البرامج الجديدة تستهدف الكفاءات في مجالات الرعاية الصحية والرياضة والعقارات وغيرها
الوزرات والهيئات الحكومية في السعودية تعتمد بشكل كبير على شركات الاستشارات الأجنبية

يخشى بعض المسؤولين السعوديين من أن الوزارات في المملكة أصبحت تعتمد بشكل مفرط على شركات الاستشارات الغربية، وسط استياء من الدور المتزايد للأطراف الخارجية في إدارة البلاد، حسبما ذكرت صحيفة "فايننشال تايمز".

وبحسب الصحيفة البريطانية المتخصصة في المال والأعمال، فإن اعتماد الرياض على الاستشاريين توسع منذ أطلق ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، عام 2016 برنامجا طموحا لتوجيه أكبر اقتصاد في الشرق الأوسط، بعيدا عن الاعتماد على عائدات النفط.

ومن الشركات الأربع الكبرى مثل "ديلويت" و"إي واي" و"كيه بي إم جي" و"برايس ووترهاوس كوبرز"، إلى شركات استشارات استراتيجية أكثر تخصصا، تعتمد وزارات سعودية على هذه الكيانات الأجنبية لدرجة أن سوق الاستشارات في المملكة وصل لمستوى قياسي بلغ 3 مليارات دولار العام الماضي، بحسب شركة "سورس غلوبال ريسيرش"، التي تتوقع أن تستمر الرياض في التوسع بوتيرة سريعة.

وفي حين تحتاج السعودية إلى خبراء في الإدارة، فإن المملكة مهمة أكثر من أي وقت مضى بالنسبة للاستشاريين، كما تقول الصحيفة.

ونما سوق الاستشارات بنسبة 18.2 بالمئة في السعودية، العام الماضي، وفقا لشركة "سورس غلوبال ريسيرتش"، مقابل نمو بنسبة 13 بالمئة في منطقة الخليج بشكل عام، و3.5 بالمئة فقط على مستوى العالم.

ويتذمر العديد من السعوديين "سرا" بشأن الإنفاق على المستشارين الأجانب، ويشكون من أن الوزارات والسلطات باتت الآن مجرد "آلات طلب تقديم العروض"، في إشارة إلى طلبات العروض التي يتم إرسالها إلى الشركات الاستشارية، التي تقدم بعد ذلك عروضها للحصول على العمل. 

ويعني الاعتماد على الشركات الأجنبية، بحسب "فايننشال تايمز"، أن العديد من الهيئات الحكومية التي تم إنشاؤها منذ إطلاق خطة الإصلاح الاقتصادي في عام 2016، تم تصميمها للعمل مع وضع المستشارين في الاعتبار.

وفي حين تميل الشركات الأربع الكبرى إلى العمل على تنفيذ المشروعات الحكومية الكبرى، فإن الكيانات السعودية مثل صندوق الاستثمارات العامة، والسلطات الحكومية الأخرى، غالبا ما تلجأ إلى "الشركات الاستراتيجية" الأميركية مثل مجموعة "بوسطن الاستشارية" و"ماكينزي" للحصول على أفكار، بما في ذلك فيما يتعلق بمكان وكيفية الاستثمار.

وقال أحد المهنيين السعوديين الذين عملوا في الحكومة، وفي شركة استشارية كبرى، دون أن تكشف "فايننشال تايمز" عن هويته، "هناك الكثير من الأماكن التي تشتمل عملياتها على بند ميزانية لا يمكن إنفاقه إلا على بائع خارجي".

وأضاف: "حتى لو كانت لديك ميزانية جيدة، لا يمكنك توظيف أشخاص (ضمن طاقم العمل) باستخدام هذه الأموال"، مردفا: "لا يمكنك القيام بذلك إلا من خلال بائع خارجي، مما يعني أنك ستحصل على مستشار للقيام بهذا الأمر نيابةً عنك".

في المقابل، يقول المستشارون إن الإنفاق الحكومي على خدماتهم يساعد السعودية على ترشيد إنفاقها الضخم على مشروعات كبرى مثل  مدينة "نيوم" المستقبلية وحتى مجمع ترفيهي ضخم في الصحراء خارج الرياض.

وقال مسؤول تنفيذي في شركة استشارية كبيرة، لم تكشف الصحيفة عن هويته أيضا، "إذا كان الإنفاق بنسبة 1 بالمئة على الاستشاريين يعني أن البرنامج لن يتجاوز 10 بالمئة، فهذه نفقات معقولة،- حتى لو لم يكن الأشخاص في الوزارة يرون الأمر بهذه الطريقة بالضرورة".

ويدرك المستشارون الانتقادات المحلية الموجهة لعملهم مع الوزارات والهيئات الحكومية السعودية.

وقال مسؤول تنفيذي آخر في إحدى الشركات العالمية: "يعتقد الناس أننا نتقاضى أجورا جيدة للغاية، ونعيش الحلم في دبي، ونرتاح في عطلات نهاية الأسبوع".

وبحسب الصحيفة، فإن العديد من كبار المسؤولين هم أنفسهم مستشارون سابقون، بما في ذلك نائبان لوزير السياحة جاءا من شركة "ماكينزي".

وبين موظفي "برايس ووترهاوس كوبرز"، البالغ عددهم 2300 موظف في السعودية، 56 بالمئة مواطنون سعوديون.

ترامب وبن سلمان أثناء حضورهما قمة مجلس التعاون الخليجي في الرياض، 14 مايو 2025. رويترز
ترامب وبن سلمان أثناء حضورهما قمة مجلس التعاون الخليجي في الرياض، 14 مايو 2025. رويترز

قبل أربعة أعوام، وجد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان صعوبة في عقد لقاء مع الرئيس الأميركي آنذاك جو بايدن، الذي قال إنه يريد أن يجعل المملكة منبوذة بعد أن أشارت تقارير إلى أن حاكمها الفعلي أمر بقتل صحفي مقيم في واشنطن.

ولكن الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب أغدق المديح أمس الثلاثاء على الأمير محمد الحاكم الفعلي للسعودية، واصفا إياه بأنه "رجل رائع" و"رجل عظيم"، دون أي إشارة إلى مخاوف متعلقة بحقوق الإنسان في المملكة.

ووسط وميض الكاميرات وتصفيق الحضور في قمة استثمارية في الرياض، حيث بدأ الرئيس الأميركي أول جولة خارجية كبيرة في ولايته الثانية، قال ترامب بحماسة عن الأمير محمد "أنا معجب به كثيرا. أحبه كثيرا".

وإظهار المودة لقائد له تاريخ مثير للجدل يماثل ما كان يفعله ترامب في ولايته الأولى، عندما أقام تحالفا مع الأمير محمد ازداد قوة عبر سنوات من الإطراء المتبادل وعقد الصفقات.

ولا تزال العلاقات راسخة في ما يتعلق بالمصالح المشتركة، إذ يسعى ترامب إلى تحقيق مكاسب اقتصادية كبيرة وإحياء دور الولايات المتحدة في المنطقة، في حين يسعى ولي العهد السعودي إلى كسب تكنولوجيا متقدمة ودعم عسكري وحليف قوي في إطار سعيه لتحديث المملكة وتأكيد ريادتها الإقليمية.

وخلال القمة، وافقت واشنطن على اتفاقية دفاعية بقيمة 142 مليار دولار وتعهدت السعودية بحزمة استثمارات هائلة بقيمة 600 مليار دولار تشمل الذكاء الاصطناعي والبنية التحتية والطاقة.

وأثارت علاقات ترامب مع ولي العهد السعودي انتقادات من أعضاء بالكونغرس الأميركي ومنظمات لحقوق الإنسان ومحللين معنيين بالسياسة الخارجية لما اعتبروه تفضيل المصالح الاقتصادية على حقوق الإنسان.

وفي حين نفى ولي العهد أي ضلوع له في مقتل الصحفي جمال خاشقجي وأشار إلى إصلاحات مثل تعزيز حقوق المرأة باعتبارها دليلا على التقدم، قال محللون إن هذه التغييرات تقوضها إجراءات صارمة مستمرة ضد المعارضة والحريات السياسية.

ويرتبط ترامب بعلاقات أفضل كثيرا مع الأمير محمد مقارنة بعلاقة سلفه في البيت الأبيض مع ولي العهد السعودي. ومع ذلك، تحول تعامل بايدن مع الأمير محمد إلى علاقات ودية عملية بعد الانتقادات القاسية في البداية.

بايدن اختار إعادة ضبط العلاقات

في عام 2019، توعد الرئيس الديمقراطي بايدن بجعل السعودية "منبوذة" على الساحة العالمية بسبب مقتل خاشقجي وسجلها في مجال حقوق الإنسان.

إلا أن الوقائع الجيوسياسية مثل الارتفاع الهائل في أسعار النفط، ومن أسبابه غزو روسيا لأوكرانيا عام 2022، أبرزت الحاجة إلى التعاون بين واشنطن والرياض.

ودفع ذلك بايدن إلى اتخاذ قرار بإعادة ضبط العلاقات الاستراتيجية، وزار ولي العهد في نهاية المطاف في يوليو تموز 2022.

تبادل الرجلان التحية بقبضة اليد مما أثار انتقادات باعتبارها لفتة ودية مبالغا فيها بالنظر إلى المخاوف المتعلقة بحقوق الإنسان.

لكن مساعديه بالبيت الأبيض قالوا إنها وسيلة لتقليل خطر إصابة بايدن بكوفيد-19.

وتحسنت العلاقات سريعا مع سعي إدارته للتوسط في اتفاق لتطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل مقابل اتفاقية دفاع أوسع نطاقا مع واشنطن.

إلا أن تلك المساعي أصابها الجمود مع هجوم حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023 وحرب إسرائيل اللاحقة على غزة.

وخلال زيارة ترامب أمس الثلاثاء، استقبل ولي العهد الرئيس الأميركي شخصيا واصطحبه في عربة جولف قادها بنفسه قبل مأدبة عشاء رسمية.

وفي لحظة أكدت عمق علاقتهما الشخصية، تعهد ترامب برفع العقوبات الأميركية عن سوريا، في خطوة تمثل تحولا هائلا في الموقف الأميركي قال إنها جاءت بناء على طلب من الأمير محمد بن سلمان.

وقال ترامب "ماذا عساي أن أفعل لولي العهد"، بينما وضع ولي العهد يده على صدره واستهل تصفيقا حارا من الحضور.