وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان. أرشيف
واشنطن قدمت للرياض تحليلا يثبت أنه لا يوجد أساس تمليه السوق لخفض إنتاج النفط

قال المتحدّث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي إن الولايات المتحدة قدمت للسعودية تحليلا يُظهر أنه لا يوجد أساس فرضته السوق لخفض إنتاج النفط قبل قرار أوبك بلاس خفض الإنتاج، مشيرا إلى أن دولا أخرى في أوبك أبلغت واشنطن سرا أنها "شعرت بأنها مجبرة على دعم اتجاه السعودية".

وفي تصريح صحفي، الخميس، قال كيربي: " يمكن لوزارة الخارجية السعودية أن تحاول اللف والدوران. لكن الحقائق بسيطة."

وكانت "أوبك بلاس"، التي تشكل السعودية الزعيم الفعلي فيها، قررت منذ أيام خفض إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يوميا، الأمر الذي لاقى انتقادات أميركية حادة.

وأضاف "طللبنا من السعوديين أن يتريثوا حتى الاجتماع المقبل لأوبك ليروا كيف ستسير الأمور".

والخميس، ردت وزارة الخارجية السعودية على الانتقادات التي طالتها إثر قرار أوبك بلاس، قائلة إنها "ترفض التصريحات التي تضمنت وصف القرار بأنه بمثابة انحياز للمملكة في صراعات دولية وأنه قرار بني على دوافع سياسية ضد الولايات المتحدة الأميركية".

جاء ذلك على لسان من وصفته وكالة الأنباء السعودية بـ"مصدر رسمي في وزارة الخارجية" دون الكشف عن هويته.

وقال المصدر للوكالة إن حكومة المملكة "ترفض التصريحات التي لا تستند إلى الحقائق، وتعتمد في أساسها على محاولة تصوير قرار أوبك بلس خارج إطاره الاقتصادي البحت"؛ مضيفا أن القرار "اتخذ بالإجماع من كافة دول مجموعة أوبك بلس".

وكان تحالف أوبك بلاس الذي يضم أعضاء منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) بقيادة السعودية والشركاء العشرة بقيادة روسيا قرّر الأسبوع الماضي خفض حصص الإنتاج، ما يهدد بارتفاع الأسعار.

وأثار قرار أوبك بلاس موجة استياء في صفوف أعضاء الكونغرس الأميركي، ولا سيّما الديموقراطيون منهم.

وهدّد رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ، الاثنين، بمنع أي مبيعات أسلحة للسعودية في المستقبل.

وقال السناتور الديمقراطي بوب مينينديز "عليّ أن أشجب القرار الأخير الذي اتخذته الحكومة السعودية للمساعدة في دعم حرب بوتين (في أوكرانيا) من خلال كارتل أوبك بلاس".

وكتب ديمقراطيان آخران هما السناتور ريتشارد بلومنثال، وعضو مجلس النواب، رو خانا، عمودا في بوليتيكو اتخذا فيه الموقف نفسه: "لا ينبغي للولايات المتحدة منح مثل هذه السيطرة غير المحدودة لأنظمة الدفاع الاستراتيجية إلى دولة متحالفة على ما يبدو مع عدونا الأكبر".

وكان السناتور كريس مورفي قد قال، الأحد، في تصريح لمحطة سي إن إن "على مدى سنوات غضينا الطرف حين قتلت السعودية صحافيين، ومارست قمعا سياسيا شديدا لسبب واحد: كنا نريد أن نضمن ان السعودية حينما يحين الوقت وعند اندلاع أزمة دولية ستختارنا ولن تختار روسيا".

رغم ذلك، أصرّ وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، في تصريح صحفي أن "قرار أوبك بلاس اقتصادي بحت وتمّ اتخاذه بإجماع الدول الأعضاء". 

ترامب وبن سلمان أثناء حضورهما قمة مجلس التعاون الخليجي في الرياض، 14 مايو 2025. رويترز
ترامب وبن سلمان أثناء حضورهما قمة مجلس التعاون الخليجي في الرياض، 14 مايو 2025. رويترز

قبل أربعة أعوام، وجد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان صعوبة في عقد لقاء مع الرئيس الأميركي آنذاك جو بايدن، الذي قال إنه يريد أن يجعل المملكة منبوذة بعد أن أشارت تقارير إلى أن حاكمها الفعلي أمر بقتل صحفي مقيم في واشنطن.

ولكن الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب أغدق المديح أمس الثلاثاء على الأمير محمد الحاكم الفعلي للسعودية، واصفا إياه بأنه "رجل رائع" و"رجل عظيم"، دون أي إشارة إلى مخاوف متعلقة بحقوق الإنسان في المملكة.

ووسط وميض الكاميرات وتصفيق الحضور في قمة استثمارية في الرياض، حيث بدأ الرئيس الأميركي أول جولة خارجية كبيرة في ولايته الثانية، قال ترامب بحماسة عن الأمير محمد "أنا معجب به كثيرا. أحبه كثيرا".

وإظهار المودة لقائد له تاريخ مثير للجدل يماثل ما كان يفعله ترامب في ولايته الأولى، عندما أقام تحالفا مع الأمير محمد ازداد قوة عبر سنوات من الإطراء المتبادل وعقد الصفقات.

ولا تزال العلاقات راسخة في ما يتعلق بالمصالح المشتركة، إذ يسعى ترامب إلى تحقيق مكاسب اقتصادية كبيرة وإحياء دور الولايات المتحدة في المنطقة، في حين يسعى ولي العهد السعودي إلى كسب تكنولوجيا متقدمة ودعم عسكري وحليف قوي في إطار سعيه لتحديث المملكة وتأكيد ريادتها الإقليمية.

وخلال القمة، وافقت واشنطن على اتفاقية دفاعية بقيمة 142 مليار دولار وتعهدت السعودية بحزمة استثمارات هائلة بقيمة 600 مليار دولار تشمل الذكاء الاصطناعي والبنية التحتية والطاقة.

وأثارت علاقات ترامب مع ولي العهد السعودي انتقادات من أعضاء بالكونغرس الأميركي ومنظمات لحقوق الإنسان ومحللين معنيين بالسياسة الخارجية لما اعتبروه تفضيل المصالح الاقتصادية على حقوق الإنسان.

وفي حين نفى ولي العهد أي ضلوع له في مقتل الصحفي جمال خاشقجي وأشار إلى إصلاحات مثل تعزيز حقوق المرأة باعتبارها دليلا على التقدم، قال محللون إن هذه التغييرات تقوضها إجراءات صارمة مستمرة ضد المعارضة والحريات السياسية.

ويرتبط ترامب بعلاقات أفضل كثيرا مع الأمير محمد مقارنة بعلاقة سلفه في البيت الأبيض مع ولي العهد السعودي. ومع ذلك، تحول تعامل بايدن مع الأمير محمد إلى علاقات ودية عملية بعد الانتقادات القاسية في البداية.

بايدن اختار إعادة ضبط العلاقات

في عام 2019، توعد الرئيس الديمقراطي بايدن بجعل السعودية "منبوذة" على الساحة العالمية بسبب مقتل خاشقجي وسجلها في مجال حقوق الإنسان.

إلا أن الوقائع الجيوسياسية مثل الارتفاع الهائل في أسعار النفط، ومن أسبابه غزو روسيا لأوكرانيا عام 2022، أبرزت الحاجة إلى التعاون بين واشنطن والرياض.

ودفع ذلك بايدن إلى اتخاذ قرار بإعادة ضبط العلاقات الاستراتيجية، وزار ولي العهد في نهاية المطاف في يوليو تموز 2022.

تبادل الرجلان التحية بقبضة اليد مما أثار انتقادات باعتبارها لفتة ودية مبالغا فيها بالنظر إلى المخاوف المتعلقة بحقوق الإنسان.

لكن مساعديه بالبيت الأبيض قالوا إنها وسيلة لتقليل خطر إصابة بايدن بكوفيد-19.

وتحسنت العلاقات سريعا مع سعي إدارته للتوسط في اتفاق لتطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل مقابل اتفاقية دفاع أوسع نطاقا مع واشنطن.

إلا أن تلك المساعي أصابها الجمود مع هجوم حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023 وحرب إسرائيل اللاحقة على غزة.

وخلال زيارة ترامب أمس الثلاثاء، استقبل ولي العهد الرئيس الأميركي شخصيا واصطحبه في عربة جولف قادها بنفسه قبل مأدبة عشاء رسمية.

وفي لحظة أكدت عمق علاقتهما الشخصية، تعهد ترامب برفع العقوبات الأميركية عن سوريا، في خطوة تمثل تحولا هائلا في الموقف الأميركي قال إنها جاءت بناء على طلب من الأمير محمد بن سلمان.

وقال ترامب "ماذا عساي أن أفعل لولي العهد"، بينما وضع ولي العهد يده على صدره واستهل تصفيقا حارا من الحضور.