أشار تقرير لرويترز، الأربعاء، إلى أن قرار أوبك+ القاضي بتخفيض إنتاج النفط سيكون له بعض الآثار السلبية على الدول الخليجية، ومنها السعودية، التي سيؤدي هذا القرار فيها إلى تباطؤ حاد في نمو الناتج المحلي الإجمالي هذا العام.
وتاليا، تستمر أسعار النفط بالتأثير بشكل كبير على مسار الاقتصاد في السعودية رغم تطبيق "رؤية 2030" والسعي إلى تطوير القطاع غير النفطي الذي شهد نموا كبيرا، والمفترض أن يعزز اقتصاد المملكة بعيدا من النفط.
فمتى تصبح القطاعات غير النفطية في السعودية قادرة على التخفيف من حدة تأثير تراجع عائدات النفط على النمو الاقتصادي في المملكة؟ وإلى أي مدى يمكنها المساهمة في النمو بشكل أكبر؟
أظهر استطلاع للرأي، أجرته رويترز، أن اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي ستنمو بوتيرة أبطأ بكثير في عام 2023، مقارنة بالعام الماضي، إذ تتأثر مواردها بتراجع عائدات مبيعات النفط الخام وتخفيضات الإنتاج.
وارتفعت أسعار النفط بنحو 20 في المئة، منذ هبوطها لأدنى مستوى هذا العام عند نحو 70 دولارا للبرميل في 20 مارس، وذلك بدعم أساسي من قرار تحالف أوبك+ خفض إنتاج النفط بنحو 1.16 مليون برميل يوميا إلى جانب إعادة فتح الصين.
إلا أن آفاق تحقيق المزيد من المكاسب ستكون ضعيفة إلى حد كبير خلال الأشهر المقبلة، بسبب تباطؤ الطلب العالمي، وهي أخبار ليست جيدة لدول المجلس التي تعتمد بشكل كبير على النفط، حسب رويترز.
ووفقا لاستطلاع أجرته رويترز في الفترة من 6 إلى 25 أبريل، شمل 16 خبيرا اقتصاديا فإن اقتصاد السعودية، أكبر منتج للنفط في العالم، سينمو 3.2 في المئة هذا العام أي بما يقل عن نصف معدل نموه عام 2022 الذي بلغ 8.7 في المئة. ومن المتوقع أن يكون معدل النمو هو نفسه العام المقبل.
وضمن هذا الإطار، أشار الخبير الاقتصادي السعودي، فهد بن جمعة، في حديث لموقع "الحرة" إلى أن "من المرتقب أن يصل النمو الاقتصادي في السعودية إلى 3.1 في المئة خلال هذا العام".
ويذكر أن بداية أبريل، خفض البنك الدولي في أحدث تقاريره، الخميس، توقعاته للنمو في دول مجلس التعاون الخليجي لعام 2023 إلى 3.2 في المئة من 3.7 في المئة في أكتوبر. وستكون هذه النسبة أقل من نصف معدل النمو التقديري لدول المجلس الست العام الماضي، وهو 7.3 في المئة.
وجرى إعداد هذا التقرير قبل تخفيضات إنتاج النفط المفاجئة التي أعلنها تحالف أوبك+، التي أدت إلى زيادة أسعار النفط وارتفاع سقف توقعات الأسعار. وقال البنك الدولي حينها إن توقعاته الأخيرة لا تضع في الاعتبار أي تأثيرات لهذا القرار.
لذلك قال بن جمعة إن السعودية مستمرة في "تنمية القطاع غير النفطي، والمشاريع في طريقها للتكامل".
وتابع أن السياحة تنمو، إضافة إلى الترفيه، والكثير من المجالات الأخرى، وصولا إلى تحقيق رؤية 2030. والعملية بدأت عام 2016 وهي في مسارها الصاعد.
واعتبر أن مشاركة القطاع غير النفطي جيدة، ومستمرة وتنمو بشكل متسارع، وسوف تكون أسرع خلال السنوات المقبلة.
وأشار إلى أن حصة القطاع غير النفطي من إجمالي الناتج المحلي في نمو مستمر، وإذا نظرنا إلى المعدل التراكمي من الآن حتى السنوات المقبلة فسوف تكون مساهمة الإيرادات النفطية في ميزانية الدولة مرتفعة خلال السنوات المقبلة.
وقال إن "الإنفاق يرتفع بالتوازي مع زيادة عدد السكان، وما نلاحظه أن الإيرادات النفطية لديها حصة كبيرة من الاقتصاد."
"ولكن بالتوازي، هناك زيادة كبيرة في الإيرادات غير النفطية، بعيدا عن النفط وتقلبات أسعاره، والأهم أن السعودية عازمة أن تكون الإيرادات غير النفطية هي الأمان لإيرادات الدولة وأيضا للإنفاق الحكومي"، حسب بن جمعة.
وأكد أن المهم الآن أن يستمر نمو القطاع غير النفطي سنويا، وبالتوازي لا استغناء عن النفط الذي ستستمر إيراداته مرتفعة لعقود طويلة، موضحا أن الضروري الآن أن تصبح إيرادات القطاع غير النفطي قادرة على أن تغطي جزءا من انخفاض إيرادات النفط.
أما الخبيرة الاقتصادية السعودية، نوف الغامدي، فقالت في حديث لموقع "الحرة" إن الحركة الاقتصادية متنوعة ومتسارعة بنفس الوقت في السعودية في مجالات عدة، وذلك لتنويع مصادر الدخل وتنمية الاقتصاد، وتبنتها السياسات الحكومية منذ بداية الخطط الخمسية، وزاد الاهتمام بها في العقد الحالي منذ انطلاق رؤية المملكة 2030.
ونصت الخطط الخمسية المتتالية على أهمية تنويع مصادر الدخل الوطني والتقليل من الاعتماد على النفط الذي تتذبذب أسعاره، مما يؤثر على التنمية الاقتصادية في المملكة.
واعتبرت الغامدي أن الإصلاحات الاقتصادية وكفاءة الإنفاق التي تُجريها السعودية تمكنت من التصدي لجميع الصدمات، وتحويلها إلى فرص تعزز الاقتصاد الوطني، في وقت يعاني منه معظم بلدان العالم الكبرى من ركود اقتصادي.
وأشارت إلى أن ارتفاع القطاع غير النفطي ،الذي سجل نموا بنسبة 6.2 في المئة خلال الربع الأخير من العام الماضي، وهذا يؤكد قوة واستدامة الاقتصاد السعودي، وهذا يرجع إلى البرامج والإصلاحات الاقتصادية التي تقوم بها البلاد.
وتابعت أن الحكومة السعودية ستستخدم الفائض من الميزانية لتجديد احتياطاتها، وإجراء تحويلات إضافية إلى صناديق الثروة السيادية، إلى جانب تعزيز الإنفاق على المشاريع التي تهدف إلى المساعدة في التنويع الاقتصادي للبلاد بعيداً عن الاعتماد على إيرادات النفط.
وشددت على أن المبادرات المنفذة لتنمية الإيرادات غير النفطية أسهمت في تقليل الاعتماد على الإيرادات النفطية كمصدر أساسي، إذ ارتفعت نسبة مساهمتها من الإجمالي من 27 في المئة في 2015 إلى نحو 42 في المئة خلال 2021.
من جهته، لفت الخبير الاقتصادي السعودي، الدكتور إياس آل بارود، في حديث لموقع "الحرة" إلى أن "الهدف الأساسي لرؤية 2030 يكمن في زيادة مصادر الدخل وتنويع الاستثمارات في السعودية وذلك في سبيل تدعيم الاقتصاد وحمايته من الصدمات الناتجة عن تقلبات أسعار النفط".
وأوضح: "لذلك عززت السعودية حضورها في القطاع الصناعي والسياحة والترفيه والطاقة النظيفة وغيرها العديد".
وتابع أن السعودية بدأت تلمس الأثر الواضح لهذه القطاعات في الناتج المحلي للبلاد.
إلا أنه قال إن "من غير المنطقي أن تصل السعودية، التي تعتمد منذ 50 عاما على مصدر وحيد لتعزيز الناتج المحلي، وهو النفط، إلى الابتعاد بشكل سريع عن هذا المصدر".
وتابع: "لذلك سعت المملكة لأن تربط ميزانيتها، تدريجيا، بنسب أقل من إيرادات النفط".
وشرح آل بارود أنه "بعد أن كانت مساهمة إيرادات النفط بنسبة 90 في المئة بالميزانيات السابقة، بات الآن الاعتماد على النفط أقل من 50 في المئة، وحتى نهاية تطبيق الرؤية في 2030 ستكون السعودية قادرة على الاعتماد على المصادر البديلة التي تأسست حديثا".
وأوضح: "عندها يصبح النفط عاملا إضافيا إلى الناتج المحلي الإجمالي، وحينها نتحرر من رحمة أسعار النفط".
وقال خبير الأسواق الناشئة في كابيتال إيكونوميكس، جيمس سوانستون أن "تخفيضات إنتاج النفط ستؤدي إلى تباطؤ حاد في نمو الناتج المحلي الإجمالي في السعودية هذا العام (..) وفي بقية دول الخليج، ستؤثر الضربة المزدوجة لخفض إنتاج النفط وأسعار النفط على الناتج المحلي الإجمالي النفطي وغير النفطي"، حسب رويترز.
ومن المتوقع أن يتراوح معدل التضخم في المنطقة بين 2.1 و3.3 في المئة هذا العام، وأن ينخفض لما دون ذلك في 2024، حسب رويترز.
وأظهر مسح شهري أن نشاط قطاع الأعمال غير النفطي في السعودية استمر في النمو بمعدل قوي في مارس، مدعوما بزيادة في الطلبيات الجديدة، إلا أن وتيرة النمو تباطأت بالمقارنة مع الشهر السابق.
وسجل مؤشر مديري المشتريات المعدل موسميا لبنك الرياض السعودي قراءة 58.7 في مارس، متجاوزا مستوى الخمسين، الذي يفصل النمو عن الانكماش، لكنه انخفض من 59.8 في فبراير، وهي أعلى قراءة منذ ما يقرب من 8 سنوات.
وانخفض المؤشر الفرعي للطلبيات الجديدة إلى 66.4 في مارس، بعد أن صعد إلى 68.7 في الشهر السابق، لكنه يشير إلى استمرار الطلب القوي، ولا سيما الطلب من الشركات الأجنبية، وفق تقرير آخر لرويترز.