على مسافة كيلومترين فقط من محور نتساريم، تتدفق حشود هائلة من النازحين على شارع الرشيد. هنا، تستريح العيون قليلا، بعد رحلات نزوح مريرة لتنظر نحو الشمال، حيث تنتظر البيوت المدمرة عودة أصحابها.
"نريد أن نذهب إلى الركام، نريد أن نعيش كما يتيسر لنا"، بهذه الكلمات يختصر رجل من تل الهوا حكاية العودة، وفي صوته أمل، وهو يتحدث عن بناء عريش أو خيمة على أنقاض منزله.
على جنبات شارع الرشيد الذي يشهد تدفق آلاف النازحين، يضيف الرجل لقناة "الحرة": "نريد أن نعيش.. إن شاء الله يكون هذا آخر دمار.. ويسترنا الله ويشفي جرحانا".
وعلى طريق العودة شمالا أيضا، يقول نازح آخر: "الفرد منا متشوق للعودة إلى داره، ليرى أولاده ومنزله"، في جملة تلخص مشاعر آلاف المبتهجين العائدين إلى مناطقهم التي اضطروا لمغادرتها منذ بداية الحرب، بالرغم من أن منازلهم التي تركوها لن تكون صامدة في أغلب الحالات.
مشاهد العودة
تحوّل شارع الرشيد، الذي شهد على مدار الأشهر الماضية مآسي النازحين، إلى مسار للعودة للشمال، بموجب تفاهمات جديدة بين حماس وإسرائيل.
وأعلنت وزارة الداخلية في غزة، فتح الشارع للمشاة في الاتجاهين منذ السابعة صباحا، مع منع مرور المركبات بكافة أنواعها.
فيما سيُفتح شارع صلاح الدين للمركبات في اتجاه واحد من الجنوب إلى الشمال، عند التاسعة صباحاً، مع إخضاع جميع المركبات للفحص.
وتتولى شركات أمنية أميركية ومصرية وقطرية، بمشاركة نحو 100 عنصر أمني، تنظيم حركة العبور عبر 4 مسارات محددة لمرور المركبات، التي تخضع لإجراءات تفتيش دقيقة باستخدام أجهزة استشعار، مع منع الركاب من مغادرة سياراتهم خلال العملية وفق مراسل الحرة.
وامتلأت المركبات والسيارات بالنازحين وأمتعتهم ومستلزماتهم الشخصية التي تمكنوا من جمعها.
عائدا إلى منزله مع أسرته.. مراسل الحرة ينقل عودة النازحين الفلسطينيين إلى شمال قطاع #غزة.#الحرة #الحقيقة_أولا pic.twitter.com/dOQ3XsKDae
— قناة الحرة (@alhurranews) January 27, 2025
أما الطريق الساحلي للقطاع، فيعرف حركة عودة مستمرة منذ فتح الحاجز صباح الإثنين، بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي، حيث يتدفق آلاف النازحين من جنوب ووسط القطاع، سيرا على الأقدام، في أجواء تختلط فيها مشاعر الفرح بالعودة مع واقع الدمار المنتظر.
وأصدر الدفاع المدني والسلطات المحلية تحذيرات للعائدين من مخاطر المتفجرات غير المنفجرة في المناطق المدمرة، مع تأكيد ضرورة اتباع إرشادات السلامة.
الحاجة إلى المساعدات
ومع توقع عودة أكثر من مليون نازح إلى شمالي غزة، تبرز الحاجة الملحة للخيام والمساكن المتنقلة لتوفير مأوى مؤقت للعائدين، خاصة مع حجم الدمار الكبير الذي لحق بالمباني السكنية والبنية التحتية في المناطق الشمالية، حسب ما يوضح مراسل الحرة.
ويضيف أنه منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار، تتدفق المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة عبر 3 معابر رئيسية.
ويستقبل الجنوب النصيب الأكبر منها، حيث تعبر ما بين 300 و400 شاحنة يوميا من معبري رفح البري وكرم أبو سالم. في حين يدخل إلى شمالي القطاع ما بين 150 و200 شاحنة عبر معبر إيرز، ليصل إجمالي الشاحنات اليومية إلى نحو 600 شاحنة.

وبينما تتواصل عودة النازحين إلى شمالي غزة، تستعد المنظمات الإنسانية لمواجهة تحديات المرحلة المقبلة.
في هذا الجانب، يقول المتحدث باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسف"، كاظم أبو خلف، لـ"الحرة، إن عودة النازحين إلى مناطقهم تمثل "نقطة فارقة" في العمل الإنساني، خاصة بعد شهور من التنقل القسري بسبب أوامر الإخلاء المتكررة.
وأوضح أن اليونيسف، أدخلت عشرات الآلاف من قطع "المشمع" الكبيرة، التي يمكن استخدامها كخيام مؤقتة، مشيراً إلى دخول شاحنات تحمل مواد تنظيف ومواد غذائية.
وتابع أن الاستجابة الإغاثية تشمل جميع المؤسسات العاملة في المجال الإنساني، سواء التابعة لمنظومة الأمم المتحدة مثل اليونيسف والأونروا ومنظمة الصحة العالمية وبرنامج الغذاء العالمي، أو المؤسسات الشريكة مثل الصليب الأحمر ووزارة الصحة الفلسطينية.
وأوضح أن المنظمات الإنسانية "تنسق مع وزارة الصحة الفلسطينية في رام الله، لمراقبة وصول المساعدات إلى مستحقيها، خاصة في ظل ما شهده القطاع من حالات نهب سابقة"، مؤكداً استمرار تقديم المساعدات رغم هذه التحديات.
وأشار إلى أن" 16 أو 17 مستشفى فقط من أصل 36 تعمل بشكل جزئي حالياً، إضافة إلى توقف عشرات المراكز الصحية المنتشرة في قطاع غزة عن العمل".
وأكد أن العاملين في المجال الإنساني "على درجة عالية من التنسيق"، مشيراً إلى أن "تحسن الوضع وتوفر المواد وانخفاض الأسعار، سيحتاج إلى وقت".
وقال: "المسألة تحتاج إلى وقت حتى يبدأ الناس بالشعور بالفرق، لكن على كل الأحوال بدأنا والناس بدأت تتحرك، وهناك إلى حد ما التزام بوقف إطلاق النار، سينتج عنه توسع في العمل الإنساني".

وأشار إلى أن قضية الوقود تتصدر الأولويات، مؤكدا الحاجة لكميات أكبر منه، وضرورة عدم فرض قيود على المساعدات نظراً لترابط المنظومة الإنسانية، موضحاً أن إعادة تأهيل المستشفيات تتطلب توفير الوقود والمعدات الطبية معاً.
وفيما يتعلق بإزالة الركام، حذر من خطورة العملية، "نظرا لوجود جثث تحت الأنقاض ومقذوفات غير منفجرة".
وأشار في تصريحات لـ"الحرة"، إلى أن اليونيسف "ستقيم مساحات تعليمية للأطفال، تبدأ بتوعيتهم بمخاطر المقذوفات غير المنفجرة، وكيفية تجنب مناطق إزالة الركام".