بالنظر لكتاب "فن الصفقة" الذي ألفه الرئيس الأميركي دونالد ترامب قبل 38 عاماً، وتصريحاته الأخيرة بخصوص بؤرة الصراع في الشرق الأوسط، تبدو غزة صفقة رابحة جداً.
كثير من الدمار، الحاجة الملحة للإعمار، الفقر والجوع والتعب، وبؤس قد يملأ العالم، هذا حال غزة.
في الوقت نفسه، لا تزال السعودية، قطب التوازن الرئيس للقوى في الشرق الأوسط غير مطبّع مع إسرائيل.
خلطة ناجعة لصفقة ربما خطرت ببال ترامب.
لكن بالنسبة لأهل غزة الذي ينام معظمهم اليوم في العراء أو بين وداخل منازل مدمرة، أغلبها ركام وأنقاض، الأمر مختلف.
رفض للترحيل
وسط مبان مدمرة جزئياً، وداخل مساحة أشبه بسوق بديل يفرش بعض الباعة مواد غذائية بسيطة وملابس مستعملة، يؤكد عدد من أهالي غزة لمراسلة قناة "الحرة" رفضهم أي خطة ترحيل.
"هذه أرضنا"، "إذا أحرقونا أو دمرونا، بنرحلش (لا نرحل)"، "حتى من الشمال للوسط لن نهاجر".. يقول مواطنون لمراسلة الحرة".
أحدهم مسن يعيش اليوم في خيمة، قرب ركام منزله في الشمال.
وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، كانت "لن نرحل"، من العبارات الأكثر ترديداً، منذ تصريحات ترامب أمس الثلاثاء، التي شغلت الرأي العالمي.
مقترح ترامب كان خلال لقائه برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، بأن تستقبل الأردن ومصر أهالي غزة، وتدير الولايات المتحدة عمليات الإعمار داخل "ريفيرا الشرق الأوسط" حيث يستفيد الجميع من فرص العمل.
العديد من سكان القطاع دعوا للوحدة الوطنية من أجل التصدّي لما وصفوها بـ"مخططات التهجير".
وقال آخرون إن لا خيار "سوى الصمود" لكنه يحتاج الكثير من الدعم.
بعضهم تساءل عن دور حماس، التي يُفترض أنها ما زالت تحكم القطاع، وأيضاً عن دور السلطة الفلسطينية في تقديم دعم حقيقي "ليس مجرد شعارات" للناس.
في المقابل، رأى عدد من أهالي غزة أن الحل لوقف كل مقترحات النقل وإعادة التوطين و"عدم تكرار الموت" الذي تحدث عنه ترامب، أن "ترحل حماس عن غزة".
"يستكثرونها علينا"
من التعليقات التي رصدها موقع "الحرة" على مواقع التواصل، ما كتبته صانعة المحتوى بسمة مشهراوي على صفحتها في فيسبوك.
تقول "يستكثرون علينا غزة حتى وهي ركام.. يستكثرون علينا هواءنا والحياة".
ومن مدينة غزة كتب فايز ثابت "الرب واحد ولن نرحل إلا أكفاناً"، مضيفاً "لن نرحل ولن نرحل ولن نرحل"، في دليل على تمسكه بهذا الموقف.
أبو أكرم أيضاً لا يريد أن يرحل، لكنه قال "نحتاج من يمدّنا بالحياة" في إشارة للحاجة لدعم بقاء أهالي القطاع.
مثل ذلك، قال صانع المحتوى حسين جمال.
كتب في فيسبوك "الناس ستتشبث بغزة، حين يتوفر فيها مقومات البقاء، لا مسببات الموت والتهجير".
وأضاف "اتركوا الشعارات جانباً واعملوا على تعزيز صمود وبقاء الناس.. باقون في غزة".
وفي منشور آخر له، قال حسين مستذكراً صفقة القرن التي طرحها ترامب في ولايته الأولى "نحن من نملك أن نقول نعم ولا. المشكلة الآن تكمن في صناع القرار الفلسطينيين، عليهم أن يجدوا الطريق نحو الوحدة".
هذه الوحدة برأي حسين "تتطلب التنازل عن المكتسبات الحزبية في سبيل الحفاظ على المكتسبات الوطنية".

الكاتب تيسير عبد الله، المعروف بمواقفه الناقدة لسياسات حماس، علق على تصريحات ترامب في أكثر من منشور على فيسبوك.
كتب "لست آسفا في هذا التوقيت الذي نتعرض فيه لأخطر مؤامرة إلا على فقد شيئين".
الأول "الوعي والحكمة، وتصدّر قضيتنا ضيقو الأفق والرؤية، والثاني "تدمير شخصية الإنسان الغزي الصامد والمقاوم طوال السنوات السابقة. وتحويله إلى شخص مهان مسكون باليأس يبحث عن رغيف الخبز ومأوى في أي مكان".
أضاف يائسا "نحتاج إلى معجزة إلهية للخروج من هذا القاع. وغالبا لن تأتي هذه المعجزة".
وانتقد تيسير الأصوات التي تقلل من أهمية وتأثير تصريحات ترامب، بوصفها أنها نفسها التي قالت إن الجيش الإسرائيلي لن يُقدم على الدخول البري لغزة خلال الحرب التي دامت أكثر من سنة وتوقف إطلاق النار منذ 18 يناير الماضي.
وعبر إنستغرام، عبّر الكثير من أهالي غزة عن رفضهم أي خطة للنقل من أرضهم وإعادة التوطين في أرض أخرى.
وربما أكثر مقاطع الفيديو تداولا منذ يوم أمس، الذي صوّر الطفلة ماريا حنّون وهي توجّه رسالة تبدأ بـ"مرحبا عزيزي ترامب، رئيس الولايات المتحدة".
وقالت "أنا كطفلة ناجية من حرب غزة لو طلبتُ منك أن ترحل لمصر أو الصين هل ستوافق؟ لن تُوافق".
وأنهت ماريا بالقول إن غزة بالنسبة لها "هي العالم" الذي "لا يمكن التحكم به".