قبل زيارته للمملكة، السبت، صرح مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، بأن الولايات المتحدة لا تزال تعمل على تحقيق هدف "إبرام اتفاق لتطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل"، مما يشير إلى احتمال أن تكون هذه القضية على طاولة النقاشات.
وقال سوليفان على هامش جلسة نقاشية استضافها معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، إن "الوصول إلى التطبيع الكامل (بين السعودية وإسرائيل) هو مصلحة أمنية قومية معلنة للولايات المتحدة"، مضيفا: "كنا واضحين بشأن ذلك".
وتابع: "الواقع أن هذه الإدارة هي التي خلقت أول خطوة ملموسة تتعلق بتقارب هذين البلدين عقب فتح المجال الجوي السعودي لرحلات الطيران المدنية من إسرائيل".
وأضاف سوليفان: "كدليل على جديتي حول مدى تركيزنا وجدية تعاملنا مع هذا (الشأن)، لن أقول أي شيء آخر حتى لا أخل بالجهود التي نبذلها بشأن هذه المسألة".
وتأتي هذه التصريحات قبل شهر قبل أقل من شهرين على موسم الحج الذي تسعى إسرائيل من خلاله إلى تسيير رحلات جوية مباشرة بين تل أبيب وجدة حتى يتمكن مواطنوها المسلمون من أداء خامس فريضة في أركان الإسلام.
وقال الباحث غير المقيم بمعهد بيغن-السادات للدراسات الاستراتيجية، فرانك مسمار، إن "السعودية لن تقبل بتطبيع مجاني".
وأشار مسمار خلال حديثه لموقع "الحرة" إلى أن "الولايات المتحدة يجب أن تضع قائمة المطالب السعودية على محمل الجد" في سبيل تحقيق اختراق دبلوماسي.
"معادلة صعبة جدا"
ويرى محللون سعوديون أن المملكة "واضحة" في تطبيع العلاقات مع إسرائيل منذ ما يزيد عن عقدين من الزمان دون أن يتغير موقفها، مشيرين إلى أن الكرة في ملعب الطرف الآخر.
وفي حديثه لموقع "الحرة"، قال المحلل السياسي السعودي، مبارك آل عاتي، إن زيارة سوليفان "أكبر وأعمق" من بحث مسألة العلاقات السعودية الإسرائيلية على اعتبار أن موقف الرياض في هذه القضية "واضح ومعلن".
وذهبت الباحثة في الإعلام السياسي بالجامعة الأميركية بالإمارات، نجاة السعيد، في الاتجاه ذاته بعد أن كررت الموقف الذي أعلنته وزارة الخارجية السعودية مرارا وتكرارا بشأن التطبيع مع إسرائيل.
وتضيف السعيد في حديثها لموقع قناة "الحرة" أنه "لن يكون هناك تطبيع رسمي قبل حل الدولتين"، في إشارة إلى مطالبات الفلسطينيين بإقامة دولتهم المستقبلية وعاصمتها القدس الشرقية.
وقالت إنها "معادلة صعبة جدا ... لا تستطيع السعودية أن تضحي بالشعب الفلسطيني الذي يحتاج لصون حقوقه".
في يناير الماضي، جدد وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، تأكيد بلاده بأنها لن تقوم بالتطبيع مع إسرائيل دون إقامة دولة فلسطينية.
وأوضح في تصريحات نشرتها وزارة الخارجية السعودية عبر حسابها على تويتر، "التطبيع والاستقرار الحقيقي لن يأتي إلا بإعطاء الفلسطينيين الأمل من خلال منحهم الكرامة وهذا يتطلب منحهم دولة".
ولا تعترف السعودية بإسرائيل، كما لم تنضم لمعاهدة إبراهيم التي تم بموجبها تطبيع علاقات إسرائيل مع الإمارات والبحرين في صيف العام 2020 بوساطة أميركية.
"دور أميركي" لتحقيق "قائمة مطالب"
المدير التنفيذي لشركة "سيغال" بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، روبرت ساتلوف، كتب مذكرة جديدة للمعهد قال فيها إن أي مفتاح لاتفاق إسرائيلي سعودي سيكون عبر "دور أميركي".
ويعلق آل عاتي بقوله إن "واشنطن تعلن أن إسرائيل تريد تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية مع دول المنطقة دون تقديم ثمن حقيقي يوازي هذه العلاقات".
ووصف ذلك بأنه "أمر غير مقبول لدى دولة تقود العالم الإسلامي وذات ثقل اقتصادي دولي ونفوذ سياسي متصاعد"، مردفا: "أعتقد أن السعودية لديها مطالب لأمنها وأمن أشقائها تؤمن بأنها مسؤولة عنها".
من جانبه، يتحدث مسمار عن أسباب تمنع السعودية من التطبيع مع إسرائيل في الوقت الحالي، بما في ذلك "العلاقات الفاترة" التي لا تزال مستمرة بين الرئيس الأميركي، جو بايدن، وولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للمملكة.
وأضاف مسمار: "حتى لو أراد محمد بن سلمان التطبيع، فهو لا يريد أن ينسب فضل ذلك للرئيس بايدن". كما للسعودية رمزية إسلامية مهمة على اعتبار وجود الحرمين في أراضيها، مما يجعل وضع المملكة "حساس" في هذه المسألة.
وقال إن "السعودية لن تطبع دون وجود حلول للقضية الفلسطينية ... لا يمكن أن تسلك المملكة خطوة باتجاه السلام دون ضمانات من الطرف الإسرائيلي بوضع تصور مقبول لعملية السلام مع الفلسطينيين".
وبحسب التحليل الذي نشره معهد واشنطن لمديره ساتلوف، فإن آفاق اختراق دبلوماسي بين السعودية وإسرائيل قد تراجعت مؤخرا وسط تقارب الرياض مع طهران والغضب الداخلي في إسرائيل.
وتابع تحليل: "لكن التركيز الضيق على هذه العقبات يغفل خطوط الاتجاه الأعمق والأكثر تشجيعا، بما في ذلك تقبل الجمهور السعودي للتواصل الفردي الجاري بالفعل في مجال الأعمال والرياضة".
وقال آل عاتي إن علاقات السعودية الجديدة مع إيران "لن تكون عائقا ولا مانعا لإقامة علاقات مع أي طرف آخر متى ما كان الطرف الآخر جاهزا لهذه العلاقات".
وتتفق السعيد مع هذا الرأي أيضا بقولها إن "الإسرائيليين يعتقدون أن العلاقات مع الرياض لن تتحقق إلا بصراع بين السعودية وإيران". وتابعت: "علاقات السعودية ليست مرتبطة بإيران سواء كانت الأجواء مع طهران سلبية أم إيجابية".
وكانت السعودية اتفقت مع إيران على إعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بعد قطيعة استمرت 7 سنوات.
لكن معهد واشنطن في تحليله يرى أنه "على الرغم من اتفاق الرياض مع إيران، لا يزال لدى السعوديين والإسرائيليين تهديد مشترك يتمثل في الجمهورية الإسلامية وهناك مصلحة مشتركة للتصدي له".
تفاؤل برحلات طيران مباشرة
في الجانب الإسرائيلي، استقبل المسؤولون الذين يتطلعون باهتمام كبير لاتفاق مع السعودية، تصريحات سوليفان الأخيرة بتفاؤل كبير.
وذكر مستشار الأمن الوطني الإسرائيلي، تساحي هنغبي، لموقع "ريشيت 13 نيوز"، "نحن متفائلون للغاية بشأن تحقيق انفراجة خلال زيارته"، في إشارة لزيارة سوليفان الذي يصل المملكة، السبت، حيث يتوقع أن يلتقي بولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، حسبما قال هنغبي.
وكان التفاؤل الإسرائيلي موجودا لدى تصريحات المسؤولين منذ أيام بعد حديث وزير الخارجية، إيلي كوهين، لإذاعة الجيش، يتعلق بتسيير رحلات طيران مباشرة بين البلدين.
والأربعاء، قال كوهين ردا على سؤال بشأن رحلات مباشرة من تل أبيب إلى جدل لنقل الحجاج لمكة، إن "القضية قيد المناقشة لا أستطيع أن أخبرك ما إذا كان هناك تقدم، لكنني متفائل بإمكانية دفع السلام مع السعودية إلى الأمام".
في الصيف الماضي، كشفت إسرائيل للمرة الأولى عن طلبها من قبل السلطات السعودية تسيير رحلات خاصة بموسم الحج. وآنذاك، قال وزير التعاون الإقليمي الإسرائيلي، عيساوي فريج، إنه طلب من السلطات السعودية أن تسمح باستقبال رحلات جوية مباشرة تقل حجاجا من تل أبيب.
وأضاف فريج وهو من الأقلية المسلمة التي تمثل 18 بالمئة من سكان إسرائيل، "أريد أن أرى اليوم الذي أغادر فيه من مطار بن غوريون (قرب تل أبيب) إلى جدة لأداء فريضة الحج" بالمملكة.
وفي هذا الإطار، قالت السعيد إن مسألة تسيير رحلات خاصة بالمسلمين بين إسرائيل والسعودية تبقى "محتملة". ومع ذلك، قالت إن هذه الخطوة إن حدثت "لا يمكن الجزم" بأنها تمهد الطريق نحو الدخول لما وصفه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، بـ "دائرة السلام".
"إسرائيل غير مستعدة"
ولطالما وضع نتانياهو إقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع السعودية كهدف رئيسي لدى عودته للسلطة عبر ائتلاف هو الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل.
وفي تحليل لصحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، فإنه بدون تغيير ملحوظ في علاقة نتانياهو ببايدن، بالإضافة إلى سيطرته على ائتلافه اليميني المتشدد، فإن دائرة التطبيع مع الدول العرب لن تتوسع.
وتقول الصحيفة إن "التكلفة المحتملة" للاعتراف بإسرائيل بالنسبة للدول العربية "ارتفعت" بعد وصول الحكومة اليمينية للسلطة في ديسمبر الماضي.
وأشارت إلى زيارة وزير الأمن القومي الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، إلى المسجد الأقصى وتصريحات وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، إلى "محو" بلدة حوارة الفلسطينية.
وذكرت الصحيفة الإسرائيلية أن القادة العرب لا يريدون أن ينظر لهم على أنهم داعمون لهذه الأفعال من خلال تطبيع العلاقات.
وكانت الدول التي وقعت بالفعل على معاهدة إبراهيم في العام 2020، أعربت عن استيائها بعدة طرق في أعقاب تلك التطورات، بما في ذلك تجنب الزيارات رفيعة المستوى والتنديد بإسرائيل علانية.
وقال المحلل السعودي آل عاتي، إن "السعودية لديها رؤية سياسية واضحة مع كل الدول وتتوجه إلى حيث توجد مصالحها" لكن "الإشكالية هي أن إسرائيل غير مستعدة حتى الآن لإقامة علاقات مبنية على قواعد واضحة وصلبة تحقق مصالح كل الأطراف"، بحسب تعبيره.