في خضم تصاعد العمليات العسكرية الإسرائيلية في شمال قطاع غزة، تشير تقارير إعلامية غربية إلى احتمال شروع الجيش الإسرائيلي في تنفيذ "خطة الجنرالات" المثيرة للجدل، والتي تهدف في جوهرها إلى تشديد الضغط على سكان المنطقة، بهدف "كسر حماس" ودفعها نحو الاستسلام.
وخلال الأيام الماضية، كثف الجيش الإسرائيلي مجددا عملياته البرية والجوية في شمال غزة، حيث قامت قواته بتطويق مدينة جباليا وبعض المناطق المحيطة بها، مما أدى إلى تفاقم معاناة مئات آلاف من المدنيين العالقين هناك.
وتطرح التطورات الأخيرة في شمال غزة تساؤلات بشأن ما إذا كانت السلطات الإسرائيلية قد بدأت فعليا في تنفيذ الخطة التي اقترحها ضباط إسرائيليون متقاعدون، كما تثير أسئلة بشأن تداعيات أيّ توجه لتطبيقها على السكان ومستقبل القطاع، سياسيا وديمغرافيا.
تفاصيل "خطة الجنرالات"
وتتبنى الخطة، التي تم تقديمها إلى رئيس الوزراء، بنيامين نتانياهو، فكرة جوهرية مفادها أن بإمكان إسرائيل إجبار حماس وزعيمها، يحيى السنوار، على الاستسلام من خلال زيادة الضغط على سكان الشمال.
وتبقى الخطوة الأولى من الخطة، دعوة السكان المدنيين للإخلاء نحو جنوب وادي غزة الذي أصبح خطا فاصلا في غزة منذ بدء العمليات العسكرية الإسرائيلية في القطاع المحاصر، في أكتوبر الماضي.
وبموجب الخطوة، سيعتبر من سيبقى من السكان مقاتلا، مما يعني أن اللوائح العسكرية ستسمح للقوات بقتلهم، وسيُحرمون من الطعام والماء والدواء والوقود، وفقا لنسخة من الخطة قدمها لوكالة أسوشيتد برس معدها الرئيسي، الجنرال ومستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق، جيورا إيلاند.
وتقترح الخطة أن تواصل إسرائيل السيطرة على الشمال لفترة غير محددة، في محاولة لإنشاء إدارة جديدة بدون حماس، مقسّمة قطاع غزة إلى قسمين.
وبينما ذكر تقرير لأسوشيتد برس، أنه لم يتخذ أي قرار من قبل الحكومة لتنفيذ "خطة الجنرالات" بالكامل، نقلت، عن مسؤول، قالت إنه "على دراية بالأمر"، أن أجزاء من الخطة يجري تنفيذها بالفعل، دون الإشارة إلى أي شق فيها بالتحديد.
فيما أشار مسؤول إسرائيلي ثان، رفض أيضا الكشف عن هويته، أن نتانياهو "قرأ ودرس" الخطة، "مثل العديد من الخطط التي وصلت إليه طوال الحرب"، لكنه لم يوضح ما إذا كان قد تم اعتماد أي جزء منها.
بدورها، أشارت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، إلى أنه بينما يبقى من غير الواضح ما إذا كان الجيش الإسرائيلي قد تبنى هذه الخطة جزئيا أو كليا، تشير الأدلة الظرفية لما يجري إلى أنها على الأقل "تؤثر بقوة" على التكتيكات المستخدمة ضد السكان.
واكتفت وحدة المتحدثين التابعة للجيش الإسرائيلي بالقول لموقع "الحرة": " لن نتطرق إلى الخطط العملياتية، جيش الدفاع الإسرائيلي يتصرف وفقا لقرارات المستوى السياسي".
آلاف محاصرون في جباليا وإسرائيل تكثف الهجوم شمالي قطاع غزة
أعلن الدفاع المدني في غزة مساء الجمعة مقتل 30 شخصا بضربات إسرائيلية في منطقة جباليا، في شمال قطاع غزة.
المحلل السياسي الفلسطيني، أشرف العكة، يرى أن القوات الإسرائيلية قد "شرعت فعليا" في تطبيق "خطة الجنرالات"، مؤكدا أن معطيات ميدانية "ملموسة تعكس توجها نحو تنفيذها" في ظل تكثيف الضغط العسكري والحصار والدعوات المتتالية للإخلاء، فضلا عن قطع وصول المساعدات الغذائية والطبية اللازمة.
وفي تصريح لموقع "الحرة"، يوضح العكة، أن التحركات الإسرائيلية الأخيرة تؤكد المساعي العسكرية الرامية إلى "فرض منطقة أمنية بشمال غزة، في أفق إعادة احتلال القطاع".
وطوّق الجيش الإسرائيلي مدينة جباليا الواقعة في شمال غزة، منذ الأحد الماضي، وكذلك أحياء مجاورة لها، كاشفا أن الوحدة 162 التابعة له تقوم بعمليات، وتخوض معارك في الأحياء وعمليات مصادرة أسلحة.
ورغم أن الجيش الإسرائيلي كان ينفذ عمليات في شمال قطاع غزة، فإن تركيزه الرئيسي في الأشهر الماضية كان على جنوب القطاع.
وسمح هذا لحركة حماس بإعادة بناء قدراتها العسكرية في الشمال، والتي يقول الجيش إنه يستهدفها الآن.
في هذا الجانب، يقول المحلل الإسرائيلي، مردخاي كيدار، إن أساس التحركات الإسرائيلية بشمال غزة "القضاء على عناصر حماس، في كل الأماكن التي تم تحريرها من سطوتهم"، ثم "فرض منطقة عسكرية بالمنطقة".
ويرجّح كيدار، في تصريح لموقع "الحرة"، أن العمليات الجديدة في شمال القطاع "لا تندرج تحت خطة ما"، بل تحت هدف الحرب المعلن، متمثّلا في القضاء على حماس.
ويوضح أنه "في اليوم التالي للحرب، لا يمكن السماح للسلطة الفلسطينية بإدارة القطاع مكان حماس، كونها جزءا من المشكلة"، بالتالي "يبقى التعويل على السكان المحليين لإدارة شؤونهم بأنفسهم"، ومن أجل الوصول لهذا المسعى ينبغي "تحييد كل المخربين من المنطقة وفرض منطقة عسكرية".
دعوات الإخلاء
وقالت وزارة الصحة في غزة، إن العمليات الإسرائيلية المستمرة، في شمال القطاع، أسفرت حتى الآن عن مقتل العشرات من الفلسطينيين، ويخشى أن يكون عشرات آخرون قد لقوا حتفهم على الطرق وتحت أنقاض منازلهم دون أن تتمكن الفرق الطبية من الوصول إليهم.
وتعرض الجزء الشمالي من غزة، الذي يسكنه أكثر من نصف سكان القطاع البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، لقصف إسرائيلي شامل في المرحلة الأولى من الهجوم على القطاع الذي بدأ منذ عام عقب هجوم في السابع من أكتوبر.
وبعد عام من الهجمات الإسرائيلية المستمرة التي قتلت حتى الآن نحو 42 ألف فلسطيني وفقا لسلطات الصحة في غزة، عاد مئات الآلاف من السكان إلى المناطق الشمالية المدمرة.
ومع بداية العمليات الأخيرة، أصدر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، تحذيرا على وسائل التواصل الاجتماعي، حض فيه سكان بلدات بيت لاهيا وجباليا وبيت حانون في شمال غزة وأحياء أخرى على إخلائها والانتقال إلى جنوب غزة.
عمليات إسرائيل في شمالي غزة.. ظروف إنسانية صعبة بمناطق مغلقة عسكريا
قال مسعفون السبت لرويترز إن ما لا يقل عن 29 فلسطينيا لقوا حتفهم في هجمات للجيش الإسرائيلي على قطاع غزة السبت، بينما واصلت القوات التوغل في منطقة جباليا حيث تقول هيئات إغاثة دولية إن الآلاف محاصرون هناك.
وقال سكان إن القوات الإسرائيلية عزلت فعليا مدن بيت حانون وجباليا وبيت لاهيا في أقصى شمال القطاع عن مدينة غزة، ومنعت التنقل بين المنطقتين إلا بعد الحصول على تصريح من السلطات الإسرائيلية للأسر الراغبة في مغادرة البلدات الثلاث انصياعا لأوامر الإخلاء.
في هذا الجانب، يرى المحلل الفلسطيني، أشرف العكة، أن الخطط الإسرائيلية في شمال غزة "جزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى تقسيم القطاع إلى ثلاثة أقسام: شمال ووسط وجنوب.
ويضيف أن "منطقة الشمال ستُخصص لإعادة الاستيطان، وستكون جزءا لا يتجزأ من السيطرة الأمنية الإسرائيلية"، أما "الوسط فسيكون منطقة لإعادة الإعمار، في حين سيُخصص الجنوب لاحتضان الفلسطينيين الراغبين في الهجرة والخروج من القطاع".
من جانبه، يقول كيدار ، إن التوجه الإسرائيلي "يميل فقط نحو فرض سيطرة السلطات الإسرائيلية على المنطقة، مع السماح للسكان بإدارة شؤونهم اليومية بأنفسهم"، مؤكدا أنه "لا يمكن السماح باستمرار تحركات الجماعات المسلحة في المنطقة وتهديدها لأمن إسرائيل".
وردا على تعليقات توجه إسرائيل لطرد الفلسطينيين من الشمال والسيطرة على أراضيهم هناك، ينفي كيدار هذا الأمر، مؤكدا أن "غالبية الإسرائيليين يعتقدون ألا مصلحة لهم، ليس في شمال غزة فقط بل في القطاع بأكمله".
بل إنهم، حسب قوله، يدعمون حلولا من شأنها ضمان الأمن والسلام للجانبين، وعلى رأسها القضاء على حركة حماس ومنع السلطة الفلسطينية من العودة لإدارة القطاع.
ومع ذلك، يشير كيدار إلى وجود "أقلية صغيرة تدعو إلى طرد سكان غزة وإقامة مستوطنات إسرائيلية هناك"، معتبرا أن "هذه أصوات الأقلية، لكننا في مجتمع ديمقراطي يحق فيه لكل طرف التعبير عن رؤيته للأحداث".
"وضع إنساني خطير"
وكشف الأمين العام لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، فيليب لازاريني، الخميس، أن "400 ألف شخص على الأقل محاصرون في المنطقة" (شمال غزة).
وأوضح في منشور منصة أكس، أنه "مع عدم توفر الإمدادات الأساسية تقريبا، ينتشر الجوع".
ولم تدخل أي شاحنات طعام أو ماء أو دواء إلى الشمال منذ 30 سبتمبر، وفقا للأمم المتحدة وموقع الوكالة العسكرية الإسرائيلية التي تشرف على معابر المساعدات الإنسانية.
وردا على التقارير التي تتحدث عن فرض حصار وحملة تجويع على أهالي جباليا، يرى كيدار أن "المساعدات الغذائية لا تزال تتدفق بكميات كبيرة إلى القطاع"، واصفا التقارير التي تصف تدهور الأوضاع الإنسانية في ظل الحصار الإسرائيلي هناك بأنها "مجرد ادعاءات كاذبة".
وحذر برنامج الأغذية العالمي، السبت، من خطورة الوضع الإنساني في شمال القطاع، قائلا إن "تصاعد العنف في شمال غزة له تأثير كارثي على الأمن الغذائي، لم تدخل أي مساعدات غذائية إلى الشمال منذ الأول من أكتوبر".
وأضاف البرنامج الأممي أنه "من غير الواضح إلى متى ستستمر الإمدادات الغذائية المتبقية لبرنامج الأغذية العالمي في الشمال، والتي تم توزيعها بالفعل على الملاجئ والمرافق الصحية".
في هذا السياق، يقول كيدار إن "حركة حماس تستغل تدفق المساعدات كمصدر للدخل، حيث تقوم ببيع المساعدات للسكان واستخدام جزء منها لتموين عناصرها"، مشيرا إلى أن "الفلسطينيين عانوا من هذه الممارسات على مدى سنوات".