أمانة الرياض تعلن إجراءات في إطار التدابير الرامية إلى الحد من انتشار فيروس كورونا المستجد بينها إغلاق المجمعات التجارية وكافة الأنشطة داخلها
2019 مركز تجاري في العاصمة الرياض

رغم رفع الأذان لصلاة المغرب، لم يتوقف عمال في مطعم سعودي بالرياض عن قلب شرائح اللحم على المشواة، في مشهد غريب في بلد اعتاد أصحاب المتاجر والمطاعم فيه إغلاق محلاتهم وقت الصلاة.

يبدو الأمر مختلفا عن السابق عندما كانت الشرطة الدينية تلاحق رواد المقاهي والمراكز التجارية وتجبر المحلات على الإغلاق وقت الصلاة، ويوحي وكأنه يأتي ضمن إطار الإصلاحات التي تشهدها المملكة بدفع من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.

سابقة

وأعلنت السعودية الشهر الماضي أنه تم السماح للأنشطة التجارية بالعمل لمدة 24 ساعة مقابل دفع بدل مالي للسلطات، ما أثار تساؤلات حول ما إذا كان هذا يشمل مواعيد الصلاة. ولكن بالنسبة لبعض المحال في مراكز تجارية، قد يكون القرار عبارة عن إشارة ضمنية للسماح بالعمل وقت الصلاة.

وإن ثبت أن التساهل بدأ في هذا المجال، فسيكون ذلك أحد أكثر الإصلاحات حساسية في المملكة المحافظة.

وفي انتظار اتضاح القرار، تغامر بعض المحلات بإبقاء أبوابها مفتوحة.

في المطعم الموجود في مركز المملكة التجاري الراقي في العاصمة السعودية، تواصلت خدمة الزبائن عند حلول صلاة المغرب. ويبرز مدير المطعم المتخصص ببيع شطائر الهمبرغر لوكالة الصحافة الفرنسية رسالة نصية من مالك المطعم السعودي الجنسية يطلب منه إبقاء المطعم مفتوحا.

مطلب "شعبي"

وورد في الرسالة النصية "قرّر مجلس الوزراء السماح للمحلات والمطاعم والأسواق التجارية بالعمل لمدة 24 ساعة والقرار يشمل عدم إغلاق المحلات أوقات الصلاة".

عند حلول صلاة العشاء، تكرر المشهد في مركز النخيل التجاري أيضا. مع إغلاق العديد من المحلات التجارية لسواترها، بقيت المقاهي والمطاعم تعج بالزبائن، وواصل الأطفال اللعب في منتزه داخلي.

ويؤكد فرنسيس الذي يدير مقهى في حديث لوكالة الصحافة الفرنسية أن "غالبية الوقت، المتاجر تبقى هنا مفتوحة أوقات الصلاة".

ويقول مديران آخران في متاجر أخرى إنهم لم يدفعوا أي مقابل مالي من أجل السماح لهم بالعمل لمدة 24 ساعة، لكنهم يعملون بشكل حذر لتقييم الوضع.

ويضيف أحدهما مشترطا عدم الكشف عن اسمه، "من يرغب بالصلاة، يمكنه الصلاة، ومن يرغب بالعمل يمكنه العمل".

ويقول الآخر الذي اشترط أيضا عدم الكشف عن اسمه، إنه سيغلق المحل الذي يديره في حال تلقى مراجعة من الشرطة الدينية.

وتؤكد الباحثة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية إيمان الحسين لوكالة الصحافة الفرنسية أن أصحاب المحلات التجارية يستطيعون استغلال "بيانات الحكومة غير الواضحة لإبقاء المتاجر مفتوحة، خصوصا مع غياب الشرطة الدينية التي كانت مسؤولة عن تطبيق هذا النظام".

وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، أضحى فتح المحلات التجارية في أوقات الصلاة مطلبا "شعبيا".

إذ أطلق ناشطون سعوديون هاشتاع "فتح المحلات وقت الصلاة" لحمل السلطات على السماح للتجار على إبقاء محلاتهم مفتوحخة في وجه الزبائن حتى وقت الصلاة.

 التباس

وفي العادة، وبعد صلاة الفجر، تغلق المحلات التجارية أبوابها في المملكة أربع مرات يوميا، وينقطع العمل لمدة نصف ساعة تقريبا في كل مرة.

وما زال من المبكر تحديد العائد المالي من تسهيل القيود المتعلقة بأوقات الصلاة والتي يقول أعضاء من مجلس الشورى السعودي أنها تكلف الاقتصاد السعودي مليارات من الريال سنويا.

وتقول المحللة في معهد "أميركان انتربرايز" كارين يونغ إن "إمكانية جعل إغلاق المحلات من أجل الصلاة أمرا اختياريا سيزيد من إنتاجية العمال وربما الأنشطة التجارية بشكل عام" مع مسعى المملكة لتنويع اقتصادها المرتهن للنفط.

ويقود ولي العهد السعودي برنامج إصلاحات طموحا منذ عامين، ومن بينها السماح للنساء بقيادة السيارات وإعادة فتح دور السينما وتقليص نفوذ الشرطة الدينية.

وحتى الآن، لم يصدر أي رد فعل من المتشددين في المملكة.

ولكن في تغريدة العام الماضي، ذكرت الشرطة الدينية التي تعرف باسم "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" أنه "من تعظيم شأن الصلاة (..) عدم الالتهاء عنها بالبيع والشراء".

ولم توضح السلطات السعودية حتى الآن إن كان القرار يشمل مواقيت الصلاة، مع شعور الكثيرين بالالتباس.

وأوردت وسائل إعلام سعودية أنه يجب دفع مقابل مادي يصل إلى 100 ألف ريال (27 الف دولار) للعمل لمدة 24 ساعة يوميا.

ولم ترد وزارة الإعلام السعودية أو القيمون على المراكز التجارية على طلب وكالة الصحافة الفرنسية التعليق.

ويرى البعض أن السلطات السعودية تحاول إدخال إصلاح حساس من دون إثارة رد فعل غاضب من المتشددين.

إلا أن بعض المحلات التجارية تفضل توخي الحذر، مثل مطعم تركي في مركز النخيل التجاري الذي قال صاحبه إنه يفضل إغلاق الأبواب في مواقيت الصلاة، مؤكدا أنه لا توجد "أي ضمانات" حكومية لجهة عدم معاقبة المحلات التي لا تغلق أبوابها.

وبالنسبة لعامر، الصيدلي السعودي الذي كان يشتري القهوة في مركز النخيل التجاري وقت صلاة العصر، المسألة "مسألة وقت".

ويضيف "الحكومة تقوم باختبار ردود الفعل. وفي حال لم يحصل، فإنها قد تجعل من ذلك أمرا رسميا".

بدر المشاري اعتقل في يوليو 2024
بدر المشاري اعتقل في يوليو 2024 | Source: social media

سلط قرار السلطات المختصة في الرياض الإفراج عن الداعية الإسلامي المعروف، بدر المشاري، الضوء على قضية اعتقال العديد من رجال الدين في السعودية، وذلك منذ تولى الأمير محمد بن سلمان منصب ولي العهد في المملكة سنة 2017.

وكانت مصادر مقربة من  المشاري قد أكدت، الخميس، خبر إطلاق سراحه بعد قضائه فترة سجن استمرت لأكثر من عام، بينما تجاهلت وسائل الإعلام المحلية التطرق لذلك.

وحسب الموقع الرسمي لـ"لجنة الولايات المتحدة للحرية الدينية الدولية"، وهي منظمة حكومية أميركية مستقلة، فإن  السلطات السعودية قد اعتقلت المشاري في يوليو من العام 2023 "في ظروف غامضة ولأسباب غير واضحة".

 

وأشار الموقع إلى أن المشاري كان قد وجه انتقادات للهيئة العامة للترفيه برئاسة، المستشار تركي آل الشيخ "بسبب رعايتها للحفلات والفعاليات التي تتعارض مع الأعراف الدينية والثقافية".

ولفت الموقع إلى أنه كان قد جرى "اعتقال وسجن العديد من رجال الدين الذين انتقدوا الهيئة العامة للترفيه في السنوات الأخيرة".

وكانت مجلة "فورين أفيرز" قد ذكرت عام 2017، وعقب تولي محمد بن سلمان، منصب ولاية العهد، بأن  الأخير بدأ قيادة تحول السعودية نحو الإصلاح الاقتصادي، وقد وضع استراتيجية من ثلاثة محاور لتجنب أي رد فعل عنيف من أي محافظين دينيين معارضين لخطته.

وكتب أحد الباحثين الذي التقوا بن سلمان، وقتها، أن الأخير قد أبلغهم بأن إجراءات عقابية سيتم وضعها في الاعتبار إذا أقدم أي رجل دين على التحريض على العنف أو ممارسة رد فعل على الخطة الإصلاحية.

أبرز المعتقلين

وبالفعل شنت السلطات السعودية حملة اعتقالات واسعة استهدفت عدداً من رجال الدين البارزين. فيما يلي أبرز هؤلاء المعتقلين:

سلمان العودة

داعية سعودي وُلد عام 1956، يُعتبر من رموز الوسطية الإسلامية، وقد اعتُقل في سبتمبر 2017 بعد تغريدة دعا فيها إلى التقارب بين السعودية وقطر.

والعودة واحد من 20 شخصية تم توقيفهم في منتصف سبتمبر 2017، وبينهم كتاب وصحفيون، في سياق حملة استهدفت معارضين في المملكة.

ووفق منظمة العفو الدولية، وجهت السلطات السعودية للعودة في أغسطس 2018، 37 تهمة، من بينها الانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين، والدعوة إلى إجراء إصلاحات في الحكومة و"تغيير النظام" في المنطقة العربية.

عوض القرني

رجل دين  وُلد عام 1957 في منطقة عسير، و اعتُقل في سبتمبر 2017، واتُهم بحثّ الشباب على الانضمام لجماعات إرهابية والتواصل مع جهات خارجية.

وذكرت صحيفة "الغارديان" البريطانية في يناير عام 2023، بأن الادعاء السعودي كان قد طالب بإصدار عقوبة الإعدام على القرني، لارتكابه جرائم مزعومة، بما في ذلك امتلاك حساب على تويتر، واستخدام تطبيق واتساب لنشر أخبار "معادية" للمملكة، وفقا لوثائق المحكمة.

نجل سلمان العودة يعلق على مطالبة النيابة السعودية بإعدام عوض القرني
استنكر مدير الأبحاث لمنطقة الخليج في المنظمة غير الحكومية داون (الديموقراطية للعالم العربي الآن)، عبد الله العودة، نجل الداعية المعتقل في السعودية سلمان العودة، طلب النيابة العامة في المملكة إعدام الداعية عوض القرني.

وذكرت الصحيفة أنها اطلعت على وثائق المحكمة السعودية وتفاصيل التهم الموجهة ضد القرني من قبل ابنه، ناصر، الذي فر العام الماضي من المملكة ويعيش حاليا في المملكة المتحدة بعد طلبه للحماية.

علي العمري

داعية إسلامي سعودي وُلد عام 1976، وشغل منصب رئيس جامعة مكة المكرمة المفتوحة. 

واعتُقل في سبتمبر 2017، كما جرى إغلاق قناة "فور شباب" التي يديرها.

سفر الحوالي

داعية سعودي وُلد عام 1950، ويعد أحد أبرز وجوه "الصحوة"، الحركة الاجتماعية السلفية التي نشأت في ثمانينيات القرن الماضي في السعودية.

ويعاني الحوالي الموقوف منذ 2018، من إعاقة كاملة، وظروف سجن "ترقى إلى التعذيب"، على ما أفادت مجموعة خبراء من الأمم المتحدة، في مايو من العام الماضي، في تقرير علني.

وقال عضو لجنة الأمم المتحدة المعنية بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، ماركوس شيفر، في بيان، "تعرض الحوالي لمجموعة واسعة من انتهاكات حقوق الإنسان على مدى السنوات الست الماضية، بما في ذلك الإخفاء القسري، والاحتجاز التعسفي، والحرمان من الحق في الإجراءات القانونية الواجبة، والحرمان من الحق في الصحة، فضلا عن أعمال التعذيب أو المعاملة اللا إنسانية".

وجاء بيان لجنة الخبراء بعد اطلاعها على شكوى قدمها ابن شقيق الحوالي قال فيها إن عمه اعتقل منذ 2018 "عقابا له على انتقاد سلمي لولي العهد"، الحاكم الفعلي للمملكة.

ولم تدلِ الحكومة السعودية، وقتها، بأي تعليق  بناء على طلب من وكالة فرانس برس. 

محمد موسى الشريف

 رجل دين معروف وُلد عام 1961،  وكان أستاذا جامعيا وباحثا في التاريخ الإسلامي.

وقد جرى اعتقاله في سبتمبر 2017.

محمد صالح المنجد

 داعية سعودي ومشرف على موقع "الإسلام سؤال وجواب"، وقد اعتُقل  أيضا في سبتمبر 2017.

عبد العزيز الفوزان 

أستاذ في المعهد العالي للقضاء. اعتُقل في يوليو 2018 بعد تغريدات حذّر فيها من موجة اعتقالات.

عبد الله الحامد

مفكر وناشط حقوقي سعودي، وأحد مؤسسي جمعية الحقوق المدنية والسياسية في السعودية (حسم)، وتوفي في السجن في أبريل 2020 نتيجة "الإهمال الطبي" وفق ما ذكر حساب "معتقلي الرأي" على منصة أكس وقتها.

تجدر الإشارة إلى أن تلك الحملة لم تقتصر على رجال الدين، بل شملت أيضًا أكاديميين، وناشطين حقوقيين، وصحفيين، ما أثار انتقادات واسعة من منظمات حقوقية دولية.