اعترض المنظمون المحليون لمسابقة كأس العالم لكرة القدم للسيدات المزمع إقامتها خلال الصيف المقبل في أستراليا ونيوزيلندا على رعاية "روح السعودية" لهذه البطولة، وفق صحيفة "نيويورك تايمز".
وذكرت تقارير إعلامية أن الاتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا" توصل لاتفاق مع الحملة الحكومية لتنشيط السياحة في البلاد والمعروفة باسم "روح السعودية" (Visit Saudi) والتابعة لهيئة السياحة في البلد لرعايتها مونديال السيدات.
ولم يعلن الفيفا بصفة رسمية عن هذه الرعاية التي أوردتها وسائل إعلام، بما في ذلك صحيفة"ذا أثلاتيك" وصحيفة "الغارديان".
وتقام كأس العالم للسيدات خلال الفترة ما بين 20 يوليو حتى 20 أغسطس المقبلين، حيث يشارك فيها 32 منتخبا للمرة الأولى، ما يجعل منها أكبر نهائيات كأس العالم للسيدات تنظم من طرف الاتحاد الدولي لكرة القدم.
وسارع اللاعبون والمشجعون والداعمون للبطولة - أكبر حدث رياضي نسائي على الإطلاق - في أستراليا ونيوزيلندا لفهم ما بدا لهم أنه "زواج مؤسسي غير مريح" بين السعودية والفيفا، بحسب الصحيفة الأميركية.
وقالت متحدثة باسم الاتحاد الأسترالي لكرة القدم في بيان: "نشعر بخيبة أمل كبيرة لأن كرة القدم الأسترالية لم تتم استشارتهم بشأن هذا الأمر قبل اتخاذ أي قرار".
وأضافت أن قادة الاتحادين الأسترالي والنيوزلندي لكرة القدم "كتبوا بشكل مشترك إلى الفيفا لتوضيح الموقف بشكل عاجل".
ولم يرد الفيفا على الرسائل التي أرسلتها صحيفة "نيويورك تايمز" لطلب التعليق. ولم يرد ممثل الهيئة العامة للسياحة السعودية على الفور على طلب مماثل.
ويرى نقاد أن رعاية السعودية لكأس العالم للسيدات يأتي منسجما مع جهود المملكة في "الغسيل الرياضي" لتطهير سمعتها وصرف الانتباه عن سجلها في حقوق الإنسان.
وأنكرت السعودية هذه الاتهامات مرارا، مؤكدة أن رعايتها للأحداث الرياضية هو جزء من استراتيجيتها لتنويع مصادر دخلها، وخطتها المعروفة باسم "رؤية السعودية 2030".
وقال قائد منتخب أستراليا السابق، كريغ فوستر، "إن رعاية السعودية لحدث رياضي نسائي عالمي هو أشبه برعاية إكسون (شركة النفط) لمؤتمر المناخ كوب28 أو رعاية ماكدونالدز لندوة عن الأكل الصحي أو مكافحة السمنة".
وقال فوستر الذي اشتهر بدفاعه عن قضايا حقوق الإنسان، إن هذه الرعاية "تتماشى تمامًا مع تعطش الفيفا للمال بأي ثمن والتجاهل التام لسياسته في مجال حقوق الإنسان، ناهيك عن المبادئ".
وأضاف أنه عندما يتعلق الأمر بالفيفا، فإن "مفاهيم مثل المساواة بين الجنسين تظل ثابتة بقدر الأموال التي يتم تلقيها من الشركات أو البلدان التي تنتهك حقوق الإنسان ومن المؤكد أن الأموال تفوز".
ولطالما تنفي الرياض اتهامات "الغسيل الرياضي" وتقول إنها تستثمر في الرياضة من أجل تنويع مصادر الدخل كجزء من خطة ولي العهد 2030، لتقليل اعتماد اقتصادها على النفط.
وقال الباحث بمعهد الشرق الأوسط بجامعة سنغافورة الوطنية، جيمس دورسي، إن الرعاية السعودية لمونديال السيدات تعتبر "جزء من استراتيجية أكبر بكثير عبر مختلف الرياضات، والتي تأتي لجعل المملكة مركز الثقل الإقليمي".
وأضاف: "نعم الأمر يتعلق بالصورة، لكنه يتعلق بوضع المملكة كقوة".
في السنوات الخمس الماضية، برزت السعودية كلاعب رئيسي في كرة القدم، حيث أقامت علاقة وثيقة مع رئيس الفيفا، جياني أنفانتينو، واستثمرت المليارات في استضافة وتنظيم كبرى التظاهرات، بالإضافة إلى الاستحواذ على نادي نيوكاسل الإنكليزي.
في غضون ذلك، سعى الفيفا إلى زيادة الاستثمار في لعبة كرة القدم للسيدات، والتي على الرغم من نموها لا تزال تتلقى جزءا بسيطا من الدعم المالي الذي يحصل عليه الرجال.
ولم تسمح السعودية للمرأة بدخول ملاعب كرة القدم إلا قبل سنوات قليلة مع وصول الأمير محمد بن سلمان لمنصب ولاية العهد في المملكة الخليجية الثرية.
كما أطلق الاتحاد السعودي لكرة القدم مسابقات لكرة القدم للسيدات في العام الماضي للمرة الأولى بعد أن كانت اللعبة مقتصرة على الرجال.
وقال الباحث المتخصص في الشؤون الخليجية بـ " كينغز كوليدج لندن"، ديفيد روبرتس، "هناك رغبة واضحة (في السعودية) مدفوعة بشدة من محمد بن سلمان لإحداث نوع هائل من الثورة الثقافية في إطار زمني قصير حقا".
وأضاف: "في الوقت نفسه، هناك تغييرات نوعية لم يظن أحد أنها معقولة أو ممكنة، مع التحرر النسبي المعني بالمرأة باعتبارها قوة فاعلة مستقلة في الاقتصاد".
وفي سياق آخر، تعتبر سيدني موطن لأكبر فئات مجتمع الميم – عين، كما تستضيف المدينة الأسترالية أحداث الفخر، بما في ذلك مهرجان "ماردي غرا" لمدة ثلاثة أسابيع.
وتساءل البعض عن إمكانية زيارة أفرد من مجتمع الميم – عين للمملكة العربية السعودية على اعتبار أن المملكة تجرم العلاقات المثلية. كما يواجه المثليون وصمة عار اجتماعية شديدة في السعودية ودول إسلامية عدة.
وقالت مويا دود، اللاعبة الأسترالية السابقة والعضو السابقة في مجلس الفيفا عن قارة آسيا، "إذا كانت هذه التقارير صحيحة، فهي محيرة للغاية".
وأضافت دود: "إذا كان الفيفا يخطط للحصول على أموال لإخبار المشجعين واللاعبين في مجتمع الميم – عين لزيارة السعودية"، فمن الصعب أن نرى كيف يمكن أن يمر هذا من مبادئ العمل المسؤول، ناهيك عن الوفاء بالتزامات وسياسات الفيفا الخاصة بحقوق الإنسان".