يعكس قرار خفض إنتاج النفط من قبل السعودية وحلفائها في تحالف "أوبك بلس" استعداد ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، لتنفيذ سياسة وطنية بمجال الطاقة، تهدف لتمويل التحول الاقتصادي بالمملكة، حسبما ذكر تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال".
وقالت الصحيفة الأميركية إن خفض إنتاج النفط، الأحد، يمثل أوضح إشارة حتى الآن على أن السعوديين سيفعلون كل ما يلزم لإبقاء أسعار النفط عند المستويات التي تفيدهم.
وتعهدت عدة دول مصدرة للنفط في تحالف "أوبك بلس" بخفض طوعي للإنتاج ابتداء من الشهر المقبل.
وسيخفض القرار أكثر من مليون برميل يوميا من حصص الإنتاج في السعودية وروسيا والعراق والإمارات والكويت والجزائر وعمان وكازاخستان.
وقد قفزت أسعار النفط على أثر ذلك أكثر من 6 بالمئة، الاثنين، ليقترب سعر برميل برنت بحر الشمال من 84 دولارا، وبرميل غرب تكساس الوسيط من 80 دولارا، بحسب وكالة رويترز.
وبحسب تقرير "وول ستريت جورنال"، فإن السعودية تجاهلت مخاوف الولايات المتحدة بشأن خفض إنتاج النفط للمرة الثانية في أقل من 6 أشهر، على الرغم من التداعيات الكبيرة المحتملة على العلاقات الثنائية بين البلدين.
ويطبق الأمير محمد بن سلمان ما يصفه محللون بسياسة اقتصادية تعرف بـ "السعودية أولا" بهدف إعطاء الأولوية للمصالح الوطنية.
وأخبر الأمير محمد مساعديه أواخر العام الماضي أنه لم يعد مهتما بإرضاء الولايات المتحدة، قائلا إنه يريد مقابلا لأي شيء يقدمه لواشنطن، وفقا لما نقلت الصحيفة عن أشخاص مطلعين على المحادثة.
وسعت الولايات المتحدة إلى خفض عائدات روسيا - أحد أكبر منتجي النفط والغاز في العالم - من خلال العقوبات وفرض حد أقصى للأسعار، لكن تحركات "أوبك بلس" بقيادة الرياض وموسكو ساعدت في دعم أسعار النفط الخام خلال معظم عام 2022.
وكان خام برنت - المعيار الدولي لأسعار النفط - يتجه نحو الانخفاض منذ أواخر العام الماضي بسبب مخاوف من الركود العالمي، حيث اقترب من 70 دولارا للبرميل الشهر الماضي.
ومع وصول الأسعار إلى 100 دولار للبرميل العام الماضي في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، عجلت السعودية - أكبر مصدر للنفط الخام في العالم - من تلك الجهود التي يمولها إلى حد كبير صندوق الثروة السيادي الذي يرأسه ولي العهد.
وفي الأشهر الأخيرة، حذر مستشارون اقتصاديون سعوديون كبار صانعي السياسة من أن المملكة بحاجة إلى أسعار نفط مرتفعة خلال السنوات الخمس المقبلة لمواصلة إنفاق مليارات الدولارات على المشاريع التي اجتذبت حتى الآن استثمارات ضئيلة من الخارج.
"ليس مفاجئا"
ويقول المسؤولون وغيرهم من الأشخاص المطلعين على سياسة النفط السعودية إن تحرك الرياض لم يكن مفاجئا، حيث إنها بحاجة إلى الحفاظ على أسعار أعلى لدفع تكاليف مشاريع التنمية الضخمة في الداخل.
ومن بين تلك المشاريع الهائلة منتجع على البحر الأحمر بحجم دولة مثل بلجيكا، ومدينة نيوم المستقبلية والتي تبلغ تكلفتها 500 مليار دولار، وهي أكبر 33 مرة من نيويورك.
وفي هذا الصدد، قال خبير اقتصاد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في "غولدمان ساكس"، فاروق سوسة، إن السعودية لديها استعداد أقل مما كانت عليه تاريخيا بدعم مصالح الولايات المتحدة على حساب مصالحها الاقتصادية.
وتابع: "يتعين على السعوديين الحذر من سيناريوهات" الركود العالمي والآثار المترتبة على الطلب على الطاقة، والتي قد تدفع أسعار النفط إلى ما دون المتوسط السنوي البالغ 80 دولارا للبرميل وبالتالي حدوث عجز في الميزانية.
قبل الإعلان عن التخفيض السابق لإنتاج النفط في أكتوبر، قال مسؤولون سعوديون إنهم يعتقدون أن البيانات الاقتصادية تشير إلى أن ميزانية الحكومة تتطلب 90 إلى 100 دولار لبرميل النفط، وهو فوق نطاق 75 إلى 80 دولارا الذي كانت المملكة تستهدفه.
ولكن مسؤولين قالوا إن ولي العهد السعودي انزعج من تحليل اقتصادي لوزير الطاقة، الأمير عبدالعزيز بن سلمان، حذر فيه من أن سعر النفط قد ينخفض إلى ما دون 50 دولارا للبرميل، مما يعرض خطط الإنفاق الضخمة للخطر.
وكانت السعودية أطلقت عام 2016 خطة تعرف باسم "رؤية المملكة 2030" لتنويع الاقتصاد المرتهن على النفط على مدى عقود ماضية.
وفي أكتوبر، قال الأمير عبدالعزيز بن سلمان خلال مؤتمر بالرياض "ما زلت أسمع هل أنت معنا أم ضدنا؟"، متسائلا: عن إمكانية سماع "نحن من أجل السعودية وشعبها؟".