفيات والمدارس.

ووسط هذه المشاهد، يعيش مئات الآلاف من السكان في العراء، بعدما أجبروا على ترك منازلهم، ليواجهوا حياة قاسية في خيام تفتقر إلى أبسط مقومات وشروط العيش الكريم.

ومع دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، تتصاعد التساؤلات بشأن مصير القطاع ومستقبله السياسي والإنساني.

فعودة السكان إلى منازلهم تبدو مستحيلة في ظل حجم الدمار الذي حل بمناطق كاملة، كما تشير التقديرات إلى حاجة القطاع لسنوات طويلة لمجرد رفع الأنقاض، قبل البدء بعمليات إعادة الإعمار.

في ظل هذا الوضع، تخيّم حالة من عدم اليقين بشأن مستقبل القطاع وإدارته، وأيضا حول فرص صمود الاتفاق المبرم بين إسرائيل وحماس بوساطة أميركية مصرية قطرية، مع استمرار التصريحات الإسرائيلية بشأن الإصرار على تحقيق أهداف الحرب المعلنة، بالتزامن مع ظهور عناصر حماس في مسيرة احتفالية فور سريان الهدنة. 

"الانقسام الفلسطيني"

وزير الإعلام الفلسطيني السابق، عضو المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، نبيل عمر، يرى أن الحل في غزة "يبدأ بإنهاء الانقسام الفلسطيني بشكل جذري".

ويشدد على أن "اليوم الأخير للحرب يجب أن يتزامن مع إنهاء الانقسام الفلسطيني بصورة جذرية، لأن ذلك سيساعد العالم كله على إيجاد الحلول للشأن الفلسطيني".

ويؤكد عمر في حديثه لبرنامج "الحرة الليلة"، أن "وضع خارطة طريق واضحة للمصالحة الفلسطينية، يبدأ بإعلان حماس انضمامها لمنظمة التحرير والتزامها بتعهداتها".

ويتابع: "إنهاء الانقسام يتطلب أن تعلن حماس للعالم كله أنها جزء لا يتجزأ من منظمة التحرير، وأنها تلتزم بالتزامات المنظمة.. بمعنى أنه لا يوجد قتال بعد الآن".

وبشأن إمكانية تحقيق المصالحة بعد سنوات طويلة من الانقسام، يرى عمر أن الحرب "جعلت الوحدة الفلسطينية خياراً حتميا".

ويستطرد في تصريحات للحرة: "لو اتحد الفلسطينيون قبل الحرب وأجروا الانتخابات التشريعية بمشاركة كل القوى لما حدث ما حدث"، مؤكدا أن "المساحة لم تعد واسعة أمام الانقسام الفلسطيني".

وينتقد عمر المقترحات الجزئية المطروحة لحلحلة الأزمة في غزة، مثل تشكيل لجان لإدارة القطاع.

ويعلل ذلك بالقول: "لماذا نعالج هذه القضية الكبرى بالقطعة؟.. لجنة صغيرة هنا، مجموعة إسناد هناك.. ليس هكذا تحل القضايا الكبرى. يجب أن تكون حتى هذه التفاصيل في سياق سيناريو متكامل".

وفيما يتعلق بدور السلطة الفلسطينية، يشير عمر إلى أن "السلطة الوطنية في رام الله غير موجودة تقريباً فيما يتعلق بالوساطات وموضوع غزة، لكنها موجودة كشرعية تقول أنا من يجب أن أدير غزة، وأنا لدي شرعية بذلك". 

وفيما يتعلق بمستقبل إدارة القطاع، يستبعد عمر إمكانية استمرار حكم حماس منفردة، مشيرا إلى أن "أعباء إعادة إعمار غزة لا تقدر عليها حماس ولا السلطة". 

ويضيف: "القوى التي ستموّل إعادة الإعمار لن ترسل أي مبلغ إذا كانت حماس هي من يحكم قطاع غزة".

ويؤكد عمر على أهمية الدور العربي في المرحلة المقبلة، محذراً من "ترك الفلسطينيين على هواهم، يعملون ما يشاؤون، لأن الدول التي تستضيفهم تجعلهم يوافقون على ورقة.. ثم يعودون لممارسة انشقاقهم وصراعهم الداخلي مرة أخرى"، على حد قوله.

ويخلص عمر إلى أن الحل سيكون في "إطار فلسطيني معترف به فلسطينياً وإقليمياً ودولياً"، مع ضرورة إعلان حماس التزامها بأن "ما حدث في غزة كان آخر الحروب، وما حدث في 7 أكتوبر كان آخر الهجمات الكبرى على إسرائيل".

كما يؤكد عضو المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، على ضرورة العمل على "قيام الدولة الفلسطينية المستقلة"، مشدداً على ضرورة معالجة قضايا أخرى مهمة، مثل "القدس الشرقية" و"قضية اللاجئين"، معتبرا أن هذه القضايا "جزء أساسي من الحل الشامل".