أنا متعبة، لم أعد أستطيع أن أتحمل"، كلمات قالتها سعاد (اسم مستعار) عبر الهاتف حملت في تردداتها الكثير من الأسى. وعلى صوت بكاء ابنتها الصغرى منى (سبعة أشهر)، أضافت "تزوجت من رجل أدمن المخدرات والحشيش والكحول، فكان كلما تعاطى وفقد إدراكه، ضربني حتى أني تعبت من العنف الجسدي".
رفعت سعاد قضية خُلع على زوجها، ظنا منها أن عذاباتها ستنتهي مع انتهاء علاقتها به. دفعت خمسة آلاف ريال سعودي لتحصل على الطلاق، لكنه استمر بالتهجم والاعتداء عليها، "حتى أنه اغتصبني، فحملت منه، وبعد أن ولدتُ طفلتي منى رفض تسجيلها على اسمه. وقال لي: اذهبي إلى الشيخ الذي طلقك مني ليسجل ابنتك".
وقالت سعاد إن عائلتها غير آبهة لمصابها، وعائلة زوجها غير متعاونة معها لتسجيل ابنتها الصغرى. قصدت سعاد جمعيات حقوق الإنسان ولكنها لم تجد حلا، قائلة "أش أسوي ما عندي إلا لله".
وتعيش سعاد وأطفالها الخمس من عطاءات "الجمعيات والمؤمنين الذين يساعدوني"، وهي تتمنى أن تعوض الحياة لأولادها أياما أفضل، وقالت "ابني الكبير متفوق في المدرسة لكني خائفة على نفسيته؛ أريد أن ينشأ أولادي في جو نظيف".
سعي للحد من تزايد العنف الأسري
ولكن من يساعد المرأة السعودية المعنفة، ويحميها ويكفل حقها؟
تسعى السلطات السعودية إلى الحد من هذه الآفة، خصوصا من خلال برنامج الأمان الأسري الوطني الذي يسعى إلى نشر الوعي، وتدريب الكوادر في كافة مناطق المملكة.
وفي هذا الصدد، قالت المديرة التنفيذية للبرنامج الدكتورة مهى المنيف إن البرنامج يساهم بفعالية مع كافة القطاعات الحكومية والاجتماعية في القضاء على ظاهرة العنف الأسري والتي انتشرت وبشكل لافت في الآونة الأخيرة.
وأكدت المنيف أن تزايد هذه الظاهرة "يستوجب معها وقفة جادة ومدروسة ووضع خطط إستراتيجية بعيدة المدى لاحتوائها ووأدها في مهدها".
وكانت أول دراسة علمية حول الوعي مرتبطة بظاهرتي العنف الأسري والعنف ضد الأطفال صدرت عن البرنامج، قد كشفت أن 70.7 في المئة من أفراد عينة الدراسة يؤكدون وجود عنف ضد المرأة، وأن 60 في المئة يؤكدون أن الأرقام المعلنة لعدد ضحايا العنف الأسري أقل من الحقيقة.
وطالب 92.1 في المئة من المستطلعين بمعاقبة مرتكبي أعمال العنف الأسري، فيما أكد 88.5 أن النساء اللواتي تعرضن للعنف بحاجة للحماية.
وعن هذه الدراسة، قالت الناشطة الحقوقية فوزية العيوني لموقع "راديو سوا" "هذا مؤشر مطمئن يعكس وعي المجتمع واعترافه بهذه الظاهرة واشمئزازه منها".
"المرأة ملك للرجل"
ولمعرفة الأسباب التي تقف وراء تزايد ظاهرة العنف الأسري في السعودية، لا بد من التعريف بالقوانين الخاصة بالمرأة في المجتمع السعودي.
فالمرأة السعودية تستمد حقوقها من الإسلام والعادات القبلية. وهي تعيش في مجتمع يهيمن عليه مفهوم السلطة الذكورية ويطبق الفصل بين الجنسين في شتى المرافق. كما أن التقاليد تفرض أن يكون لكل امرأة بغض النظر عن عمرها ولي ذكر.
وفي هذا الإطار، قالت الناشطة الحقوقية سمر بدوي لموقع "راديو سوا" إنها العادات والتقاليد، فالمرأة تخضع لوصاية الرجل"، مشيرة إلى أن العنف الأسري ينتج عندما لا يكون للمرأة صوت، أو دور، ولا تستطيع المطالبة بحقوقها.
وقالت "حكمت علينا العادات والتقاليد أن تكون المرأة تحت ولاية الزوج أو الأب بنسبة مئة في المئة".
وذهبت الناشطة الحقوقية فوزية العيوني إلى أبعد من ذلك، بقولها إن أبرز أسباب العنف ضد المرأة "هو نظرة دونية لها كرسها تيار ديني متشدد سيطر على البلاد على مدى سنوات طويلة، وتحوّل إلى ثقافة مجتمعية سائدة تشربتها المرأة فأفقدتها الثقة بنفسها وصارت مطية جاهزة للعنف".
إن أكثر القوانين تمييزا ضد المرأة الراشدة في السعودية، قالت العيوني "حرمانها من اتخاذ قراراتها الخاصة بنفسها من تعليم، عمل، زواج، وحضانة أطفال.. دون إذن من رجل"، لافتة إلى أن ذلك "أدى إلى رؤية المرأة لنفسها ورؤية أجيال جديدة لها كقاصر".
ودعت العيوني "إلى تقليص دور الولي وتمكين المرأة من حق تقرير مصيرها، يتبع ذلك سن القوانين العقابية لكل من يتعرض لها أو يقف أمام حق من حقوقها".
طريق التغيير طويل
ولكن من يساعد المرأة السعودية لتحقيق خرق في جدار الأعراف وسن قوانين تنقلها إلى القرن الحادي والعشرين؟
قالت الاختصاصية الاجتماعية ناديا عبد الجبار، المسؤولة في فريق الأمان الأسري بجمعية العطاء في القطيف "حتى الآن المرأة السعودية لا تساعد نفسها"، داعية النساء السعوديات إلى الإصرار والمثابرة في المطالبة بحقوقهن حتى "نصل إلى مبتغانا".
وأكدت عبد الجبار أن "الطريق طويل والتغيير يحتاج إلى وقت وجهد"، مؤكدة أن المطالبة بحقوق المرأة ليست خروجا عن الشريعة الإسلامية.
من ناحيتها، طالبت بدوي "خادم الحرمين الشريفين أن يأمر بوضع قوانين تحمي المرأة"، قائلة "للأسف، لا حقوق للمرأة في السعودية، صفر. القوانين التي لدينا تنتهك حقوق المرأة".
ودعت العيوني إلى "حملات شراكة اجتماعية"، سعيا للقضاء على هذه الظاهرة، مشيرة إلى أن ذلك "يحتاج لجهد جماعي ممنهج يغطي كل أطراف المملكة المترامية".
وقالت العيوني إن "كثيرا من المعنفات يتجرعن الألم وذل المهانة في بيوتهن صامتات لعدم ثقتهن بأي جهة يلجأن اليها".
وأضافت "جهاز الشرطة يمكن أن ألا ينصت للمرأة إذا كان المعنف معروفاً لديه. وفي حالات قليلة، أقصى ما يفعله هو استحضار المعنف وتوقيعه على تعهد بأن لا يكرر ما فعله. وإذا عادت المعنفة للشرطة في حالة أصعب أودعت دار حماية، وهو مأوى موقت يحق لولي المرأة استلامها في أي لحظة منه".
"هاشتاغ".. والشارع يتفاعل
ودعت بدوي المرأة السعودية المعنفة إلى رفع الصوت وعدم الخوف وجعل قضيتها قضية رأي عام، وتحدثت عن الدور الإيجابي لوسائل الإعلام في نشر التوعية، لافتة إلى دور الإعلام البديل لاسيما مواقع تويتر وفيسبوك ويوتيوب التي برأيها سلطت الضوء على المشاكل التي تعاني منها المرأة السعودية.
وقالت بدوي "تويتر أصبح وسيلة مهمة. لمجرد ظهور معنفة واحدة، نتبادل اسمها بـهاشتاغ، فيتفاعل معها الشارع السعودي والمنظمات الإنسانية، الأمر الذي يدفع الحكومة إلى التحرك. لقد أحدثت مواقع التواصل الاجتماعي فرقا كبيرا في السنوات الأخيرة".
التوعية والقوانين
أما عبد الجبار، فركزت على أهمية البرامج التوعوية للمساهمة في القضاء على أنواع العنف المنزلي. لكنها لفتت إلى أن المجتمع السعودي "يحارب" ضحايا العنف الأسري.
وكشفت العيوني أن عام 2008 شهد إنجاز دراسات عن قوانين تحد من العنف ضد المرأة والطفل، وتم رفعها إلى المعنيين، "وعام 2011 جهز كامل المشروع، غير أنه لم يتم إقراره حتى اليوم "، وقالت "غدت كلمة قريبا (التي يستعملها المسؤولون) تعني عشرات السنين".
ووافقتها عبد الجبار الرأي، قائلة "أريد أن أكون متفائلة. إنشاء الله ما يكون المشوار طويل (متنهدة). أنا عشمي في حكومة المملكة وخادم الحرمين الشريفين"...