بعد أن هاجمت حماس إسرائيل في السابع من أكتوبر، مما أدى إلى إشعال فتيل الحرب في قطاع غزة، وصف القادة الإسرائيليون أكبر مسؤول في الحركة في القطاع، يحيى السنوار، بأنه "رجل ميت يمشي" باعتبار أنه العقل المدبر للهجوم الدموي.
وجعلت إسرائيل من القضاء على السنوار عنصرا أساسيا في هدفها المتمثل في تدمير حماس.
وفي شهر فبراير، نشر الجيش الإسرائيلي لقطات قال إنها للسنوار وهو يسير عبر نفق مع العديد من أفراد أسرته، وهي المرة الأولى التي شوهد فيها على ما يبدو منذ اختبائه قبل هجوم السابع من أكتوبر.
وتقول صحيفة نيويورك تايمز إنه "وبعد مرور سبعة أشهر، أصبح بقاء السنوار على قيد الحياة رمزا لفشل الحرب الإسرائيلية، التي دمرت جزءا كبيرا من غزة، لكنها تركت القيادة العليا لحماس دون أذى إلى حد كبير، وفشلت في تحرير معظم الرهائن".
"وحتى في الوقت الذي يسعى فيه المسؤولون الإسرائيليون إلى قتله، فقد اضطروا إلى التفاوض معه، ولو بشكل غير مباشر، لتحرير الرهائن المتبقين"، حسب الصحيفة.
ويقول مسؤولون من حماس وإسرائيل والولايات المتحدة إنه "مفاوض ذكي نجح في منع حدوث انتصار إسرائيلي في ساحة المعركة بينما أشرك المبعوثين الإسرائيليين على طاولة المفاوضات".
وبينما تتم الوساطة في المحادثات في مصر وقطر، فإن السنوار، الذي يعتقد أنه مختبئ في أنفاق غزة، هو من يطلب مفاوضو حماس الحصول على موافقته قبل تقديم أي تنازلات، وفقا لبعض المسؤولين.
والسنوار لعب دورا محوريا وراء الكواليس في قرار حماس بالتمسك بوقف دائم لإطلاق النار، وفق المسؤولين الأميركيين والإسرائيليين.
وكثيرا ما أدى انتظار موافقاته إلى إبطاء المفاوضات، وفقا للمسؤولين ومحللين.
وبعد أن دمرت الضربات الإسرائيلية جزءا كبيرا من البنية التحتية للاتصالات في غزة، كان الأمر في بعض الأحيان يستغرق يوما واحدا لتوصيل رسالة إلى السنوار، ويوما واحدا لتلقي الرد، حسب مسؤولين أميركيين ومسؤولين في حماس.
وكانت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية نشرت، قبل أيام، تقريرا أشار إلى أن مصير محادثات وقف إطلاق النار بات معتمد على اثنين من "الصقور"، هما رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، وزعيم حركة حماس، يحيى السنوار.
وأوضحت الصحيفة أن حسابات الرجلين لا تترك مجالا كبيرا للتسوية، وتشكل تحديا لجهود الرئيس الأميركي جو بايدن، والوسطاء الآخرين، في الوصول لوقف إطلاق نار وتحرير المحتجزين في غزة.
وذكر مفاوضون عرب، يتعاملون مع السنوار، للصحيفة أنه يعتقد أن بإمكانه الصمود، حتى لو شنت إسرائيل هجوما على مدينة رفح، جنوبي القطاع، ويعتقد أنه انتصر في الحرب بالفعل سواء نجا منها أم لا، وذلك بسبب "تسليط الضوء على معاناة الفلسطينيين وجعل الصراع في مقدمة الاهتمامات العالمية".
وأشار الوسطاء إلى أن هدف السنوار على المدى الطويل هو رفع الحصار عن قطاع غزة، وإنهاء الضغط العسكري الإسرائيلي على حماس، وضمان بقاء الحركة.
وتشير نيويورك تايمز في تقريرها الجديد إلى أن مسؤولي حماس يصرون على أن السنوار ليست له الكلمة الأخيرة في قرارات الحركة.
ولكن رغم أنه لا يتمتع من الناحية الفنية بسلطة على حركة حماس بأكملها، إلا أن دوره القيادي في غزة وشخصيته القوية يمنحان له أهمية كبيرة في إدارة عمل حماس، وفقا للحلفاء والأعداء على حد سواء.
تكلفة بشرية "ضرورية"
وباعتباره مهندس هجمات أكتوبر، كان السنوار العقل المدبر لاستراتيجية كان يعلم أنها ستثير رد فعل إسرائيليا شرسا.
ولكن في حسابات حماس، "كان مقتل العديد من المدنيين الفلسطينيين هو التكلفة الضرورية لقلب الوضع الراهن مع إسرائيل".
وأمضت وكالات الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية عدة أشهر في تقييم دوافع السنوار، وفقا لأشخاص مطلعين على المعلومات الاستخبارية.
ويعتقد المحللون في كل من الولايات المتحدة وإسرائيل أن الدافع الرئيسي له هو الرغبة في الانتقام من إسرائيل وإضعافها، بينما يبدو بالنسبة له أن رفاهية الشعب الفلسطيني أو إنشاء دولة فلسطينية أمر ثانوي.
ويبدو أيضا أن السنوار يستخدم معرفته العميقة بإسرائيل، بعدما قضى عامين في سجونها، لزرع الانقسامات في المجتمع الإسرائيلي وزيادة الضغط على نتانياهو، وفقا لمسؤولين إسرائيليين وأميركيين.
ويعتقد هؤلاء أيضا أنه يحدد توقيت إطلاق مقاطع الفيديو لبعض الرهائن الإسرائيليين من أجل إثارة الغضب العام تجاه نتانياهو، خلال المراحل الحاسمة من محادثات وقف إطلاق النار.
وتقول الصحيفة إنه إذا كان ينظر البعض إلى نتانياهو على أنه يتعمد إطالة أمد الحرب لتحقيق منفعة شخصية، فإن عدوه اللدود، السنوار، يفعل الأمر ذاته.
ويقول ضباط الاستخبارات الإسرائيلية والأميركية إن استراتيجية السنوار هي إبقاء الحرب مستمرة طالما أنها ستؤدي إلى تمزيق سمعة إسرائيل الدولية والإضرار بعلاقتها مع حليفتها الأساسية، الولايات المتحدة.
وقد وجه الرئيس الأميركي بالفعل أقوى انتقاداته للسياسة الإسرائيلية منذ بدء الحرب، بعدما قال إنه سيوقف بعض شحنات الأسلحة الأميركية إذا شن الجيش الإسرائيلي عملية واسعة النطاق في رفح.
من صاحب القرار؟
ويقول المسؤولون الأميركيون إن السنوار أظهر ازدراء لزملائه خارج غزة، الذين لم يتم إبلاغهم بالخطط الدقيقة لهجوم حماس في السابع من أكتوبر.
ويعتقد مسؤول غربي كبير مطلع على مفاوضات وقف إطلاق النار أن السنوار يتخذ قراراته بالتنسيق مع شقيقه محمد، وهو قائد عسكري كبير في حماس، وأنه طوال الحرب كان يختلف أحيانا مع قادة حماس خارج غزة.
وقال المسؤول إنه في حين أن القيادة الخارجية كانت في بعض الأحيان أكثر استعدادا للتوصل إلى تسوية، فإن السنوار كان أقل استعدادا لتقديم تنازلات للمفاوضين الإسرائيليين، ويرجع ذلك جزئيا إلى أنه يعلم أنه من المرجح أن يتم قتله، سواء انتهت الحرب أم لا.
وقال المسؤول إنه حتى لو توصل المفاوضون إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، فمن المرجح أن تلاحق إسرائيل السنوار لبقية حياته.
ومن جانبهم، حرص مسؤولو حماس على إظهار الوحدة، وقللوا من أهمية الدور الشخصي للسنوار في صنع القرار، وأكدوا أن قيادة حماس المنتخبة تحدد بشكل جماعي مسار الحركة.
ويقول البعض إنه إذا كان السنوار لعب دورا كبيرا خلال هذه الحرب، فذلك يرجع في الغالب إلى منصبه، فبصفته زعيم حماس في غزة، يتمتع بكلمة أكبر، وإن لم يكن القرار الأخير له، وفقا لموسى أبو مرزوق، القيادي في حماس المقيم في قطر.
وقال أبو مرزوق، أول زعيم للمكتب السياسي لحماس في التسعينيات: “رأي السنوار مهم للغاية لأنه موجود على الأرض ويقود الحركة من الداخل"، لكن هنية له "الكلمة الأخيرة" في القرارات الرئيسية، وجميع القادة السياسيين لحماس لديهم "رأي واحد".
الجدير بالذكر أن صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" قالت، قبل أيام، إن تقييمات استخباراتية حديثة كشفت أن السنوار لا يختبئ في رفح حيث يعتزم الجيش الإسرائيلي القيام بعملية برية واسعة.
ونقلت عن مسؤولين مطلعين على الأمر أن تقييمات استخباراتية حديثة تشير إلى تواجد السنوار في أنفاق تحت الأرض في منطقة خان يونس، على بعد حوالي 5 أميال شمالي رفح، وأكد مسؤول ثالث أن السنوار لا يزال في غزة.