أيرلندا أعلنت الاعتراف بدولة فلسطينية - صورة تعبيرية.
أيرلندا أعلنت الاعتراف بدولة فلسطينية - صورة تعبيرية.

في خطوة تمثل تحولا جديدا في مواقف بعض الدول الأوروبية تجاه القضية الفلسطينية، أعلنت أيرلندا وإسبانيا والنرويج، الأربعاء، قرارها الاعتراف بدولة فلسطينية، بعد أكثر من سبعة أشهر على اندلاع الحرب بين إسرائيل وحركة حماس في قطاع غزة.

ولاقت مواقف الدول الأوروبية الثلاث ترحيبا فلسطينيا واسعا باعتبارها "انتصارا للعالم الحر وللحق والعدل"، بينما قوبلت بغضب من الجانب الإسرائيلي الذي رأى فيها "تشجيعا للإرهاب والتطرف".

ويثير هذا التباين في ردود الفعل التي أعقبت القرار من الجانبين، تساؤلات بشأن الدوافع والتداعيات المحتملة للاعترافات الأوروبية الأخيرة، وما إذا كانت ستمهد الطريق لتحرك دولي أوسع لحل القضية الفلسطينية وإنهاء الصراع المستمر منذ عقود، أم أنها تبقى خطوة رمزية دون أثر فعلي على أرض الواقع.

"انتصار فلسطيني"

وأعلن رئيس وزراء أيرلندا عن اعتراف بلاده بدولة فلسطينية، مؤكدا أنه يتوقع انضمام دول أخرى لهذه الخطوة خلال الأسابيع المقبلة، فيما أوضح نظيراه الإسباني والنرويجي، أن اعتراف مدريد وأوسلو سيدخل حيز التنفيذ اعتبارا من 28 مايو، متجاهلين التحذيرات الإسرائيلية من هذه الخطوة.

الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني، زيد الأيوبي، يرى أن هذه الاعترافات تمثل "انتصارا للشعب الفلسطيني وتضحياته"، وأيضا نجاحا للدبلوماسية الفلسطينية التي سعت للحصول على اعترافات متتالية من العالم بحقيقة وجود دولة فلسطين".

ويضيف الأيوبي في تصريح لموقع "الحرة"، أن الدول الأوروبية "تقول للجانب الإسرائيلي إن دولة فلسطين يجب أن ترى النور، وأن العالم الحر يقف بجانب الشعب الفلسطيني لتقرير مصيره".

ووصفت منظمة التحرير الفلسطينية قرارات الدول الأوروبية الثلاث، بـ"اللحظات التاريخية".

ورحب الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، بالاعتراف داعيا الدول الأخرى إلى القيام بالمثل. وقال في بيان نقلته وكالة الأنباء الرسمية (وفا)، إنه سيكرس "حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير"، ويدعم الجهود الرامية إلى تحقيق حل الدولتين مع إسرائيل.

من جانبها، اعتبرت حركة حماس، الأربعاء، أن اعتراف ثلاث دول أوروبية بدولة فلسطينية "خطوة مهمة" على طريق تثبيت حقوق الفلسطينيين في أرضهم وفي إقامة دولتهم.

ورحبت الحركة المصنفة إرهابية بالولايات المتحدة ودول أخرى، بالمواقف معتبرة أنها "خطوة مهمة على طريق تثبيت الحق في الأرض وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس"، داعية  "الدول حول العالم إلى الاعتراف بالحقوق الوطنية المشروعة، ودعم نضال الشعب الفلسطيني في التحرر والاستقلال، وإنهاء الاحتلال".

وتعترف بالفعل 140 دولة حول العالم بدولة فلسطينية، أي أكثر من ثلثي الدول الأعضاء في الأمم المتحدة- لكن ليس من بينها أي من القوى الغربية الكبرى. وقد تؤدي خطوات، الأربعاء، إلى فرض مزيد من الضغط على القوتين فرنسا وألمانيا لإعادة النظر في موقفهما، وفقا لأسوشيتد برس.

من جهته، أعرب المحلل الفلسطيني، عن آماله بأن "تشجع هذه الخطوة الأوروبية باقي دول القارة والعالم من أجل الاعتراف بالدولة الفلسطينية"، مشيرا إلى أن هذه "صفعة حقيقية في وجه الظلم والاستكبار الذي تمارسه حكومة الاحتلال الإسرائيلي".

غضب إسرائيلي

واستدعت إسرائيل، الأربعاء، سفيريها في أيرلندا والنرويج "لإجراء مشاورات طارئة"، بعد تحرك هذين البلدين.

وقال وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان "أوجه اليوم رسالة شديدة اللهجة إلى أيرلندا والنرويج: "لن تلزم إسرائيل الصمت على ذلك. أصدرت التعليمات لعودة السفيرين الإسرائيليين في دبلن وأوسلو إلى إسرائيل لإجراء مزيد من المشاورات".

وبحسب كاتس فإن "الخطوات المتسرعة للبلدين ستكون لها عواقب وخيمة، وإذا نفذت إسبانيا وعودها بالاعتراف بالدولة الفلسطينية فستتخذ خطوات ضدها".

المحلل الإسرائيلي، آفي ميلاميد، يقول إن الاعترافات الأخيرة "تؤثر بالفعل على العلاقات بين إسرائيل وهذه الدول"، غير أنه يلفت إلى أن هذا "سيكون لفترة قصيرة فقط قبل أن تعود الأمور إلى وضعها الطبيعي، في ظل إمكانية تراجعها عنه".

ويضيف ميلاميد في تصريح لموقع "الحرة"، أن مواقف النرويج وإسبانيا وأيرلندا وباقي الدول التي تعتزم الاعتراف "لا تشكّل مفاجأة، حيث أن مواقفها وسياساتها معروفة منذ مدة طويلة بدعم الفلسطينيين"، متسائلا باستنكار عما يدفع هذه الدول للاعتراف "بكيان لا يوجد وبدون صلاحيات قانونية ودولية".

وتعليقا على موقف الخارجية الإسرائيلية بعد الإعلانات الأخيرة، يقول المحلل الفلسطيني الأيوبي، إنه على إسرائيل "أن تراجع سياساتها وحساباتها التي تعزز التطرف وتقض من السلم والأمن والاستقرار بالمنطقة، بدلا من لغة التهديد والوعيد".

ويضيف المتحدث ذاته، أن الولايات المتحدة "مدعوة لاغتنام الفرصة من أجل تهيئة الأجواء نحو مسار سياسي بين الشعب الفلسطيني والإسرائيليين ويفضي نحو إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس، وتعيش جنبا إلى جنب مع الإسرائيليين بسلم وأمان".

أي أهمية للخطوة؟

وبينما يؤكد الأيوبي على أنه سيكون للاعترافات الأخيرة "أثر قانوني كبير على طموحات الشعب الفلسطيني المرتبطة بحقه في تقرير مصيره وإقامة دولته"، فضلا عن "وضعها كوابح دبلوماسية وسياسية أمام التغول الإسرائيلي والتوجه لتدمير حل الدولتين". يستبعد ميلاميد في المقابل، أن يكون للإجراء أي تأثير عملي ملموس، وذلك بسبب عدم وجود دولة فلسطينية معترف بها من المؤسسات الدولية.

ويشير المحلل الإسرائيلي إلى أن إشكاليات عدة ترتبط بمواقف الدول الأوروبية وتحديدا سؤال "عن أي دولة فلسطينية يتحدثون هل عن التي ترأسها فتح والسلطة الفلسطينية، أم التي تخضع لسلطة حماس المصنفة منظمة إرهابية من الاتحاد الأوروبي".

ويضيف أنه "ما دامت فلسطين كيانا غير معترف به رسميا وقانونيا من المؤسسات الدولية، فإنه لا يتحمّل المسؤولية إزاء القرارات والالتزامات الدولية"، بالتالي يبقى من الصعب أن يقيم الجانب الإسرائيلي مفاوضات أو اتفاقيات".

ويذكر المتحدث ذاته أن القوى الغربية مثل الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا "لن يعترفوا بهذا الكيان لأسباب ترتبط بعدم وجود إطار رسمي وقانوني يخضع له".

وحذرت الحكومة الإسرائيلية أكثر من مرة من أن الاعتراف بدولة فلسطينية يشكل "مكافأة للإرهاب"، ومن شأنه أن يقلل فرص التوصل إلى حل للحرب في غزة عن طريق التفاوض. 

وعلى الجهة المقابلة، يقول المحلل الفلسطيني، إن العالم يتجه للاعتراف بحق الشعب الفلسطيني وأن إسرائيل مهما اتجهت نحو تكريس الأمر الواقع على الأراضي المحتلة عام 1967 لا يمكن أن تكسبها إجراءاتها أي حق على الأراضي الفلسطينية"، لأنه في نهاية المطاف "لن يتم حل الصراع إلا عبر دولتين وشعبين.

وذكرت صحيفة "نيويورك تايمز"، أنه بالنسبة للعديد من الدول، لم تعد حجج إسرائيل ضد الاعتراف بالدولة الفلسطينية مقنعة كما كانت في الماضي، لافتة إلى أن جل أعضاء الحكومة اليمينية الإسرائيلية يعارضون إقامتها، ولم تجر مفاوضات جادة حول حل الدولتين منذ أكثر من عقد. 

ووفقا للمصدر ذاته، فإن الدول التي تتجه نحو الاعتراف بالدولة الفلسطينية تجادل بأن القيام بذلك من شأنه الحفاظ على إمكانية التوصل إلى حل الدولتين للإسرائيليين والفلسطينيين.

ويشترك في هذا الموقف العديد من الفلسطينيين، الذين يقولون إن وجود أرضية متكافئة يتم فيها الاعتراف بإسرائيل والدولة الفلسطينية "شرط ضروري"، وخاتمة عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

بدورها، تقول الولايات المتحدة ومعظم دول أوروبا الغربية إنها مستعدة للاعتراف بدولة فلسطينية يوما ما، ولكن ليس قبل التوصل إلى اتفاق بشأن القضايا الشائكة مثل الحدود النهائية ووضع القدس، وذلك عبر مفاوضات مباشرة بين الجانبين.

ولكن بعد هجمات حماس في 7 أكتوبر والحرب التي شنتها إسرائيل ضد غزة ردا على ذلك، بدأ دبلوماسيون غربيون يعيدون النظر في أفكار كانت خلافية في الماضي، وفقا لرويترز.

"خلفيات التحول" 

السفيرة الأيرلندية بإسرائيل، سونيا ماكغينيس، قالت في مقال نشرته صحيفة "هآرتس"، الأربعاء، إنه "لا يمكن التوصل لحل مستدام للأزمة الحالية دون مسار سياسي واضح لا رجعة فيه نحو حل الدولتين"، وفيما أشارت إلى أن دبلن "تدرك أن هذا الموقف قد يبدو ساذجًا أو حتى مدمرًا وخطيرًا للإسرائيليين في ظل السياق الحالي، لكنها تؤكد أنه ليس كذلك".

وأضافت في المقال المعنون بـ"لماذ تعترف أيرلندا بالدولة الفلسطينية؟"، أنه "بعد مرور أكثر من 7 أشهر على هجمات حماس الإرهابية في 7 أكتوبر، لا تزال العائلات والمجتمع الإسرائيلي ينتظرون بقلق أخبار المحتجزين. كما يساور العالم قلق عميق إزاء مصير الرهائن واستياء تام من وحشية الهجمات".

وفي الوقت نفسه، تقول السفيرة الأيرلندية، إن هناك "ذعرا وفزعا في أيرلندا والعالم من مشاهد الموت والدمار والمجاعة في غزة يوميا"، معتبرة أن "الاعتراف بالدولة الفلسطينية ليس مكافأة للإرهاب بل العكس، فهو تأييد لرؤية تقرير المصير الفلسطيني التي تقبل فيها فلسطين الحرة والمستقلة حقوق وواجبات الدولة".

وذكرت صحيفة "نيويورك تايمز"، أن اعتراف  النرويج يحمل أهمية إضافية لأنها استضافت الاجتماعات السرية عام 1993 التي أدت إلى اتفاقيات أوسلو، والتي كانت إطارًا للسلام اقترب من حل النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين.

وبحسب المصدر ذاته، فإن النرويج ترى نفسها بأنها صديقة لإسرائيل، كما للبلدين علاقة طويلة الأمد. لكن منذ 7 أكتوبر، عندما شنت إسرائيل هجومًا عسكريًا على غزة ردًا على هجمات بقيادة حماس، أدانت النرويج أيضًا بشدة سلوك إسرائيل في الحرب.

وقال وزير خارجية النرويج في مارس إن "استخدام إسرائيل للقوة العسكرية له تأثير شديد بشكل غير متناسب على السكان المدنيين وهو ليس متماشيًا مع القانون الإنساني الدولي"، ودعا إلى وقف إطلاق النار.

كما واصلت النرويج تمويل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين (الأونروا)، الوكالة الرئيسية التابعة للأمم المتحدة التي تساعد اللاجئين الفلسطينيين، بعد أن توقفت عدة دول أخرى عن القيام بذلك بعد ادعاءات إسرائيل بأن نحو 12 من موظفي الوكالة كانوا متورطين في هجمات 7 أكتوبر.

وفي فبراير، أدلت النرويج بشهادتها أمام محكمة العدل الدولية، مؤكدة أن المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس الشرقية كانت من بين أكبر العقبات أمام السلام في المنطقة.

وعن التطورات الأخيرة في مواقف عدد من الدول الأوروبية، يؤكد الخبير في الشؤون الأوروبية، محمد رجائي بركات، أنها تعكس "وجود تأييد لتطلعات الشعب الفلسطيني وآماله في الحصول على حقه في إقامة دولته المستقلة".

ويلفت بركات في تصريح لموقع "الحرة"، إلى أنه من المرتقب أن تعقب المواقف الأخيرة قرارات مماثلة خاصة من بلجيكا ولوكسمبرغ وغيرهما، مشيرا إلى أنها تأتي على الرغم من عدم وجود توافق شامل بين دول الاتحاد الأوروبي وعدم اعتراف هذا الأخير كمنظمة بالدولة الفلسطينية.

وعام 2014، أصبحت السويد التي تضم جالية فلسطينية كبيرة أول دولة عضو في الاتحاد الأوروبي في أوروبا الغربية تعترف بدولة فلسطينية.

وكانت اعترفت بها في وقت سابق 6 دول أوروبية أخرى هي بلغاريا وقبرص والجمهورية التشيكية والمجر وبولندا ورومانيا.

وأعلن رئيس الوزراء الإسباني، بيدرو سانشيز، في مارس الماضي، أن إسبانيا وأيرلندا إلى جانب سلوفينيا ومالطا اتفقت على اتخاذ خطواتها الأولى نحو الاعتراف بدولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، معتبرة أن حل الدولتين ضروري للسلام الدائم.

وفي وقت سابق من هذا الشهر، بدأت سلوفينيا إجراءات الاعتراف بدولة فلسطينية كشكل من أشكال الضغط لإنهاء الصراع في غزة. وقال رئيس الوزراء، روبرت غولوب، إن 13 يونيو هو آخر موعد للإعلان عن قرارها.

ويربط الخبير المقيم في بروكسيل، ما يصفه بـ"التغيرات في المواقف الأوروبية" بـ"تأثير أعمال الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني على الرأي العام بتلك الدول، والذي يقول إنه "يتحرك بشكل ملحوظ وعلى كافة المستويات للضغط على حكوماته لوقف العدوان والاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني وكذلك دور المحاكم الدولية وإدانتها لتلك الأعمال".

"تغير جذري"

واعتبرت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، أن الاعترافات الأخيرة، تبقى "أحدث تطور في سلسلة من الانتكاسات الدبلوماسية لإسرائيل في حربها مع حماس"، مشيرة إلى أنها تأتي بعدما أعلنت المحكمة الجنائية الدولية، الثلاثاء، أنها تسعى لإصدار أوامر اعتقال بحق رئيس الوزراء، بنيامين نتانياهو، ووزير الدفاع، يوآف غالانت، بتهمة ارتكاب جرائم حرب محتملة، بالإضافة إلى ثلاثة من قادة حماس.

في السياق ذاته، يقول رجائي، إن هذه التطورات تعني "فشل الحكومة الإسرائيلية في وقف عملية الاعتراف بالدولة الفلسطينية ما يمثل ضربة قوية للحكومة اليمينية المتطرفة"، خاصة وأنها تأتي بعد "قرار المحكمة الدولية ونجاح التصويت الأخير على الاعتراف بالدولة من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة".

وبينما يقول رجائي إن هذه الاعترافات لن "تحل الأزمة في الشرق الأوسط"، يؤكد أنها "ستمثل بداية جديدة للحل عن طريق حل الدولتين، وهو ما يزعج الحكومة الإسرائيلية الحالية التي لا تعترف حتى بوجود الشعب الفلسطيني لا بل إنها تمارس ضده أعمال تهجير وإبادة جماعية".

من جهتها، ترى الخبيرة القانونية، ديالا شحادة، أن للاعترافات الجديدة "أهمية كبيرة"، إذ يعكس "التغير الجذري" في مواقف دول أوروبية من القضية الفلسطينية، موضحة أنه لا يمكن لأي دولة أن تدعم القضية وتدافع عن حقوق شعبها من دون أن تعترف بالدولة.

وذكرت شحادة في تصريح لموقع "الحرة"، أن خطوة الاعتراف الجماعي تمثل "إقرارا من هذه الدول بعدم صوابية مواقفها السابقة من القضية الفلسطينية، فضلا عن أن بيانات الاعتراف تضمنت إدانة صارخة للجرائم الإسرائيلية بحق الفلسطينيين".

وأوضحت أن هذه الاعترافات من شأنها أن تعزز علاقات الفلسطينيين مع الاتحاد الأوروبي، وأيضا أن "تضغط على الولايات المتحدة من أجل التمهيد لحصول فلسطين على عضوية كاملة في الأمم المتحدة.

وتضيف أن "الاعترافات تعني كذلك أن دولا جديدة انضمت إلى قافلة الدول الداعمة للفلسطينيين في أي مسار مقبل لمفاوضات السلام".

 السلطات في غزة حذرت العائدين من مخاطر القنابل والمخلفات الحربية
السلطات في غزة حذرت العائدين من مخاطر القنابل والمخلفات الحربية - أسوشيتد برس

لم ينته إطلاق سراح الدفعة الثانية من الرهائن والسجناء وفق اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، حتى خرجت تصريحات تشير إلى أن الأمر مجرد وقف مؤقت، لتزيد المخاوف من اشتعال الحرب مجددا بعد المرحلة الأولى من الهدنة.

وفي واجهة هذه التصريحات، تلك التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب عقب تنصيبه، حول عدم ثقته في استمرار وقف إطلاق النار في غزة، مشددا أيضًا على أن حماس ضعفت قواها عقب الضربات الإسرائيلية على مدار 15 شهرا مضت.

ترامب قال للصحفيين في المكتب البيضاوي، الإثنين: "لست واثقا من استمرار وقف إطلاق النار في غزة. إنها حربهم وليست حربنا"، دون تحديد ما إذا كان يقصد طرفا بعينه أم طرفي النزاع.

ولعل أكثر التصريحات وضوحا في هذا الصدد، كانت التي أدلى بها وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، حيث قال، السبت، إنه "حصل على ضمانات" من رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو، حول استئناف القتال ضد حماس مجددا، "من أجل القضاء على الحركة" المصنفة إرهابية في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وشدد محللون على المخاوف التي تحيط باتفاق وقف إطلاق النار، وخصوصا في ظل الغموض بشأن المرحلة الثانية من الاتفاق.

وقال أستاذ العلوم السياسية الفلسطيني، أيمن الرقب، لموقع "الحرة"، إن حديث ترامب عن "عدم الثقة" يوحي بأنه "ربما يمنح ضوءا أخضر لنتانياهو في حال الانتهاء من تبادل المختطفين والسجناء، باستئناف القتال مجددا في غزة".

وبدوره، اعتبر المحلل والأستاذ بالجامعة العبرية في القدس، مئير مصري، أن ما اتفق عليه الطرفان الإسرائيلي وحركة حماس، "ليس وقفا لإطلاق النار، وإنما هدنة مؤقتة".

وكتب في 16 يناير عبر حسابه على منصة إكس: "لا توجد صفقة.. الحديث عن اتفاق مرحلي وجزئي في إطار مناورة صهيونية تقليدية تماما. بعد 6 أسابيع سوف نعاود القتال".

ودخل اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، الأحد، وتستمر المرحلة الأولى منه 42 يوما، يتم خلالها تبادل رهائن ومعتقلين على مراحل، على أن يبدأ تسليم الدفعة الثانية من الرهائن في اليوم السابع من بدء سريان وقف إطلاق النار، لتبدأ عملية عودة النازحين.

من جانبها، قالت المحللة الأميركية، إيرينا تسوكرمان، في حديث لموقع "الحرة"، إن تعليقات ترامب "تبدو أنها نابعة من معرفة عملية بتاريخ المنظمات الإرهابية، وخصوصا حماس، مع وقف إطلاق النار. هو (ترامب) يتوقع أن تنتهك حماس الهدنة".

واتهمت تسوكرمان حماس بانتهاك اتفاقات وقف إطلاق النار في أوقات سابقة، موضحة: "كانت إسرائيل وحماس في حالة وقف إطلاق نار قبل السابع من أكتوبر"، في إشارة إلى الهجوم غير المسبوق في 2023.

القادم أسوأ؟

الثلاثاء، أعلن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، هرتسي هليفي، استقالته من منصبه على خلفية تحمله المسؤولية عن فشل الجيش في التعامل مع هجوم السابع من أكتوبر.

وتعليقا على الاستقالة، قال وزير المالية الإسرائيلي، سموتريتش، إن المرحلة المقبلة ستشهد "استبدال القيادة العسكرية العليا تمهيدا لاستئناف الحرب".

كما قال الوزير المنتمي إلى حزب "الصهيونية الدينية" الشريك في حكومة بنيامين نتانياهو، إنه عارض اتفاق وقف إطلاق النار، لكنه سيبقى في الحكومة وسيترك "سيف التهديد معلقا خلال الأشهر المقبلة"، مضيفا أن ذلك جعله يخوض مفاوضات مع رئيس الحكومة في هذا الشأن.

الرقب أشار إلى أن مواصلة الحرب "كانت من بين وعود نتانياهو لسموتريتش"، ملمحا إلى إمكانية وجود "أمر ما تم بين إدارة ترامب ونتانياهو".

ولفت إلى أن "الأخطر من جانب ترامب هو إلغاء العقوبات على المستوطنين الذين يعتدون على المدن والقرى الفلسطينية في الضفة الغربية"، معتبرا أن "القادم أسوأ".

تسوكرمان من جانبها، رأت أن سموتريتش يمكنه الحديث عن العودة للحرب "لكن إسرائيل تخضع لتدقيق دولي، ولن تنتهك الشروط الحالية لاتفاق وقف إطلاق النار".

إلا أنها قالت أيضًا للحرة، إنه بعد الأسابيع الستة الأولى من الاتفاق، "لم تتم تسوية شروط وقف إطلاق النار، ولا يوجد إطار واضح لذلك".

واختتمت حديثها بالقول، إن الاتفاق "بمثابة هدنة ووقف مؤقت للقتال أكثر من كونه نهاية مفاوضات. لو شعرت إسرائيل بأن أهدافها لم تتحقق، وهو الشعور العام، فقد تختار العودة إلى القتال".

وكان وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، قد قال، الأحد، إن بلاده "لن توقف الحرب" على حماس، حتى يعود جميع المختطفين إلى ديارهم.

وما يزيد ضغوط مواصلة الحرب على نتانياهو بجانب سموتريتش، استقالة أعضاء حزب "العظمة اليهودية" الحكومة الإسرائيلية، وعلى رأسهم وزير الأمن القومي المتشدد إيتمار بن غفير، بسبب اعتراضهم على اتفاق الهدنة.

ويشمل اتفاق وقف إطلاق النار في مرحلته الأولى، إطلاق حماس سراح 33 من الرهائن الإسرائيليين من بين 98 أحياء، بينهم نساء وأطفال ورجال فوق سن الخمسين ومرضى ومصابون.

فيما تفرج إسرائيل خلال نفس المرحلة عن حوالي ألفي سجين فلسطيني لديها، من بينهم 737 من الذكور والإناث والقصّر، بعضهم مدانين بتنفيذ هجمات مميتة ضد إسرائيليين.

ومن بين هؤلاء السجناء أيضا، 1167 فلسطينيا من غزة احتجزتهم إسرائيل منذ بداية الحرب التي اندلعت بعد هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023.