الحرب تركت قطاع غزة في حالة كارثية
الحرب تركت قطاع غزة في حالة كارثية

بعدما كانت متحفظة على إرسال قوات دولية تابعة للأمم المتحدة إلى غزة قبل أشهر، باتت السعودية تدعم مثل هذه الخطوة التي تعارضها حماس والفصائل الفلسطينية المتحالفة معها.

وكان وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، أكد خلال جلسة نقاشية للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية في مدريد، الجمعة، أن المملكة تدعم فكرة نشر قوات دولية بقرار أممي بقطاع غزة.

وقال فيصل بن فرحان إن مثل هذه القوات الدولية تأتي لدعم السلطة الفلسطينية بالسيطرة على القطاع الذي يشهد حربا مدمرة منذ 9 أشهر.

وزير الخارجية السعودي نفسه سبق أن تحفظ على هذه الفكرة في يناير الماضي، بعد أن قال في مقابلة مع شبكة "سي إن إن" الإخبارية إن الأولوية لحل القضية الفلسطينية من جذورها.

وقال فيصل بن فرحان آنذاك إن "ما يجب أن نركز عليه هو حل القضية الفلسطينية. ليس فقط لغزة"، مضيفا "أنه من الضروري (الحصول على) شكل من أشكال المسار الموثوق به، الذي لا رجعة فيه نحو (إقامة) الدولة الفلسطينية".

وردا على سؤال بشأن إمكانية إرسال السعودية قوات لغزة، علق الوزير: "أعتقد أن هذا أمر افتراضي، ومن الصعب التعامل معه وحتى أنا لا أعتقد المشكلة هي نوع القوة على الأرض".

وقال الدبلوماسي السعودي السابق، المحلل السياسي، محمد السفياني، إن المملكة "واضحة وصريحة في جميع سياساتها الخارجية وعلى رأسها القضية الفلسطينية".

وفي تصريحات لموقع "الحرة"، أضاف السفياني: "إن كان هناك تريث في أي قرارات كانت؛ فهذا يدل على تعاطيها (السعودية) مع معطيات تصب في مصلحة القضية والأزمة الراهنة لوقف إطلاق النار".

ومن جانبه، يرى نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، عماد جاد، أن خطوة إرسال قوات دولية لقطاع غزة "إيجابية جدا"، مضيفا أنها "تعني تدويل القضية الفلسطينية".

أما المحلل السياسي السعودي، سعد الحامد، فيعتقد أن بلاده اتجهت لمثل هذه الخطوة مؤخرا "حقنا للدماء بعد استمرار الحرب الإسرائيلية في غزة".

وقال الحامد لموقع "الحرة" إن "التحركات العربية الأخيرة، بما في ذلك تصريحات الأمير فيصل بن فرحان، تأتي امتدادا لنتائج القمة العربية الأخيرة في البحرين"، مضيفا أن "القوات الدولية ستحد من الحرب القائمة حتى الآن".

وكان بيان القمة العربية الأخيرة في المنامة، في مايو الماضي، دعا إلى "نشر قوات حماية وحفظ سلام دولية تابعة للأمم المتحدة في الأرض الفلسطينية المحتلة، إلى حين تنفيذ حل الدولتين".

ويرى جاد في حديث لموقع "الحرة" أن السبب وراء تغير موقف المملكة من إرسال قوات دولية لغزة يعود "لإدراك الدول العربية أن استمرار القرار بيد حماس سيؤدي إلى الإجهاز على القطاع بالكامل وإطالة أمد الحرب".

لكن الحامد قال إن المملكة "تتحرك بهدف إيقاف هذا الصراع على اعتبار أنه ينعكس على كل الصراعات الموجودة بالمنطقة، علاوة على المتغيرات الموجودة على الأرض، بما في ذلك انعدام الأمن بالقطاع".

ويستشهد الحامد على ذلك بالجهود التي تبذلها المملكة حتى على مستوى المساعدات الإنسانية التي تقدمها للشعب الفلسطيني، مشيرا إلى أن استمرار تدفق المساعدات وإنهاء المأساة الإنسانية يتطلب وجود قوات دولية.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن هناك عدة أسس دعت للتحرك العربي تجاه تأييد نشر قوات دولية في قطاع غزة، بما في ذلك الاعتراف بالدولة الفلسطينية من جانب  عدد من الدول الأوروبية، بحسب الحامد، الذي يشير أيضا إلى الضغوط الدولية التي تتعرض لها إسرائيل، بما في ذلك من قبل واشنطن خلال عام انتخابي.

وفي المقابل، قالت حركة "حماس"، الجمعة، إنها ترفض أي تصريحات أو مواقف تدعم خطط دخول قوات أجنبية إلى قطاع غزة، تحت أي مسمى أو مبرر.

وأكدت في بيان أن إدارة القطاع "شأن فلسطيني خالص"، مضيفة أن الشعب الفلسطيني "لن يسمح بأي وصاية أو بفرض أي حلول أو معادلات خارجية تنتقص من ثوابته المرتكِزة على حقه الخالص في نيل حريته وتقرير مصيره".

وذهبت فصائل متحالفة مع حماس إلى أبعد من ذلك، بعد أن قالت "لجان المقاومة الشعبية الفلسطينية"، وهي مجموعة مسلحة أخرى، في بيان "نعتبر أي محاولة لنشر قوات دولية أو غيرها في غزة بمثابة عدوان على شعبنا وسنتعامل معها كما نتعامل مع العدو الصهيوني المحتل لأرضنا".

ويقول جاد إن تلك الخطوة "لن تفاقم الصراع على الأرض" حتى بعد رفض الفصائل الفلسطينية لها، مشيرا إلى أن "ما يهم حماس هو الاستمرار في السلطة وهو ما يعقد الموضوع".

وتابع قائلا: "لو تراجعت حماس وسلمت السلطة لمنظمة التحرير لانتهت الحرب، لكن حماس تبحث عن مصلحتها التنظيمية وليس المصلحة (العامة) الفلسطينية".

وكان بيان قمة جامعة الدول العربية دعا "كافة الفصائل الفلسطينية للانضواء تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، والتوافق على مشروع وطني جامع ورؤية استراتيجية موحدة".

وأشار جاد إلى أن حماس، أو غيرها من الفصائل الفلسطينية المسلحة في غزة "لا يمكن لها ضرب قوات دولية".

واندلعت الحرب في 7 أكتوبر بعد هجوم غير مسبوق شنّته حماس على إسرائيل أسفر عن 1195 قتيلا، معظمهم مدنيون وبينهم نساء وأطفال، وفق تعداد لفرانس برس يستند إلى أرقام إسرائيليّة رسمية. 

ومن بين 251 شخصا خُطفوا خلال الهجوم، ما زال 116 محتجزين رهائن في غزة، بينهم 42 لقوا حتفهم، بحسب الجيش الإسرائيلي.  

وردت إسرائيل متعهدة بالقضاء على حماس، وأدى هجومها على قطاع غزة حتى الآن إلى مقتل 38153 شخصا على الأقل غالبيّتهم مدنيون، بحسب وزارة الصحة في حكومة حماس.

وقال جاد إن "إرسال قوات دولية يعني تدويل القضية وأن مسؤوليتها باتت تقع على عاتق المجتمع الدولي"، مردفا أنها "فكرة مقبولة، ولكن التحفظ السابق كان نتيجة الخضوع لابتزاز مارسه محور الممانعة".

وأوضح أن إعلان السعودية تأييدها لمثل هذه الخطوة سيشجع بقية الدول العربية للانخراط فيها، بما في ذلك مصر والأردن والإمارات.

ويمكن أن نشاهد قوات عربية أيضا لو طبقت الفكرة؛ بحسب جاد، الذي يقول إن وجود المكون العربي ضمنها "في صالح الفلسطينيين" مما يجعل إسرائيل ترفع يدها بالكامل عن القطاع، وفق تعبيره.

لكن الحامد يستبعد وجود قوات عربية في غزة قائلا إن "العرب لا يريدون الدخول لانتهاك السيادة الفلسطينية".

العاصمة السعودية تنظم مجموعة هائلة من الفعاليات الترفيهية سنويا ضمن "موسم الرياض"
العاصمة السعودية تنظم مجموعة هائلة من الفعاليات الترفيهية سنويا ضمن موسم الرياض (AFP)

بعد عقود من الانغلاق، تعمل السعودية صاحبة أكبر اقتصاد في العالم العربي وأكبر مصدّر للنفط الخام في العالم، على تحقيق أهداف "رؤية 2030" الساعية إلى أن تحوّلها مركزا للأعمال والسياحة والرياضة.

هذا التحوّل الكبير والجذري شكّل مادة خصبة لترويج منشورات غرائبيّة لاقت رغم عدم صحتها رواجا واسعا وصدّقها الكثيرون.

ويعزوا الخبراء ذلك إلى كونها تثير العاطفة الدينية في ظل قلق من التحولات الاجتماعية الكبرى في "مهد الإسلام" أو الاعتراض على سياسات الرياض.

من رفع "أصنام" خلال عروض أزياء إلى وضع فنانة على خصرها سيفا قيل إنه يُشبه سيف الإمام علي بن أبي طالب، وصولا إلى الرقص على مجسّم يشبه الكعبة وغناء آيات من القرآن، لا تكاد صور ومقاطع فيديوهات يقول ناشروها إنها التقطت من موسم الرياض الأخير تفارق مواقع التواصل الاجتماعي، في ما وُصف بأنه "عودة للوثنيّة" بعد أكثر من 1400 عام من زوالها وانتشار الإسلام ومؤشر على "الانحلال الأخلاقي في بلاد الحرمين".

ويأتي ظهور هذه المنشورات في ظل إقامة أنشطة وحفلات وعروض، من بينها عرض لملابس البحر في مايو، وهي فعاليات كانت تُعدّ ضربا من الخيال قبل سنوات قليلة.

في هذا السياق، بدأت الأخبار المضللة ذات الصلة بالظهور وحققت بشكل عام تفاعلا واسعا على مواقع التواصل.

ويعلّق الخبير في مركز مالكوم كير-كارنيغي للشرق الأوسط هشام الغنّام على الانتشار الواسع لهذه الأخبار بالقول: "تنطوي هذه الأخبار المزيفة على عناصر دينية أو ثقافية حساسة، فهي على الأغلب تثير استجابات عاطفية قوية".

ويضيف الغنّام الذي يُشرف على مركز البحوث الأمنية وبرامج الأمن الوطني في جامعة نايف في الرياض، أن ذلك يأتي في ظل "غياب التفكير النقدي" لدى الكثيرين من مستخدمي مواقع التواصل، وخصوصا مع استخدام الذكاء الاصطناعي.

ويسعى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في إطار خطته الإصلاحية "رؤية 2030"، إلى إدخال تغييرات اجتماعية وتنويع مصادر دخل بلاده، وتحويل المملكة إلى مركز أعمال ورياضة وسياحة.

فمنذ إطلاق تأشيرة السياحة العامة للمرة الأولى عام 2019، أطلقت المملكة تغييرات مجتمعية، إذ خففت من حدة القيود المفروضة على النساء وأقامت فعاليات ترفيهية كثيرة، بعدما كانت ولوقت طويل تفرض قواعد صارمة جدا على النساء، بينها حظر القيادة وفرض ارتداء العباءة والحجاب.

ولقيت هذه التغييرات ترحيبا، وأيضا انتقادات ولا سيما في الأوساط المحافظة في المنطقة العربية.

في هذا السياق، انتشرت بالتزامن مع موسم الرياض 2024 الكثير من المنشورات المضللة التي تناولت الحدث، فنّدت عددا منها خدمة تقصي صحة الأخبار في وكالة فرانس برس في سلسلة تقارير.

حصدت صورة مئات المشاركات والتعليقات قيل إنها لأصنام وُضعت على منصة لعرض الأزياء في السعودية، في ما وُصف بأنه "عودة للوثنية" بعد أكثر من 1400 عام من زوالها وانتشار الإسلام.

لكن التفتيش عنها كشف أنها مركّبة، إذ عمد مستخدمو مواقع التواصل إلى إضافة التماثيل عليها للإشارة إلى أنها فعلا التقطت في الرياض.

وتعود هذه التماثيل إلى الحضارة السومرية ومملكة إشنونة التاريخية وإلى مجموعة يُطلق عليها اسم "المواي" في جزيرة الفصح في المحيط الهادئ.

في هذا الصدد، تقول الأستاذة في كلية الإعلام في الجامعة اللبنانية مهى زراقط لوكالة فرانس برس إن هذه المنشورات تلقى رواجا بين المستخدمين لأنها تخاطب مشاعر المسلمين و"تُشعرهم بأن الأرض المقدسة التي انطلقت منها رسالة النبيّ، تُدنّس".

أما عن دوافع الناشرين، فترى زراقط أن "الهدف الأساسي، كما يبدو، سياسي بالدرجة الأولى (...) هناك طرف لا تعجبه السياسة الجديدة التي تنتهجها السعودية حاليا، ويحاول محاربتها".

لم تسلم الحفلات الغنائية الأخيرة في المملكة الخليجية من ناشري الأخبار المضللة، فقد ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي بمقاطع فيديو وصور اعتبرها البعض مؤشرا على "الانحلال الأخلاقي في بلاد الحرمين".

فهذا الفيديو الذي قيل إنه يصوّر مغنية بثياب خادشة للحياء ترقص على مجسم للكعبة في الرياض، لا شأن له بالسعودية لا من قريب ولا من بعيد، وهو في الحقيقة يصوّر حفلة لمغنية البوب الأميركية تايلور سويفت أقامتها في العاصمة الأرجنتينية بوينس إيريس قبل نحو عام.

وفي السياق نفسه، انتشر فيديو قيل إنه يُصوّر اقتحام فتاة سعودية المسرح خلال حفل للمغني الإسباني إنريكي إغليسياس في الرياض.

إلا أن البحث أظهر أن المغني الإسباني لم يُقم أيَ حفل في السعودية في الأيام الماضية، أما الفيديو المتداول فهو مصوّر في أذربيجان قبل سنوات.

لطالما كانت السياحة في السعودية مقتصرة لعقود على السياحة الدينية المرتبطة بالحج والعمرة في مكة المكرمة والمدينة المنورة، إلا أنها في السنوات الأخيرة شهدت حفلات غنائية لفنانين عالميين وعروض أزياء لكبار المصممين وغيرها من النشاطات السياحية والفنية.

في هذا السياق، انتشر مقطع آخر قيل إنه يُظهر حفلة غنائية في الرياض تُغنّى فيها آيات من القرآن على موسيقى غربية صاخبة.

إلا أن الصوت المسموع مركّب على فيديو لعرض موسيقي لفرقة أميركية في الولايات المتحدة عام 2014.

وفي حفل ضخم ضمن موسم الرياض 2024 حضرته شخصيات من عالمي السينما والموسيقى من أنحاء العالم، وأحياه نجوم مثل سيلين ديون وجنيفر لوبيز وكاميلا كابيلو ونانسي عجرم وعمرو دياب، احتفل مصمم الأزياء العالمي اللبناني إيلي صعب بمسيرة عمرها 45 عاما وضع خلالها الموضة العربية على قائمة الخريطة العالمية.

وضجت مواقع التواصل بمشاهد من الحفل الذي تضمن عروضا ترفيهية وموسيقية مباشرة على الهواء، أشادت بالعمل الفني للمصمم اللبناني، فيما تداول آخرون مشاهد مضللة ادعوا أنها من الحفل.

فقد انتشرت صور قيل إنها تُظهر المغنية الأميركيّة جنيفر لوبيز وهي تضع حول خصرها سيفا ذا رأسين يشبه سيف عليّ بن أبي طالب بحسب ما وصفه التراث الإسلامي.

إلا أن ما قيل غير صحيح فالفنانة الظاهرة في الصور هي المغنية التشيلية من أصل فلسطيني إليانا خلال حفل لها في نيويورك قبل أسابيع.

يرى الغنام أن الطوق يكتمل "حين تأتي الأخبار من مصادر يثق بها المستخدم أو توافق موقفه الأيديولوجي والثقافي، ما يدفعه إلى تصديق المعلومات من دون التحقق من صحتها".

وترى زراقط أن "المتلّقي يصدّق هذه الأخبار لأنها تؤكد أفكاره المسبقة أو آراءه السياسية غير الراضية عن التغييرات الحاصلة في السعودية، فيرى في انتشار مثل هذه الأخبار تأكيدا لوجهة نظره، فيصدّقها وقد يصبح مشاركا في نشرها بل ورافضا تصحيحها".

ويختم الغنام قائلا "في البيئات التي تحظى فيها الأديان والتراث الثقافي بتقدير عميق مثل المجتمعات العربية والشرقية، فإن أي أخبار تشير إلى عدم احترام الدين أو تدنيسه تلقى صدى قويا".