اكتشاف شلل الأطفال في منطقة حيث يعيش معظم الناس في خيام أو ملاجئ بدون مرافق صحية مناسبة
اكتشاف شلل الأطفال في منطقة حيث يعيش معظم الناس في خيام أو ملاجئ بدون مرافق صحية مناسبة

يعقد القصف الإسرائيلي المتواصل وارتفاع درجات الحرارة خطط التلقيح ضد شلل الأطفال في قطاع غزة حيث أعلن، الأسبوع الماضي، تسجيل أول حالة إصابة بالمرض منذ 25 عاما في ظل تدهور كبير في الظروف الصحية.

"تهديدا للأطفال"

والثلاثاء، قالت وزارة الصحة في غزة التي تديرها حركة حماس إنها لا تزال تنتظر وصول لقاحات شلل الأطفال بعد اكتشاف المرض في المنطقة حيث يعيش معظم الناس الآن في خيام أو ملاجئ بدون مرافق صحية مناسبة. 

ورددت دعوة من الأمم المتحدة، الأسبوع الماضي، لوقف إطلاق النار للسماح بحملة التطعيم.

والجمعة الماضية، أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية من رام الله تسجيل أول إصابة بفيروس شلل الأطفال في مدينة دير البلح في وسط قطاع غزة لدى طفل يبلغ من العمر عشرة شهور ولم يحصل على جرعة تطعيم ضد المرض.

وشلل الأطفال فيروس شديد العدوى يغزو الجهاز العصبي، وينتشر في أغلب الأحيان عن طريق مياه الصرف الصحي والمياه الملوثة.

ويمكن أن يسبب تشوّهات وشللا دائما، وقد يصبح مميتا. 

والأطفال دون سن الخامسة هم الأكثر عرضة للخطر من هذا المرض الفيروسي، خاصة الرضع دون سن الثانية، إذ توقفت برامج التطعيم الدورية بسبب الحرب في قطاع غزة.

وتشير بيانات "الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني" إلى أن ما يقرب من نصف سكان قطاع غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة هم دون سن 18 عاما، ونحو 15 بالمئة منهم أطفال دون سن الخامسة.

وتقول منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) إن لديهما خططا تفصيلية لتطعيم 640 ألف طفل في أنحاء غزة بدءا من نهاية الشهر الجاري. 

ومن جانبها، تقول جولييت توما، مديرة الاتصالات في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، "من الصعب للغاية القيام بحملة تطعيم بهذا الحجم تحت سماء مليئة بالغارات الجوية". 

كما أن هناك قيودا مفروضة على دخول المساعدات، ومن بينها الأدوية، الى القطاع المحاصر، بينما تزيد درجات الحرارة المرتفعة في فصل الصيف من صعوبة تنفيذ حملة التلقيح.

سلسلة توريد "هشة"

ويقول ممثل منظمة الصحة العالمية في غزة، ريتشارد بيبيركورن، إن المنظمة ستشرف على الخطة الرئيسية لحملة التطعيم، مع 2700 عامل صحي موزعين على 708 فرق تعمل في كل بلدية في قطاع غزة، وفق وكالة "فرانس برس".

أما اليونيسيف فتقول على لسان المتحدث باسمها، جوناثان كريكس، إنها مسؤولة عن ضمان سلسلة الإمدادات التي تحتاج إلى تبريد ليتمّ جلب اللقاحات وتوزيعها في جميع أنحاء غزة. 

ومن المتوقع أن تكون الأدوات اللازمة للحفاظ على التبريد، بما في ذلك الثلاجات، بدأت بالوصول الأربعاء إلى مطار تل أبيب، على أن تليها جرعات من اللقاح. 

ويضيف كريكس أن اللقاحات عبارة عن قطرات فموية وليست قابلة للحقن، ومن المتوقع أن تدخل غزة الأحد من إسرائيل عبر معبر كرم أبو سالم بالقرب من الحدود المصرية.

وتمّ تحضير حوالي 1,6 مليون جرعة لتوفير جرعتين لكل طفل من أطفال غزة البالغ عددهم 640 ألفا، مع جرعات فائضة لتغطية ما يمكن فقده بسبب الحرارة. 

ويقول المتحدث باسم اليونيسف "يحتوي كل صندوق على رمز يتفاعل مع التغيرات في درجات الحرارة" ويظهر عندما تصبح الجرعات غير قابلة للاستخدام. 

ويعتبر إيصال المساعدات والإمدادات عبر نقاط الدخول التي تسيطر عليها إسرائيل قضية مركزية بالنسبة للمنظمات الإنسانية العاملة في غزة التي تشكو من القيود التي تفرضها السلطات الإسرائيلية، بما في ذلك القوائم المتغيرة باستمرار للمواد المسموح إدخالها والعقبات الإدارية التي تؤدي إلى التأخير.

وبالتالي، تزداد نسبة النقص في كل شيء في قطاع غزة بدءا من الوقود والمعدات الطبية وصولا إلى الغذاء.

وتنفي إسرائيل أن تكون هي سبب العراقيل، وتلوم المنظمات الإنسانية على افتقارها إلى القدرة على توزيع السلع التي تسمح بها في غزة. 

ووفقا لتوما، بمجرد وصول اللقاحات إلى غزة، سيتم الاحتفاظ بها ضمن مكان سلسلة التبريد، وهي مساحة تخزين تابعة للأمم المتحدة في مدينة دير البلح بوسط غزة، قبل بدء حملة التطعيم في 31 أغسطس.

ويوضح كريكس أن اللقاحات "ستوزّع عن طريق شاحنات التبريد إذا تمكننا من العثور على بعضها، وإلا عن طريق صناديق التبريد" المملوءة بأكياس الثلج، مشيرا إلى أنها ستذهب إلى مرافق وزارة الصحة وملاجئ الأونروا وشركاء.

"لا ضمانة" للوصول إلى الأطفال 

وتعرض النظام الصحي في غزة للدمار بسبب الحرب المستمرة منذ أكثر من عشرة أشهر.
ويشرح كريكس "هناك 16 مستشفى فقط من أصل 36 تعمل في قطاع غزة، وبشكل جزئي فقط". 

ومع توقّف محطة توليد الكهرباء الوحيدة وانقطاع إمدادات الكهرباء من إسرائيل، تعتمد المرافق الصحية بشكل كبير على المولدات بينما الوقود شحيح جدا.

وبحسب كريكس، تمّ تحديد 11 منشأة صحية فقط قادرة على الحفاظ على سلسلة التبريد. 

ولكن حتى لو نُقلت اللقاحات ووُزّعت بنجاح، فليس هناك ما يضمن أن الناس سيتمكنون من الوصول إليها بأمان.

ودعا الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إلى هدنة لمدة سبعة أيام للتمكّن من تطعيم الأطفال. 

ويقول مدير الرعاية الصحية الأولية في وزارة الصحة في غزة، موسى عابد: "بدون بيئة آمنة لحملة التطعيم، لن نتمكن من الوصول إلى 95 في المئة من الأطفال دون سن العاشرة"، وهو الهدف المحدد للحملة.

ويوضح عابد أن العديد من سكان غزة يعيشون في مخيمات مؤقتة أو في مدارس الأونروا التي باتت تستخدم كملاجئ، ما يجعل من الصعب الوصول إليها. 

ومن جانبها، تقول توما التي عملت ضمن فريق الاستجابة لمنع انتشار شلل الأطفال خلال الحرب في كل من سوريا والعراق، "إن عودة شلل الأطفال إلى مكان تمّ القضاء عليه فيه خير تعبير عن الواقع".

وردّا على سؤال لـ"فرانس برس" قالت هيئة "كوغات" المعنية بإدارة الشؤون المدنية في الأراضي الفلسطينية والتابعة لوزارة الدفاع الإسرائيلية، إن "جهدا مشتركا سيبذل مع المجتمع الدولي"، واعدة بـ"تعاون كامل".

واندلعت الحرب بين إسرائيل وحماس المصنفة إرهابية في أميركا، إثر هجوم الحركة "غير المسبوق" على مناطق ومواقع محاذية لقطاع غزة في السابع من أكتوبر، والذي أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم مدنيون، وبينهم نساء وأطفال، وفق السلطات الإسرائيلية.

وردا على الهجوم، تعهدت إسرائيل "القضاء على حماس"، وتنفذ منذ ذلك الحين حملة قصف على قطاع غزة أتبعت بعمليات برية منذ 27 أكتوبر، أسفرت عن مقتل 40223 شخصا، معظمهم من النساء والأطفال، وفق ما أعلنته وزارة الصحة في القطاع.

 السلطات في غزة حذرت العائدين من مخاطر القنابل والمخلفات الحربية
السلطات في غزة حذرت العائدين من مخاطر القنابل والمخلفات الحربية - أسوشيتد برس

لم ينته إطلاق سراح الدفعة الثانية من الرهائن والسجناء وفق اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، حتى خرجت تصريحات تشير إلى أن الأمر مجرد وقف مؤقت، لتزيد المخاوف من اشتعال الحرب مجددا بعد المرحلة الأولى من الهدنة.

وفي واجهة هذه التصريحات، تلك التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب عقب تنصيبه، حول عدم ثقته في استمرار وقف إطلاق النار في غزة، مشددا أيضًا على أن حماس ضعفت قواها عقب الضربات الإسرائيلية على مدار 15 شهرا مضت.

ترامب قال للصحفيين في المكتب البيضاوي، الإثنين: "لست واثقا من استمرار وقف إطلاق النار في غزة. إنها حربهم وليست حربنا"، دون تحديد ما إذا كان يقصد طرفا بعينه أم طرفي النزاع.

ولعل أكثر التصريحات وضوحا في هذا الصدد، كانت التي أدلى بها وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، حيث قال، السبت، إنه "حصل على ضمانات" من رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو، حول استئناف القتال ضد حماس مجددا، "من أجل القضاء على الحركة" المصنفة إرهابية في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وشدد محللون على المخاوف التي تحيط باتفاق وقف إطلاق النار، وخصوصا في ظل الغموض بشأن المرحلة الثانية من الاتفاق.

وقال أستاذ العلوم السياسية الفلسطيني، أيمن الرقب، لموقع "الحرة"، إن حديث ترامب عن "عدم الثقة" يوحي بأنه "ربما يمنح ضوءا أخضر لنتانياهو في حال الانتهاء من تبادل المختطفين والسجناء، باستئناف القتال مجددا في غزة".

وبدوره، اعتبر المحلل والأستاذ بالجامعة العبرية في القدس، مئير مصري، أن ما اتفق عليه الطرفان الإسرائيلي وحركة حماس، "ليس وقفا لإطلاق النار، وإنما هدنة مؤقتة".

وكتب في 16 يناير عبر حسابه على منصة إكس: "لا توجد صفقة.. الحديث عن اتفاق مرحلي وجزئي في إطار مناورة صهيونية تقليدية تماما. بعد 6 أسابيع سوف نعاود القتال".

ودخل اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، الأحد، وتستمر المرحلة الأولى منه 42 يوما، يتم خلالها تبادل رهائن ومعتقلين على مراحل، على أن يبدأ تسليم الدفعة الثانية من الرهائن في اليوم السابع من بدء سريان وقف إطلاق النار، لتبدأ عملية عودة النازحين.

من جانبها، قالت المحللة الأميركية، إيرينا تسوكرمان، في حديث لموقع "الحرة"، إن تعليقات ترامب "تبدو أنها نابعة من معرفة عملية بتاريخ المنظمات الإرهابية، وخصوصا حماس، مع وقف إطلاق النار. هو (ترامب) يتوقع أن تنتهك حماس الهدنة".

واتهمت تسوكرمان حماس بانتهاك اتفاقات وقف إطلاق النار في أوقات سابقة، موضحة: "كانت إسرائيل وحماس في حالة وقف إطلاق نار قبل السابع من أكتوبر"، في إشارة إلى الهجوم غير المسبوق في 2023.

القادم أسوأ؟

الثلاثاء، أعلن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، هرتسي هليفي، استقالته من منصبه على خلفية تحمله المسؤولية عن فشل الجيش في التعامل مع هجوم السابع من أكتوبر.

وتعليقا على الاستقالة، قال وزير المالية الإسرائيلي، سموتريتش، إن المرحلة المقبلة ستشهد "استبدال القيادة العسكرية العليا تمهيدا لاستئناف الحرب".

كما قال الوزير المنتمي إلى حزب "الصهيونية الدينية" الشريك في حكومة بنيامين نتانياهو، إنه عارض اتفاق وقف إطلاق النار، لكنه سيبقى في الحكومة وسيترك "سيف التهديد معلقا خلال الأشهر المقبلة"، مضيفا أن ذلك جعله يخوض مفاوضات مع رئيس الحكومة في هذا الشأن.

الرقب أشار إلى أن مواصلة الحرب "كانت من بين وعود نتانياهو لسموتريتش"، ملمحا إلى إمكانية وجود "أمر ما تم بين إدارة ترامب ونتانياهو".

ولفت إلى أن "الأخطر من جانب ترامب هو إلغاء العقوبات على المستوطنين الذين يعتدون على المدن والقرى الفلسطينية في الضفة الغربية"، معتبرا أن "القادم أسوأ".

تسوكرمان من جانبها، رأت أن سموتريتش يمكنه الحديث عن العودة للحرب "لكن إسرائيل تخضع لتدقيق دولي، ولن تنتهك الشروط الحالية لاتفاق وقف إطلاق النار".

إلا أنها قالت أيضًا للحرة، إنه بعد الأسابيع الستة الأولى من الاتفاق، "لم تتم تسوية شروط وقف إطلاق النار، ولا يوجد إطار واضح لذلك".

واختتمت حديثها بالقول، إن الاتفاق "بمثابة هدنة ووقف مؤقت للقتال أكثر من كونه نهاية مفاوضات. لو شعرت إسرائيل بأن أهدافها لم تتحقق، وهو الشعور العام، فقد تختار العودة إلى القتال".

وكان وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، قد قال، الأحد، إن بلاده "لن توقف الحرب" على حماس، حتى يعود جميع المختطفين إلى ديارهم.

وما يزيد ضغوط مواصلة الحرب على نتانياهو بجانب سموتريتش، استقالة أعضاء حزب "العظمة اليهودية" الحكومة الإسرائيلية، وعلى رأسهم وزير الأمن القومي المتشدد إيتمار بن غفير، بسبب اعتراضهم على اتفاق الهدنة.

ويشمل اتفاق وقف إطلاق النار في مرحلته الأولى، إطلاق حماس سراح 33 من الرهائن الإسرائيليين من بين 98 أحياء، بينهم نساء وأطفال ورجال فوق سن الخمسين ومرضى ومصابون.

فيما تفرج إسرائيل خلال نفس المرحلة عن حوالي ألفي سجين فلسطيني لديها، من بينهم 737 من الذكور والإناث والقصّر، بعضهم مدانين بتنفيذ هجمات مميتة ضد إسرائيليين.

ومن بين هؤلاء السجناء أيضا، 1167 فلسطينيا من غزة احتجزتهم إسرائيل منذ بداية الحرب التي اندلعت بعد هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023.