ولي العهد السعودي محمد بن سلمان
ولي العهد السعودي محمد بن سلمان

قال وزير المالية السعودي، الثلاثاء، إنّ "الصدمات" الاقتصادية العالمية، من جائحة كوفيد-19، وصولاً إلى الحرب في غزة، دفعت بلاده إلى مراجعة خططها الطموحة للإصلاح الاقتصادي التي انطلقت في العام 2016.

وقطعت السعودية، أكبر بلد مصدّر للنفط الخام في العالم، أكثر من نصف الطريق في برنامج رؤية 2030 الذي يهدف إلى تدشين أسس مستقبل مزدهر في مرحلة ما بعد النفط.

ويتضمن البرنامج مشروعات كبرى، بما في ذلك مدينة نيوم المستقبلية باهظة التكلفة، التي تُطرح منذ فترة طويلة تساؤلات حيال قابليتها على الاستمرار.

وخلال كلمة في منتدى قطر الاقتصادي في الدوحة، الثلاثاء، أشار وزير المالية السعودي محمد الجدعان إلى أن رؤية 2030 أُطلقت عام 2016، قبل وقت طويل من تفشي الوباء والحروب في أوكرانيا وغزة ومشكلات مثل التضخم وتعطل سلاسل التوريد.

وقال الجدعان إن "كل تلك الصدمات الجماعية التي تواجه العالم تدعونا أيضًا إلى إعادة ترتيب الأولويات، والنظر إلى ما نقوم به، وكيف يمكننا تحسين ما نقوم به فعليًا، وتحسين خططنا".

وأوضح أنّ منح الإصلاحات "مزيداً من الوقت" يمكن أن يكون في نهاية المطاف أفضل للاقتصاد السعودي، مما يسمح للقطاع الخاص بالنمو جنباً إلى جنب مع المشاريع الضخمة.

وقال الجدعان "إذا لم تسمح لاقتصادك بمواكبة مشروعاتك، فإن ما سيحدث في الأساس هو أنك ستستورد المزيد".

وتابع "وبالتالي، لن تسمح لاقتصادك وقطاعك الخاص باللحاق وبناء المصانع ومنشآت التصنيع ومقدمي الخدمات لدعم المشاريع التي نبنيها فعليا".

وهذه ليست المرة الأولى التي يشير فيها الجدعان إلى تغيير في نهج رؤية 2030، التي يشرف عليها الحاكم الفعلي للسعودية، ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

ففي مؤتمر صحفي في ديسمبر، قال الجدعان إن المسؤولين قرروا تأجيل الإطار الزمني لبعض المشاريع الكبرى إلى ما بعد عام 2030، رغم إشارته أيضًا إلى أنه سيتم تسريع مشاريع أخرى.

وفي اجتماع خاص للمنتدى الاقتصادي العالمي في الرياض الشهر الماضي، قال الجدعان إن المسؤولين "ليس لديهم غرور" ويمكنهم "تغيير المسار" و"التكيُّف" استجابة للظروف الاقتصادية.

إلا أنّه لم يكشف عن المشاريع التي قد تشهد تسريعاً أو تمديد جداولها الزمنية.

والمشروع الأكثر شهرة هو نيوم الذي تتضمن خططه منتجعًا مستقبليًا للتزلج ومشروع مبان عملاقة بامتداد 170 كيلومترًا، يُعرف باسم "ذا لاين".

وقال محمد بن سلمان أثناء كشف النقاب عن "ذا لاين" عام 2022، إن عدد سكانها سيتجاوز المليون بحلول العام 2030، قبل أن يرتفع إلى تسعة ملايين بحلول العام 2045.

ورغم ذلك، ذكرت وكالة "بلومبرغ" في أبريل الماضي أنه في ظل التوقعات المعدلة، سيعيش 300 ألف شخص فقط في "ذا لاين" بحلول نهاية العقد، وسيتم الانتهاء من 2.4 كيلومتر فقط من المشروع بحلول ذلك الوقت. ولم يعلق مسؤولو نيوم على هذا التقرير بعد.

وقال المدير التنفيذي لنيوم طارق القدومي في حملة ترويجية للمستثمرين في هونغ كونغ الشهر الماضي، إن الهدف السكاني البالغ تسعة ملايين نسمة سيتم تحقيقه "مع مرور الوقت".

ترامب وبن سلمان أثناء حضورهما قمة مجلس التعاون الخليجي في الرياض، 14 مايو 2025. رويترز
ترامب وبن سلمان أثناء حضورهما قمة مجلس التعاون الخليجي في الرياض، 14 مايو 2025. رويترز

قبل أربعة أعوام، وجد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان صعوبة في عقد لقاء مع الرئيس الأميركي آنذاك جو بايدن، الذي قال إنه يريد أن يجعل المملكة منبوذة بعد أن أشارت تقارير إلى أن حاكمها الفعلي أمر بقتل صحفي مقيم في واشنطن.

ولكن الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب أغدق المديح أمس الثلاثاء على الأمير محمد الحاكم الفعلي للسعودية، واصفا إياه بأنه "رجل رائع" و"رجل عظيم"، دون أي إشارة إلى مخاوف متعلقة بحقوق الإنسان في المملكة.

ووسط وميض الكاميرات وتصفيق الحضور في قمة استثمارية في الرياض، حيث بدأ الرئيس الأميركي أول جولة خارجية كبيرة في ولايته الثانية، قال ترامب بحماسة عن الأمير محمد "أنا معجب به كثيرا. أحبه كثيرا".

وإظهار المودة لقائد له تاريخ مثير للجدل يماثل ما كان يفعله ترامب في ولايته الأولى، عندما أقام تحالفا مع الأمير محمد ازداد قوة عبر سنوات من الإطراء المتبادل وعقد الصفقات.

ولا تزال العلاقات راسخة في ما يتعلق بالمصالح المشتركة، إذ يسعى ترامب إلى تحقيق مكاسب اقتصادية كبيرة وإحياء دور الولايات المتحدة في المنطقة، في حين يسعى ولي العهد السعودي إلى كسب تكنولوجيا متقدمة ودعم عسكري وحليف قوي في إطار سعيه لتحديث المملكة وتأكيد ريادتها الإقليمية.

وخلال القمة، وافقت واشنطن على اتفاقية دفاعية بقيمة 142 مليار دولار وتعهدت السعودية بحزمة استثمارات هائلة بقيمة 600 مليار دولار تشمل الذكاء الاصطناعي والبنية التحتية والطاقة.

وأثارت علاقات ترامب مع ولي العهد السعودي انتقادات من أعضاء بالكونغرس الأميركي ومنظمات لحقوق الإنسان ومحللين معنيين بالسياسة الخارجية لما اعتبروه تفضيل المصالح الاقتصادية على حقوق الإنسان.

وفي حين نفى ولي العهد أي ضلوع له في مقتل الصحفي جمال خاشقجي وأشار إلى إصلاحات مثل تعزيز حقوق المرأة باعتبارها دليلا على التقدم، قال محللون إن هذه التغييرات تقوضها إجراءات صارمة مستمرة ضد المعارضة والحريات السياسية.

ويرتبط ترامب بعلاقات أفضل كثيرا مع الأمير محمد مقارنة بعلاقة سلفه في البيت الأبيض مع ولي العهد السعودي. ومع ذلك، تحول تعامل بايدن مع الأمير محمد إلى علاقات ودية عملية بعد الانتقادات القاسية في البداية.

بايدن اختار إعادة ضبط العلاقات

في عام 2019، توعد الرئيس الديمقراطي بايدن بجعل السعودية "منبوذة" على الساحة العالمية بسبب مقتل خاشقجي وسجلها في مجال حقوق الإنسان.

إلا أن الوقائع الجيوسياسية مثل الارتفاع الهائل في أسعار النفط، ومن أسبابه غزو روسيا لأوكرانيا عام 2022، أبرزت الحاجة إلى التعاون بين واشنطن والرياض.

ودفع ذلك بايدن إلى اتخاذ قرار بإعادة ضبط العلاقات الاستراتيجية، وزار ولي العهد في نهاية المطاف في يوليو تموز 2022.

تبادل الرجلان التحية بقبضة اليد مما أثار انتقادات باعتبارها لفتة ودية مبالغا فيها بالنظر إلى المخاوف المتعلقة بحقوق الإنسان.

لكن مساعديه بالبيت الأبيض قالوا إنها وسيلة لتقليل خطر إصابة بايدن بكوفيد-19.

وتحسنت العلاقات سريعا مع سعي إدارته للتوسط في اتفاق لتطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل مقابل اتفاقية دفاع أوسع نطاقا مع واشنطن.

إلا أن تلك المساعي أصابها الجمود مع هجوم حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023 وحرب إسرائيل اللاحقة على غزة.

وخلال زيارة ترامب أمس الثلاثاء، استقبل ولي العهد الرئيس الأميركي شخصيا واصطحبه في عربة جولف قادها بنفسه قبل مأدبة عشاء رسمية.

وفي لحظة أكدت عمق علاقتهما الشخصية، تعهد ترامب برفع العقوبات الأميركية عن سوريا، في خطوة تمثل تحولا هائلا في الموقف الأميركي قال إنها جاءت بناء على طلب من الأمير محمد بن سلمان.

وقال ترامب "ماذا عساي أن أفعل لولي العهد"، بينما وضع ولي العهد يده على صدره واستهل تصفيقا حارا من الحضور.