يرى دبلوماسيون ومحللون إن الدور غير المتوقع للسعودية في التوسط في إطلاق سراح مقاتلين أجانب في أوكرانيا، يشكل أحدث دليل على أن الغزو الروسي بات يسهم في تعزيز مكانة المملكة الدبلوماسية على الصعيد الدولي، بحسب تقرير لوكالة فرانس برس.
وبعد وساطة من ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، أطلقت روسيا، الأربعاء، سراح 10 أجانب كانت قد أسرتهم في أوكرانيا، بينهم خمسة بريطانيين وأميركيين اثنين.
وأفرج عن المقاتلين الـ 10، بالتزامن مع عملية تبادل أكبر للأسرى بوساطة جزئية من تركيا، شملت 215 من الجنود الاوكرانيين في مقابل 55 مقاتلا روسيا، حسب "فرانس برس".
وقالت وزارة الخارجية السعودية، الأربعاء، إن روسيا أفرجت عن عشرة من أسرى الحرب الأجانب في أوكرانيا، من بينهم خمسة بريطانيين وأمريكيين اثنين، في اتفاقية لتبادل الأسرى تمت بوساطة سعودية.
وذكرت الوزارة في بيان أن قائمة الأسرى تضم مواطنين من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والسويد وكرواتيا والمغرب، مشيرة إلى أن طائرة تقل الأسرى هبطت في السعودية.
وقامت الجهات المعنية في المملكة باستلامهم ونقلهم من روسيا إلى المملكة، والعمل على تسهيل إجراءات عودتهم إلى بلدانهم، وفقا للخارجية السعودية.
وفور وصولهم، أعربت واشنطن ولندن وعواصم أخرى عن شكرها للمملكة، فيما سلّط المسؤولون السعوديون الضوء على الانخراط المباشر لولي العهد الأمير محمد بن سلمان في الوساطة.
ويمنح هذا النجاح الرياض فرصة القول بأن المحافظة على العلاقات مع موسكو يمكن أن تحل أزمات، بينما قد يسهم أيضا بإبعاد الأنظار عن مسألة الحقوق التي تتعرض السعودية لانتقادات بشأنها، وفقا لـ"فرانس برس".
ويقول الخبير السعودي القريب من الحكومة، علي الشهابي، عن الصفقة "إنها سابقة بالتأكيد".
ويضيف لـ"فرانس برس": "كانت فرصة للاستفادة من علاقات السعودية مع روسيا من أجل قضية جيدة"، مشيرا إلى أن ترتيبات مماثلة قد تكون ممكنة في المستقبل.
التغلب على العزلة
قبل اندلاع الحرب على أوكرانيا في فبراير، كانت السعودية لا تزال تكافح للتغلب على العزلة الدبلوماسية الناتجة عن مقتل الصحفي، جمال خاشقجي، افي قنصلية المملكة في إسطنبول عام 2018
ورفع الرئيس الأميركي، جو بايدن، العام الماضي، السرية عن تقرير استخباراتي وجد أن "بن سلمان وافق على العملية التي استهدفت خاشقجي"، وهو أمر تنفيه السلطات السعودية "بشدة".
تضررت الصورة الأولية لولي العهد السعودي، كقائد إصلاحي جريء بسبب مقتل الكاتب الصحفي في صحيفة واشنطن بوست، على يد ضباط مخابرات سعوديين يعتقد أنهم مقربون من الأمير محمد، وفقا لـ"رويترز".
ونفى ولي العهد السعودي إصداره أمرا بقتل خاشقجي، لكنه قال إنه يتحمل المسؤولية في نهاية المطاف على اعتبار أنه حدث وهو في موقع السلطة، حسب "رويترز".
وفي تقرير سابق لموقع "الحرة"، رفض المحلل السياسي السعودي، تركي القبلان، الاتهامات للمملكة بأنها تسعى لتحسين صورتها بعد قضية خاشقجي، مشيرا إلى أنها "قضية تم إغلاقها قضائيا، وهناك جناة تم محاكمتهم"، والتلويح بها بشكل متكرر من بعض الجهات في الدول الغربية لا يعبر إلا عن "ضعف سياسي" لهذه الجهات التي تريد مناكفة المملكة.
وحفز الارتفاع الحاد في أسعار الطاقة الناجم عن الغزو الروسي، عددا من القادة الغربيين على السفر إلى السعودية لمناشدتها زيادة إنتاج النفط، ولا سيما رئيس الوزراء البريطاني آنذاك، بوريس جونسون، وبعده بايدن الذي تراجع عن تعهد سابق بنبذ القيادة السعودية، وفقا لـ"فرانس برس".
وقاومت السعودية إلى حد كبير الدعوات إلى ضخ المزيد من النفط بالتنسيق مع مجموعة "أوبك بلاس" التي تقودها إلى جانب روسيا.
وقد استفاد أكبر مصدر للنفط الخام في العالم من الحرب، حيث أعلنت شركة النفط العملاقة أرامكو عن أرباح قياسية، ومن المتوقع أن ينمو اقتصاد المملكة بنسبة 7,6 بالمئة هذا العام، وفقا لصندوق النقد الدولي.
ويرى دبلوماسي عربي مقيم في الرياض إن خطوات مثل التوسط في تبادل الأسرى تسمح للأمير محمد بن سلمان "بأن يثبت للغرب أنه شخص موثوق به في الشؤون الدولية" بفضل علاقاته مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وفقا لـ"فرانس برس".
وأكد الدبلوماسي أن "انخراطه (محمد بن سلمان) بهذه الطريقة يخلق أيضا عناوين صحف تغطي على قصص مثل الأحكام القضائية القاسية" ضد منتقدي الحكومة، مشيرا إلى قضيتي امرأتين حكم عليهما مؤخرا بالسجن لعقود بسبب منشوراتهما على وسائل التواصل الاجتماعي.
وقال وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، لمحطة "بي بي سي" هذا الشهر إن الوساطة السعودية كانت "لأسباب إنسانية بحتة"، وأنه من "المثير للسخرية" الاعتقاد بأن المملكة تعمل على تحسين سمعتها.
ومع ذلك، قامت وسائل الإعلام الحكومية بتغطية الحدث على مدار الساعة بمشاركة محللين قال أحدهم إن التبادل دليل على "العلاقات الدولية العظيمة" للأمير محمد بن سلمان، وفقا لـ"فرانس برس".
ثقة جديدة
يتولى عدد من جيران السعودية دور الوساطة سعيا وراء نفوذ دبلوماسي داخل المنطقة وخارجها.
واستفادت سلطنة عمان من علاقاتها مع إيران للتفاوض على تبادل للأسرى، بما في ذلك من الولايات المتحدة، وفعلت قطر الشيء نفسه مع مجموعات مثل حركة طالبان والمسلحين التابعين لتنظيم القاعدة في سوريا.
وقالت الباحثة المقيمة البارزة في معهد دول الخليج العربية بواشنطن، كريستين ديوان، "من غير المعتاد أن تطبق المملكة العربية السعودية استراتيجية الوساطة الدبلوماسية، وهي دبلوماسية مترسخة في دول الخليج الأصغر مثل قطر"، حسب "رويترز".
ومن جانبه يقول كبير الباحثين في معهد "نيو أميركا" في واشنطن، أليكس ستارك، "لقد تولت تركيا أيضا على نحو متزايد هذا النوع من الأدوار في السنوات الأخيرة، خصوصا في سوريا ومؤخرا في أوكرانيا".
وأضاف أن "السعودية شاهدت أيضا كيف نالت تركيا الثناء والاهتمام بفضل توسطها في صفقة الحبوب بين روسيا وأوكرانيا، وربما تسعى إلى استنساخ هذا النجاح"، حسب "فرانس برس".
وقال الدبلوماسي المقيم في الرياض إن الحرب في أوكرانيا "منحته (ولي العهد) ثقة جديدة في نفسه".
وتؤكد السعودية أن طموحاتها في مجال القوة الناعمة تتوسع وباتت تلامس الفضاء، حيث تعتزم بموجب برنامج تم الكشف عنه، الخميس الماضي، إرسال رواد فضاء العام المقبل بينهم امرأة.
وأطلقت الهيئة السعودية للفضاء، الخميس، برنامج المملكة لـ"رواد الفضاء"، والذي يهدف لتأهيل كوادر سعودية متمرسة لخوض رحلات فضائية طويلة وقصيرة المدى والمشاركة في التجارب العلمية والأبحاث الدولية والمهام المستقبلية المتعلقة بالفضاء، وفقا لـ"واس".