جانب من مدينة كورسك التي تشهد حربا طاحنة بين القوات الروسية والأوكرانية
جانب من مدينة كورسك التي تشهد حربا طاحنة بين القوات الروسية والأوكرانية

باتت مدينة كورسك الروسية، التي تمتلك تاريخا عسكريا طويلا، اليوم محورا لصراع متجدد يعكس تعقيدات الحرب الروسية الأوكرانية.

وقد تحمل التطورات الأخيرة في المنطقة تأثيرات كبيرة على مسار الحرب وأمن الحدود بين البلدين.

فالمدينة الكبيرة التي شقت القوات الأوكرانية طريقها إليها عبر الحدود الغربية لروسيا في أغسطس الماضي في أكبر هجوم على الأراضي الروسية منذ الغزو النازي في 1941، أصبحت تحت الحصار.

جانب من مدينة كورسك التي تشهد حربا طاحنة بين القوات الروسية والأوكرانية

استمر التوغل الأوكراني سبعة أشهر بهدف تشتيت انتباه قوات موسكو والحصول على ورقة مساومة وإثارة غضب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

المدينة الحاسمة

وفي أكثر شرح تفصيلي للمنطق وراء التوغل، حدد قائد الجيش الأوكراني الجنرال، أولكسندر سيرسكي، الأهداف الرئيسية للعملية خلال مقابلة تلفزيونية في سبتمبر الماضي.

وقال إن من الأهداف منع روسيا من استخدام كورسك كمنصة إطلاق لهجوم جديد، وتحويل قوات موسكو من مناطق أخرى، وإنشاء منطقة أمنية ومنع القصف عبر الحدود للأهداف المدنية، وأسر أسرى حرب، ورفع معنويات القوات الأوكرانية والأمة بشكل عام.

لكن هجوما مضادا خاطفا شنته روسيا هذا الشهر أدى إلى تقليص المنطقة الخاضعة للسيطرة الأوكرانية في غرب روسيا إلى حوالي 110 كيلومترات مربعة مقارنة مع أكثر من 1368 كيلومترا مربعا سيطرت عليها كييف العام الماضي، وفقا لخرائط مفتوحة المصدر.

وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي السبت إن قوات بلاده ليست محاصرة لكنه دق ناقوس الخطر بشأن ما قال إنه قد يكون هجوما روسيا جديدا على منطقة سومي في شمال شرق أوكرانيا على الحدود مع كورسك.

وأظهرت خرائط تدهور وضع أوكرانيا في منطقة كورسك الروسية بشكل حاد في الأيام الماضية بعد أن استعادت القوات الروسية أراضي ضمن هجوم مضاد مكثف كاد يقسم القوات الأوكرانية إلى نصفين.

وبعد مناشدة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأسبوع الماضي بعدم التضحية بالقوات الأوكرانية "المحاصرة"، قال بوتين يوم الجمعة إن روسيا ستضمن سلامة الجنود الأوكرانيين في المنطقة إذا استسلموا.

لطالما كانت كورسك نقطة دفاعية مهمة بفضل موقعها القريب من الحدود الغربية لروسيا. تتميز المدينة اليوم بوجود منشآت عسكرية وصناعية كبيرة، خاصة في مجالات الصناعات الثقيلة والإلكترونيات العسكرية.

تقع كورسك في الجزء الغربي من روسيا، وتبعد حوالي 530 كيلومترا عن العاصمة موسكو.

وتعود جذور كورسك إلى القرن العاشر الميلادي، ولعبت دورا بارزا في التاريخ الروسي نظرا لموقعها القريب من الحدود الغربية للبلاد. شهدت المدينة فصولا من الغزو والتدمير خلال عدة حروب، أبرزها الغزو المغولي في القرن الثالث عشر.

معركة كورسك

أحد أهم الأحداث التي وضعت كورسك في دائرة الضوء التاريخية هي معركة كورسك خلال الحرب العالمية الثانية في عام 1943.

وكانت هذه المعركة واحدة من أكبر المعارك المدرعة في التاريخ، حيث تواجهت القوات السوفيتية مع القوات الألمانية النازية.

انتصر السوفييت في هذه المعركة، ما شكل نقطة تحول كبيرة في الحرب وأوقف التقدم الألماني نحو الشرق.

وتعد كورسك اليوم مدينة حيوية ذات طابع صناعي قوي، مثل التعدين وإنتاج المعدات الثقيلة.

ويحاول ترامب كسب دعم بوتين لمقترح وقف إطلاق النار لمدة 30 يوما والذي قبلته أوكرانيا الأسبوع الماضي، في حين واصل الجانبان تبادل الضربات الجوية المكثفة السبت والأحد.

وحذر ترامب من أنه إذا لم يتسن التوصل إلى وقف لإطلاق النار، فإن الصراع بين موسكو وكييف قد يتحول إلى حرب عالمية ثالثة.

المصادر قالت إن الصينيين الذين يقاتلون مع روسيا ربما ليس لهم علاقة ببكين
المصادر قالت إن الصينيين الذين يقاتلون مع روسيا ربما ليس لهم علاقة ببكين (Reuters)

قال مسؤولان أميركيان مطلعان ومسؤول مخابرات غربي سابق إن أكثر من 100 مواطن صيني يقاتلون في صفوف الجيش الروسي في مواجهة أوكرانيا هم مرتزقة لا صلة مباشرة لهم على ما يبدو بالحكومة الصينية.

ومع ذلك، قال المسؤول السابق لرويترز إن ضباطا صينيين كانوا في مسرح العمليات خلف الخطوط الروسية بموافقة بكين لاستخلاص الدروس التكتيكية من الحرب.

وأكد قائد القوات الأميركية في منطقة المحيطين الهندي والهادي، الأميرال صامويل بابارو، يوم الأربعاء أن القوات الأوكرانية أسرت رجلين من أصل صيني في شرق أوكرانيا بعد أن قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن بلاده لديها معلومات عن 155 مواطنا صينيا يقاتلون هناك إلى جانب روسيا.

ووصفت الصين تصريحات زيلينسكي بأنها "غير مسؤولة"، وقالت إن الصين ليست طرفا في الحرب. وكانت بكين قد أعلنت عن شراكة "بلا حدود" مع موسكو وامتنعت عن انتقاد الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا عام 2022.

وقال المسؤولون الأميركيون، الذين تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هويتهم، إن المقاتلين الصينيين لم يتلقوا فيما يبدو سوى الحد الأدنى من التدريب وليس لهم أي تأثير ملحوظ على العمليات العسكرية الروسية.

ولم ترد وكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي.آي.إيه)، ومكتب مدير المخابرات الوطنية الأميركية، ومجلس الأمن القومي، وكذلك السفارة الصينية في واشنطن بعد على طلبات  رويترز للتعليق.

وقال مسؤول مخابرات غربي سابق مطلع على الأمر لرويترز إن هناك نحو 200 من المرتزقة الصينيين يقاتلون لصالح روسيا لا علاقة للحكومة الصينية بهم.

لكن الضباط العسكريين الصينيين يقومون، بموافقة بكين، بجولات بالقرب من الخطوط الأمامية الروسية لاستخلاص الدروس وفهم التكتيكات في الحرب.

وقدمت الصين لموسكو على مدى سنوات دعما ماديا لمساعدتها في حربها على أوكرانيا، وتمثل ذلك في المقام الأول في شحن المنتجات ذات الاستخدام المزدوج وهي مكونات لازمة لصيانة الأسلحة مثل الطائرات المسيرة والدبابات.

كما زودت بكين روسيا بطائرات مسيرة مدمرة لاستخدامها في ساحة المعركة. وفي أكتوبر، فرضت إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن للمرة الأولى عقوبات على شركتين صينيتين بسبب تزويد موسكو بأنظمة الأسلحة.

ويقاتل متطوعون من دول غربية، بما في ذلك الولايات المتحدة، في صفوف أوكرانيا منذ الأيام الأولى للحرب، ونشرت كوريا الشمالية أكثر من 12 ألف جندي لدعم القوات الروسية، وقتل وأصيب الآلاف منهم في المعارك.