تضاعف المعدل السنوي للإعدامات في السعودية منذ وصول الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان
تضاعف المعدل السنوي للإعدامات في السعودية منذ وصول الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان

تضاعف تقريبا المعدل السنوي للإعدامات في السعودية منذ وصول الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان إلى سدة الحكم في عام 2015، وتحدث تقرير نشرته منظمتان عن تعذيب وانتهاكات لحقوق الإنسان في المملكة التي تنفي هذه الاتهامات.  

وجاء في تقرير مشترك لمنظمة "ريبريف" المناهضة لعقوبة الإعدام والمنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان أن المملكة نفذت  70,8 حالة إعدام في المتوسط سنويا خلال الفترة من 2010 إلى 2014، أما خلال الفترة من 2015 إلى 2022، فقد نفذت 129,5 حالة إعدام في المتوسط سنويا، أي بزيادة بنسبة 82 في المئة". 

وتحدث التقرير، الذي اطلع عليه موقع "الحرة"، عن "انتهاك السعودية الصارخ للحق في الحياة"، وقال إن "المملكة أعدمت ما لا يقل عن 1390 شخصا خلال الفترة من 2010 إلى 2022، مما يجعلها واحدة من أكثر الدول تنفيذا لأحكام الإعدام على مستوى العالم".

وأعدمت السعودية 147 شخصا العام الماضي، على ما ذكر التحقيق، وهو الرقم ذاته الذي جمعته وكالة فرانس برس استنادا إلى بيانات رسمية.

وأعدمت السعودية، إحدى أكبر الدول المنفذة لعقوبة الإعدام في العالم، 81 شخصا في يوم واحد في مارس الماضي بتهم مرتبطة بالإرهاب، ما أثار تنديدا دوليا كبيرا.

ويؤكد التقرير أنه منذ اعتلاء الملك سلمان، لعرش المملكة في 23 يناير 2015، حدثت الإعدامات الأكثر دموية في تاريخ المملكة الحديث. 

في المقابل، يعتبر الخبير الأمني السعودي، أحمد الركبان، الإعدامات "حفاظا على الأمن الداخلي والإنسانية وعدم الإخلال بالأمن السعودي، مشيرا إلى أن هذه الكلمة غير موجودة في الدستور السعودي وإنما يطلق عليها "تنفيذ الأحكام الشرعية". 

وقال في تصريحات لموقع "الحرة": لدينا عقوبات شرعية ومحاكم تنظر في القضايا المختلفة، ونحن دولة سيادية لها الحق في أن تنظم أمنها الداخلي وتحافظ عليه بطريقتها". 

وأضاف: "ربما يتم تنفيذ الإعدام بسبب اعتداء على الغير أو المشاركة في عمل إرهابي". 

وقال ولي العهد السعودي في مقابلة سابقة مع مجلة "ذي أتلانتيك" إنّ المملكة "تخلّصت" من عقوبة الإعدام إلا في حالات القتل أو حين "يهدّد شخص حياة العديد من الناس"، بحسب نص مقتبس عن المقابلة نشرته وسائل الإعلام المحلية في مارس الفائت.

"لإسكات المعارضين"

لكن التقرير يشير إلى أن "عقوبة الإعدام تستخدم روتينيا مع غير جرائم القتل، ولأجل إسكات المعارضين والمحتجين". 

ونقلت وكالة فرانس برس عن المدير القانوني للمنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، طه الحاجي إنّ "السلطات السعودية تسلك هذا المسار الدامي بغرض التخويف والقمع السياسي".

واعتبرت مديرة منظمة ريبريف، مايا فوا، في تصريح لشبكة "أي بي سي" أن "الارتفاع الهائل في عدد الإعدامات في السعودية في عهد محمد بن سلمان يمثل أزمة لا يمكن للمجتمع الدولي الاستمرار في تجاهلها".

في المقابل، يقول الركبان لموقع "الحرة" إن "المملكة لا يمكن أن تستخدم عقوبات ردعية ضد المعارضين السياسيين وإنما هي في الحقيقية تريد الحفاظ على عدم زعزعة الأمن وعلى عدم الإخلال باللحمة السعودية". 

وأضاف: "من يريد أن يخلخل هذه البنية والأمن وتحقيق أهداف معينة، لابد أن تطبق عليه الأحكام القانونية، والتي قد تكون بالحكم عليه بالسجن أو أخذ تعهدات أو تغيير سلوكه من خلال بعض المعاهد المنشأة للتعامل مع حالته النفسية.

واعتبر أن "هؤلاء ليسوا معارضين وإنما هم مشوِّشين، ونتعامل معهم وفق معطيات نفسية"، مضيفا أن "السعودية من أفضل الدول على مستوى العالم في الاستقرار المادي والاقتصادي والأمني، والكل يأخذ حقه سواء رجل أو امرأة، ولذلك من الصعب جدا أن نؤمن بأن كلام عشرات المعارضين فقط هو الصحيح وأن بقية الشعب 30 مليون مواطني غير موفقين. هذه معادلة غير صحيحه". 

تمييز في تنفيذ القانون

وخلص التقرير إلى "تفصيل الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان نتيجة للاستمرار في تطبيق عقوبة الإعدام على المتهمين الأطفال والنساء والرعايا الأجانب وعلى غير مرتكبي جرائم القتل".

ويعتبر أن "تطبيق السعودية لعقوبة الإعدام يعتريه التمييز والظلم، وأن النظام السعودي دائما ما كان يكذب على المجتمع الدولي بشأن تطبيقه لهذه العقوبة".

لكن الركبان ينفي التفريق بين السعوديين والأجانب "الكل يأخذ وحقه وتنفذ الأحكام على الجميع بدون تمييز"، مضيفا أن "هناك الكثير من الأجانب المحترمين الذين يعملون في المملكة لم يمسهم أحد". 

السرية

ولفت التقرير إلى أنه "دائما ما تكون حالات الإعدام في السعودية محاطة بالسرية.

وترفض الحكومة نشر بيانات عن حالات الإعدام، رغم التحذيرات المتكررة من الأمم المتحدة في هذا الشأن، ولا تخطر العائلات بالإعدامات أو بإعادة الجثامين إلى ذويها.
 
ويعتبر التقرير أن "هذا النقص في الشفافية يمكّن السعودية من التستر على انتهاكاتها ويعرقل جهود الدول والمنظمات الأخرى لمحاسبتها". 

لكن الركبان يرى أن "التقرير لم يكن محقا في هذا الموضوع تحديدا، لأن أي شخص ينفذ فيه حكم الإعدام له أسرة وأقارب وأصدقاء، ولذلك من الصعب للغاية إخفاء مثل هذا الموضوع، وهذا مبالغة شديدة في انتقاد المملكة". 

وقال إن المحاكمات تمر بمراحل طويلة جدا بدءا من التحقيق الأولي إلى التمييز وتأكد عدد من القضاة في الديوان الملكي من صحة الحكم. غالبية ما يتم إقراره من المقام السامي يتم بعد التأكد 200 في المئة من أن القرار صائب". 

وقال إن "بعض القضايا تمتد لعشر سنوات أملا في أن يتنازل أهل الضحية عن تنفيذ حكم الإعدام، ولا يتم تنفيذ الحكم مباشرة حتى لو اعترف الشخص". 

وأعدمت السعودية في 2022 ضعف عدد الذين نفذت فيهم هذه الأحكام عام 2021، وفق ما كشف إحصاء لوكالة فرانس برس، ويشير إلى زيادة حادة في هذا الإجراء الذي تدينه منظمات حقوقية دولية بشدة.

وقدّم التقرير المؤلف من 58 صفحة تفاصيل عن تعذيب "منهجي" وانتهاكات للإجراءات القانونية، بما في ذلك محاكمات غير عادلة وتعذيب متهمين قصّر ونساء.

لكن الركبان يعتبر أن "المنظمات التي تثير هذه الأمور تكون بدون دليل وتريد الإخلال بالمملكة وتأجيج بعض المعارضين أو الهاربين من العدالة الموجودون في الخارج". 

ترامب وبن سلمان أثناء حضورهما قمة مجلس التعاون الخليجي في الرياض، 14 مايو 2025. رويترز
ترامب وبن سلمان أثناء حضورهما قمة مجلس التعاون الخليجي في الرياض، 14 مايو 2025. رويترز

قبل أربعة أعوام، وجد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان صعوبة في عقد لقاء مع الرئيس الأميركي آنذاك جو بايدن، الذي قال إنه يريد أن يجعل المملكة منبوذة بعد أن أشارت تقارير إلى أن حاكمها الفعلي أمر بقتل صحفي مقيم في واشنطن.

ولكن الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب أغدق المديح أمس الثلاثاء على الأمير محمد الحاكم الفعلي للسعودية، واصفا إياه بأنه "رجل رائع" و"رجل عظيم"، دون أي إشارة إلى مخاوف متعلقة بحقوق الإنسان في المملكة.

ووسط وميض الكاميرات وتصفيق الحضور في قمة استثمارية في الرياض، حيث بدأ الرئيس الأميركي أول جولة خارجية كبيرة في ولايته الثانية، قال ترامب بحماسة عن الأمير محمد "أنا معجب به كثيرا. أحبه كثيرا".

وإظهار المودة لقائد له تاريخ مثير للجدل يماثل ما كان يفعله ترامب في ولايته الأولى، عندما أقام تحالفا مع الأمير محمد ازداد قوة عبر سنوات من الإطراء المتبادل وعقد الصفقات.

ولا تزال العلاقات راسخة في ما يتعلق بالمصالح المشتركة، إذ يسعى ترامب إلى تحقيق مكاسب اقتصادية كبيرة وإحياء دور الولايات المتحدة في المنطقة، في حين يسعى ولي العهد السعودي إلى كسب تكنولوجيا متقدمة ودعم عسكري وحليف قوي في إطار سعيه لتحديث المملكة وتأكيد ريادتها الإقليمية.

وخلال القمة، وافقت واشنطن على اتفاقية دفاعية بقيمة 142 مليار دولار وتعهدت السعودية بحزمة استثمارات هائلة بقيمة 600 مليار دولار تشمل الذكاء الاصطناعي والبنية التحتية والطاقة.

وأثارت علاقات ترامب مع ولي العهد السعودي انتقادات من أعضاء بالكونغرس الأميركي ومنظمات لحقوق الإنسان ومحللين معنيين بالسياسة الخارجية لما اعتبروه تفضيل المصالح الاقتصادية على حقوق الإنسان.

وفي حين نفى ولي العهد أي ضلوع له في مقتل الصحفي جمال خاشقجي وأشار إلى إصلاحات مثل تعزيز حقوق المرأة باعتبارها دليلا على التقدم، قال محللون إن هذه التغييرات تقوضها إجراءات صارمة مستمرة ضد المعارضة والحريات السياسية.

ويرتبط ترامب بعلاقات أفضل كثيرا مع الأمير محمد مقارنة بعلاقة سلفه في البيت الأبيض مع ولي العهد السعودي. ومع ذلك، تحول تعامل بايدن مع الأمير محمد إلى علاقات ودية عملية بعد الانتقادات القاسية في البداية.

بايدن اختار إعادة ضبط العلاقات

في عام 2019، توعد الرئيس الديمقراطي بايدن بجعل السعودية "منبوذة" على الساحة العالمية بسبب مقتل خاشقجي وسجلها في مجال حقوق الإنسان.

إلا أن الوقائع الجيوسياسية مثل الارتفاع الهائل في أسعار النفط، ومن أسبابه غزو روسيا لأوكرانيا عام 2022، أبرزت الحاجة إلى التعاون بين واشنطن والرياض.

ودفع ذلك بايدن إلى اتخاذ قرار بإعادة ضبط العلاقات الاستراتيجية، وزار ولي العهد في نهاية المطاف في يوليو تموز 2022.

تبادل الرجلان التحية بقبضة اليد مما أثار انتقادات باعتبارها لفتة ودية مبالغا فيها بالنظر إلى المخاوف المتعلقة بحقوق الإنسان.

لكن مساعديه بالبيت الأبيض قالوا إنها وسيلة لتقليل خطر إصابة بايدن بكوفيد-19.

وتحسنت العلاقات سريعا مع سعي إدارته للتوسط في اتفاق لتطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل مقابل اتفاقية دفاع أوسع نطاقا مع واشنطن.

إلا أن تلك المساعي أصابها الجمود مع هجوم حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023 وحرب إسرائيل اللاحقة على غزة.

وخلال زيارة ترامب أمس الثلاثاء، استقبل ولي العهد الرئيس الأميركي شخصيا واصطحبه في عربة جولف قادها بنفسه قبل مأدبة عشاء رسمية.

وفي لحظة أكدت عمق علاقتهما الشخصية، تعهد ترامب برفع العقوبات الأميركية عن سوريا، في خطوة تمثل تحولا هائلا في الموقف الأميركي قال إنها جاءت بناء على طلب من الأمير محمد بن سلمان.

وقال ترامب "ماذا عساي أن أفعل لولي العهد"، بينما وضع ولي العهد يده على صدره واستهل تصفيقا حارا من الحضور.