قبل خمس سنوات من الآن، لم يكن يدور في خلد كاتب السيناريو والمخرج السعودي، محمد السلمان، أن يكون بمقدوره إنتاج فيلم طويل.
وكانت التجارب السابقة للمخرج الشاب، البالغ من العمر 32 عاما، تقتصر على الأفلام القصيرة قبل أن يشهد العام الماضي ولادة أول أعماله السينمائية الطويلة: "أغنية الغراب".
والفيلم من بطولة عاصم العواد، وهو ممثل سعودي شاب يخوض أولى تجاربه السينمائية من خلال دور "ناصر".
يقول السلمان في حديثه لموقع "الحرة" إن فيلمه الجديد "أغنية الغراب" كان أحد ثمار الدعم الحكومي لصناعة السينما في السعودية.
وقال إن "الفيلم هو أحد الأفلام الذي استفاد من برنامج الدعم ضوء ... لم أكن أتخيل قبل خمس سنوات بأنه من الممكن أن أنتج فيلما طويلا، لأن تكلفة هذه الأفلام باهظة".
دعم حكومي
وبرنامج "ضوء" هو إحدى مبادرات هيئة الأفلام السعودية التابعة لوزارة الثقافة، لدعم صناعة الأفلام السعودية للهواة والمحترفين.
ويأتي هذا البرنامج بهدف تطوير الصناعة في المملكة "لترسيخ الحضور السعودي في قطاع السينما محليا وعالميا"، وفق هيئة الأفلام السعودية وهي كيان حكومي، تأسس في عام 2020.
وبالإضافة إلى دعم صناعة السينما محليا، أطلقت السعودية صندوقا ثقافيا، في ديسمبر لعام 2021، كواحد من 16 صندوق تنمية لدعم قطاعات مختلفة من الاقتصاد، وكلها مرتبطة بصندوق التنمية الوطني بالمملكة.
ويمول الصندوق الثقافي السعودي الأعمال المحلية والدولية بهدف تحفيز نمو صناعة الأفلام المستدامة وتشجيع الكيانات الخاصة على المشاركة في هذا القطاع، إذ سيتم صرف الأموال عبر حزم مالية مختلفة تستهدف أجزاء مختلفة من الإنتاج والتوزيع وسلسلة المعارض.
وتتضمن أشكال الدعم الرئيسية خصما بنسبة 40 في المئة لإنتاج الأفلام الدولية المصورة في السعودية وفقا لشروط معينة.
وقال السلمان إن دعم وزارة الثقافة كان المحرك الرئيسي وراء إنتاج أول أعماله الطويلة، مضيفا: "نعيش فترة ذهبية؛ لأن قطاع السينما والبنى التحتية ينمو".
ويعتقد المخرج السعودي أن الدعم الحكومي الكبير سينعكس على الصناعة من خلال زيادة المواهب ودخول عدد أكبر من المستثمرين بدليل تزايد أعداد الأفلام السعودية المنتجة عاما بعد آخر، حسبما قال السلمان.
وأضاف أن "النمو الواضح للأفلام والأداء الممتاز في شباك التذاكر يحفز المستثمرين للدخول في القطاع".
واستضافت سينما عقيل في دبي، مساء الجمعة، طاقم فيلم "أغنية الغراب" في عرض خاص هو الثاني من نوعه بعد أن ظهر للمرة الأولى في مهرجان البحر الأحمر السينمائي أواخر العام الماضي بمدينة جدة.
وكانت هيئة الأفلام السعودية اختارت فيلم "أغنية الغراب" الروائي العام الماضي لتمثيل السعودية رسميا في جوائز الأوسكار عن فئة أفضل فيلم دولي.
ويقام حفل الأكاديمية الأميركية للعلوم والفنون المانحة لجوائز الأوسكار هذا العام في لوس أنجلوس خلال شهر مارس المقبل.
حبكة "أغنية الغراب"
ويعالج الفيلم المشهد الثقافي في الرياض خلال عام 2002 من خلال شاب يدعى "ناصر" يواجه أيدولوجيات مختلفة تحاول السيطرة على أفكاره.
وقال السلمان إن الرسالة من هذا العمل تتمثل في وجود "شخصية بمستوى فكري معين يواجه جماعات مختلفة تسعى لفرض توجهاتها عليه وترغب في تسييره في حقبة كانت فيها تيارات فكرية مختلفة".
وعلى الرغم من الدعم الحكومي الكبير، إلا أن صناعة السينما في السعودية لا تزال في بدايتها، وفقا للسلمان الذي قال إنه وجد صعوبة في الحصول على طاقم التمثيل لهذا العمل لقلة الخيارات المتاحة.
وكان فيلم "أغنية الغراب" هو التجربة الأولى للفنان الشاب، عاصم العواد، الذي جسد شخصية ناصر.
يقول العواد لموقع "الحرة" إن التجربة كانت "مثرية" بالنسبة له على الرغم من تخوفه منها بعد أن عرض عليه الدور.
وأضاف: "لقد استفدت من هذه التجربة كثيرا ... كنت متخوفا في البداية ولكن فريق الإخراج ساعدني ... كما أن قراءة النص أكثر من مرة قبل فترة كافية ساعدني في هذا الظهور وتقمص دور ناصر بشكل أفضل".
ورغم ترشيح السعودية لفيلمه لجوائز الأوسكار، يرسم العواد مشواره الفني المستقبلي ويطمح لأن يصل بالفعل للأوسكار في غضون 10 سنوات.
وأردف العواد: "صناعة السينما في السعودية لا تزال وليدة رغم التقدم بخطوات متسارعة مما يجعل من القطاع يزدهر تدريجيا من ناحية الكوادر المحلية من ممثلين ومنتجين وكتاب".
وقال إن "الحلم" هو الوصول للأوسكار في نهاية المطاف على الرغم من ترشيح الفيلم رسميا لهذه الجوائز المرموقة.
ورغم أن "أغنية الغراب" حظي بالإعجاب من خلال عرضه الأول بالسعودية والثاني في دبي، إلا أن القائمين عليه يشككون في إمكانية نجاحه في شباك التذاكر حين يطرح مستقبلا.
وفي حين أن السلمان غير متأكد من إمكانية وصول مثل هذه "الكوميديا الغرائبية" لشريحة كبيرة من الناس، قال العواد إن هذا النوع من الأعمال الروائية لا يستهدف جمهور السينما التجارية.
وأكد السلمان أنه لا يهدف حصد المشاهدات من "أغنية الغراب"، قائلا: "أشعر بأني أرغب في التعبير عن صوتي من خلال الفن".