منشأة سعودية لانتاج النفط
السعودية تعد من أكبر المصدرين للنفط في العالم

رجح صندوق النقد الدولي أن تحقق السعودية التعادل في موازنتها السعودية إن كان سعر النفط أقل من 80 دولاراً للبرميل، مما يناقض التوقعات السعودية الرسمية باستمرار تحقيق فوائض للعام الثاني على التوالي. 

وبحسب وكالة "بلومبيرغ"، فقد قدرت أحدث توقعات الصندوق سعر النفط الذي يحقق التعادل المالي في ميزانية السعودية هذا العام عند 80.9 دولار، بزيادة أكثر من الخمس عما كان قد رجحه في أكتوبر الماضي.

ورغم التحسن في الأسعار مقارنة بالعامين الماضيين، إلا أنه أعلى من متوسط الفترة بين عامي 2000 و2019.

ويتوافق تقييم الصندوق الدولي مع توقعات "بلومبيرغ إيكونوميكس"، التي قدرت أن السعودية تحتاج إلى سعر نفط يزيد عن 80 دولاراً وربما أقرب إلى 100 دولار للوفاء بجميع التزامات الإنفاق، وضمان استقرار الوضع المالي بما يلبي احتياجات المواطنين.

ويسلط تغيير حسابات الميزانية الضوء مرة أخرى على اعتماد السعودية على تدفق دولارات البترول إلى خزينة الدولة لزيادة الإنفاق بغية إيجاد فرص العمل وإنشاء البنية التحتية المكلفة.

كما أنه يساعد في تفسير القرار المفاجئ الذي اتخذته المملكة مع تحالف "أوبك بلس" في أوائل أبريل بخفض إنتاج النفط اعتبارا من الشهر الجاري لدعم أسعار النفط.

وفي سياق متصل، أكد مسؤول من الصندوق أن الإصلاحات التي تقودها الرياض ونمو الاستثمار الخاص في قطاعات جديدة سيساعدان في دعم نمو الاقتصاد غير النفطي في المملكة، حسبما نقلت رويترز. 

عجز في الميزانية

وتوقع صندوق النقد الدولي أن السعودية ستواجه عجزاً في الموازنة بنسبة 1.1% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، وهي وجهة نظر تتعارض مع توقعات الحكومة لفائض ثانٍ على التوالي قُدرت آخر مرة بنحو 16 مليار ريال أي ما يعادل 4.3 مليار دولار تقريبا.

ولم تفصح الحكومة السعودية عن سعر النفط المعتمد في الموازنة، إذ أنها توقفت عن الكشف عن الإيرادات المتوقعة من النفط، وفي هذا الصدد يقول مدير صندوق النقد الدولي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا وآسيا الوسطى، جهاد أزعور: "الإيرادات ستنخفض لأن حجم الإنتاج سينخفض".

ولكن أزعور سعى إلى التقليل من أهمية سعر التعادل للنفط كمقياس للأوضاع المالية العامة الجيدة.

وأضح: "لقد أصبحت أسعار النفط أقل أهمية.. المعيار الاستراتيجي هو كيفية أدائك وفقاً لأهدافك على المدى المتوسط، وهل تتجاوز الإنفاق وما إلى ذلك".

أنهى صندوق النقد الدولي تحديثه للاقتصادي الإقليمي قبل التحرك غير المتوقع لخفض أكثر من مليون برميل من الإنتاج اليومي، حيث أن السعودية، التي تعتبر أكبر مصدر للنفط في العالم، كانت قد وافقت على خفض الإنتاج بمقدار 500 ألف برميل يومياً.

واستخدم الصندوق متوسط المعايير الدولية لافتراض أسعار النفط عند حوالي 73 دولاراً للبرميل هذا العام، إذ استقر خام برنت فوق 75 دولاراً يوم الأربعاء بعد أن أغلق عند أدنى مستوى في أكثر من 5 أسابيع.

وحصدت الاقتصادات الغنية بالنفط في منطقة الخليج مكاسب غير متوقعة العام الماضي بعد اضطرابات في التجارة والإنتاج أدت إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية بعد الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير.

وأصبحت التوقعات أقل إيجابية بكثير، مدفوعة بالمخاوف من أن الولايات المتحدة قد تتجه نحو الركود وقدرة روسيا على الحفاظ على تدفق صادرات النفط الخام.

لكن صندوق النقد الدولي واثق من أن الحكومات في جميع أنحاء الخليج لديها سياسات مالية سليمة، مما يجعلها أقل عرضة لتراجع الأسعار بعد تنويع إيراداتها.

نمو الاقتصاد غير النفطي

من جانب آخر ذكر أزعور لوكالة رويترز إن الإصلاحات التي تقودها الحكومة السعودية ونمو الاستثمار الخاص في قطاعات جديدة سيساعدان في دعم نمو الاقتصاد غير النفطي في المملكة، وسط توقعات بتباطؤ حاد في النمو الإجمالي هذا العام.

وحقق الاقتصاد السعودي نموا 8.7 بالمئة العام الماضي إذ عزز ارتفاع أسعار النفط الإيرادات وأدى إلى تحقيق أول فائض في ميزانية المملكة منذ ما يقرب من 10 سنوات.

ويتوقع صندوق النقد انخفاض نمو الناتج المحلي الإجمالي السعودي بأكثر من النصف إلى 3.1 بالمئة هذا العام، بما يتماشى مع توقعات للبلدان المصدرة للنفط في الشرق الأوسط. ومع ذلك، فإن هذا الرقم أعلى من معدل نمو عند 2.6 بالمئة توقعه صندوق النقد في يناير.

وقال أزعور لرويترز "مع تنفيذ حصص أوبك بلس الجديدة هذا العام، نتوقع أن يتباطأ قطاع النفط" مضيفا أن التأثير على موازنة المملكة يعتمد على الأسعار".

وأضاف "خفض إنتاج النفط سيؤثر على النمو لأن الإنتاج سينخفض لكن الإيرادات يمكن أن تنمو وقد يكون لذلك تأثير إيجابي على كل من حساب المعاملات الخارجية والاحتياطيات وعجز الموازنة".

وأردف قائلا: "من الواضح أن الاستراتيجية على مدى السنوات الخمس أو الست الماضية ساعدت الاقتصاد السعودي وكذلك المالية العامة على أن يكونا أقل تأثرا بحركة أسعار النفط".

وبدأت المملكة في خطة تحول اقتصادي طموح تعرف باسم رؤية 2030، لضخ استثمارات بالمليارات في قطاعات أخرى غير نفطية بهدف تنويع الاقتصاد مثل السياحة وإطلاق مشاريع بنية تحتية ضخمة وتطوير القطاعين المالي والخاص.

وقال أزعور: "حجم الاقتصاد غير النفطي ينمو ويدفعه بشكل رئيسي القطاع الخاص".

ترامب وبن سلمان أثناء حضورهما قمة مجلس التعاون الخليجي في الرياض، 14 مايو 2025. رويترز
ترامب وبن سلمان أثناء حضورهما قمة مجلس التعاون الخليجي في الرياض، 14 مايو 2025. رويترز

قبل أربعة أعوام، وجد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان صعوبة في عقد لقاء مع الرئيس الأميركي آنذاك جو بايدن، الذي قال إنه يريد أن يجعل المملكة منبوذة بعد أن أشارت تقارير إلى أن حاكمها الفعلي أمر بقتل صحفي مقيم في واشنطن.

ولكن الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب أغدق المديح أمس الثلاثاء على الأمير محمد الحاكم الفعلي للسعودية، واصفا إياه بأنه "رجل رائع" و"رجل عظيم"، دون أي إشارة إلى مخاوف متعلقة بحقوق الإنسان في المملكة.

ووسط وميض الكاميرات وتصفيق الحضور في قمة استثمارية في الرياض، حيث بدأ الرئيس الأميركي أول جولة خارجية كبيرة في ولايته الثانية، قال ترامب بحماسة عن الأمير محمد "أنا معجب به كثيرا. أحبه كثيرا".

وإظهار المودة لقائد له تاريخ مثير للجدل يماثل ما كان يفعله ترامب في ولايته الأولى، عندما أقام تحالفا مع الأمير محمد ازداد قوة عبر سنوات من الإطراء المتبادل وعقد الصفقات.

ولا تزال العلاقات راسخة في ما يتعلق بالمصالح المشتركة، إذ يسعى ترامب إلى تحقيق مكاسب اقتصادية كبيرة وإحياء دور الولايات المتحدة في المنطقة، في حين يسعى ولي العهد السعودي إلى كسب تكنولوجيا متقدمة ودعم عسكري وحليف قوي في إطار سعيه لتحديث المملكة وتأكيد ريادتها الإقليمية.

وخلال القمة، وافقت واشنطن على اتفاقية دفاعية بقيمة 142 مليار دولار وتعهدت السعودية بحزمة استثمارات هائلة بقيمة 600 مليار دولار تشمل الذكاء الاصطناعي والبنية التحتية والطاقة.

وأثارت علاقات ترامب مع ولي العهد السعودي انتقادات من أعضاء بالكونغرس الأميركي ومنظمات لحقوق الإنسان ومحللين معنيين بالسياسة الخارجية لما اعتبروه تفضيل المصالح الاقتصادية على حقوق الإنسان.

وفي حين نفى ولي العهد أي ضلوع له في مقتل الصحفي جمال خاشقجي وأشار إلى إصلاحات مثل تعزيز حقوق المرأة باعتبارها دليلا على التقدم، قال محللون إن هذه التغييرات تقوضها إجراءات صارمة مستمرة ضد المعارضة والحريات السياسية.

ويرتبط ترامب بعلاقات أفضل كثيرا مع الأمير محمد مقارنة بعلاقة سلفه في البيت الأبيض مع ولي العهد السعودي. ومع ذلك، تحول تعامل بايدن مع الأمير محمد إلى علاقات ودية عملية بعد الانتقادات القاسية في البداية.

بايدن اختار إعادة ضبط العلاقات

في عام 2019، توعد الرئيس الديمقراطي بايدن بجعل السعودية "منبوذة" على الساحة العالمية بسبب مقتل خاشقجي وسجلها في مجال حقوق الإنسان.

إلا أن الوقائع الجيوسياسية مثل الارتفاع الهائل في أسعار النفط، ومن أسبابه غزو روسيا لأوكرانيا عام 2022، أبرزت الحاجة إلى التعاون بين واشنطن والرياض.

ودفع ذلك بايدن إلى اتخاذ قرار بإعادة ضبط العلاقات الاستراتيجية، وزار ولي العهد في نهاية المطاف في يوليو تموز 2022.

تبادل الرجلان التحية بقبضة اليد مما أثار انتقادات باعتبارها لفتة ودية مبالغا فيها بالنظر إلى المخاوف المتعلقة بحقوق الإنسان.

لكن مساعديه بالبيت الأبيض قالوا إنها وسيلة لتقليل خطر إصابة بايدن بكوفيد-19.

وتحسنت العلاقات سريعا مع سعي إدارته للتوسط في اتفاق لتطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل مقابل اتفاقية دفاع أوسع نطاقا مع واشنطن.

إلا أن تلك المساعي أصابها الجمود مع هجوم حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023 وحرب إسرائيل اللاحقة على غزة.

وخلال زيارة ترامب أمس الثلاثاء، استقبل ولي العهد الرئيس الأميركي شخصيا واصطحبه في عربة جولف قادها بنفسه قبل مأدبة عشاء رسمية.

وفي لحظة أكدت عمق علاقتهما الشخصية، تعهد ترامب برفع العقوبات الأميركية عن سوريا، في خطوة تمثل تحولا هائلا في الموقف الأميركي قال إنها جاءت بناء على طلب من الأمير محمد بن سلمان.

وقال ترامب "ماذا عساي أن أفعل لولي العهد"، بينما وضع ولي العهد يده على صدره واستهل تصفيقا حارا من الحضور.