على الرغم من أمر المحكمة الدولية بوقف هجومها على رفح، تقول إسرائيل إنها ستواصل عملياتها، وتحاول السير على خط فاصل بين عدم إثارة غضب حلفائها بالولايات المتحدة ومحاولة تحقيق أهداف استراتيجية تعتبرها أكثر أهمية من أن تتخلى عنها، وفق تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز".
وبعد أسابيع عديدة من التحذيرات من البيت الأبيض، يصف كل من الإسرائيليين والأميركيين العملية العسكرية في رفح بأنها "محدودة"، مما يسمح للجيش الإسرائيلي بالمضي قدما، ولو بشكل أبطأ وحذر مما حدث في أجزاء أخرى من غزة.
لماذا تستمر إسرائيل في مهاجمة رفح؟
السبت، قصف الجيش الإسرائيلي السبت قطاع غزة ولا سيما رفح، غداة صدور أمر عن محكمة العدل الدولية لإسرائيل بوقف عملياتها العسكرية في المحافظة الجنوبية "فورا".
وكثف الجيش الإسرائيلي، ليل السبت-الأحد، قصفه بالمدفعية والطائرات مدينة رفح الواقعة في أقصى جنوبه وكذلك لمناطق في وسط القطاع وشماله، بحسب ما أفاد شهود عيان لوكالة "فرانس برس".
وبدأ الجيش الإسرائيلي في مايو هجوما بريا في مدينة رفح الواقعة قرب حدود مصر، ورغم المخاوف الدولية بشأن مصير المدنيين في المدينة المكتظة بالنازحين، تشدد إسرائيل على أن هذا الهجوم ضروري لتحقيق هدفها المعلن بـ"القضاء" على حركة حماس المصنفة إرهابية في الولايات المتحدة ودول أخرى.
وبالنسبة لإسرائيل، فإن الاستيلاء على رفح والحدود من شأنه أن يكمل عملية "إعادة احتلال" قطاع غزة بشكل فعال، وقد يعني الانتقال إلى مرحلة مختلفة من الغارات الأقل كثافة.
ويقول الإسرائيليون إن رفح تضم آخر أربع كتائب تابعة لحماس منظمة نسبيا، وبنية تحتية رئيسية للأنفاق وقاذفات صواريخ.
والأهم من ذلك، أن إسرائيل تريد محاولة إغلاق الحدود مع مصر للحد من تهريب الأسلحة في المستقبل، حسبما تشير "نيويورك تايمز".
وقال محمد المصري، 31 عاما، وهو محاسب يعيش في خيمة في رفح منذ أشهر: "الغارات الجوية متواصلة ومكثفة، ورائحة الدخان لا تفارق الهواء.. في الليل، يتقدمون بضعة أمتار في كل مرة، ويهرب الناس على الفور".
وكان يتحدث لـ"نيويورك تايمز" من غرب رفح، حيث لم يأمر الجيش الإسرائيلي السكان هناك بالمغادرة.
ومع ذلك، فإن العديد من الخيام التي كانت تؤوي العائلات منذ أشهر من حوله قد اختفت بسبب فرار الناس إلى أماكن أخرى.
وقال المصري: "إنهم يطلقون النار علينا ويقصفوننا باستمرار، لكن أكثر ما يخيفنا هو الطائرات بدون طيار".
وتظل الأهداف العسكرية الإسرائيلية دون تغيير، فهي تريد تأمين الحدود بالكامل مع مصر، وتدمير أنفاق التهريب وتفكيك آخر كتائب حماس، وإعادة الرهائن المتبقين لدى الحركة إلى إسرائيل، وكسر السيطرة الحمساوية الإدارية على قطاع غزة بالكامل.
وركزت القوات الإسرائيلية في البداية على تأمين الحدود ذات الكثافة السكانية المنخفضة، والتي تدور حول مدينة رفح وتضغط على ما يقرب من مليون شخص نزحوا من أجزاء أخرى من غزة للانتقال إلى مناطق من المفترض أن تكون أكثر أمانا ولكن الظروف لا تزال مزرية.
والخميس، قال الجيش الإسرائيلي، إن قواته تقاتل في أحياء البرازيل القريبة من الحدود وفي مخيم الشابورة للاجئين، وهو أعمق اختراق له في رفح.
لكن الجيش الإسرائيلي يصر على أنه لم يحاول بعد دخول المدينة المركزية التي يبلغ عدد سكانها في الأوقات العادية مليون نسمة.
ما أسباب "تخفيف التكتيكات"؟
يقول المحللون لـ"نيويورك تايمز"، إن الغضب والتحذيرات من إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، وغيرها من الحلفاء المقربين لإسرائيل كان لها تأثير في تخفيف التكتيكات الإسرائيلية، حتى لو ظل الهجوم مدمرا.
ويقول الضباط الذين تركوا القتال في رفح للتو إن إسرائيل "تستخدم قدرا أقل من القوة الجوية والمدفعية، وقنابل أقل وأصغر حجما"، مما يجبر الجنود الإسرائيليين على الانخراط في حرب عصابات في المناطق الحضرية مع مقاتلي حماس.
ومع إصرار الأميركيين على أن تقوم إسرائيل بإجلاء المدنيين قدر الإمكان من مناطق العمليات المخطط لها، في الأسبوعين الماضيين، انتقل ما يصل إلى مليون مدني غربا نحو البحر والمناطق الأكثر أمانا، حتى لو توفرت مرافق للإيواء فالتغذية والرعاية بالنسبة لهم "غير كافية".
وتصر إسرائيل على أنها استجابت للانتقادات الأميركية وتحاول تحذير المدنيين للابتعاد عن طريق القتال.
ولكن حتى لو لم يكن المدنيون في خط النار، فإن التهديدات التي يتعرضون لها تظل خطيرة مع عبور القليل من المساعدات من مصر أو عدم عبورها على الإطلاق.
إغلاق الحدود مع مصر؟
قال تامير هايمان، المدير التنفيذي لمعهد دراسات الأمن القومي واللواء الاحتياطي والرئيس السابق للمخابرات العسكرية من 2018 إلى 2021، إن المفاوضين الإسرائيليين أخطأوا في قراءة نظرائهم المصريين واعتقدوا أن القاهرة لن تعترض بشدة على استيلاء إسرائيل على الجانب الفلسطيني من معبر رفح.
ويعتقد كوبي مايكل، الباحث البارز في معهد دراسات الأمن القومي، أن بعض مقاتلي حماس يقومون بالإخلاء مع المدنيين، على أمل القتال مرة أخرى في المناطق التي احتلتها إسرائيل ثم انسحبت منها، كما هو الحال في جباليا، حيث اشتد القتال المتجدد.
ويتفق مايكل مع المسؤولين الإسرائيليين على أن كتائب حماس الأربع التي لا تزال في رفح "ليست مدربة بشكل جيد مثل تلك الموجودة في الشمال ولا تمثل مشكلة ملحة".
ومن جانبه، قال هايمان إنه من الناحية الاستراتيجية، من المهم للغاية بالنسبة لإسرائيل أن تغلق الحدود مع مصر.
وعلى الرغم من النفي المصري لأي تسامح مع التهريب إلى غزة، قال هايمان، إن "المخابرات الإسرائيلية تعتقد أن معظم أسلحة حماس ومكوناتها جاءت من مصر، إما عبر أنفاق التهريب أو عبر المعبر نفسه، وغالبا ما كانت مخبأة بعناية على مر السنين في شاحنات تجارية عادية".
وقالت إسرائيل علنا في منتصف مايو إنها اكتشفت في رفح وما حولها حوالي 700 فتحة نفق تؤدي إلى 50 نفقا أكبر للتهريب إلى مصر.
وقال مايكل إن الجيش اختار عدم تفجير الأنفاق بعد لأنه سيتسبب في أضرار داخل مصر.
وأضاف أنه لنفس السبب، لا يكشف الجيش عن صور الأنفاق لمحاولة تجنب إحراج الحكومة المصرية، التي تصرفت في الماضي بقوة للعثور على مثل هذه الأنفاق وتدميرها.
وفي يناير الماضي، قال رئيس الهيئة العامة للاستعلامات في مصر، ضياء رشوان، ردا على تصريحات لمسؤولين إسرائيليين، أشاروا فيها لوجود عمليات تهريب للأسلحة إلى قطاع غزة من الأراضي المصرية، معتبرا أنها بمثابة "مزاعم وادعاءات باطلة".
ومن جانبها، تقول إسرائيل إنه ما لم يكن من الممكن السيطرة على التهريب إلى غزة من مصر، فإن حماس أو أي جماعة مسلحة أخرى ستكون قادرة على إعادة الإمدادات مع مرور الوقت.
كيف يمكن إعادة فتح معبر رفح؟
يظل ذلك السؤال أحد الأسئلة السياسية العميقة التي رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، الإجابة عليها، حسبما تقول "نيويورك تايمز".
ويصر نتنياهو على أن إسرائيل يجب أن تفكك سيطرة حماس العسكرية والإدارية على غزة، بينما يرفض التعامل مع حلفائه والسلطة الفلسطينية، البديل الرئيسي الحالي لحماس، حول من سيحكم غزة في المستقبل ويرعى مواطنيها.
بالنسبة للكثيرين، يعني ذلك احتلالا عسكريا إسرائيليا طويل الأمد قال كبار ضباط الجيش إنهم" يريدون تجنبه".
ومن جانبه، قال غابي سيبوني، العقيد الاحتياطي وزميل معهد القدس للاستراتيجية والأمن ذي الميول المحافظة، إن المشكلة الرئيسية "هي أن الجيش يتعامل فقط مع تفكيك نظام حماس العسكري وليس النظام المدني".
وأشار إلى أن "سيطرة حماس على المجال المدني ستكون نقطة انطلاقها لإعادة بناء جيشها".
ومن وجهة نظره، لا يوجد بديل لفترة انتقالية من الحكم العسكري الإسرائيلي في غزة يمكن أن تستمر عدة سنوات.
ومن جانبه، أكد هايمان أن "عملية تفكيك هياكل حماس هناك قد تستغرق وقتًا أطول بكثير".
وقال: "الخيار هو الانسحاب أو تعميق سيطرتك ومحاولة إبقاء حماس تحت الأرض".
وأشار إلى أن إسرائيل يمكن أن تتفاوض مع مصر والولايات المتحدة والشركاء الإقليميين للتوصل إلى اتفاق تحصل بموجبه السلطة الفلسطينية على سيادة رمزية على الأقل على الجانب الخاص بغزة من المعبر.
واندلعت الحرب بين إسرائيل وحماس، إثر هجوم الحركة "غير المسبوق" على مناطق ومواقع محاذية لقطاع غزة في السابع من أكتوبر، والذي أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم مدنيون، وبينهم نساء وأطفال، وفق السلطات الإسرائيلية
وردا على الهجوم، تعهدت إسرائيل "القضاء على حماس"، وتنفذ منذ ذلك الحين حملة قصف أتبعت بعمليات برية منذ 27 أكتوبر، أسفرت عن سقوط 35903 شخصا، معظمهم من النساء والأطفال، وفق ما أعلنته وزارة الصحة في القطاع.