الرئيس المنتخب دونالد ترامب مع محمود عباس ـ صورة أرشيفية.
الرئيس المنتخب دونالد ترامب مع محمود عباس ـ صورة أرشيفية.

في أول اتصال بينهما منذ عام 2017، تباحث الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، معربا عن عزمه العمل على إنهاء الحرب في غزة.

وجاء في بيان لمكتب الرئيس الفلسطيني، أن عباس قدم التهاني لترامب بمناسبة فوزه في الانتخابات الرئاسية، معربا عن استعداده للعمل معه "لتحقيق السلام العادل والشامل على أساس الشرعية الدولية".

من جهته، أكد الرئيس الأميركي المنتخب، على أنه سيعمل من أجل وقف الحرب، مبديا "استعداده للعمل مع الرئيس عباس والأطراف المعنية في المنطقة والعالم من أجل صنع السلام في المنطقة"، وفقا للبيان.

وتطرح هذه المحادثة التي تأتي في أعقاب استعداد دونالد ترامب للعودة إلى البيت الأبيض، تساؤلات بشأن مدى قدرة الرئيس السابق ـ الجديد، على تحقيق اختراق ملموس في الصراع المستمر منذ أزيد من عام، خاصة في ظل تصاعد الأزمة الإنسانية في قطاع غزة وفشل جميع مساعي وقف إطلاق النار وتحرير الرهائن الإسرائيليين.

مخاوف من "صفقة" جديدة

القيادي في حركة فتح، منير الجاغوب، يرى بأن هناك مخاوف من أن إنهاء ترامب للحرب على غزة، قد يأتي وفقا لرؤيته ورؤية نتانياهو، والتي قد تشمل إعادة احتلال القطاع دون انسحاب للجيش الإسرائيلي، مع فرض سيطرة دائمة على الحدود الفلسطينية المصرية، وتشديد القيود العسكرية على الفلسطينيين، ومنع السلطة الفلسطينية من إدارة شؤون القطاع وعودة النازحين.

ويضيف الجاغوب في تصريح لموقع "الحرة"، أنه على الرغم من انفتاح الرئيس عباس على مع ترامب، إلا أن المخاوف تتصاعد من احتمال ضم إسرائيل للضفة الغربية وإضفاء الشرعية على المستوطنات فيه.

من جانبه، يشير  المحلل الفلسطيني، جهاد حرب، إلى هناك عشرة أسابيع حتى وصول ترامب للبيت الأبيض، مشيرا إلى رغبة الأخير في تولي منصبه دون وجود حروب في المنطقة أو بالانخراط في مفاوضات بشأن إنهائها، خاصة فيما يتعلق بغزة ولبنان.

ويضيف حرب في تصريح لموقع "الحرة"، أن ترامب "يفتقر إلى خطة أو رؤية واضحة لحل قضايا الشرق الأوسط"، متوقعا أن يركز على الشأن الداخلي بعد فوزه الكبير في الانتخابات.

ويلفت بدوره إلى أن بالرغم من "تلويحه بإنهاء الحروب، يخشى الفلسطينيون من عودته لـ"صفقة القرن وتقديم مزيد من التنازلات لنتانياهو".

ولم يتحدث عباس وترامب منذ قرار الأخير الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إليها، لكن المكالمة تعد أحدث مؤشر على رغبة القيادة الفلسطينية في فتح صفحة جديدة مع الرئيس المنتخب بعد أربع سنوات صعبة خلال وجوده السابق في البيت الأبيض.

وفي يوليو الماضي، نشر ترامب رسالة تلقاها من عباس الذي عبر فيها عن قلقه البالغ بعد مشاهدته لقطات محاولة الاغتيال التي تعرض لها، في وقت سابق من الشهر ذاته.

وكتب عباس في الرسالة: "لا يجب أن يكون لأعمال العنف مكان في عالم يحكمه القانون والنظام".

وفي رده على الرسالة تعهد ترامب بالعمل من أجل السلام في الشرق الأوسط، وكتب رسالة لعباس بخط يده، جاء فيها: "محمود، هذا لطيف جداً. شكراً لك. كل شيء سيكون على ما يرام. مع أطيب التمنيات، دونالد ترامب".

وبعد المكالمة الأخيرة، أكد مسؤول فلسطيني مطلع على الاتصال لموقع "أكسيوس" الأميركي، أن ترامب أعرب عن رغبته في إنهاء الحرب في غزة، واصفا المكالمة بأنها كانت "دافئة وعامة".

وعلى الرغم من أن ترامب تعهد بالعمل لإحلال السلام في منطقة الشرق الأوسط خلال حملته الانتخابية، إلا أنه أيضا أشاد بكونه أقوى حليف لإسرائيل، إلى حد أنه تعهد لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو بـ"إنهاء المهمة" ضد حماس في غزة.

في هذا الجانب، يقول القيادي بحركة فتح، إن السلطة الفلسطينية "قد تلجأ إلى مقاطعة الإدارة الأميركية مجدداً"، والسعي لحث الدول العربية على ممارسة ضغوط على نظيراتها العربية والأوروبية، في حال تبنت إدارة ترامب حلولا تتوافق مع رؤية نتانياهو.

لكنه يشير إلى أن هذه تبقى هذه مجرد توقعات في ظل صعوبة التنبؤ بكيفية تعامل ترامب مع القضايا الفلسطينية الملحة، وعلى رأسها وقف الحرب على القطاع.

ترامب "غير متوقع"

وقبل استقبال مكالمة عباس، بحث دونالد ترامب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، الأربعاء "التهديد الإيراني" في اتصال أجراه معه لتهنئته بفوزه في الانتخابات الرئاسية الأميركية، بينما تواصل إسرائيل الحرب في غزة ولبنان.

وبعدما كان من أوائل الزعماء الدوليين الذين هنّأوا ترامب بعودته إلى البيت الأبيض، أفاد مكتب نتانياهو بأنه أجرى مع الرئيس السابق، محادثة هاتفية "دافئة وودية".

وأضاف في بيان "هنّأ رئيس الوزراء ترامب على فوزه الانتخابي، واتفقا على العمل معا من أجل أمن إسرائيل. بحث الطرفان كذلك التهديد الإيراني".

المحلل الإسرائيلي، يوآب شتيرن، أنه خلال هذه الظرفية يسعى كل طرف إلى تقليل المخاطر المحتملة من خلال إظهار مزيد من الاعتدال مسبقا.

واعتبر أن ما يميز ترامب هو طبيعته "غير المتوقعة"، إذ أنه مستعد لاتخاذ قرارات قد تتناقض تماماً مع قراراته السابقة، مشيرا إلى أنه "غير ملتزم بنمط معين أو باستمرارية نهج محدد، وإنما يلتزم فقط بكونه غير متوقع".

ويضيف شتيرن في تصريح لموقع "الحرة"، أن لهذا السلوك عدة انعكاسات محتملة، فقد يغير الموقف الأميركي من الحرب بشكل جذري عند وصوله للبيت الأبيض، أو قد يمارس ضغوطاً على جميع الأطراف، أو يقتصر ضغطه على الجانب الفلسطيني وحماس، أو قد يوجه ضغوطه نحو إسرائيل.

بلال الزهيري تحدث إلى مراسلة "الحرة" حول أسباب دعمه لترامب (Reuters)
اتفاق النقاط الخمس.. إمام ميشغان يكشف سبب التصويت لترامب
خلال اجتماع انتخابي لحملة دونالد ترامب في ولاية ميشغان، نهاية أكتوبر الماضي، وقبل أيام قليلة من يوم الحسم في الانتخابات الأميركية، اعتلى منصة المتحدثين عدد من ممثلي العرب والمسلمين في الولاية، ليفجروا مفاجأة لم يتوقعها أغلب المراقبين السياسيين.

ويشير شتيرن أن دخول وصول الرئيس الجديد إلى البيت الأبيض بعد أشهر من المعركة الانتخابية قد يؤدي إلى اتخاذ مسار معين قد ينهي الحرب، مشيرا إلى أن كل الاحتمالات تبقى مفتوحة حتى الآن، بما في ذلك إنهاء الصراع.

وفي تصريحات لقناة الحرة، قال مستشار الأمن القومي الأميركي الأسبق، الجنرال هربرت ماكماستر، إن ترامب، "يفهم جيدا ما يحدث في الشرق الأوسط، ويدرك الكارثة الإنسانية في غزة"، مؤكدا أن إيران "تقف وراء معاناة الشرق الأوسط.

وأضاف ماكماستر الذي خدم في إدارة ترامب الأولى، أن "الشرق الأوسط يشهد حربا إقليمية، ويفهم ترامب الأمر بشكل جيد"، إذ أن الرئيس المنتخب قال سابقا إنه "حيثما يوجد مشكلة في الشرق الأوسط يرى إيران".

ويعتقد أن ترامب يفهم تماما الأزمة الإنسانية في غزة، وأن سبب ما حصل هو الدعم الإيراني لحماس، وقال إن السلام الدائم بين الفلسطينيين والإسرائيليين يعتمد على هزيمة حماس.

وزاد أن "حماس ما تزال تمتلك الأسلحة في غزة"، وهو ما يتطلب قيام إسرائيل بالمزيد من العمليات لمواجهة ذلك، وقد يكون هناك حل بإيجاد قوة دولية لتدير الأمور في غزة بدلا من حماس.

إسرائيل تقول إن حماس تستخدم المستشفيات كغطاء في حرب غزة وحماس تنفي ذلك.
إسرائيل تقول إن حماس تستخدم المستشفيات كغطاء في حرب غزة وحماس تنفي ذلك. Reuetrs

أعلن مدير مستشفى كمال عدوان في شمال قطاع غزة، الجمعة، تعرض المؤسسة "لغارات إسرائيلية عدّة منذ الصباح" أدت إلى سقوط "عدد كبير من الشهداء والجرحى"، مؤكدا اقتحام القوات الإسرائيلية المستشفى الليلة الماضية وأمرت بإجلاء بعض العاملين والنازحين ثم انسحبت، وإن الجثث تناثرت في الشوارع المحيطة جراء غارات جوية.

ونفى الجيش الإسرائيلي الجمعة تقارير عن قصف واقتحام مستشفى كمال عدوان في شمال قطاع غزة، قائلا إنه ينفذ عمليات "في جوار" المنشأة الطبية.

وأورد الجيش الإسرائيلي في بيان "خلافا للتقارير التي صدرت خلال اليوم الماضي، لم يقصف (الجيش) مستشفى كمال عدوان أو ينفذ عمليات داخله". وأضاف أنه "سيواصل عملياته ضد البنى التحتية للإرهاب والإرهابيين" في شمال غزة، بما في ذلك "في جوار" المستشفى.

وفي وقت سابق قال مدير المستشفى، حسام أبو صفية، لصحافيين "كانت هناك سلسلة من الغارات الجوية على الجانبين الشمالي والغربي من المستشفى، مصحوبة بنيران كثيفة ومباشرة. هناك عدد كبير من الشهداء والجرحى، بينهم 4 شهداء من الكوادر الطبية في المستشفى".

وأكد "لم يتبق أي جراحين" في المستشفى الواقع في مدينة بيت لاهيا شمال غزة وهو من المؤسسات الاستشفائية المعدودة التي لا تزال تعمل في القطاع.

بدوره، أكد الناطق باسم الدفاع المدني، محمود بصل، أن الجيش الاسرائيلي اقتحم مستشفى كمال عدوان في شمال القطاع و"يقوم بإفراغه من المرضى ومرافقيهم ويقتاد عددا من الفلسطينيين إلى جهة مجهولة بعد اعتقالهم، والدبابات والمدرعات داخل وفي محيط المستشفى".

من جهته، قال الجيش الإسرائيلي في بيان له إن يعمل على "إخلاء السكان المدنيين غير المشاركين في القتال من مناطق القتال إلى مناطق أكثر أمنا في قطاع غزة بهدف حمايتهم".

وأضاف أنه "يلتزم بالقانون الدولي ويعمل وفقا لهذا الالتزام"، مؤكدا في الآن ذاته أنه سيعمل الجيش في هذه المناطق "إذا حدد نشاطا لمنظمة إرهابية تهدد أمن إسرائيل".

وذكّر الدفاع المدني الفلسطيني أن مدينة بيت لاهيا تشهد عملية عسكرية مكثفة منذ شهرين تكثفت في الأيام الأخيرة، ما أجبر آلاف السكان على الإخلاء وسط القصف.

واقتحم الجيش الإسرائيلي مستشفى كمال عدوان عدة مرات منذ بدء الحرب، وأعلن المستشفى مقتل مدير وحدة العناية المركزة أحمد الكحلوت في غارة جوية أواخر نوفمبر.

ويأتي الاقتحام الجديد للمستشفى بعد أيام فقط من إعلان منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة أن فريقا طبيا طارئا وصل إلى المؤسسة لأول مرة منذ 60 يوما.

خطر الموت

وقال مراسل الحرة إن خطر الموت يهدد قرابة 100 مريض وجريح يتواجدون داخل المستشفى بعد إخراج ما تبقى من طواقم طبية، مشيرا إلى سقوط 30 قتيلا وعدد من الجرحى في سلسلة غارات جوية طالت منازل سكنية في محيط مستشفى كمال عدوان.

وأفاد مراسل الحرة بسقوط 3 قتلى وعدد من الاصابات باستهداف مسيرة إسرائيلية لمجموعة من المواطنين في محيط مقبرة الشجاعية شرق مدينة غزة.

وأشار أيضا إلى أن الطائرات المسيرة تستهدف خزانات المياه في المستشفى الإندونيسي شمالي قطاع غزة.

كما سقط 3 قتلى وأصيب العشرات جراء قصف مسيرة إسرائيلية مجموعة من المواطنين بحي الجنينة شرقي مدينة رفح. ووصلت جثة طفل إلى المستشفى الأوروبي تم انتشاله من شرقي مدينة رفح جنوبي قطاع غزة.

وأوضح الدفاع المدني أن مدينة بيت لاهيا باتت فارغة من السكان بعد تهجير الحيش الإسرائيلي أكثر من 20 ألف مواطن منها. وذكر أن الأسلحة التي يستخدمها الجيش الإسرائيلي في العمليات شمالي القطاع تتمتع بقدرات تدميرية واسعة.

وأكد الدفاع المدني توقف 13 مركبة إطفاء وإنقاذ عن العمل جنوبي قطاع غزة بسبب نقص الوقود، وحذر من توقف خدماته في المنطقة الإنسانية.

ومن جانبها، أعلنت الأونروا أن الأسر في قطاع غزة تواجه ظروفًا مزرية جراء النزوح المتكرر بسبب الهجمات الإسرائيلية.

وتعرضت المستشفيات في غزة لهجمات عدة من الجيش الإسرائيلي منذ بداية الحرب بين إسرائيل وحماس بعد هجوم الحركة غير المسبوق في السابع من أكتوبر 2023.

ومنذ أسابيع، يواصل الجيش الإسرائيلي عملية عسكرية برية في شمال القطاع، مؤكدا أنه يستهدف مقاتلي حماس الذين يعيدون تشكيل قواتهم.

ويرفض الجيش الإسرائيلي التعليق حتى الآن. ويتهم مسلحي حركة حماس باستخدام المباني المدنية بما في ذلك المستشفيات والمدارس والمباني السكنية غطاء لعملياتهم منذ بدء الحرب في غزة قبل 14 شهرا. وتنفي حماس ذلك وتتهم إسرائيل بالقصف العشوائي والاعتداءات.

وأدّى هجوم حماس على إسرائيل إلى مقتل 1208 أشخاص في الجانب الإسرائيلي، غالبيتهم من المدنيين، بحسب إحصاء أعدّته وكالة فرانس برس استنادا إلى أرقام رسمية. وتشمل هذه الحصيلة رهائن قتلوا أو ماتوا في الأسر.

ومنذ بداية الحرب بين إسرائيل وحماس، قُتل ما لا يقل عن 44812 شخصا في غزة، معظمهم من المدنيين النساء والأطفال، وفق بيانات وزارة الصحة التابعة لحماس في غزة والتي تقول الأمم المتحدة إنّ بياناتها جديرة بالثقة.

وأعلنت إسرائيل في أكتوبر 2023 "حصارا كاملا" على القطاع الذي يناهز عدد سكانه 2,4 مليون نسمة، وتفرض حتى الآن قيودا صارمة على إدخال المساعدات.