استجمع الشاب السعودي تركي شجاعته، العام الماضي، وأخبر والدته بأنه مثلي جنسيا، إلا أن عدم تقبل العائلة والمجتمع دفعه إلى مغادرة بلاده سعيا إلى الحرية وحفاظا على سلامته.
إثر اعترافه، تعرض الشاب البالغ 20 عاما للضرب والاحتجاز بغرفته بالمنزل لأسابيع، كما حرم من ارتياد جامعته.
ويقول تركي، الذي فضل إعطاء اسمه الأول فقط لحساسية الأمر، لوكالة فرانس برس "حين صارحت أمي بميولي الجنسية قالت لي، أنت لست ابني، ثم أبلغت والدي وأشقائي".
ويستذكر بصوت حزين "ضربني أبي وإخوتي وحُرمت من الخروج ولقاء إصدقائي لأسابيع".
وواجه تركي هذه التجربة القاسية فيما تشهد المملكة بقيادة الأمير، محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للبلاد، انفتاحا اجتماعيا بعد عقود من الإغلاق والقيود المشددة، فأعيد افتتاح دور السينما، وباتت الحفلات الغنائية مسموحة، ووُضع حد لحظر الاختلاط بين الرجال والنساء.
لكن هذا الانفتاح لم يطاول الأقليات الجنسية التي لا تزال تعجز عن التعبير عن هوياتها الجنسية علانية.
وخلص الكثير من أعضاء مجتمع الميم إلى أن لا خيار لهم سوى مغادرة البلاد والحصول على لجوء في دول تعترف بهوياتهم الجنسية، تماما كما فعل تركي العام الماضي.
وجمع تركي مالا مكنه من شراء تذكرة والسفر إلى المملكة المتحدة التي باتت تسمح للسعوديين بالسفر عبر تأشيرة إلكترونية تُصدر بسهولة في مقابل 138 ريالا بما يعادل 37 دولارا.
ويروي قائلا "غادرت ليلا وسافرت إلى لندن" بشكل نهائي.
وحصل تركي الذي بات الآن يضع قرطا فضيا في أذنه، الشهر الماضي على لجوء إنساني في إنكلترا، حيث يعيش "حياة متواضعة في بيت مشترك، لكنها مليئة بالحرية".
مسألة "حساسة"
يواجه المثليون وصمة عار اجتماعية في السعودية حيث تعد المثلية جريمة يعاقب عليها بالإعدام.
إلا أنّ المنظمات الحقوقية تشير إلى أنه من الصعب معرفة المدى الفعلي للمشاكل القانونية التي تواجهها الأقليات الجنسية.
وذكرت وزارة الخارجية الأميركية، في أحدث تقرير لها عن حقوق الإنسان عن المملكة، إنه "لا توجد محاكمات معروفة بموجب هذه القوانين" في عام 2021.
وجاء في التقرير "لم تطبق الحكومة هذه القوانين بشكل فعال، إلا حين ينشر الأفراد صورا لما يعتبر ملابس الجنس الآخر على وسائل التواصل الاجتماعي".
وكتب الكاتب السعودي، فهد الدغيثر، الأسبوع الماضي، في صحيفة عكاظ الخاصة إن المثلية "موجودة منذ ما قبل ظهور بعض الأنبياء ولم نسمع أن هناك شاذا تمت محاسبته على سلوكه الذي لم يختره أصلا".
ورغم هذا الرأي المنفتح غير المعتاد، لا تزال هناك مؤشرات كثيرة على أن الأقليات الجنسية غير مرحب بها.
ففي يونيو الفائت، صادرت السعودية ألعابا وملابس ملونة بألوان قوس قزح بزعم ترويجها "للمثلية الجنسية"، في حملة لوزارة التجارة وثقها تقرير تلفزيوني للإعلام الرسمي.
فيما تم حظر أفلام سينمائية في السعودية والإمارات بسبب وجود أبطال مثليين فيها.
واعتبرت الباحثة في مؤسسة كارنيغي للسلام العالمي، ياسمين فاروق، المسألة "قضية حساسة للغاية".
وقالت لوكالة فرانس برس إنه "رغم الإصلاحات الاجتماعية الجذرية ونهج الصدمة الكهربائية الذي ينتهجه ولي العهد لتحرير أو تخفيف الأعراف الاجتماعية في المجتمع السعودي يجب ألا ننسى الخلفية المحافظة للمجتمع" السعودي.
وأكّدت أنه "لا يزال مجتمعا عربيا مسلما داخل منطقة تظل فيها هذه القضية حساسة ومن المحظورات".
"لا مكان لنا"
بات تركي ينشر صورا جريئة أثناء السهر في ملاه ليلية رفقة أصدقائه الجدد، بعد سنوات من "التحرك بحذر وسرية" لتجنب "فخاخ الشرطة" الدينية في السعودية، حسب وصفه.
ويقول بحسرة "مهما يحدث من إصلاحات لا أتصور أن يعترف المجتمع بنا، لا مكان لنا".
ويتابع "إن عدت سيكون مصيري الموت".
وأفاد عدد من أعضاء مجتمع الميم السعودي في الخارج وكالة فرانس برس أن مخاوفهم تعززت مع الاشتباه بانتحار فتاة سعودية عابرة جنسيا تدعى "إيدن نايت" كانت تعيش في الولايات المتحدة، بعد عودتها إلى السعودية قبل عدة أشهر.
وروت نايت في رسالة على تويتر في 12 مارس، يعتقد أنها كتبتها، عن تعرضها للتوبيخ و"تفتيش أغراضي بشكل يومي" بواسطة والدتها التي طلبت منها "التوبة" عن أفعالها فيما نعتها والدها بـ"الرجس".
وكتبت "حاولت قتل نفسي في الماضي، لكن في كل مرة كنت أتمسك بخيط في مكان ما في أعماق داخلي، أعتقد أن هذا هو السبب في أنني نجوت منهم"، قبل أن تنهي كلماتها "هذه المرة، انتهيت. أنا متعبة".
ومذاك، لم يسمع عن نايت، فيما لم يتسن لوكالة "فرانس برس"، التأكد مما حدث تحديدا لها، ولم ترد السلطات السعودية على طلبات التعليق على المسألة.
ويقول شاب سعودي من مغايري الهوية الجنسانية، فضل عدم ذكر اسمه، من "الصعب جدا أن يتفهم المجتمع أن يتحول رجل لامرأة".
ويؤكد الشاب الذي يدخر منذ شهور طويلة للسفر "كان أملي الوحيد أن أغادر وأبدأ حياة جديدة في بلد يتفهمني".
ويتطلع الشاب الذي فر في سبتمبر الماضي إلى لندن، للحصول على اللجوء، لبدء إجراءات تغيير جنسه.
وتقول هند، وهو اسم مستعار لشابة سعودية مثلية، إن هروبها من المملكة إلى ويلز مع شريكتها، كان للنجاة بحياتهما.
وفرت الفتاتان مستفيدتين من الإصلاحات الأخيرة التي أتاحت للسعوديات السفر وحدهن من دون مرافق، لكن الخوف لا يزال يساورهما أن يتعرف عليهما أحد، لذا تضع هند باستمرار وجوه مبتسمة على صورهما لإخفاء هوياتهما.
وتضيف الفتاة التي باتت تنشر بحرية صورا لها ورفيقتها وهما تمسكان بأيدي بعضهما البعض أثناء التنزه بالشارع "انكشاف أمرنا في السعودية يعني الموت، لذا لا مفر من الهرب".