سلطت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، الضوء، في تقرير، الأحد، على العلاقات المصرية-السعودية وتطورها خلال الفترة الماضية، مشيرة إلى أن المملكة تضيق الخناق على مساعدة القاهرة وغيرها من جيرانها الإقليميين.
وأوضحت أن العلاقة بين البلدين اتسمت، خلال معظم العقد الماضي، بالدعم المالي بمليارات من جانب الرياض، باعتبار القاهرة حليفة إقليمية واستراتيجية مهمة، حتى وصلت الأمور، في الآونة الأخيرة، إلى رفض صامت من جانب المسؤولين السعوديين لتقديم مزيد من "الشيكات على بياض" رغم مرور مصر بأزمة اقتصادية عميقة.
ووفقا للصحيفة الأميركية، فمع تدفق عائدات النفط، يضع ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، البالغ من العمر 37 عامًا، شروطا متزايدة لمثل هذه المساعدات، مصرا على ضرورة إجراء مصر إصلاحات اقتصادية مثل خفض الدعم وخصخصة الشركات المملوكة للدولة.
ونقلت "نيويورك تايمز" عن خبراء قولهم إن السعودية في السابق كانت ترى أن مصر أكبر من أن تفشل، لكن الموقف الآن هو أن مصر مسؤولة عن أخطائها.
وتحدثت الصحيفة عن الوضع الاقتصادي الجيد للسعودية باعتبارها أكبر مصدر للنفط الخام في العالم، وأوضحت أنها أنهت عام 2022 بفائض في الميزانية قدره 28 مليار دولار بعد أن تسبب الغزو الروسي لأوكرانيا في ارتفاع أسعار النفط، ما أدى إلى تدفق الأرباح على المنتجين.
ووفقا للصحيفة، رغم هذه المكاسب غير المتوقعة، يقول المسؤولون السعوديون إنهم سئموا من تقديم مساعدات لا نهاية للدول الفقيرة مثل مصر وباكستان ولبنان.
ولا تزال المملكة ترسل الأموال إلى الخارج، ربما أكثر من أي وقت مضى، لكن الكثير منها موجه الآن نحو الاستثمارات الدولية من أجل الربح والتأثير وبدء صناعات جديدة في الداخل، مثل السيارات الكهربائية. كما لعبت الحكومة السعودية دورًا مشابهًا لصندوق النقد الدولي، ما يمنحها نفوذًا أكبر من ذي قبل على السياسة الإقليمية، حيث تدين لها دول عديدة مثل باكستان.
وقال وزير المالية السعودي، محمد الجدعان، في يناير، في دافوس بسويسرا، في اجتماع سنوي للنخبة السياسية والاقتصادية في العالم: "اعتدنا تقديم منح وودائع مباشرة دون قيود. ونحن نغير ذلك. نحن نعمل مع مؤسسات متعددة الأطراف لنقول إننا بحاجة إلى رؤية الإصلاحات على أرض الواقع".
وأوضحت الصحيفة أن تصريحات الجدعان أدت إلى اندلاع حرب كلامية بين خبراء سعوديين ومصريين، يغذيها قلق مصر من اعتمادها المتزايد على دول الخليج الأكثر ثراءً، مثل السعودية والإمارات.
وعمل المسؤولون السعوديون والمصريون على تهدئة الأمور، بحسب "نيويورك تايمز"، لكنها أوضحت أن الرؤية الجديدة للمملكة لم تتلاش، إذ أنه منذ أن أصبح والده ملكًا في عام 2015، غيّر الأمير محمد الطريقة التي تستخدم بها السعودية قوتها المالية، وأصبح يستهدف عوائد استثمار أعلى في الشرق الأوسط وخارجه لا تعتمد على النفط، مثلما فعلت الإمارات وقطر منذ سنوات لزيادة نفوذهما الدولي.
وأشارت الصحيفة إلى أن تركيز الأمير محمد ينصب على "السعودية أولاً" وهو فكر قومي. وظهر ذلك، في العام الماضي، عندما أعلن الصندوق السيادي السعودي أنه سيستثمر 24 مليار دولار في مصر والعراق والأردن والبحرين وعمان والسودان. لكن توجيه هذا الدعم المالي من خلال الاستثمارات يعني أن المسؤولين السعوديين يعطون الأولوية لأرباحهم.
ومع خفض مصر لقيمة عملتها ثلاث مرات خلال العام الماضي، سعت الكيانات السعودية إلى شراء الأصول بأسعار منخفضة، حسبما ذكرت "نيويورك تايمز"، التي نقلت عن خبراء قولهم إن هذا النهج يعتبره "المصريون استغلالا للوضع السيئ من جانب السعوديين ولا يهدف لمساعدتهم".
وفي السياق نفسه، ذكرت وكالة "رويترز"، الأحد، نقلا عن ثلاثة مصادر دبلوماسية أن الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، سيتوجه إلى السعودية، الأحد، بينما تواصل القاهرة سعيها للحصول على تدفقات مالية لتخفيف الضغط على الجنيه ودعم الاقتصاد المتعثر.
ودأبت السعودية على دعم مصر ماليا، لكنها أشارت في الآونة الأخيرة إلى أنها لن تقدم مثل هذا الدعم دون قيود، وهو ما يعتقد مراقبون أنه ربما أثار صداما إعلاميا نادرا بين البلدين، بحسب الوكالة.
وتأتي الزيارة وسط إعادة ترتيب كبير للعلاقات الدبلوماسية بين دول المنطقة، مع تحركات من السعودية ومصر لتخفيف حدة التوتر مع سوريا وإيران وتركيا.
ولم تصدر مصر أو السعودية تعليقا رسميا بعد على الزيارة، وفقا لـ"رويترز".
وهبت السعودية وحلفاؤها الخليجيون مرارا لمساعدة لمصر منذ أن قاد السيسي الإطاحة بالرئيس السابق، محمد مرسي، المنتمي لجماعة الإخوان، قبل عشر سنوات.
وأودعت السعودية والإمارات وقطر ودائع في البنك المركزي المصري وتعهدت بضخ استثمارات كبيرة بعد أن كشفت الحرب في أوكرانيا المصاعب المالية التي تواجهها مصر وزادتها حدة.
لكن هذه الاستثمارات شهدت تباطؤا، ما زاد من الضغوط على الجنيه في الأسابيع القليلة الماضية رغم أنه فقد ما يقرب من نصف قيمته مقابل الدولار منذ مارس 2022.
ووقعت مصر خطة إنقاذ حجمها ثلاثة مليارات دولار مع صندوق النقد الدولي في ديسمبر استهدفت ضخ استثمارات أجنبية مباشرة قيمتها 9.7 مليار دولار في السنة المالية التي ستنتهي، في يونيو المقبل.