العاهل السعودي خلال توقيع الاتفاقيات مع الرئيس الصيني
العاهل السعودي خلال توقيع الاتفاقيات مع الرئيس الصيني

في تعميق واضح للعلاقات، وقعت السعودية والصين عددا من الاتفاقيات الاستراتيجية، الخميس، خلال زيارة الرئيس شي جينبينغ للرياض، بما في ذلك اتفاقية مع شركة التكنولوجيا العملاقة هواوي التي أثار توغلها المتزايد في منطقة الخليج مخاوف أمنية أميركية.

وتم الاتفاق على مذكرة تفاهم مع شركة هواوي الصينية للتكنولوجيا في الحوسبة السحابية وبناء مجمعات عالية التقنية في مدن سعودية، على الرغم من مخاوف الولايات المتحدة وحلفائها بشأن مخاطر أمنية محتملة في استخدام تكنولوجيا الشركة الصينية التي شاركت بتأسيس شبكات الجيل الخامس في معظم دول الخليج.

ووقع العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبدالعزيز، "اتفاقية شراكة استراتيجية شاملة" مع الرئيس الصيني الذي لقي ترحيبا حارا في بلد يقيم شراكات عالمية جديدة تمتد إلى أبعد من الغرب.

وتقدم أفراد من الحرس الملكي السعودي على صهوة جياد عربية وهم يحملون الأعلام الصينية والسعودية سيارة تقل شي لدى دخولها القصر الملكي في الرياض.

وأجرى الزعيم الصيني محادثات مع ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي لعملاق النفط، الذي استقبله بابتسامة عريضة. وبشر شي بتدشين "عهد جديد" من العلاقات مع العالم العربي.

وجاء المشهد متناقضا بشكل صارخ مع الاستقبال الفاتر الذي قدمته الرياض للرئيس الأميركي، جو بايدن، خلال يوليو، في وقت توترت فيه العلاقات بين البلدين بسبب سياسة الطاقة التي تنتهجها السعودية وملف قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي عام 2018 وهي أمور ألقت بظلالها على أجواء الزيارة.

وتراقب الولايات المتحدة بقلق تنامي النفوذ الصيني مع تدهور علاقاتها بالرياض. وقالت واشنطن، الأربعاء، إن الزيارة مثال على محاولات الصين بسط نفوذها حول العالم وإن ذلك لن يغير من سياسة الولايات المتحدة حيال الشرق الأوسط.

وعاد الأمير محمد للساحة الدولية بعد تراجع ملف مقتل خاشقجي الذي أثر سلبا على العلاقات السعودية الأمريكية. كما تمسك بموقفه أمام الاستياء الأمريكي بشأن إمدادات النفط والضغوط للمساعدة في عزل روسيا. وبدلا من المصافحة، حيا بايدن ولي العهد السعودي بقبضة اليد في زيارة يوليو.

وللمزيد من دعم وضعه على المستوى العالمي، أعلنت المملكة والإمارات العربية المتحدة، الخميس، أن الأمير والرئيس الإماراتي قادا جهود وساطة مشتركة لضمان الإفراج عن نجمة كرة السلة الأمريكية بريتني جرينر في إطار تبادل سجناء مع روسيا.

وفي مقال افتتاحي نشرته وسائل إعلام سعودية، قال شي إنه يقوم "بزيارة رائدة" من أجل "تدشين عهد جديد لعلاقات الصين مع العالم العربي ومع دول الخليج العربية والسعودية".

وكتب قائلا إن الصين والدول العربية "ستواصل رفع شعار عدم التدخل في الشؤون الداخلية (وسيواصل الجانبان) دعم بعضهما البعض في حماية السيادة ووحدة الأراضي".

وذكر تلفزيون الصين المركزي الرسمي أن ولي العهد أكد ذات التوجه وقال إن المملكة تعارض أي تدخل في الشؤون الداخلية للصين باسم حقوق الإنسان.

ومن المقرر أن يلتقي شي بمنتجين آخرين للنفط في الخليج وأن يحضر تجمعا أوسع للزعماء العرب، الجمعة. وقال إن الصين ستعمل على جعل تلك القمم "حدثا بارزا في تاريخ العلاقات الصينية العربية"، وإن بكين ترى الرياض "قوة مهمة في العالم متعدد الأقطاب".

وقالت السعودية ودول خليج عربية أخرى مثل الإمارات إنها لن تنحاز لأي من القوى العالمية وتسعى لتنويع شراكاتها لخدمة المصالح الوطنية الاقتصادية والأمنية.

شريك يُعول عليه

الصين هي أكبر مستهلك للطاقة في العالم وشريك تجاري كبير لدول الخليج، واتسع نطاق علاقاتها الثنائية مع سعي المنطقة لتنويع اقتصادها، مما أثار حفيظة الولايات المتحدة بشأن مشاركة الصين في مشاريع بنى تحتية حساسة في الخليج.

وقال وزير الطاقة السعودي إن الرياض ستظل شريك الصين الموثوق به والمعوّل عليه في مجال الطاقة، وإن البلدين سيعززان التعاون في سلاسل إمدادات الطاقة عن طريق إنشاء مركز إقليمي في المملكة للمصانع الصينية.

كما ذكرت وكالة الأنباء السعودية أن شركات صينية وسعودية وقعت 34 اتفاقية للاستثمار في الطاقة النظيفة وتكنولوجيا المعلومات وخدمات الحوسبة السحابية والنقل والتشييد وقطاعات أخرى. ولم تذكر الوكالة مبالغ للصفقات لكنها قالت في وقت سابق إن الدولتين ستوقعان اتفاقيات مبدئية بقيمة 30 مليار دولار إجمالا.

وقالت تانغ تيانبو، المختصة بشؤون الشرق الأوسط في المعاهد الصينية للعلاقات الدولية المعاصرة، وهي مؤسسة بحثية صينية تابعة للحكومة، إن الزيارة ستتمخض عن توسيع نطاق التعاون في مجال الطاقة.

انتعاش في العلاقات الاقتصادية رغم الخلافات العالقة بين دول الخليج وإيران
انتعاش في العلاقات الاقتصادية رغم الخلافات العالقة بين دول الخليج وإيران

هل تحكم العلاقات الخليجية الإيرانية  المصالح والمنافع الاقتصادية، أم أنها علاقات غير مستقرة بسبب ملفات السياسة المعقدة، خاصة ما تفعله أذرع إيران المسلحة في المنطقة؟

يقول الكاتب والباحث السياسي الكويتي، عايد المناع، في حديث لقناة "الحرة" إن حجم التبادل التجاري بين إيران ودول الخليج "لا يعتبر مؤشرا على وجود علاقات مستقرة"، مضيفا أن هذه العلاقات ومنذ عهد الشاه كانت "متأرجحة وغير مطمئنة".

ووصف شاه إيران بأنه كان "شرطي الخليج" واتهمه باحتلال الجزر الثلاث طنب الكبرى والصغرى وأبو موسى، موضحا أن النظام الإسلامي الإيراني بعد 1979 تمسك بهذه الجزر وكانت هذه "الشرارة في تأزم العلاقة بين دول الخليج وطهران".

وأضاف المناع أن الاقتصاد يلعب دورا كبيرا في "قيادة الأوضاع" رغم الخلافات العالقة مثل التدخل في شأن البحرين الداخلي والخلافات النفطية بين الرياض وطهران ومصير الجزر التي تطالب الإمارات بها.

ويرى المناع أن دول الخليج "تنموية ولا ترغب في الصراع، إلا أن المشكلة تكمن في طموحات إيران التوسعية في منطقة الخليج أو الدول المجاورة لها مثل العراق ولبنان وسوريا.

خبير الطاقة والجغرافيا السياسية، توماس أودونيل، تحدث لقناة "الحرة" من العاصمة الألمانية برلين، وقال إن طبيعة العلاقة بين دول الخليج وإيران "أكثر تعقيدا" من مجرد الحديث عن العمق الجغرافي ودوره في تطوير العلاقة الاقتصادية بين الطرفين.

وأضاف أن دول الخليج ترفض طموحات إيران الجيوسياسية في المنطقة، "فالمعطيات الحالية تشير إلى أن النظام الإيراني يحاول الآن الهيمنة على المنطقة".

لكن غياب الهيمنة الإيرانية في الوقت الراهن، بحسب أودونيل، يتيح لدول الخليج أن تقيم علاقات اقتصادية مع طهران، مشيرا إلى أن تطورات الحرب في غزة ولبنان وما يحدث في اليمن وسوريا والعلاقات مع تركيا، عقدت مشهد العلاقات الثنائية.

وشهد حجم التجارة بين إيران ودول الخليج انتعاشا في السنوات الأخيرة رغم العقوبات الاقتصادية المفروضة على طهران.

وحسب إحصائيات البنك الدولي بين عامي 2018-2022 بلغ إجمالي حجم التداول بين إيران ودولة الإمارات العربية 78 مليار دولار.

فيما بلغ إجمالي حجم التداول بين طهران وبغداد 37 مليار دولار، وبلغ حجم إجمالي التداول بين إيران وسلطنة عمان خلال تلك الفترة 5 مليار دولار، في وقت وصل إجمالي حجم التداول بين إيران والكويت إلى مليار دولار.

وبعد سنوات من الخلافات الجيوسياسية، انتعشت العلاقات بين طهران وأبو ظبي، وبلغت واردات إيران من الإمارات خلال عام واحد عشرين مليارات في حين صدرت إليها بضائع بأكثر من ستة مليارات.

وسبق أن أشارت وكالة الأنباء العمانية أيضا إلى حدوث قفزة في العلاقات التجارية مع إيران. وأبرمت إيران أيضا اتفاقية تعاون ثنائي مع قطر.

ورغم ذلك، تركت التوترات الأخيرة مع حربي غزة ولبنان تباينا في توجهات إيران وبعض دول الخليج، ففي حين تقود إيران محورا يعادي إسرائيل، طبّعت دول عربية منها الإمارات والبحرين علاقاتها مع إسرائيل.

ويسود الترقب أيضا للرياح الجديدة القادمة من واشنطن مع عودة الرئيس المنتخب دونالد ترامب إلى السلطة واحتمال فرضه سياسة الضغوط القصوى حيال طهران.