متحدث باسم مجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض أكد للصحيفة "قلق" الإدارة الأميركية بشأن التهديد
العلاقات السعودية الأميركية وصلت لمستوى منخفض بسبب قرار أوبك بلاس

بينما يستعد الرئيس الأميركي، جو بايدن، لخوض سباق شرس من أجل إعادة انتخابه خلال نوفمبر المقبل، يجد البيت الأبيض نفسه أيضا في منافسة حامية على النفوذ، على المسرح العالمي.

وبحسب تقرير مطول لمجلة "نيوزويك" الأميركية، فإن من بين تلك الدول التي تتنافس معها الولايات المتحدة شريكا طويل الأمد يشهد "تغييرات رائدة" في سياساته الداخلية والخارجية.

وقالت المجلة إن السعودية من بين تلك الدول بعد أن وجدت إدارة بايدن أن المملكة "تستخدم نفوذها الجيوسياسي المتنامي لخدمة مصالح الرياض على أفضل وجه في التعامل مع كل من القوى الكبرى والقوى الناشئة".

ويعد ولي العهد السعودي الشاب الأمير محمد بن سلمان، البالغ من العمر 38 عاما، واحدا من أصغر رؤساء الدول الفعليين في العالم، وفقا للمجلة، التي تشير إلى أنه "القوة الدافعة وراء الأجندة القومية التي تترسخ" بالمملكة الخليجية.

"الدول العالمية المتأرجحة"

في مطلع الشهر الجاري، نشر صندوق المارشال الألماني (GMF)، وهو مركز أبحاث عبر الأطلسي يقع مقره الرئيسي بواشنطن العاصمة، تقريرا يدعو فيه إلى إعادة المشاركة مع ما وصفه بـ "الدول العالمية المتأرجحة".

وقال تقرير المؤسسة البحثية غير الحزبية وغير الربحية إن التطورات الجيوسياسية، إلى جانب الأزمات الاقتصادية والأمنية الأخيرة، تدعو لإعادة النظر في المشاركة الأميركية والأوروبية مع الجهات الفاعلة الرئيسية في أميركا اللاتينية وأفريقيا والشرق الأوسط، ومنطقة المحيط الهادئ والهندي. 

وأصبحت الدول التي تتمتع بنفوذ كبير في الشؤون الدولية، ولكن تفضيلاتها للتعاون متفاوتة، ذات أهمية متزايدة في مواجهة التحديات العالمية، طبعا لتقرير صندوق المارشال الألماني.

وحدد التقرير 6 دول لما وصفه بـ "الدول العالمية المتأرجحة" هي بجانب السعودية، البرازيل، والهند، وإندونيسيا، وجنوب أفريقيا، وتركيا.

وتتمتع الرياض بوضع فريد يسمح لها بمتابعة هذا المسار نظرا لمكانتها المؤثرة بالفعل كعضو رائد في منظمة أوبك وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، فضلا عن كونها واحدة من أسرع الاقتصادات نموا في مجموعة العشرين، وفقا لـ "نيوزويك".

وقالت كريستينا كوش، وهي نائبة المدير العام لصندوق المارشال الألماني، التي شاركت في كتابة التقرير بجانب خبراء ومحللين بارزين، "بالنسبة للسعودية، فإن الانحياز المتعدد هو الاستجابة المنطقية لنظام عالمي أكثر تقلبا وتعقيدا ومتعدد الأقطاب".

وأضافت في تصريحات لمجلة "نيوزويك" أن "مجموعة من العلاقات المرنة هي الطريقة التي ترى الرياض أنها تستطيع بها التحوط بمواجهة عدم الاستقرار الدولي والاستفادة من نقاط قوتها وأصولها لتحقيق أقصى استفادة".

وأردفت أن هذه الاستراتيجية ضرورية بشكل خاص للسعودية، "حيث يعتمد التكيف واستدامة نموذج أعمالها الجغرافي الاقتصادي على العلاقات الجيدة مع الولايات المتحدة والصين وروسيا على حد سواء".

وأدى الرؤية التي أشرف عليها الأمير محمد بن سلمان إلى تحولات كبيرة في النظرة الداخلية للمملكة، التي تبنت نهجا أكثر عولمة وأجرت إصلاحات اجتماعية واسعة، فضلا عن محاولات الابتعاد عن النفط، من بين مبادرات أخرى تتماشى مع الرؤية التي أطلقها وريث العرش الملكي عام 2016 بهدف تنويع مصادر الدخل.

"عاملان رئيسيان"

ورغم أن المسؤولين في الرياض وواشنطن يواصلون التأكيد على أهمية الشراكة بينهما، فإن الخلافات خلال السنوات الأخيرة والمفاوضات المضنية الجارية حاليا بشأن مستقبل تعاونهما، أثارت تساؤلات جدية فيما يتعلق بمصير أحد أكثر مواطئ قدم الولايات المتحدة استراتيجية في الشرق الأوسط.

وحدد علي الشهابي، المحلل السياسي السعودي المقرب من الديوان الملكي ويعمل الآن في المجلس الاستشاري لـ "نيوم"، وهو أحد المشاريع العملاقة المستقبلية لرؤية 2030، عاملين أساسيين وراء تحقيق التوازن في العلاقات الدولية للمملكة.

وفي تصريحات لمجلة "نيوزويك"، قال الشهابي: "أحدها هو الأهمية المتزايدة للصين باعتبارها أكبر مستورد منفرد للنفط السعودي وشريكا يرغب في تزويد السعودية بالأسلحة والتكنولوجيا دون أي شروط". 

وأردف: "الثاني هو عدم موثوقية العلاقة مع الولايات المتحدة التي يمكن أن تتقلب بشكل كبير اعتمادا على التيارات السياسية في العاصمة (الأميركية)، لذلك تشعر السعودية أن عليها بسط أوراقها".

ورغم عمق الروابط الأميركية السعودية التي تعود للعام 1945، شهدت العلاقات بين واشنطن والرياض خلال السنوات الأخيرة توترات على خلفية سجل المملكة على صعيد حقوق الإنسان، ولا سيما مقتل الصحفي السعودي المعارض، جمال خاشقجي، في قنصلية بلاده بإسطنبول في عملية ربطتها المخابرات الأميركية بولي العهد، وأيضا جهود السعودية لرفع أسعار النفط بعد الغزو الروسي لأوكرانيا.

ورغم موقفه المتشدد تجاه الرياض خلال الحملة الانتخابية، وبعد شهوره الأولى داخل البيت الأبيض، سعى الرئيس بايدن الذي زار السعودية صيف عام 2022، لإصلاح العلاقات المتوترة من خلال محاولة الوصول  لاتّفاق يضمن اعتراف السعودية بإسرائيل، في مقابل إقامة علاقة أمنية أقوى مع واشنطن، الشريك الأهم للمملكة في هذا المجال.

وفي الوقت الحالي، تظل واشنطن الشريك الأمني الأول للرياض، لكن بكين برزت كشريك تجاري رائد لها وعميل للطاقة، والعلاقات القوية مع موسكو هي المفتاح لإدارة إنتاج النفط العالمي وتسعير البراميل من خلال تحالف "أوبك بلس". 

وقالت كوش إن "هذا يؤدي إلى موقف من الغموض الدائم، مما يؤدي بطبيعة الحال إلى احتكاك مع الحكومة الأميركية، التي ترغب برؤية الرياض في وضع أكثر ثباتا في معسكرها الجيوسياسي".

"السعودية أولا"

وفي وقت سابق من هذا الشهر، ناقش مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، مع محمد بن سلمان في المملكة الصيغة "شبه النهائية" للاتفاقيات الاستراتيجية بين البلدين.

وقال أستاذ دراسات الشرق الأدنى بجامعة برينستون، برنارد هيكل، إن السعودية "تدرك أن العالم لم يعد أحادي القطب تهيمن فيه الولايات المتحدة على كل شيء، وأنها تتجه نحو عالم متعدد الأقطاب مع ظهور قوى أخرى مثل الصين والهند، وعليها الحفاظ على وجودها". 

ومن هذا المنطلق، يتعين على السعودية أن تحافظ على علاقة مع أكبر عدد من هذه الدول، خاصة القوى الصاعدة، التي تعد من كبار عملائها في مجال النفط والبتروكيماويات، حسبما قال هيكل لمحلة "نيوزويك".

وتقول "نيوزويك" إن هيكل يحافظ على اتصالات مباشرة مع ولي العهد السعودي، ويتحدث للمجلة عن كيفية إعادة تشكيل العاهل المستقبلي لسياسات المملكة. 

ووصف هيكل هذا النهج بأنه سياسة "السعودية أولا"، مستحضرا مبدأ "أميركا أولا" الذي يعود تاريخه إلى قرن من الزمن.

وتابع: "الفرق الكبير أن السعودية تعمل بشكل أكبر مع الأخذ في الاعتبار القومية، وليس أي أيديولوجية أخرى. إنها تضع مصلحتها الخاصة قبل المصالح الإقليمية، أو على سبيل المثال، المصالح القومية العربية والإسلامية، التي كانت تشكل عوامل مهمة في وقت سابق، فضلا عن المصالح الأميركية".

وقال هيكل إنه "بالنظر إلى أنها تضع مصالحها الخاصة في المقام الأول وتحاول تنويع اقتصادها لتصبح أقل اعتمادا على عائدات النفط"، فإن السعودية "تختار سياسات معينة بما في ذلك الحفاظ على علاقات ممتازة مع الصين والولايات المتحدة في وقت واحد".

واستطرد قائلا إن سياسة "السعودية أولا" لا تهدف إلى تهديد الولايات المتحدة بالتحول إلى الصين، لكن نظرا للتوترات الأخيرة في العلاقات بين الرياض وواشنطن، فإنها تظهر القدرة على "النظر إلى خيارات أخرى لتنويع العلاقات قدر الإمكان".

"التصالح" مع الوضع الجديد

وفي تناقض حاد مع الاستقبال البارد الذي لقيه بايدن خلال زيارته للسعودية، تلقى الرئيس الصيني، شي جين بينغ، ترحيبا حارا خلال وقت لاحق من نفس العام عندما شهد أول قمة بين الصين والدول العربية. 

وبعد أشهر، أعادت الرياض العلاقات الدبلوماسية مع طهران بموجب اتفاق توسطت فيه بكين، في وقت شرعت فيه السعودية وإيران في دمج نفسيهما في كتلتين متعددتي الأطراف تتمتع فيهما الصين وروسيا بنفوذ كبير، وهما منظمة "شنغهاي للتعاون" ومجموعة "البريكس".

ورجح الصحفي السعودي، عبدالعزيز الخميس، استمرار المملكة في بناء علاقات قوية مع القوى الأخرى.

وفي تصريحاته لمجلة "نيوزويك"، قال الخميس: "أتوقع أن يواصل ولي العهد محمد بن سلمان هذا المسار في بناء العلاقات مع القوى الكبرى الأخرى عندما يتولى السلطة في المستقبل، نظرا للفوائد الاستراتيجية والاقتصادية التي توفرها هذه العلاقات".

إدارة بايدن تسعى منذ عدة أشهر لإبرام اتفاق تطبيع بين السعودية وإسرائيل
"كانت في المتناول".. ما العقبات في مسار تطبيع السعودية وإسرائيل؟
أكد مسؤولون في إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، الثلاثاء، أن صفقة تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية "كانت في المتناول"، لكن حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، قد تتراجع عن الاتفاق التاريخي بدلا من قبول مطالب الرياض بتقديم التزام جديد تجاه إقامة دولة فلسطينية ووقف حرب غزة.

ودفع هذا الاتجاه محللين سعوديين آخرين إلى الاعتقاد بأن الولايات المتحدة عليها أن تتصالح مع كون السعودية "دولة متأرجحة"، وقبول الواقع الجديد.

ويرى المحلل الجيوسياسي السعودي، محمد الحامد، أن تصالح الولايات المتحدة مع وضع "الدولة المتأرجحة" بالنسبة للسعودية، يمثل "أمرا أساسيا لتحقيق الاستقرار والبناء على المزيد من العلاقات".

وقال الحامد لمجلة "نيوزويك" إن "هناك فرصة حقيقية لتحقيق التوازن في العلاقات السعودية الأميركية - وتحديدا مع الحزب الديمقراطي وإدارة بايدن - من خلال إصلاح ما أفسده الزمن من محاولات تشويه العلاقات مع حليف أمني مهم للولايات المتحدة".

وأردف بقوله: "إن ثقل السعودية في المجالات الاقتصادية والجيوسياسية يحتم على الولايات المتحدة أن تأخذ في الاعتبار المصالح السعودية في المفاوضات". 

وتابع: "نظرا للأهمية الاستراتيجية للسعودية، قد تحتاج الولايات المتحدة إلى الموازنة بين أجندتها والفوائد الأوسع، المتمثلة في الحفاظ على علاقة قوية مع الرياض".

وقال الحامد إنه "إذا كانت الولايات المتحدة بحاجة إلى الحفاظ على نفوذها في الشرق الأوسط، فيجب عليها ضمان التعاون بشأن المصالح المشتركة مثل الاستقرار الإقليمي وجهود مكافحة الإرهاب والأمن وأمن الطاقة".

مخاوف من تكلفة بشرية باهظة بسبب المشاريع الكبرى في السعودية. السعودية
مخاوف من تكلفة بشرية باهظة بسبب المشاريع الكبرى في السعودية. السعودية

رغم إقرار السعودية لأول سياسة وطنية ضد العمل الجبري في الدول العربية، إلا أن خبراء يشككون في أن تكون ذات جدوى في سوق العمل السعودية.

ويتخوف خبراء تحدثوا في برنامج "حديث الخليج" من أن تكون هذه السياسة التي أقرت في يناير الماضي مجرد حبر على ورق، وآلا توقف الانتهاكات التي ترصدها العديد من تقارير المنظمات الدولية.

وتعرف منظمة العمل الدولية العمل الجبري بأنه "أي عمل أو خدمة يتم استخلاصها من أي شخص تحت طائلة التهديد بأي عقوبة، دون أن يكون قد عُرض عليه ذلك العمل طواعية".

المتخصص في الموارد البشرية في الخليج، عبدالله الغامدي قال إن "السياسة الجديدة، تضفي من خلال المبادئ التشريعية والسياسات حماية لحقوق العاملين الأجانب خاصة من محاولات لتسخيرهم للعمل بالإجبار".

وأكد لـ "الحرة" أن القوانين في السعودية تحمي العاملين على أراضيها، وهناك وزارة الموارد البشرية التي تتابع هذا الملف، ويمكن لأي عامل التقدم ببلاغ من خلال منصات إلكترونية أو المكاتب المتخصصة، ناهيك عن وجود زيارات ميدانية مفاجئة.

وكشف أن وزارة الموارد البشرية تسعى إلى تحديث منظومة القوانين بشكل دائم، وهناك من المواد القانونية ما يحمي العمال في السعودية.

والسعودية عضو في عدة اتفاقيات دولية تهدف إلى مكافحة العمل الجبري، أبرزها "اتفاقية العمل الدولية رقم 29 لعام 1930"وبروتوكولها المكمل لعام 2014. 

وقد اعتادت العديد من المنظمات الحقوقية على توجيه اتهامات لدول الخليج، بما فيها السعودية، بشأن انتهاكات تحصل بحق العمال المغتربين فيها.

ترحيب "حذر"

تشكيك بتطبيق سياسة حماية العمال في داخل السعودية . أرشيفية

المتحدث من منظمة هيومان رايتس ووتش للشرق الأوسط، أحمد بن شمسي قال "نقر أن السعودية أول دول عربية تتبنى سياسة لمكافحة العمل الجبري، ونرحب بذلك بحذر، طالما أنها لا تكون لتجنب الانتقادات التي أثارتها شكوى منظمة العمل الدولية.

وأضاف أن السعودية لديها سجل سابق بإعلانها الإصلاحات، ولكن على أرض الواقع لا تتم.

وأشار إلى أنه على الرغم من الإصلاحات في نظام الكفالة ما زال أصحاب العمل لديهم سلطة على العمال، وهناك خوف متجذر من الانتقام، حتى لو توجه للقانون، منتقدا غياب وجود لمنظمات المجتمع المدني والنقابات في المملكة.

وأكد شامسي أنه لا تزال هناك انتهاكات واسعة فيما يخص تنقل العمال بين الوظائف، أو عملية الخروج من البلاد.

وقال إن المشكلة في المملكة ليس بإعلان السياسة، بل بكيفية تنفيذها، إذ أن توسعها في المشاريع العملاقة، لا يجب أن يكون على حساب تعريض ملايين العمال لمخاطر جسيمة.

السعودية.. تفاصيل "أول" سياسة وطنية ضد "العمل الجبري" في الدول العربية
في خطوة وصفتها وسائل إعلام محلية بالمهمة والمؤثرة على الصعيدين الداخلي والدولي، أعلنت السعودية، مؤخرا، عن اعتماد سياسة وطنية للقضاء على العمل الجبري، لتكون أول دولة خليجية وعربية تقر مثل تلك الاستراتيجية الشاملة.

وأكد أنها "خطوة إيجابية أولى، خاصة في ظل الأدلة على وجود عمال في أوضاع ترقى إلى العمل القسري.

وحدد شامسي أبرز الانتهاكات في السعودية، بعدم توفير الحماية للعمال من العمل الجبري، وفرض رسوم توظيف باهظة، وسرقة الأجور، أو حتى العمل تحت الشمس رغم أن القوانين تمنعهم من ذلك.

وقال إنهم قضوا أكثر من عامين من البحث وإجراء مقابلات مع أكثر من 150 مهاجرا، وعائلات عاملين متوفين، والتي تم توثيقها في تقارير ضخمة عن الانتهاكات في السعودية.

وقال إن العاملين يأتون للسعودية لأنهم لا يعرفون عن المشاكل، فهم يبحثون عن عيش كريم لمساعدة عائلاتهم.

وطالبت منظمة "هيومن رايتس ووتش" دول الخليج، في الصيف الماضي، بحماية العمال المهاجرين من الحر خلال، مشيرة إلى "المخاطر الصحية الشديدة" التي يتعرّضون لها في ظل ارتفاع درجات الحرارة المرتبط بالتغير المناخي.

وفي أكتوبر من العام 2023، صدر تقرير لمنظمة العفو الدولية ندد بتعرض عمال من النيبال لظروف معيشية مريعة ومخاطر تتعلق بالسلامة أثناء العمل في السعودية، إضافة لحرمانهم من أجورهم.

من جانبه رفض الغامدي الاتهامات بوجود انتهاكات وعدم حماية للعمال، وقال إن المحاكم العمالية تعمل وتتعامل مع الشكاوى بشكل رسمي، وتنصف العمال.

وأبدى استغرابه من الانتهاكات التي يتم الحديث عنها في سوق العمل السعودية، وقال "لو كان هناك انتهاكات لحقوق العاملين في سوق العمل السعودية لما توافد الناس عليها".

وأكد "لسنا جمهورية أفلاطون، لدينا انتهاكات فردية" ولكن القانون لا يسمح بها، وأي شكوى يتم التعامل معها.

الفيلم مبني على رواية  نشرت قبل سنوات
"حياة الماعز".. تشويه للسعودية أم واقع حقيقي؟
"هذا الفيلم لا يحمل إساءة لأي دولة، أو شعب، أو مجتمع، أو عرق"، بهذه العبارة ينطلق الفيلم الهندي "حياة الماعز" الذي يعرض على منصة "نتفليكس"، ويحكي "قصة حقيقية" لعامل هندي يدعى "نجيب" وصل مطلع التسعينيات إلى السعودية، ليجد نفسه تحت رحمة "كفيل" وهمي، أودى به إلى الصحراء، في رحلة استعباد وظروف غير إنسانية للعيش امتدت لـ 3 أعوام قبل الهرب.

وبشأن إلغاء نظام الكفالة، قال الغامدي إذا كانت هناك تشريعات تساعد على حفظ حقوق الطرفين من الممكن أن يتم في الفترة القادمة، وبما يحقق التوازن بين حقوق العاملين وأصحاب العمل.

وتحدث عن نظام الإقامة الذهبية، الذي يتيح التنقل والاستثمار والتملك داخل السعودية من دون وجود كفيل.

ورد شامسي أن الحديث عن وجود انتهاكات فردية ليس بالأمر الصحيح، إذ يوجد شكوى من الاتحاد الدولي لعمال البناء، والتي تستند إلى آلاف الحالات الموثقة من العمال الذين لم يتقاضوا أجورا منذ عقد من الزمان.

وقال إذا كانت السعودية جادة في سياستها الجديدة على إثبات ذلك بتعويض هؤلاء.

وتخوف شامسي من مشاريع كأس العالم في السعودية حيث سيتم بناء 11 ملعب جديد، وتشييد 185 ألف غرفة فندقية، وشبكة بنية تحتية هائلة والتي ستكون بتكلفة بشرية هائلة من العمال، قد تطال أجيال من العمال.

ورغم إصلاحات قانون العمل التي اعتمدت عام 2021، يقول العمال إن تغيير وظائفهم أو مغادرة البلاد يبقى رهن أصحاب العمل، وهو نظام تصفه هيومن رايتس بأنه استغلالي.

انتهاكات بالجملة

العمل الجبري .. السعودية في مرمى الانتقادات

"وهم جديد" هكذا وصف الناشط الحقوقي السعودي، والمتحدث باسم حزب التجمع الوطني أحمد حكمي في حديثه لـ "الحرة" ما أعلنته السعودية بشأن سياسة حماية العاملين.

ويتفق مع كلام شمسي بأن السعودية لطالما تعلن عن إصلاحات شكلية، ولكن عند اختبارها تكون غير حقيقية.

واستشهد بتقرير وثائقي رصد أوضاع العمال، يتحدث عن 21 ألف قتيل من ثلاث دول خلال ثمانية أعوام في أحد المشاريع الكبرى في السعودية، في إشارة إلى مشروع نيوم.

وقال حكمي إن هذا السجل من انتهاكات العمال لن يصلحه مجرد سياسة أو مشروع قانون تحتاج لفترة طويلة قبل تطبيقه.

وأكد أن ما ترصده التقارير الدولية لا يعكس حجم ما تصل إليه الانتهاكات، إذ ينتشر على شبكات التواصل الاجتماعي مقاطع مصورة لعمال تعرضوا للضرب والتحرش والاغتصاب.

وفقا لتقرير صادر عن البنك الدولي، يشكل العمال المغتربون حوالي30 بالمئة من إجمالي سكان المملكة، مما يجعلهم ركيزة أساسية في الاقتصاد السعودي.

انتقادات لقطر خلال التجهيز لكأس العالم. أرشيفية

وفي أكتوبر من 2024 ذكر تقرير لمنظمة العفو أن "الأجانب المتعاقدين للعمل في مواقع مرخص لها باستخدام الاسم التجاري للشركة الفرنسية كارفور في السعودية، يواجهون الخداع على أيدي وكلاء الاستقدام، ويرغمون على العمل لساعات مفرطة، ويحرمون من أيام العطلة، ويتعرضون للغش ولنهب مستحقاتهم".

الكاتب الصحفي فيصل الشمري، انتقد ما أسماه بـ "موجات الانتقادات الموسمية" من المنظمات الدولية لدول الخليج بشأن حقوق العمال.

وقال لـ "الحرة" أنا لا أشكك بنوايا هذه المنظمات، ولكن قطر فيها عمالة وافدة من عقود، ولم يتم عنها أحد بالانتهاكات إلا في سياق كأس العالم، وكذلك الحال الآن للسعودية، موجة الانتقاد تأتي بالتزامن مع المشاريع الكبرى مثل نيوم، والتحضير لكأس العالم.

وسبق لدولة قطر أن واجهت الكثير من الانتقادات بسبب ما أشيع عن ظروف عمل قاسية ومجحفة بحق العديد من العمال الذين شاركوا في أعمال البنية التحتية لملاعب وإنشاءات كأس العالم لكرة القدم في العام 2022.

وأكد أنه يجب التفرقة بين العمالة السائبة، أو العمالة النظامية التي تعمل في القطاعات الرسمية وغير الرسمية، فيما تتركز الانتهاكات في فئة ما يطلق عليه "العمالة السائبة" والتي تكون غير قانونية في بعض الآحيان.

مونديال قطر.. اتهامات لمقاولين بالالتفاف على القوانين في "انتهاكات حقوق الإنسان"
طالب عدد من النشطاء والمنظمات غير الحكومية بتسليط الضوء على الانتهاكات التي يتعرض لها العمال في قطر بالتزامن مع قرب انطلاق كأس العالم 2022، الذي تحتضنه الدوحة، فيما اعتبرت اللجنة العليا المنظمة للمونديال أن تلك التقارير "تهدف لتشويه البطولة".

وحمل الشمري الشركات الوسيطة العبء الأكبر في الانتهاكات، إذ أنها هي من لا تلتزم بعقودها مع العمال، لتتركهم وتحمل عبئهم للحكومات.

وقال دول الخليج جاذبة لكل المهارات، ولكن بعض الشركات تستخدم العمالة وتتاجر في حقوقهم، بإيقاعهم في عقود غير قانونية.

وذكر أن التقديرات تتحدث عن 30 مليون عامل يتوافدون لدول الخليج، نصفهم في السعودية، والبقية يتوزعون في بقية دول الخليج.

وأقر بوجود انتهاكات سببها تلك الشركات العابرة للحدود، ومن غير المنصف تحميل الحكومات عبء ذلك.

ودعا الشمري إلى تناول إنساني لقضايا العمال في دول الخليج بعيدا عن تسيس الملف، وطالب المنظمات الدولية بإرسال محامين لتوعية العمال في دولهم، وتقديم الدعم الذي يحتاجونه.

ما بين التشكيك بالتطبيق، والأمل بالسياسة التي وضعت، قد تكون هذه الخطوة الأولى لحماية العمال من العمل القسري في السعودية وبقية دول الخليج.

ونجاحها في ظل الخطط الطموحة للسعودية قبل كأس العالم في 2034، ستبقى رهنا بالتطبيق الفعلي خلال الفترة المقبلة.