استقبال وزير الخارجية السوري في السعودية
استقبال وزير الخارجية السوري في السعودية

يُنظر إلى اجتماع جدة السعودية يوم الجمعة على أنه سيكون محطة "مفصلية" على صعيد علاقة المحيط العربي في المرحلة المقبلة بنظام الأسد، ومن المقرر أن يناقش وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن والعراق مسألة عودة دمشق للجامعة العربية، في خطوة من شأنها أن تقلب المسار السائد والمتعلق بالعاصمة السورية، من أكثر من عقد.

وكان الاجتماع قد سبقته "استدارات" أبرزها الخاصة بالموقف السعودي، إذ استضافت الرياض قبل أيام وزير خارجية النظام السوري، فيصل المقداد في تحوّل مفاجئ، تبعه بيان مشترك تضمن عدة نقاط على صعيد "التسوية السياسية وتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية للمتضررين".

ورغم أن عدة دول سارت على خطا المملكة العربية السعودية وسبقتها بأشواط طويلة، مثل مصر والأردن ودولة الإمارات وسلطنة عمان، إلا أن أخرى بقيت على مسافة يحكمها حذر وموقف محكوم بتقديم النظام السوري نوايا جدية في سبيل الوصول لتسوية سياسية يشارك فيها جميع السوريين، وليس العودة إلى ما قبل 2011.

وتتصدر قائمة هذه الدول قطر وتليها المغرب، فيما قالت صحيفة "وول ستريت جورنال"، الأربعاء، إن خمس دول على الأقل تقاوم المساعي السعودية لإعادة دمشق للجامعة، وبينما ذكرت اسم الدوحة والرباط والكويت أشارت إلى موقف مصري لافت، مع أن القاهرة كانت قد خطت اتجاه النظام السوري لثلاث مرات، بعد كارثة الزلزال المدمّر.

"يقين سعودي"

ومن غير الواضح ما إذا كان اجتماع جدة سيفضي إلى "إجماع" على عودة النظام السوري للجامعة العربية، ومن غير الواضح أيضا ماهية الخطوات التي تقودها الرياض وراء الكواليس لتبديد أي معارضة قد تعرقل المسار الذي بدأته على العلن.

وفي حين تبرز المواقف الرافضة والحواجز التي قد تضعها أمام أي محاولة لإعادة دمشق لكامل "الحضن العربي" على صدارة مشهد الاجتماع التشاوري يرى المستشار السابق في الخارجية السعودية، سالم اليامي أن "وصول العلاقات السورية العربية إلى هذه المرحلة أي تقارب سعودي سوري مباشر يعني بشكل كامل وحرفي عودة سوريا إلى الصف العربي".

كما يؤكد التقارب السعودي – السوري "حضور القيادة في سوريا بنسب عالية جدا للقاء القمة في مايو المقبل في المملكة"، وفق اليامي. 

ويوضح في حديثه لموقع "الحرة" أن "الخلافات لدى بعض الأطراف العربية الخليجية، خصوصا كان سببه مطالب ووجهات نظر معينة على سوريا القيام بها، ومن المعتقد أن كل ذلك حل مع الرياض".

ويضيف: "المتوقع أن تعلن أكثر من دولة ترحيبها بعودة سوريا للحضن العربي لإنهاء الإجراءت الأولية في الملف السوري والمصالحة العربية".

لكن ما سبق يخالفه حديث مراقبين وخبراء من دول صنفت ضمن قائمة رافضي عودة دمشق للجامعة العربية "بالمجان"، وقالوا لموقع "الحرة" إن عدة اعتبارات "قد تجعل مسار العودة يتباطئ كثيرا وحتى تتضح الصورة".
"قطر لا تقدم الهدايا"

والخميس اعتبر رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في مقابلة تلفزيونية أن عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية "مجرد تكهنات"، مشددا على أن "أسباب تعليق عضوية دمشق لا تزال قائمة" بالنسبة للدوحة.

وقال المسؤول القطري لتلفزيون قطر الحكومي: "لا يوجد شيء مطروح وكلها تكهنات حول (عودة) سوريا" إلى الجامعة العربية، مضيفا: "كانت هناك أسباب لتعليق عضوية سوريا ومقاطعة النظام السوري، وهذه الأسباب لا تزال قائمة بالنسبة لدولة قطر".

ولم يتغير موقف قطر من النظام خلال السنوات الماضية، بحسب حديث المسؤولين القطريين، على رأسهم وزير الخارجية، الذي سبق وأن تحدث عن الجرائم التي ارتكبها النظام بحق السوريين.

ويعتقد المحلل السياسي القطري، صالح غريب أن "المرحلة التي بدأت فيها الإمارات بعودة علاقتها مع النظام السوري تعتبر كسرا للاتفاق أو الإجماع العربي الذي تم في الجامعة قبل سنوات".

وكذلك الأمر بالنسبة لبقية الدول التي بدأت بإعادة علاقاتها مع النظام السوري، إذ يقول غريب لموقع "الحرة" إن "قرار طرد النظام من الجامعة تم اتخاذه في اجتماع مجلس الجامعة العربية ويفترض أن تعود العلاقة إذا ما حدث تغيير في أرض الواقع في الداخل السوري".

"لم يتغير شيء الأسد باق والقتل مستمر واستغل رأس النظام السوري أحداث الزلزال، بينما تباع المساعدات المقدمة من الإمارات في أسواق الحميدية ولم ترسل للمتضررين من الزلزال في سوريا".

ويوضح غريب أن "موقف الدوحة ثابت سواء بدعم المعارضة أو الشعب، ولا يمكن أن تقدم الهدايا لشخص مجرم قاتل وهي المفردات التي كان وزراء الخارجية العرب يرددونها كثيرا على مدى سنوات".

وفي حين يعتقد المحلل السياسي أن "الكرة الآن في ملعب النظام السوري، وعليه أن يقدم مبادرات وأن يكون صادقا في حل الملف السوري"، يشير إلى أن بلاده "ستكون مع الإجماع العربي والخليجي أيضا".

"شروط مصرية معلّقة"

وتعتبر مصر إحدى الدول الأساسية التي فتحت أبوابها للنظام السوري خلال الأيام الماضية، لكن حديث مسؤولين لصحيفة "وول ستريت جورنال" خيّم ضبابية على مسارها الذي بدأت بزيارة ومن ثم اتصال هاتفي وانتهى بزيارة عودة.

وقال المسؤولون إن "مصر التي أحيت العلاقات مع سوريا في الأشهر الأخيرة وتعتبر حليفا قويا للسعودية، تقاوم أيضا الجهود" المتعلقة بإعادتها إلى الجامعة العربية.

وأضافوا أن القاهرة وعواصم أخرى تريد من رئيس النظام السوري، بشار الأسد التعامل أولا مع المعارضة السياسية بطريقة تمنح جميع السوريين صوتا لتقرير مستقبلهم.

ونقلت الصحيفة عن متحدث باسم وزارة الخارجية المصرية القول إن الوزير سامح شكري أبلغ الأمم المتحدة يوم الاثنين أنه يؤيد تنفيذ قرار الأمم المتحدة الذي يطلب وضع خارطة طريق لإجراء انتخابات حرة في سوريا.

لكن مدير تحرير جريدة "الأهرام" المصرية، أشرف العشري يرى أن موقف بلاده الخاص بسوريا مخالفا لما أوردته "وول ستريت".

ويوضح لموقع "الحرة" أن "هناك رغبة خليجية – مصرية لإعادة دمشق لمقعدها"، وأن زيارة رئيس دولة الإمارات الأخيرة تصب في هذا الاتجاه.

ويقول العشري: "القاهرة راغبة في فتح الأفق لعودة سوريا على أن يتم بعد ذلك تسوية سياسية بالتعاون مع المعارضة، وتولي مصر والخليج أن يكون هناك مشاركة للمعارضة وفق 2254، وأن يكون هناك رغبة في حضور دمشق لقمة 19 مايو المقبلة".

"من يعارض عودة سوريا هي قطر. مصر شروطها معلقة وكل ما يهمها عودة دمشق للجامعة العربية في المرحلة القادمة".

ولا يعتقد العشري "وجود أي معارضة مصرية"، مشددا إلى أن القاهرة "لا تتخلف عن التغيرات في الإقليم، وموقفها متناغم مع الموقف السعودي والإماراتي".

"اعتباران مغربيان"

في غضون ذلك لدى بعض الدول الرافضة لعودة سوريا مطالب أخرى، على سبيل المثال المغرب، إذ يريد من حكومة النظام السوري إنهاء دعمها لجبهة "البوليساريو".

ولم يتضح حتى الآن القرار الرسمي للمغرب من التحوّلات في المواقف العربية حيال العلاقات مع سوريا، وهي الدولة التي قطعت علاقاتها مع النظام السوري في 2012، بعد قرار طرد السفير السوري حينها، كونه "شخص غير مرغوب فيه".

ويبدو أن هناك اعتبارين أساسيين لموقف المغرب، حسب المحلل السياسي بلال التليدي، الأول مرتبط بالقضايا الإنسانية والثاني "سياسي وإقليمي".

ويوضح التليدي لموقع "الحرة": "سبق للمغرب أن وضح موقفه بأن الانتهاكات التي يرتكبها النظام ضد شعبه تجعل من الصعوبة أن يبادر إلى المصالحة وتشجيع عودة سوريا للحضن العربي".

ويقول: "من المعروف سياسيا وإقليميا أن سوريا لها ارتباط وثيق بإيران، ودائما ما كانت قبل 2011 تضع فواصل واضحة في موقفها مع الرباط".

وبينما كان موقفها "متوازنا اتجاه الصحراء فقدت هذا الأمر بعدما اتجهت لترسيخ نفوذها في شمال إفريقيا ودعمها لمسار التشيع في المنطقة".

ويضيف المحلل السياسي المغربي: "بالتالي أي تشجيع لعودة سوريا للحضن العربي كأن المغرب يساعد بلدا حليفا لإيران وحليفا للجزائر التي قوّت علاقتها مؤخرا مع إيران".

ومع ذلك يعتقد التليدي أن بلاده "يمكن أن تغير موقفها إذا ما رجعت سوريا عن مواقفها، وإذا خرجت عن المحور الذي يتشكل في شمال إفريقيا (الجزائري – الإيراني)"، حسب تعبيره.

ماذا عن الكويت؟

ورغم اتضاح الصورة خليجيا ما يزال موقف دولة الكويت تثار الكثير من التكهنات بشأنه.

وبينما أوردت "وول ستريت جورنال" الأميركية أن الكويت من بين الدول التي تقاوم عودة سوريا إلى الجامعة العربية ذكر تقرير صحفي قبل أسبوع معلومات تخالف ذلك.

وقالت الصحيفة الأميركية إن "الكويت إحدى الدول التي ترفض حاليا قبول عودة سوريا إلى الجامعة"، لكن صحيفة "الجريدة" الكويتية أوضحت في 11 من شهر أبريل الحالي أن "الكويت ستكون مع القرار الذي ستتخذه الجامعة العربية، حول عودة النظام لمقعده في الجامعة".

وتحدثت نقلا عن مصادر لم تسمها أن "عودة النظام تتطلب إجماعا عربيا كما حصل سابقا حين تجميد عضويته.

وتلتزم الكويت علنا بقرار 2012 (إغلاق السفارات) ونفت، في نوفمبر 2018، صحة أنباء ترددت عن إعادة فتح سفارتها في دمشق.

من جانبه كان نائب وزير الخارجية الكويتي، خالد الجار الله، قد أكد في أواخر عام 2018 أن العلاقات بين بلاده ونظام الأسد "مجمَّدة وليست مقطوعة، وفقاً لقرارات الجامعة العربية".

ويقول الأكاديمي والباحث السياسي الكويتي، عائد المناع: "قد يكون هناك تباينات في وجهات النظر بين دول مجلس التعاون فيما يتعلق بعودة النظام السوري إلى الجامعة العربية لمقعده".

ويضيف أن "البعض يرى ضرورة أن يكون هناك على الأقل تقديم ضمانات لوضع سياسي أفضل وأيضا الطلب من كل القوى الأجنبية، بما فيها إيران وحزب الله وحتى روسيا بأن تغادر سوريا".

و"مع كل التحفظات على أن النظام السوري ليس جيدا وأن هناك جرائم ارتكبت وسجون امتلأت وهناك أناس من السوريين في الخارج لا يستطيعون العودة"، إلا أن المناع يرى أن "همّ الدول العربية هو أن تتماسك سوريا جغرافيا وأن تتجنب التمزق".

ويتابع في حديث لموقع "الحرة": "الوضع الحالي يشير إلى أن هناك احتلالات وليس احتلال واحد، وهناك معاناة رهيبة للشعب السوري ما بين نازحين ومهجرين بملايين البشر".

"أملنا أن تعود سوريا بكل هذه الوضعية الصعبة، وبعد أن يعود النظام السوري تبدأ العلاقة معه بالعمل على أن يغيّر من سلوكه، وأن يعمل على إجراء إصلاحات دستورية تضمن للسوريين بأن يختاروا نظام الحكم الذي يناسب الأغلبية منهم".

كما أن يعمل على "إيجاد مصالحة وطنية مع كافة القوى المعارضة ذات القوة السياسية وأن يكون هناك عفو عن الجرائم التي حدثت في السابق"، بحسب المناع.

محكمة بريطانية
لاجئون سوريون في بريطانيا كانوا رفعوا قضية ضد بنك الدوحة بتهمة تمويل الإرهاب (AFP)

قال مصدر قضائي بريطاني إن عملاء يعملون لصالح الحكومة القطرية هددوا شهودا وقدموا رشاوى للتأثير على مسار قضية رفعها لاجئون سوريون في بريطانيا ضد "بنك الدوحة" قبل عدة سنوات بتهمة تمويل الإرهاب.

ونقلت صحيفة "الغارديان" البريطانية عن ممثل المدعين ماكس هيل القول إن الأمثلة على التدخل في القضية تشمل قيام المترجم الخاص بالمدعين بتلقي رشوة والطلب منهم توقيع مستندات غير مترجمة لم يفهماها.

وأضاف هيل أن شاهدا كان يعمل سابقا في وزارة الدفاع السورية ويمكنه تقديم شهادة مباشرة عن القضية تلقى تهديدات بالقتل والخطف، وجرى تركيب جهاز تتبع في سيارته، وتم استهداف منزله من قبل رجال ملثمين والتنصت عليه مما جعله يفكر جديا في سحب شهادته.

وكان 8 سوريين لاجئين في بريطانيا، رفعوا قضية في المحكمة العليا ضد "بنك الدوحة" بتهمة استخدامه في تحويل الأموال إلى منظمة "جبهة النصرة" الإرهابية المحظورة في المملكة المتحدة.

وأكد هؤلاء أنهم فروا إلى هولندا بعد أن دمرت جبهة النصرة، التي تسيطر على أجزاء من شمال سوريا، حياتهم ومنازلهم، وهو ما ينفيه البنك القطري.

وأشار هيل إلى أن أربعة من المدعين انسحبوا فعليا من الدعوى بسبب التهديدات على سلامتهم الجسدية.

من جانبها، قالت هانا براون، التي تمثل "بنك الدوحة" إنه "لا يوجد أي أدلة تُظهر علاقة البنك بالادعاءات أو أن البنك حاول التدخل في سير هذه الإجراءات أو التصرف بشكل غير قانوني أو غير مناسب بأي شكل من الأشكال."