وصول 10 أسرى حرب من روسيا إلى مطار الملك خالد الدولي بالرياض في 21 سبتمبر 2022
وصول 10 أسرى حرب من روسيا إلى مطار الملك خالد الدولي بالرياض في 21 سبتمبر 2022

يرى دبلوماسيون ومحللون إن الدور غير المتوقع للسعودية في التوسط في إطلاق سراح مقاتلين أجانب في أوكرانيا، يشكل أحدث دليل على أن الغزو الروسي بات يسهم في تعزيز مكانة المملكة الدبلوماسية على الصعيد الدولي، بحسب تقرير لوكالة فرانس برس.

وبعد وساطة من ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، أطلقت روسيا، الأربعاء، سراح 10 أجانب كانت قد أسرتهم في أوكرانيا، بينهم خمسة بريطانيين وأميركيين اثنين.

وأفرج عن المقاتلين الـ 10، بالتزامن مع عملية تبادل أكبر للأسرى بوساطة جزئية من تركيا، شملت 215 من الجنود الاوكرانيين في مقابل 55 مقاتلا روسيا، حسب "فرانس برس".

وقالت وزارة الخارجية السعودية، الأربعاء، إن روسيا أفرجت عن عشرة من أسرى الحرب الأجانب في أوكرانيا، من بينهم خمسة بريطانيين وأمريكيين اثنين، في اتفاقية لتبادل الأسرى تمت بوساطة سعودية.

وذكرت الوزارة في بيان أن قائمة الأسرى تضم مواطنين من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والسويد وكرواتيا والمغرب، مشيرة إلى أن طائرة تقل الأسرى هبطت في السعودية.

وقامت الجهات المعنية في المملكة باستلامهم ونقلهم من روسيا إلى المملكة، والعمل على تسهيل إجراءات عودتهم إلى بلدانهم، وفقا للخارجية السعودية.

وفور وصولهم، أعربت واشنطن ولندن وعواصم أخرى عن شكرها للمملكة، فيما سلّط المسؤولون السعوديون الضوء على الانخراط المباشر لولي العهد الأمير محمد بن سلمان في الوساطة.

ويمنح هذا النجاح الرياض فرصة القول بأن المحافظة على العلاقات مع موسكو يمكن أن تحل أزمات، بينما قد يسهم أيضا بإبعاد الأنظار عن مسألة الحقوق التي تتعرض السعودية لانتقادات بشأنها، وفقا لـ"فرانس برس".

ويقول الخبير السعودي القريب من الحكومة، علي الشهابي، عن الصفقة "إنها سابقة بالتأكيد".

ويضيف لـ"فرانس برس": "كانت فرصة للاستفادة من علاقات السعودية مع روسيا من أجل قضية جيدة"، مشيرا إلى أن ترتيبات مماثلة قد تكون ممكنة في المستقبل.

التغلب على العزلة 

قبل اندلاع الحرب على أوكرانيا في فبراير، كانت السعودية لا تزال تكافح للتغلب على العزلة الدبلوماسية الناتجة عن مقتل الصحفي، جمال خاشقجي، افي قنصلية المملكة في إسطنبول عام 2018

ورفع الرئيس الأميركي، جو بايدن، العام الماضي، السرية عن تقرير استخباراتي وجد أن "بن سلمان وافق على العملية التي استهدفت خاشقجي"، وهو أمر تنفيه السلطات السعودية "بشدة".

تضررت الصورة الأولية لولي العهد السعودي، كقائد إصلاحي جريء بسبب مقتل الكاتب الصحفي في صحيفة واشنطن بوست، على يد ضباط مخابرات سعوديين يعتقد أنهم مقربون من الأمير محمد، وفقا لـ"رويترز".

ونفى ولي العهد السعودي إصداره أمرا بقتل خاشقجي، لكنه قال إنه يتحمل المسؤولية في نهاية المطاف على اعتبار أنه حدث وهو في موقع السلطة، حسب "رويترز".

وفي تقرير سابق لموقع "الحرة"، رفض المحلل السياسي السعودي، تركي القبلان، الاتهامات للمملكة بأنها تسعى لتحسين صورتها بعد قضية خاشقجي، مشيرا إلى أنها "قضية تم إغلاقها قضائيا، وهناك جناة تم محاكمتهم"، والتلويح بها بشكل متكرر من بعض الجهات في الدول الغربية لا يعبر إلا عن "ضعف سياسي" لهذه الجهات التي تريد مناكفة المملكة.

وحفز الارتفاع الحاد في أسعار الطاقة الناجم عن الغزو الروسي، عددا من القادة الغربيين على السفر إلى السعودية لمناشدتها زيادة إنتاج النفط، ولا سيما رئيس الوزراء البريطاني آنذاك، بوريس جونسون، وبعده بايدن الذي تراجع عن تعهد سابق بنبذ القيادة السعودية، وفقا لـ"فرانس برس".

وقاومت السعودية إلى حد كبير الدعوات إلى ضخ المزيد من النفط بالتنسيق مع مجموعة "أوبك بلاس" التي تقودها إلى جانب روسيا.

وقد استفاد أكبر مصدر للنفط الخام في العالم من الحرب، حيث أعلنت شركة النفط العملاقة أرامكو عن أرباح قياسية، ومن المتوقع أن ينمو اقتصاد المملكة بنسبة 7,6 بالمئة هذا العام، وفقا لصندوق النقد الدولي.

ويرى دبلوماسي عربي مقيم في الرياض إن خطوات مثل التوسط في تبادل الأسرى تسمح للأمير محمد بن سلمان "بأن يثبت للغرب أنه شخص موثوق به في الشؤون الدولية" بفضل علاقاته مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وفقا لـ"فرانس برس".

وأكد الدبلوماسي أن "انخراطه (محمد بن سلمان) بهذه الطريقة يخلق أيضا عناوين صحف تغطي على قصص مثل الأحكام القضائية القاسية" ضد منتقدي الحكومة، مشيرا إلى قضيتي امرأتين حكم عليهما مؤخرا بالسجن لعقود بسبب منشوراتهما على وسائل التواصل الاجتماعي.

وقال وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، لمحطة "بي بي سي" هذا الشهر إن الوساطة السعودية كانت "لأسباب إنسانية بحتة"، وأنه من "المثير للسخرية" الاعتقاد بأن المملكة تعمل على تحسين سمعتها.

ومع ذلك، قامت وسائل الإعلام الحكومية بتغطية الحدث على مدار الساعة بمشاركة محللين قال أحدهم إن التبادل دليل على "العلاقات الدولية العظيمة" للأمير محمد بن سلمان، وفقا لـ"فرانس برس".

ثقة جديدة

يتولى عدد من جيران السعودية دور الوساطة سعيا وراء نفوذ دبلوماسي داخل المنطقة وخارجها.

واستفادت سلطنة عمان من علاقاتها مع إيران للتفاوض على تبادل للأسرى، بما في ذلك من الولايات المتحدة، وفعلت قطر الشيء نفسه مع مجموعات مثل حركة طالبان والمسلحين التابعين لتنظيم القاعدة في سوريا.

وقالت الباحثة المقيمة البارزة في معهد دول الخليج العربية بواشنطن، كريستين ديوان، "من غير المعتاد أن تطبق المملكة العربية السعودية استراتيجية الوساطة الدبلوماسية، وهي دبلوماسية مترسخة في دول الخليج الأصغر مثل قطر"، حسب "رويترز".

ومن جانبه يقول كبير الباحثين في معهد "نيو أميركا" في واشنطن، أليكس ستارك، "لقد تولت تركيا أيضا على نحو متزايد هذا النوع من الأدوار في السنوات الأخيرة، خصوصا في سوريا ومؤخرا في أوكرانيا".

وأضاف أن "السعودية شاهدت أيضا كيف نالت تركيا الثناء والاهتمام بفضل توسطها في صفقة الحبوب بين روسيا وأوكرانيا، وربما تسعى إلى استنساخ هذا النجاح"، حسب "فرانس برس".

وقال الدبلوماسي المقيم في الرياض إن الحرب في أوكرانيا "منحته (ولي العهد) ثقة جديدة في نفسه".

وتؤكد السعودية أن طموحاتها في مجال القوة الناعمة تتوسع وباتت تلامس الفضاء، حيث تعتزم بموجب برنامج تم الكشف عنه، الخميس الماضي، إرسال رواد فضاء العام المقبل بينهم امرأة.

وأطلقت الهيئة السعودية للفضاء، الخميس، برنامج المملكة لـ"رواد الفضاء"، والذي يهدف لتأهيل كوادر سعودية متمرسة لخوض رحلات فضائية طويلة وقصيرة المدى والمشاركة في التجارب العلمية والأبحاث الدولية والمهام المستقبلية المتعلقة بالفضاء، وفقا لـ"واس".

صورة نشرها حساب الأمن السعودي مع خبر توقيف الشاب بتهمة نشر محتوى خادش للحياء
صورة نشرها حساب الأمن السعودي مع خبر توقيف الشاب بتهمة نشر محتوى خادش للحياء | Source: X

عبر نشطاء سعوديون عن إدانتهم لاعتقال السلطات السعودية شخصا نشر صورا على مواقع التواصل الاجتماعي للتعبير عن نفسه وتوجهه الجنسي دون "أذية أحد".

وأعلنت السلطات السعودية توقيف مواطن بتهمة نشر محتوى خادش للحياء، وهو الأمر الذي قوبل باستنكار حقوقي من ناشطين بمجال حقوق مجتمع الميم عين.

وقالت إدارة التحريات والبحث الجنائي بشرطة منطقة الرياض، الأحد، إنه تم إلقاء القبض على مواطن نشر محتوى ذات دلالات جنسية وخادشة للحياء وسلوكيات منافية للآداب العامة على مواقع التواصل الاجتماعي.

في المقابل، قال المتحدث باسم منظمة ألوان المعنية بحقوق مجتمع الميم عين في الخليج، طارق بن عزيز، إن الشخص المعتقل هو "شاب صغير".

وأوضح أنه تم اعتقاله "لمجرد أنه كان يعبر عن نفسه بحرية دون أن يؤذي أحدا، رغم أنه لم يعلن نفسه رسميا وعلنا كواحد من أفراد مجتمع الميم عين".

وأضاف "اختلافه الجندري تم تهويله وتصويره على أنه دلالات جنسية وخدش للحياء ومخالفة لسلوكيات الآداب العامة"، وتابع "الشاب مسالم جدا محب للحياة ولوطنه السعودية".

وتابع "سوف يتعرض لمواقف سيئة في السجن قد تؤثر على بقية حياته ويحتك بشخصيات كارثية أخلاقيا فقط لأنه مختلف".

وأشار إلى أن "القوانين في السعودية لا تحمي حرية التعبير ولا حقوق المختلفين ولا حرياتهم الفردية، ما يزال الاضطهاد والتمييز وتغذية الكراهية ضد المثليين والعابرين جنسيا يتم برعاية أجهزة الدولة".

بدوره، قال الناشط السعودي، المقيم في بريطانيا، عبد الرحمن، لموقع "الحرة": "لا بد من فرض عقوبات على المملكة التي تسن قوانين وتصدر قرارات تعزز التمييز والكراهية ضد أفراد مجتمع الميم العين".

وأضاف "‏هؤلاء السعوديين مسالمين لا يهددون أمن المملكة ولا يرتكبون أي جريمة تستحق السجن"، على حد تعبيره.

في المقابل، حاول موقع "الحرة" الحصول على تعليق من مكتب التواصل الحكومي، إلا أنه لم يستحصل على رد حتى تاريخ نشر هذا الخبر. 

وعن مصير توقيفه، أشار بن عزيز إلى أن الموقوف ليس لديه محام حتى الآن، والنيابة سوف تحدد لائحة الاتهام ولكنها عادة لن تكون بعيدة عن أسباب إلقاء القبض (...) وحسب اعتقادي سوف تكون محاكمته تحت نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية وفق الفقرة الأولى من المادة السادسة".

العقوبات

ووفقا للمادة السادسة من نظام مكافحة جرائم المعلوماتية، يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على خمس سنوات وبغرامة لا تزيد على ثلاثة ملايين ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل شخص يرتكب أيا من الجرائم المعلوماتية الآتية:

إنتاج ما من شأنه المساس بالنظام العام، أو القيم الدينية، أو الآداب العامة، أو حرمة الحياة الخاصة، أو إعداده ، أو إرساله، أو تخزينه عن طريق الشبكة المعلوماتية، أو أحد أجهزة الحاسب الآلي.

إنشاء موقع على الشبكة المعلوماتية، أو أحد أجهزة الحاسب الآلي أو نشره، للاتجار في الجنس البشري، أو تسهيل التعامل به.

إنشاء المواد والبيانات المتعلقة بالشبكات الإباحية، أو أنشطة الميسر المخلة بالآداب العامة أو نشرها أو ترويجها.

وليس لدى السعودية قوانين مكتوبة تتعلق بالتوجه الجنسي أو الهوية الجنسية، لكن القضاة يستخدمون مبادئ الشريعة الإسلامية غير المدونة لمعاقبة الأشخاص المشتبه في ارتكابهم علاقات جنسية خارج إطار الزواج، بما في ذلك الزنا، أو ممارسة الجنس خارج نطاق الزواج أو ممارسة الجنس المثلي، أو غيرها من الأفعال "غير الأخلاقية".

كما يستخدم القضاة والمدعون العامون أحكاما غامضة في قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية في البلاد، والتي تجرم النشاط عبر الإنترنت الذي يمس "النظام العام والقيم الدينية والأخلاق العامة والخصوصية" لأي نشاط داعم لمجتمع الميم  عين عبر الإنترنت، بحسب تقرير لموقع "أوت" المهتم بقضايا مجتمع الميم عين.

وعبرت منظمة ألوان في بيان عن إدانتها لاعتقال الشاب ولـ"الاستمرار باعتقال المختلفين جنسانيا وأفراد الميم عين في السعودية" ودعت "الحكومة للإفراج عن هؤلاء الأبرياء".

وتشهد السعودية بقيادة ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للبلاد، انفتاحا اجتماعيا بعد عقود من الإغلاق والقيود المشددة، فأعيد افتتاح دور السينما، وباتت الحفلات الغنائية مسموحة، ووُضع حد لحظر الاختلاط بين الرجال والنساء.

لكن هذا الانفتاح لم يطل الأقليات الجنسية التي لا تزال تعجز عن التعبير عن هوياتها الجنسية علانية، بحسب وكالة فرانس برس.