أطفال يلعبون وسط الدمار في غزة (أرشيفية)
أطفال يلعبون وسط الدمار في غزة (أرشيفية)

في عيد الأضحى يلتقي الأقارب والمعارف بعد صلاة العيد ويتبادلون التهاني ويتم ذبح الأضاحي، وتغمر السعادة ومشاعر الود المسلمين حول العالم، لكن في قطاع غزة كان الأمر مختلفًا، فكانت الصلاة بين حطام المنازل والمساجد، بينما لم يجد بعض سكان المخيمات مكانا آمنا للقيام حتى بذلك.

قرر الطبيب الفلسطيني مصطفى نعيم (29 عاما)، وزملاؤه في مستشفى "كمال عدوان" شمالي قطاع غزة، بمحاولة لإدخال روح العيد على الجرحى، وخصوصا الأطفال وأهاليهم، الذين أصبحوا جميعا بمثابة "الأسرة الواحدة" بعدما فرقت الحرب شمل العائلات في الشمال والوسط والجنوب.

وشهد أول أيام عيد الأضحى، الأحد، يوما نادرا من الهدوء النسبي في قطاع غزة، بعد أن أعلنت إسرائيل "وقفا تكتيكيا" للقتال بالقرب من رفح، لتسهيل توصيل المساعدات، رغم التراجع السريع عن هذا الوقف.

وأدى عشرات الفلسطينيين من سكان القطاع صلاة العيد، صباح الأحد، محاطين بالمباني المدمرة، في مشهد يعكس آثار الحرب المستمرة منذ 8 أشهر بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية.

أجواء العيد بأبسط الطرق

قال نعيم في حديثه لموقع "الحرة"، عبر تطبيق واتساب: "نحن كطواقم طبية لا نزال عالقين في شمال غزة ومحاصرين في المستشفيات بعيدا عن أهلنا، الذين اضطروا للنزوح جنوبا.. منذ بداية الحرب لم نر أسرنا ولا زوجاتنا ولا أولادنا".

لقطة من مقطع فيديو أرسله الطبيب الفلسطيني للحرة من مستشفى كمال عدوان

ورغم أن "أجواء العيد معدومة تقريبا"، وفق نعيم، إلا أنه وزملاءه في مستشفى "كمال عدوان"، حاولوا "الترفيه عن الجرحى والأطفال وأهاليهم بأبسط الطرق"، قائلا: "منحنا كل طفل في المستشفى معايدة بسيطة، مثل لعبة أو شيكل كعيدية".

وتابع: "رأينا الفرحة على وجوه المرضى والأطفال وأسرهم، مما انعكس على معنوياتنا بشكل إيجابي في ظل ما نواجهه، خاصة أن من في المستشفى أصبحوا مثل أهلنا، كون الكثيرين منا بعيدين عن عائلاتهم".

وأرسل نعيم مقطع فيديو مصنوع بإمكانيات بسيطة، يوثق ما قام به الطاقم الطبي في المستشفى شبه المدمر، حيث قدموا الحلوى للأطفال، ومنحوهم عملات نقدية معدنية كعيدية، مثل المتعارف عليه في الأعياد بشكل عام بين سكان غزة وبقية الدول العربية.

مقطع فيديو من داخل مستشفى كمال عدوان شمالي قطاع غزة أول أيام عيد الأضحى

وفي دير البلح، حيث مخيمات النازحين وسط قطاع غزة، تقول الطبيبة شهد أحمد السبع (22 عاما)، في اتصال هاتفي مع موقع "الحرة"، إن المنطقة التي يعيشون فيها كنازحين بها حوالي 1500 خيمة، ولا يوجد مكان يتسع للناس لأداء صلاة العيد.

وأضافت: "لكن في مناطق أخرى، علمنا أن البعض أدى الصلاة وسط الدمار".

وأشارت إلى أن "الناس على قدر ما تستطيع كانت ترفع صوتها بالتكبيرات والأمور المعتادة الجميلة، ويزورون بعضهم البعض في الخيام، لأن علينا تعظيم شعائر العيد كواجب ديني، وحدث ذلك بمظاهر بسيطة تماما وقدر المستطاع، رغم الدمار والمعاناة النفسية".

كما نوهت بأنه "لا توجد أضاحي بالطبع" كما المعتاد، في ظل النقص الحاد في المواد الغذائية في غزة بسبب الحرب.

تقليديا، يضحي السكان بالأغنام في العيد، ويتصدقون باللحوم على المحتاجين ويقدمون الهدايا والعيديات للأطفال.

ووصل سعر كيلو اللحم إلى 200 شيكل (حوالي 50 دولارًا)، أما الخروف الحي، الذي كان يمكن شراؤه بمبلغ يصل إلى 200 دولار قبل الحرب، بلغ سعره الآن نحو 1300 دولار "هذا إذا كان متاحًا"، وفق تعبير وكالة فرانس برس.

لكن هذا العام، لم تفرح قلوب سكان غزة بعد أكثر من 240 يوما من القصف الإسرائيلي المتواصل والعمليات العسكرية التي أدت إلى نزوح 75 بالمئة من سكان القطاع المهددين بالمجاعة، والذين يناهز عددهم 2,4 مليون نسمة، وفق تقديرات الأمم المتحدة.

"حلمنا بالزفاف فوجدنا الحرب"

كان من المفترض أن يتزوج نعيم بشهد في السابع من أكتوبر، لكن حينما بدأت الحرب، اضطر الطبيب الفلسطيني للعمل، تاركا كل شيء خلفه، حتى عروسه، قائلا: "لم أتوقع أبدا أن يستمر الوضع حتى اليوم، وأن الفراق سيمتد كل هذا الوقت".

وأضاف لموقع الحرة: "اتصلت بها وبأسرتي في أول أيام العيد للتهنئة والاطمئنان عليهم، ولأن شبكة الاتصالات سيئة لم أفهم شيئًا من أغلب المكالمات، ولم أفسر أي شيء من بكائهم. كل هذا كفيل بأن يهدم الشخص تماما".

وتابع: "بينك وبين أهلك ومن تحب حاجز ودبابات وسياج أمني، ومسألة لقائهم أشبه بالخيال رغم قصر المسافة".

أدى عشرات الفلسطينيين من سكان غزة صلاة العيد صباح الأحد محاطين بالمباني المدمرة

وتضغط الولايات المتحدة على إسرائيل وحماس (المصنفة إرهابية في الولايات المتحدة ودول أخرى) للقبول رسميا باتفاق وقف إطلاق النار الذي حصل على ضوء أخضر من أعضاء مجلس الأمن الأسبوع الماضي، ما قد يسمح بوقف مبدئي للقتال لمدة ستة أسابيع.

واستغل الرئيس الأميركي، جو بايدن، رسالته للمسلمين بمناسبة عيد الأضحى، وحث على تبني اتفاق وقف إطلاق النار المدعوم من الولايات المتحدة، قائلا، الأحد، إنه يمثل أفضل وسيلة لمساعدة المدنيين الذين يعانون "أهوال الحرب بين حماس وإسرائيل".

وأضاف في بيان: "قُتل عدد كبير جدا من الأبرياء، بما في ذلك آلاف الأطفال. عائلات فرت من منازلها وشهدت مجتمعاتها تُدمَّر. إنهم يعانون آلاما هائلة".

وتابع: "أعتقد بقوة أن مقترح وقف إطلاق النار على ثلاث مراحل الذي قدمته إسرائيل لحماس وأقره مجلس الأمن الدولي هو أفضل وسيلة لإنهاء العنف في غزة وبالتالي إنهاء الحرب".

عيد القلق والخوف

تخرجت السبع في كلية الطب العام الماضي، وقالت إنها كان من المفترض أن تبدأ مزاولة المهنة "لكن الحرب جعلتها تنقطع عن الحياة بالكامل".

وأضافت للحرة: "هذا العيد من أصعب الأوقات التي تمر حاليا علينا، فنحن بعيدان عن بعضنا البعض ولا يوجد ما يضمن أن أيا منّا سيكون سليما في أية لحظة.. هناك توتر وخوف دائم، ولا توجد اتصالات جيدة للاطمئنان بشكل متواصل".

كما أشارت إلى أن "أكثر ما يؤلم في العيد هو إحساس النقص الدائم. الناس مشتتة عن بعضها البعض، وفي العيد أهم شيء هو تجمع الأسر، وما يؤلم أيضا هو إحساس التوتر والخوف من الحرب نفسها".

وهناك عادة في أغلب الدول العربية، بأن يضاعف الناس فرحة العيد بهجة بإقامة الأعراس، حيث تكون الأسر مجتمعة، لكن مع النزوح والحواجز العسكرية والحرب الدائرة، لن يتمكن نعيم من حضور زفاف أخيه خلال العيد، الذي سيقام أيضًا في أجواء حزينة، في محاولة لجعل الحياة تستمر رغم الحرب، وفق وصف الطبيبة الشابة.

وأضافت أن أهله يتواجدون الآن في خان يونس بعدما كانوا قد نزحوا إلى رفح، حيث دفعتهم العمليات الإسرائيلية الأخيرة إلى مغادرة المدينة الواقعة أقصى جنوبي قطاع غزة.

لقطة من مقطع فيديو أرسله الطبيب الفلسطيني للحرة من مستشفى كمال عدوان

عمل نعيم كرئيس لقسم العناية المركزة بالمستشفى الإندونيسي شمالي القطاع، وبعد عمليات عسكرية إسرائيلية تعرض المستشفى للدمار وأُجبر مع آخرين على الخروج.

وتتهم إسرائيل حركة حماس باستخدام المنشآت الطبية ومنازل السكان في غزة لأغراض عسكرية، مما يجعلها "أهدافا مشروعة"، لكن الحركة تنفي هذه الاتهامات دائما.

وقال نعيم للحرة: "انتقلت بعد ذلك لمستشفى كمال عدوان كرئيسا لقسم العناية المركزة قبل حصار ودمار آخر، جعلني أنتقل إلى مركز طبي بجباليا تعرض كذلك للتدمير والقصف".

وأوضح: "هربنا مجددا إلى مستشفى كمال عدوان حيث أعمل حاليًا رئيسا لقسم الجراحة والطوارئ. أحيانا تكون هناك كهرباء فقط لساعتين على مدار اليوم، وحينها نقوم بكل الأشعة والفحوصات والعمليات المهمة، مستغلين هذه الفترة".

ووصف نعيم وضعه حاليًا في شمال القطاع الذي يعاني من نقص المواد الغذائية والطبية، وقال: "كل لحظة نموت مع كل روح تزهق ومع كل جريح يتألم وما باليد حيلة.. يجب أن تظل شامخا كالجبل حتى لو كنت تموت بداخلك ألف مرة في الدقيقة".

غزة
حوالي 400 ألف نسمة يعيشون في شمال القطاع

أبلغ وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، نظيره الأميركي لويد أوستن، خلال مكالمة هاتفية، بأنه "لا يتم تنفيذ خطة اقترحها جنرالات سابقون لفرض حصار على شمالي غزة"، وفقا لما نقل موقع "أكسيوس" الأميركي عن مسؤولين إسرائيليين.

وأوضح المسؤولون أن غالانت أخبر أوستن خلال مكالمتهما، الأحد، أن إسرائيل "لا تنفذ خطة الجنرالات، ولا تفرض حصارًا على شمالي غزة".

وأشاروا إلى أن غالانت كرر هذه الرسالة في مكالمة مع السفير الأميركي لدى إسرائيل، جاك لو، الإثنين.

وكانت هيئة البث الإسرائيلية قد نقلت عن مصادر إسرائيلية في وقت سابق، أن كبار مسؤولي الجيش يدرسون خطة لتحويل شمالي قطاع غزة إلى منطقة عسكرية، وإخلاء 200 ألف فلسطيني من سكان الشمال إلى جنوبي القطاع، لإبقاء المنطقة خاضعة للسيطرة العسكرية الإسرائيلية الكاملة. 

وتتضمن الخطوة الأولى من الخطة، دعوة السكان المدنيين للإخلاء نحو جنوب وادي غزة، الذي أصبح خطا فاصلا في غزة منذ بدء العمليات العسكرية الإسرائيلية في القطاع المحاصر، في أكتوبر الماضي.

صورة تظهر حجم الحريق في خيم للنازحين بمستشفى فلسطيني في دير البلح- أسوشيتد برس
أدى لحرق خيام نازحين.. 4 قتلى بهجوم إسرائيلي وسط غزة
قال مسعفون فلسطينيون إن هجوما جويا إسرائيليا استهدف فناء مستشفى في قطاع غزة في وقت مبكر من صباح اليوم الاثنين، قتل أربعة أشخاص على الأقل و أطلق ألسنة لهب اجتاحت مخيما مزدحما للنازحين جراء الحرب، ما تسبب في إصابة أكثر من 20 شخصاً بحروق شديدة.

وبموجب الخطوة، سيعتبر من سيبقى من السكان "مقاتلا"، مما يعني أن اللوائح العسكرية ستسمح للقوات بقتلهم، وسيُحرمون من الطعام والماء والدواء والوقود، وفقا لنسخة من الخطة قدمها لوكالة أسوشيتد برس معدها الرئيسي، الجنرال ومستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق، جيورا إيلاند.

وتقترح الخطة أن تواصل إسرائيل السيطرة على الشمال لفترة غير محددة، في محاولة لإنشاء إدارة جديدة بدون حماس، مقسّمة قطاع غزة إلى قسمين.

من جانبها، أشارت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، إلى أنه بينما يبقى من غير الواضح ما إذا كان الجيش الإسرائيلي قد تبنى هذه الخطة جزئيا أو كليا، فيما تشير الأدلة الظرفية لما يجري  إلى أنها على الأقل "تؤثر بقوة" على التكتيكات المستخدمة ضد السكان.

واكتفت وحدة المتحدثين التابعة للجيش الإسرائيلي بالقول لموقع "الحرة": "لن نتطرق إلى الخطط العملياتية، جيش الدفاع الإسرائيلي يتصرف وفقا لقرارات المستوى السياسي".

وتعرض الجزء الشمالي من غزة، الذي يسكنه أكثر من نصف سكان القطاع البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، لقصف إسرائيلي شامل في المرحلة الأولى من العمليات العسكرية على القطاع، التي بدأت منذ عام عقب هجوم في السابع من أكتوبر.

وبعد عام من الهجمات الإسرائيلية المستمرة التي قتلت حتى الآن نحو 42 ألف فلسطيني، وفقا لسلطات الصحة في غزة، عاد مئات الآلاف من السكان إلى المناطق الشمالية المدمرة.

ومع بداية العمليات الأخيرة، أصدر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، تحذيرا على وسائل التواصل الاجتماعي، حض فيه سكان بلدات بيت لاهيا وجباليا وبيت حانون في شمال غزة وأحياء أخرى على إخلائها والانتقال إلى جنوب غزة.

وكشف الأمين العام لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، فيليب لازاريني، الخميس، أن "400 ألف شخص على الأقل محاصرون في المنطقة" (شمال غزة).

وأوضح في منشور  على منصة "إكس"، أنه "مع عدم توفر الإمدادات الأساسية تقريبا، ينتشر الجوع".

في المقابل، أوضح غالانت للسفير الأميركي أن الجيش الإسرائيلي فتح معبر زيكيم في شمال غرب غزة، وأن شاحنات المساعدات الأولية دخلت، الإثنين، حسبما قال مسؤولون إسرائيليون، لموقع "إكسيوس".

وقال الجيش الإسرائيلي إن 30 شاحنة تحمل الدقيق والأغذية من برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة تم نقلها  من ميناء أشدود عبر معبر "إيرز غرب" (زيكيم) إلى شمالي قطاع غزة، وفق أكسيوس.

وأوضح مسؤول إسرائيلي أن هذه كانت أول عملية تسليم مساعدات إلى شمالي غزة منذ الأسبوع الأول من أكتوبر.

وقال مسؤولون إسرائيليون إن تسليم المساعدات من خلال القطاع الخاص في غزة توقف، بسبب "العلاقات بين التجار المحليين وحماس".