الحرب تهدد حياة النساء والفتيات أثناء الحمل والولادة وبعدهما في غزة ـ صورة أرشيفية (ِِAFP)
الحرب تهدد حياة النساء والفتيات أثناء الحمل والولادة وبعدهما في غزة ـ صورة أرشيفية (ِِAFP)

عندما اندلعت الحرب في غزة، كانت "ر.م" التي تبلغ من العمر 31 عاما، في شهرها الثاني من الحمل.. وخلال الأشهر التالية، عاشت وأسرتها أزمة حادة في محاولة لتأمين احتياجاتهم الأساسية، حيث اقتصر طعامهم على وجبة واحدة يوميا، في ظل نقص غاز الطهي وشح المواد الغذائية.

"كنت أتضوّر جوعا، وكنا جميعا نعيش مجاعة في شمال غزة. لم يكن لدينا غاز للطهي.. نتناول وجبة واحدة في اليوم لنوفّر الحطب.. وكان الدقيق باهظا جدّا جدّا.. لا طعام. لا دجاج. لا لحم. فقدت الكثير من الوزن"، تحكي الشابة الفلسطينية في شهادتها التي نقلها تقرير حديث لمنظمة "هيومن رايتس ووتش".

أمام هذه الأوضاع المعيشية القاسية، تدهورت حالتها الصحية مع تكرر نوبات الإغماء والدوار وهبوط ضغط الدم، مما أفقدها القدرة على الوقوف بمفردها.

كما عانت "ر. م" من التهابات في المسالك البولية، لكنها لم تذهب إلى العيادة لأنها سمعت أنهم لا يملكون أي دواء، بعد أن اقتصرت زياراتها السابقة على فحوصات بالموجات فوق الصوتية فقط.

وفي الخامس من مايو الماضي، جاءت اللحظة التي انتظرتها الأم طويلا لاستقبال مولودتها الجديدة، إلا أن ظروف الحرب عقّد عملية الولادة.

 تقول: "جاءني المخاض الساعة 2 صباحا. شعرت بألم شديد، وكنا نبحث عن طريقة للوصول إلى المستشفى".

تكشف أنه في المستشفى "لم تأت أيّ ممرضة لفحصي أو مراقبتي أو السّؤال عن حالي"، قبل أن تضطر لمغادرته بعد 4 ساعات فقط من وضع طفلتها. 

وتضيف: "كنت منهكة وغير قادرة على المشي.. كنت أحمل مولودتي الجديدة، ومعي زوجي وأطفالي الثلاثة الآخرين، بحثنا عن شخص يوصلنا (إلى منزل والديّ). استغرق الأمر ساعات حتى توقفت سيارة. أخبر زوجي السائق أنّنا سنعطيه أي شيء (إذا أوصلنا)".

لم تستقر أوضاع الشابة طويلا، إذ اضطرت العائلة للنزوح من رفح إلى خان يونس، حيث أقاموا في خيمة ووسط ظروف قاسية. وهناك، أصيبت المولودة الجديدة بالإسهال، وهو ما يمكن أن يهدد حياتها.

الحرب تهدد حياة النساء والفتيات أثناء الحمل والولادة وبعدهما في غزة ـ صورة أرشيفية (ِِAFP)

"مخاطر وانتهاكات متعددة"

تجربة ر.م. تمثل واحدة من آلاف القصص المشابهة للغزيات اللائي يواجهن تحديات معقّدة في الحمل والولادة منذ بداية الحرب، حسبما يكشفه تقرير "هيومن رايتس ووتش".

وتشير المنظمة الحقوقية الدولية غير الحكومية، إلى أن الحصار الإسرائيلي على غزة، والهجمات ضد المرافق الصحية في القطاع، خلقت خطرا جسيما يهدد أحيانا حياة النساء والفتيات أثناء الحمل والولادة وبعدهما.

مدير التواصل والمرافعة بقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش، أحمد بن شمسي، يقول إن "النساء الحوامل في غزة يواجهن مخاطر متعددة وانتهاكات متزايدة، أولاً بسبب الحصار المفروض على القطاع".

وأضاف في حديثه لـ"الحرة"، أن "عدم توفر الغذاء والمياه النظيفة، وهي احتياجات أساسية لأي إنسان، يشكل خطرا مضاعفاً على الحوامل".

كما أن الظروف القاسية وندرة المياه والغذاء تؤدي إلى تفاقم المشاكل الصحية التي تستهدف الحوامل بشكل خاص، مثل فقر الدم، وتسمم الحمل، والنزيف، وتعفن الدم.. وهي أمراض قابلة للعلاج في الظروف العادية.

ويتابع أن التقرير الجديد "يسجّل توقفاً شبه كامل للخدمات الصحية، بسبب الهجمات المتواصلة على المنشآت الطبية، خاصة المستشفيات المتخصصة في رعاية النساء الحوامل والأطفال".

وفيما يتعلق بمعدل بقاء المواليد الجدد على قيد الحياة أو عدد النساء اللواتي لديهن أمراض خطيرة أو يمتن أثناء الحمل أو الولادة أو بعد الولادة، أشار المتحدث إلى أنه رغم صعوبة الوصول إلى الأرقام الدقيقة بسبب إغلاق غزة، فإن "معدلات الولادة المبكرة ارتفعت بنسبة 250 بالمئة بين أكتوبر 2023 ويناير 2025"، وفقاً لإحصائيات الهلال الأحمر الفلسطيني.

كما ارتفعت معدلات الإجهاض التلقائي "بنسبة 300 بالمئة مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق".

وأكد المتحدث باسم المنظمة الدولية، أن على إسرائيل "اتخاذ خطوات عاجلة تشمل استعادة نظام الرعاية الصحية، ورفع القيود عن دخول العاملين الطبيين إلى غزة، ورفع الحصار غير القانوني، وفتح المعابر الحدودية للسماح بإجلاء من يحتاج إلى رعاية طبية، خاصة النساء الحوامل".

وشدد بن شمسي، على أن "هذه ليست منحة أو هبة، بل واجب قانوني على إسرائيل".

وتقول إسرائيل إن عملياتها العسكرية في المستشفيات بقطاع غزة، تهدف إلى ملاحقة مسلحي حماس، متهمة الحركة الفلسطينية باستغلال المناطق المدنية في تخزين الأسلحة أو غيرها من العمليات العسكرية، وهو ما تنفيه الحركة.

ويستند التقرير الذي أعدته المنظمة الحقوقية، إلى مقابلات مع 17 شخصا بين يونيو وديسمبر 2024، بينهم 8 فلسطينيات كن حوامل أثناء إقامتهن في غزة خلال الأعمال العدائية، وموظفين طبيين من غزة، وموظفين طبيين دوليين يعملون مع فِرق المنظمات والوكالات الإنسانية الدولية العاملة في غزة.

وحتى يناير 2025، يشير التقرير إلى أنه لا تتوفر رعاية الطوارئ للتوليد وحديثي الولادة إلا في سبعة من 18 مستشفى تعمل جزئيا في مختلف أنحاء غزة، و4 من 11 مستشفى ميدانيا، ومركز صحي مجتمعي واحد، مقارنة بـ 20 مؤسسة تشمل مشافٍ ومراكز أخرى أصغر للرعاية الصحية كانت تعمل قبل 7 أكتوبر 2023.

وفي منتصف يناير، وافقت السلطات الإسرائيلية و"حماس" على وقف إطلاق النار متعدد المراحل يشمل دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، وإعادة رهائن إسرائيليين محتجزين في غزة، والإفراج عن سجناء فلسطينيين.

وأشار التقرير إلى "انخفاض جودة الرعاية الصحية التي تستطيع المرافق الطبية ومقدمي الخدمات القليلة المتبقية في غزة تقديمها بشكل كبير".

وذكر أنه يتم إخراج النساء على عجل من المستشفيات المزدحمة أحيانا بعد ساعات قليلة من الولادة، لإفساح المجال للمرضى الآخرين، وكثير منهم من مصابي الحرب.

وتعمل جميع المرافق الطبية في غزة في ظروف غير صحية تشهد ازدحاما ونقصا خطيرا في المواد الصحية الأساسية، بما فيها الأدوية واللقاحات، وفقا للتقرير.

وأفادت "منظمة الأمم المتحدة للطفولة" (اليونيسف)، بأنه منذ 26 ديسمبر 2024، توفي 8 رضَّع ومواليد بسبب انخفاض حرارة الجسم نتيجة نقص المأوى الأساسي إلى جانب الطقس البارد.

وكشف طبيب في مستشفى للولادة في رفح، لهيومن رايتس ووتش، أن لديهم عددا قليلا جدا من الحاضنات وكثيرا من الأطفال الخدج، لدرجة "أننا نضطر إلى وضع 4 أو 5 أطفال في حاضنة واحدة.. ومعظمهم لا ينجو".

كما يشير التقرير إلى أنه لا تُتاح للحوامل في غزة أي فرصة تقريبا للإجلاء، رغم أن القانون الدولي لحقوق الإنسان يكفل لجميع المدنيين الحق في مغادرة بلادهم لأسباب تشمل الدواعي الطبية، والحق في العودة.

دول عربية نافذة كثفت جهودها الدبلوماسية خلال الأيام الماضية للتأكيد على رفض طرح تهجير الفلسطينيين
دول عربية نافذة كثفت جهودها الدبلوماسية خلال الأيام الماضية للتأكيد على رفض طرح تهجير الفلسطينيين (AFP)

أكدت المجموعة العربية في الأمم المتحدة، الجمعة، رفضها القاطع لـ "تهجير الفلسطينيين" من غزة، مشددة أن هذا الأمر يشكل "انتهاكا واضحا" لاتفاقية جنيف.

وحث بيان مشترك صادر عن المجموعة " المجتمع الدولي على الرفض الموحد والصريح لهذه المقترحات والتأكيد على عدم شرعيتها بموجب القانون الدولي".

وأضاف البيان أن "التهجير هو أمر غير مقبول، سواء كان ضد شعب فلسطين أو شعب أي دولة أخرى."

و جاء في البيان، الذي تلاه مندوب الكويت لدى الأمم المتحدة السفير طارق البناي، بصفته الرئيس الحالي للمجموعة العربية في الأمم المتحدة أن "الدول الموقعة على هذا البيان ترغب أيضا برؤية ريفييرا ولكن ريفييرا فلسطينية غزاوية وفي دولة فلسطين المستقلة والمعترف بها دوليا".

ودعا البيان "مجلس الأمن لدعم وتطبيق القرار 2735 الذي يطالب بوقف فوري وكامل لإطلاق النار وعودة المدنيين الفلسطينيين إلى منازلهم وأحيائهم في جميع مناطق غزة".

كذلك ناشد البيان "التوزيع الآمن والفعال للمساعدات الإنسانية على نطاق واسع، ورفض أي محاولة للتغيير الديمغرافي أو الإقليمي في قطاع غزة، بما في ذلك أي عمل من شأنه تقليص أراضي القطاع، والالتزام الثابت بحل الدولتين بما يتفق مع القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة".

من جهته، أكد المندوب الفلسطيني لدى الأمم المتحدة السفير رياض منصور للصحفيين أن" ما نحتاج إليه اليوم هو أفق سياسي يفتح الأبواب أمام السلام".

وفي تحرك موحد نادر، تتكتل الدول العربية لتنسيق خطواتها ومواقفها في مواجهة مقترح الرئيس الأميركي دونالد ترامب نقل الفلسطينيين من قطاع غزة الى الأردن ومصر.

وكثفت دول عربية نافذة ومن بينها من هو حليف تاريخي للولايات المتحدة الأميركية، وبينها مصر والأردن والسعودية والإمارات وقطر، جهودها الدبلوماسية خلال الأيام الماضية للتأكيد على رفض طرح ترامب ورفض "اقتلاع الفلسطينيين" من الأراضي الفلسطينية.

ويقضي مقترح ترامب بأن تكون ملكية قطاع غزة للولايات المتحدة، على أن ينتقل سكانه إلى الأردن ومصر من دون أن يكون لهم الحقّ بالعودة بعد إعادة إعماره.

ويريد ترامب "تنظيف" تحويل القطاع المدمر إلى "ريفييرا الشرق الأوسط".

وأعلنت مصر استضافة قمة عربية طارئة في نهاية فبراير "لتناول التطورات الخطيرة للقضية الفلسطينية". وقالت أيضا في وقت لاحق إنها "ستقدّم رؤية شاملة" لإعادة إعمار غزة تضمن بقاء الفلسطينيين في أرضهم.

وحصلت القاهرة "من حيث المبدأ" على موافقة لعقد اجتماع وزاري طارئ لمنظمة التعاون الإسلامي بعد القمة المرتقبة.