الرياض تطمح لدعم استقرار المنطقة خدمة لمشاريعها التنموية
الرياض تطمح لدعم استقرار المنطقة خدمة لمشاريعها التنموية

كشف تقرير لوكالة بلومبرغ أن قرار المملكة العربية السعودية بإعادة العلاقات الدبلوماسية مع إيران، يدخل ضمن مقاربة الرياض الجديدة، التي تعتمتد على ضمان استقرار المنطقة لأجل إنجاح "رؤية ولي العهد، محمد بن سلمان، والتي تقدر بمليارات الدولارات".

يدخل في ضوء ذلك أيضا، التواصل مع إسرائيل، وفق التقرير، الذي أكد أن "محمد بن سلمان لديه أولوية قصوى واحدة: وهي ضمان بقاء رؤيته التي تقوم على تحويل المملكة العربية السعودية إلى المسار الصحيح".

تقرير بلومبرغ يرى بأن خطط ولي العهد لإعادة تشكيل اقتصاد مملكته ومكانتها في العالم تعتمد جميعها على الاستقرار، وهو ما يفسر جهوده لحماية بلاده من أي تصعيد محتمل في المواجهة الإسرائيلية مع إيران، بحسب مصادر مطلعة على محادثات السعودية الرسمية مع إيران، والتي بدأت قبل عامين.

كان قرار المملكة العربية السعودية بإعادة العلاقات الدبلوماسية مع إيران، ضمن صفقة توسطت فيها الصين وأعلن عنها فجأة الأسبوع الماضي، نتيجة لتقدير "الحاكم الفعلي للمملكة" وفق وصف الوكالة لمحمد بن سلمان، أن تجانس العلاقات هو أفضل طريقة لتحقيق هذا الهدف. 

تمت هذه الخطوة للمساعدة في تقويض المخاطر الأمنية، لا سيما تلك الناشئة عن مخاوف من أن الحكومة الإسرائيلية الجديدة ربما تستعد لمهاجمة إيران بسبب أنشطتها النووية.

قال هشام الغنام، خبير العلاقات الدولية السعودي الذي شارك على مدى السنوات الست الماضية في محادثات سرية مع الإيرانيين، إن المملكة لديها مشاريع ضخمة واستثمارات كبيرة ولا تريد تصعيدًا في المنطقة.

نفوذ متنامٍ

يرى التقرير أن استعداد الأمير محمد بن سلمان للعمل من أجل تأمين الاستقرار وحتى تهميش الولايات المتحدة لصالح الصين، يبرز النفوذ المتنامي للمملكة العربية السعودية على الصعيد العالمي.

اكتسبت السعودية، وهي من بين أكبر الدول المصدرة للنفط، قوة أكبر في أسواق الطاقة العالمية منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، مما أدى إلى ارتفاع مداخيلها إثر ارتفاع أسعار النفط. 

وأعلنت شركة أرامكو السعودية التي تسيطر عليها الدولة، عن أرباح بقيمة 161 مليار دولار لعام 2022، وهي الأكبر على الإطلاق من قبل شركة نفط وغاز، بينما كانت المملكة أسرع الاقتصادات الكبرى نموا العام الماضي.

ويريد ولي العهد استخدام هذه الأرباح لتنويع مصادر الدخل بعيدا عن النفط ودفع المملكة إلى مصاف أكبر 15 اقتصادًا في العالم. 

ولهذا الغرض، يضخ صندوق الاستثمار العام السيادي مئات المليارات من الدولارات لتحويل البلاد إلى وجهة سياحية وجلب الاستثمارات الأجنبية في المجال.

"لكن كل هذا النمو يمكن أن يتوقف، إذا وقعت حرب في الشرق الأوسط" تقول بلومبرغ.

يكشف التقرير في السياق، أنه بين شهري أكتوبر ونوفمبر 2022، أخبر ولي العهد وكبار المسؤولين السعوديين العديد من الأميركيين اليهود البارزين القريبين من مراكز صنع القرار في واشنطن وإسرائيل أن  الرياض مستعدة لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، "بشرط أن تمنحها الولايات المتحدة، ضمانات تتعلق بإمدادات الأسلحة في المستقبل، وتساعدها في تطوير برنامج نووي مدني".

في هذا الصدد، قال جون حنا، من المعهد اليهودي للأمن القومي الأميركي  إن واشنطن رفضت تلك "الطلبات الكبيرة". 

وزاد من تعقيد مسار التقارب مع إسرائيل تفاقم العنف بين الإسرائيليين والفلسطينيين الذي صاحب عودة رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو إلى السلطة.

ولم ترد وزارة الخارجية الأميركية ولا السفارة الأميركية في الرياض على طلبات التعليق، التي أرسلتها بلومبرغ. 

محور الصين

لفت التقرير أيضا إلى أن الرئيس الصيني هو الذي عرض التوسط بين السعودية وإيران، لإصلاح العلاقات التي قطعت في عام 2016 بعد أن هاجم محتجون سفارة الرياض في طهران.

أضافت الوكالة، نقلا عن حديث مسؤول سعودي لم تذكره، أنه بعد أن أبلغ الصينيون السعودية بأن إيران قبلت مقترحاتها لاستئناف العلاقات، سافر وفد من الرياض إلى بكين الأسبوع الماضي لإجراء محادثات سرية مع نظرائهم الإيرانيين.

ولم ترد وزارة الخارجية الصينية على الفور على طلب للتعليق بالخصوص، تقول بلومبرغ.

ثم فاجأت المملكة العربية السعودية الجميع بتوقيع اتفاقية لإعادة العلاقات، مع كون الصينيين فعليا هم الضامنون لاستمرارها.

يقول الغنام تعليقا على ذلك، إنه "يجب أن يُنظر إلى الصفقة على أنها بوليصة تأمين، وطريقة للمملكة العربية السعودية لإيصال رسالة قوية إلى إيران مفادها أننا لسنا متورطين في أي شيء قد يحدث ولن يلحق أي ضرر بإيران من الجانب السعودي".

السلام في اليمن.. أولوية

تتمثل إحدى الأولويات العاجلة للسعوديين في استخدام هذه الانفراجة، لتجديد الهدنة في اليمن المجاور، حيث تدخّل تحالف تقوده السعودية في عام 2015 بعد أن استولى المتمردون الحوثيون المدعومون من إيران على العاصمة صنعاء. 

وأسفر هذا الصراع عن مقتل نحو 233 ألف شخص وشن هجمات بصواريخ وطائرات مسيرة على السعودية بما في ذلك هجوم كبير بطائرات مسيرة على منشآت نفطية سعودية في 2019 ألقي باللوم فيه على إيران.

وفي حين أن الولايات المتحدة لا تزال الشريك الدفاعي والأمني الرئيسي للمملكة العربية السعودية والمزود الأول للتكنولوجيا العسكرية، فقد أصبح السعوديون أقل ثقة في أن الولايات المتحدة ستدعمهم في حالة تعرضهم لاي هجوم.

قال مارك دوبويتز، رئيس مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، وهي مؤسسة فكرية، قريبة من إسرائيل، مقرها واشنطن،  إنهم (السعوديون) يراهنون على أن الصين، لأنها حاليا أكبر شريك تجاري لهم، وفي نفس الوقت، مشتر رئيسي للخام الإيراني. 

وأضاف "ستكون بكين قادرة على الاعتماد على إيران في حال حدوث أي تصعيد في المنطقة، سواء كان قادما من اليمن أو أي عمل عسكري آخر من قبل الولايات المتحدة أو إسرائيل ضد إيران".

سياسة خارجية حازمة

لكن دوبويتز رأى في المقابل أن وقف التصعيد السعودي مع طهران لا يغير من انعدام الثقة و "الكراهية العميقة" تجاه إيران التي عبر عنها مرار ولي العهد، على حد قوله.

وبينما لا تزال الولايات المتحدة تلعب دورا محوريا في خطط ولي العهد - وقعت المملكة العربية السعودية عقدا بقيمة 37 مليار دولار مع شركة بوينغ لشراء طائرات لصالح شركة تم إطلاقها حديثا، لا يزال التحول إلى الصين كشريك دبلوماسي رئيسي "تحولا مهما".

حاول الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي تعهد خلال مناظرة رئاسية في عام 2019 بتحويل السعودية إلى دولة منبوذة بسبب مقتل الصحفي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول،  في إعادة العلاقات عندما زار الرياض في يوليو 2020، لكن خفض إنتاج النفط من قبل تحالف أوبك + في أكتوبر والحكم على مواطن أميركي- سعودي بالسجن 19 عامًا بسبب تغريدات أدى إلى توتر العلاقات مرة أخرى.

إلى ذلك، يرى التقرير أن الطريقة التي نسقت بها المملكة العربية السعودية إعلان إيران، والسرية التي أحاطت بالمحادثات، والإشارات حول إمكانية التطبيع مع إسرائيل، تشير إلى سياسة خارجية حازمة بشكل متزايد تسترشد أولا وقبل كل شيء بالمصلحة الوطنية.

تعليقا على هذا المشهد، قالت كارين يونغ، باحثة في مركز سياسة الطاقة العالمية بجامعة كولومبيا، "هذه دولة سعودية مختلفة" ثم تابعت "لا أستطيع أن أتخيل هذا تحت قيادة سابقة، هذا عدد كبير من الكرات في الهواء في نفس الوقت".

انتعاش في العلاقات الاقتصادية رغم الخلافات العالقة بين دول الخليج وإيران
انتعاش في العلاقات الاقتصادية رغم الخلافات العالقة بين دول الخليج وإيران

هل تحكم العلاقات الخليجية الإيرانية  المصالح والمنافع الاقتصادية، أم أنها علاقات غير مستقرة بسبب ملفات السياسة المعقدة، خاصة ما تفعله أذرع إيران المسلحة في المنطقة؟

يقول الكاتب والباحث السياسي الكويتي، عايد المناع، في حديث لقناة "الحرة" إن حجم التبادل التجاري بين إيران ودول الخليج "لا يعتبر مؤشرا على وجود علاقات مستقرة"، مضيفا أن هذه العلاقات ومنذ عهد الشاه كانت "متأرجحة وغير مطمئنة".

ووصف شاه إيران بأنه كان "شرطي الخليج" واتهمه باحتلال الجزر الثلاث طنب الكبرى والصغرى وأبو موسى، موضحا أن النظام الإسلامي الإيراني بعد 1979 تمسك بهذه الجزر وكانت هذه "الشرارة في تأزم العلاقة بين دول الخليج وطهران".

وأضاف المناع أن الاقتصاد يلعب دورا كبيرا في "قيادة الأوضاع" رغم الخلافات العالقة مثل التدخل في شأن البحرين الداخلي والخلافات النفطية بين الرياض وطهران ومصير الجزر التي تطالب الإمارات بها.

ويرى المناع أن دول الخليج "تنموية ولا ترغب في الصراع، إلا أن المشكلة تكمن في طموحات إيران التوسعية في منطقة الخليج أو الدول المجاورة لها مثل العراق ولبنان وسوريا.

خبير الطاقة والجغرافيا السياسية، توماس أودونيل، تحدث لقناة "الحرة" من العاصمة الألمانية برلين، وقال إن طبيعة العلاقة بين دول الخليج وإيران "أكثر تعقيدا" من مجرد الحديث عن العمق الجغرافي ودوره في تطوير العلاقة الاقتصادية بين الطرفين.

وأضاف أن دول الخليج ترفض طموحات إيران الجيوسياسية في المنطقة، "فالمعطيات الحالية تشير إلى أن النظام الإيراني يحاول الآن الهيمنة على المنطقة".

لكن غياب الهيمنة الإيرانية في الوقت الراهن، بحسب أودونيل، يتيح لدول الخليج أن تقيم علاقات اقتصادية مع طهران، مشيرا إلى أن تطورات الحرب في غزة ولبنان وما يحدث في اليمن وسوريا والعلاقات مع تركيا، عقدت مشهد العلاقات الثنائية.

وشهد حجم التجارة بين إيران ودول الخليج انتعاشا في السنوات الأخيرة رغم العقوبات الاقتصادية المفروضة على طهران.

وحسب إحصائيات البنك الدولي بين عامي 2018-2022 بلغ إجمالي حجم التداول بين إيران ودولة الإمارات العربية 78 مليار دولار.

فيما بلغ إجمالي حجم التداول بين طهران وبغداد 37 مليار دولار، وبلغ حجم إجمالي التداول بين إيران وسلطنة عمان خلال تلك الفترة 5 مليار دولار، في وقت وصل إجمالي حجم التداول بين إيران والكويت إلى مليار دولار.

وبعد سنوات من الخلافات الجيوسياسية، انتعشت العلاقات بين طهران وأبو ظبي، وبلغت واردات إيران من الإمارات خلال عام واحد عشرين مليارات في حين صدرت إليها بضائع بأكثر من ستة مليارات.

وسبق أن أشارت وكالة الأنباء العمانية أيضا إلى حدوث قفزة في العلاقات التجارية مع إيران. وأبرمت إيران أيضا اتفاقية تعاون ثنائي مع قطر.

ورغم ذلك، تركت التوترات الأخيرة مع حربي غزة ولبنان تباينا في توجهات إيران وبعض دول الخليج، ففي حين تقود إيران محورا يعادي إسرائيل، طبّعت دول عربية منها الإمارات والبحرين علاقاتها مع إسرائيل.

ويسود الترقب أيضا للرياح الجديدة القادمة من واشنطن مع عودة الرئيس المنتخب دونالد ترامب إلى السلطة واحتمال فرضه سياسة الضغوط القصوى حيال طهران.