وسط تصاعد النقاشات الدولية بشأن مستقبل قطاع غزة، جاءت الخطة التي أعلنتها مصر الثلاثاء خلال قمة غير عادية لجامعة الدول العربية لمواجهة مقترح الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي دعا إلى نقل سكان القطاع إلى مصر والأردن.
لكن، بالرغم من تحديد الخطة المصرية في مواجهة مقترح ترامب الذي لقي رفضا واسعا خاصة عربيا، يبقى تنفيذها مرهونا بعدد من التحديات السياسية والتمويلية والأمنية، بحسب خبراء تحدث معهم موقع "الحرة".
ويشبه الباحث في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، سامح راشد، ما يحدث بطرح خطة مصرية ردا على ترامب بـ"لعبة الدومينو"، مشيرا إلى أن "أي خطوة أو خطة قد تكون غير مثالية، وكلها محاطة بمحاذير".
ويشدد على أن مسألة إعادة الإعمار ومنع نقل سكان القطاع مرهونة بعوامل متعددة "أولها موقف إسرائيل التي يمكنها إيقاف أي شيء وفرض قيود على أي خطوة".

ملامح الخطة المصرية
تتمحور الخطة المصرية حول استثمار بقيمة 53 مليار دولار، وتمتد على خمس سنوات، مقسمة إلى مرحلتين:
• المرحلة الأولى (6 أشهر – 3 مليارات دولار): تشمل إزالة الركام، وبناء 200 ألف وحدة سكنية مؤقتة تكفي لنحو 1.5 مليون فلسطيني، بالإضافة إلى ترميم 60 ألف وحدة سكنية متضررة جزئيًا، واستصلاح 20 ألف فدان زراعي.
• المرحلة الثانية (4.5 سنوات – 50 مليار دولار): تتضمن إعادة إعمار شاملة للقطاع، من خلال تطوير البنية التحتية، وإنشاء مناطق صناعية، وميناء بحري، ومطار دولي.
من هو الممول؟
تقترح الخطة المصرية "إنشاء صندوق ائتماني تحت إشراف دولي كآلية تمويلية يتم توجيه التعهدات المالية إليه، لإدارتها بما يضمن كفاء واستدامة تمويل خطة التعافي المبكر وإعادة الإعمار، والشفافية والرقابة اللازمة على أوجه إنفاق الموارد المالية التي سيتم توفيرها".
وفي هذا السياق "تعتزم الحكومة المصرية تنظيم مؤتمر وزاري رفيع المستوى لحشد الدعم اللازم لخطة التعافي (..) بالتعاون مع السلطة الفلسطينية والأمم المتحدة بمشاركة الدول المانحة والمنظمات والمؤسسات التمويلية الدولية والإقليمية والقطاع الخاص الفلسطيني والدولي ومنظمات المجتمع المدني".
ويرى راشد أن موقف الدول التي ستتحمل تكلفة إعادة الإعمار لا يزال غير واضح.
ويعبر أيضا راشد عن خشيته من "ضمانات الأمن"، موضحا أنه "من الممكن أن تحدث عمليات مفتعلة أثناء إعادة الإعمار أو عند إدخال مواد البناء، وهو ما قد يؤدي إلى تفجير الموقف بالكامل".
"حل بديل على الأقل"
لكن اللواء محمد عبد الواحد، المتخصص في الشؤون الأمنية، يرى أن المقترح المصري يعد "خطوة بالغة الأهمية"، معتبرا أنها يمكن أن "توقف خطة ترامب وتظهر للعالم على الأقل أن هناك بدائل أخرى بعيدا عن فكرة نقل الفلسطينيين".
واعتبر أن "الرؤية المصرية بديلة وواقعية"، مؤكدا أنه يمكن تنفيذها بسهولة "إذا توفرت الإرادة السياسية"، لا سيما في ما يتعلق بتأمين التمويل من الدول العربية والدولية.
كما أشار عبد الواحد إلى أن الاقتراح المصري يتماشى مع الرؤى العربية وحتى الإسرائيلية حول مستقبل غزة بعد الحرب، مؤكدا أنه يمكن أن "يحظى بقبول واسع، خاصة إذا ما تم ضمان أن السلطة الفلسطينية ستكون مسؤولة عن حكم غزة في الفترة الانتقالية".
من يحكم غزة؟
لا تقتصر الخطة المصرية على البعد الاقتصادي فقط، بل تقدم تصورًا سياسيًا لمستقبل غزة، إذ تقترح تشكيل لجنة فلسطينية غير حزبية للإشراف على القطاع خلال فترة انتقالية تستمر ستة أشهر، بهدف تمكين السلطة الفلسطينية من استعادة دورها.
ويشير عبد الواحد إلى أن الخطة المصرية تستبعد حماس من حكم غزة، "والحركة ليس لديها مانع في ذلك"، مشددا في الوقت ذاته على أهمية الحصول على ضمانات من الجانب الإسرائيلي للمضي قدما في تنفيذها.
ويرى مدير تحرير الأهرام، أشرف أبو الهول، أن الخطة تقدم رؤية سياسية لمستقبل غزة، من خلال إدخال السلطة الفلسطينية في إدارة القطاع بعد مغادرة حماس، وهو ما قد يحظى بقبول دولي وإقليمي إذا توافرت الضمانات اللازمة من إسرائيل والولايات المتحدة.
ويعقب راشد على ذلك بالقول إن فكرة حكومة تكنوقراط طرحت منذ حوالي أربعة أشهر، وكان هناك ما يسمى بلجنة الإسناد برعاية مصرية، ولكن السلطة الفلسطينية هي التي رفضت تفعيل هذه اللجنة.
لكن المحلل السياسي الأردني خالد شنيكات اعتبر أن خطة مصر لمواجهة خطة ترامب المتعلقة بنقل سكان غزة تواجه تحديين رئيسيين.
الأول هو الموقف الإسرائيلي والأميركي، حيث تطالب إسرائيل بالقضاء على حماس وتهجير السكان، بينما تهدف الخطة المصرية إلى الحفاظ على الوجود السكاني في غزة وتشكيل حكومة انتقالية مع قوات حفظ سلام دولية.
أما التحدي الثاني، هو الموقف الفلسطيني داخل القطاع، إذ ترفض فصائل المقاومة نزع السلاح تحت الاحتلال، كما أن التنسيق بين القوى الأمنية الفلسطينية والفصائل قد يكون معقدا، بحسب شنيكات.

إضافة إلى ذلك، يشير شنيكات إلى أن الدول العربية معنية بنجاح هذه الخطة، إذ قد يؤدي فشلها إلى تطبيق "خطة النقل الإسرائيلية المدعومة أميركيا".
ويقول إن "إسرائيل تسعى للقضاء على الفصائل الفلسطينية وعدم وجود دولة فلسطينية، مما يتعارض مع ما تطالب به الخطة المصرية من إنشاء دولة فلسطينية".
ويرى أن تنفيذ الخطة يتطلب إصلاحا حقيقيا للسلطة الفلسطينية.