عمال أجانب في العاصمة السعودية الرياض
عمال أجانب في العاصمة السعودية الرياض

انتقل البنغلادشي، فوسير ميا، إلى السعودية معتقدا أنه سيكسب راتبا جيدا من وظيفته ككهربائي، لكنه وجد نفسه يحمل قضبان الصلب في حرارة الصحراء القاسية مقابل أجر زهيد، وفق قصته التي أوردتها وكالة فرانس برس.

وبعد مناوبات عمل تصل إلى 13 ساعة في موقع بناء خارج الرياض، كان ميا يعود إلى الغرفة التي يتقاسمها مع 11 آخرين ليخوض شجارا من أجل الحصول على دور على موقد الغاز حتى يتمكن من إعداد العشاء. واستمر الوضع على هذا المنوال نحو عام ونصف.

والآن، بعد عودته إلى وطنه، يقول الرجل البالغ 35 عاما إنه لم يتقاض أجره لمدة 7 أشهر من أصل 17 شهرا قضاها في المملكة الخليجية الثرية.

ويحذر من أن طفرة البناء الوشيكة لملاعب كأس العالم لكرة القدم وغيرها من المشاريع الضخمة قد تعرض عمالا آخرين لاستغلال مماثل.

وقال ميا الذي أخبر وكالة فرانس برس إنه رأى مديري مشاريع يضربون زملاءه العمال الذين تجرأوا على الشكوى إن "هناك الكثير من الفرص، ولكن هناك أيضا الكثير من المعاناة".

ويعد التخلف عن دفع الأجور والسكن غير الملائم وطول ساعات العمل الشاق في حرارة شديدة شكاوى شائعة بين العمال الوافدين إلى السعودية.

وذكر كثيرون منهم أن شركات التوظيف خدعتهم بشأن الوظائف التي سيعملون بها، ومقدار ما سيكسبونه من مال.

وتؤكد أكبر دولة مصدرة للنفط الخام في العالم أنّ تعزيز حقوق العمال يمثل أولوية في إطار أجندة الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي لولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، المعروفة باسم "رؤية 2030" الرامية إلى تنويع مصادر الاقتصاد السعودي المعتمد على النفط.

وقال متحدث باسم وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية السعودية ردا على أسئلة فرانس برس: "نحن نأخذ مزاعم العمل القسري على محمل الجد، ونحقق في أي ادعاءات من هذا النوع بدقة".

وفي جلسة لمجلس حقوق الإنسان، التابع للأمم المتحدة، في يناير الماضي، قالت رئيسة هيئة حقوق الإنسان السعودية، هلا التويجري، إن المملكة حققت "إصلاحات وتطورات تاريخية ونوعية في مختلف مجالات حقوق الإنسان في إطار رؤية المملكة 2030"، مشيرة إلى تحقيق أكثر من 100 إصلاح عموما، وهذه الإصلاحات "لم تتوقف حتى في أشد الظروف التي شغلت العالم مثل جائحة كورونا".

وأوضح الوفد السعودي أن المملكة ألغت الجلد كعقوبة، وألغت إعدام القاصرين، وأكدت استقلالية القضاء، وقال إن العمال المهاجرين يتمتعون الآن بحماية أفضل بموجب القانون.

ورغم ذلك، تخشى جماعات حقوقية أن تُسجل حالات كثيرة مثل تلك التي وصفها ميا مع استعداد السعودية لاستضافة كأس العالم لكرة القدم للرجال في عام 2034، علما أنها المرشحة الوحيدة لذلك.

ويتوقع أن يوافق الاتحاد الدولي لكرة القدم رسمياً على عرض الرياض في ديسمبر المقبل.

والشهر الماضي، كشفت السلطات السعودية عن خطط لبناء 11 ملعبا جديدا تقدر نقابات العمال أن إنجازها سيتطلب مئات الآلاف من العمال.

"نافذة الفرصة"

وتقول منظمة إيكويديم، وهي منظمة خيرية لحقوق العمال مقرها لندن، إن عرض استضافة كأس العالم في السعودية يوفر "فرصة" للإصلاحات.

وأفاد مؤسس إيكويديم، مصطفى قدري، بأنّه إذا لم يتغير شيء "سيخضع عشرات الآلاف من العمال للعبودية الحديثة والعمل القسري.. ستُزهق أرواح حرفيا".

ويربط نظام الكفالة في السعودية، المعمول به أيضا في عدد من دول الخليج، العمال الأجانب بأرباب عملهم، مما يجعل من الصعب عليهم ترك وظائفهم.

وفي عام 2021، أعلنت الرياض تخفيف بعض القيود المتعلقة بالكفالة، خاصة عندما يتعلق الأمر بطلب تصاريح الخروج، لكن ناشطين يقولون إن التغييرات كانت محدودة واستثنت الملايين، لاسيما العمال المنزليين.

وفي يونيو، نقل الاتحاد الدولي لعمال البناء والأخشاب مخاوفه إلى منظمة العمل الدولية التي رفع إليها شكاوى نيابة عن 21 ألف ضحية تحدثت عن "انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان" وسرقة الأجور في السعودية.


وتركز الشكاوى على شركتين للبناء، مقرهما السعودية، أفلستا في عام 2016.

ويقول كل من اتحاد عمال البناء والأخشاب وإيكويديم إن ظروف العمال المهاجرين لم تتحسن في بلد يبلغ عدد المواطنين غير السعوديين فيه 13.4 مليون شخص من إجمالي 32.2 مليون شخص.

وقال المتحدث باسم وزارة الموارد البشرية السعودية إن مثل هذه الانتقادات "مضللة".

وصرح بأنه "للأسف، كانت هناك مزاعم متكررة تستند إلى معلومات غير دقيقة أو تفشل في الاعتراف بأهمية الإصلاحات التي تم تنفيذها وحجم تأثيرها الإيجابي".

وأضاف: "لقد قامت المملكة بالفعل بتصحيح وتقديم تعويضات للغالبية العظمى من حالات الأجور غير المدفوعة، مع استمرار عملية مراجعة الحالات القليلة المتبقية".

معاناة وتكتم

ولاحقت مخاوف مماثلة بشأن رعاية العمال الجارة، قطر، قبل كأس العالم في عام 2022.

وقالت منظمة العفو الدولية وجماعات حقوقية أخرى إن آلاف العمال المهاجرين لقوا حتفهم في الفترة التي سبقت بطولة 2022، رغم أن الدوحة قالت إن 37 عاملا فقط في مشاريع كأس العالم لقوا حتفهم، ثلاثة منهم فقط في حوادث متعلقة بالعمل.

ويقول العمال المهاجرون السابقون في السعودية، مثل الفلبيني، فيل، إن هناك سببا وجيها للشك.

ومع حاجته إلى المال لعلاج مرض القلب الذي تعاني منه والدته، حصل الرجل البالغ 52 عاما على وظيفة مريحة في تنسيق فعاليات اجتماعية لعمال النفط في شرق السعودية.

لكن الشركة فشلت في دفع راتبه بانتظام، وقضى أشهرا يعيش في مستودع مزدحم ومليء بالبق قبل أن يعتمد أخيرا على أصدقاء ميسورين لشراء تذكرة العودة إلى وطنه.

ويقدر أن صاحب عمله السابق مدين له بنحو 16700 دولار، وما زال يشعر بالخجل لأنه لم يتمكن من إرسال المزيد من التحويلات المالية خلال فترة عمله بالخارج.

وكانت مجلة إيكونوميست قد نقلت تجارب مماثلة لعمال أفارقة عانوا "العنصرية وسوء المعاملة والاستغلال" في الخليج.

"عدد متزايد من مواطني شرق إفريقيا" يرغبون في العمل في الخليج
حال العمالة الأفريقية في الخليج.. واقعية تتجاوز "الإساءة والاستغلال"
رغم أنهم سمعوا من أصدقائهم عن قصص "إساءة معاملتهم" في الخليج، لايزال العديد من مواطني شرق أفريقيا يرغبون في العمل هناك بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية في بلادهم، مع دعم حكوماتهم لهذا الاتجاه، وفق تقرير لمجلة إيكونوميست

ومؤخرا، تحدثت ناشطة عن حالة عاملة كينية "تعرضت لسوء المعاملة" في السعودية، مشيرة على أنها كانت "محتجزة في غرفة، ولم يقدم لها أي طعام، وتعرضت للضرب".

ترامب وبن سلمان أثناء حضورهما قمة مجلس التعاون الخليجي في الرياض، 14 مايو 2025. رويترز
ترامب وبن سلمان أثناء حضورهما قمة مجلس التعاون الخليجي في الرياض، 14 مايو 2025. رويترز

قبل أربعة أعوام، وجد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان صعوبة في عقد لقاء مع الرئيس الأميركي آنذاك جو بايدن، الذي قال إنه يريد أن يجعل المملكة منبوذة بعد أن أشارت تقارير إلى أن حاكمها الفعلي أمر بقتل صحفي مقيم في واشنطن.

ولكن الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب أغدق المديح أمس الثلاثاء على الأمير محمد الحاكم الفعلي للسعودية، واصفا إياه بأنه "رجل رائع" و"رجل عظيم"، دون أي إشارة إلى مخاوف متعلقة بحقوق الإنسان في المملكة.

ووسط وميض الكاميرات وتصفيق الحضور في قمة استثمارية في الرياض، حيث بدأ الرئيس الأميركي أول جولة خارجية كبيرة في ولايته الثانية، قال ترامب بحماسة عن الأمير محمد "أنا معجب به كثيرا. أحبه كثيرا".

وإظهار المودة لقائد له تاريخ مثير للجدل يماثل ما كان يفعله ترامب في ولايته الأولى، عندما أقام تحالفا مع الأمير محمد ازداد قوة عبر سنوات من الإطراء المتبادل وعقد الصفقات.

ولا تزال العلاقات راسخة في ما يتعلق بالمصالح المشتركة، إذ يسعى ترامب إلى تحقيق مكاسب اقتصادية كبيرة وإحياء دور الولايات المتحدة في المنطقة، في حين يسعى ولي العهد السعودي إلى كسب تكنولوجيا متقدمة ودعم عسكري وحليف قوي في إطار سعيه لتحديث المملكة وتأكيد ريادتها الإقليمية.

وخلال القمة، وافقت واشنطن على اتفاقية دفاعية بقيمة 142 مليار دولار وتعهدت السعودية بحزمة استثمارات هائلة بقيمة 600 مليار دولار تشمل الذكاء الاصطناعي والبنية التحتية والطاقة.

وأثارت علاقات ترامب مع ولي العهد السعودي انتقادات من أعضاء بالكونغرس الأميركي ومنظمات لحقوق الإنسان ومحللين معنيين بالسياسة الخارجية لما اعتبروه تفضيل المصالح الاقتصادية على حقوق الإنسان.

وفي حين نفى ولي العهد أي ضلوع له في مقتل الصحفي جمال خاشقجي وأشار إلى إصلاحات مثل تعزيز حقوق المرأة باعتبارها دليلا على التقدم، قال محللون إن هذه التغييرات تقوضها إجراءات صارمة مستمرة ضد المعارضة والحريات السياسية.

ويرتبط ترامب بعلاقات أفضل كثيرا مع الأمير محمد مقارنة بعلاقة سلفه في البيت الأبيض مع ولي العهد السعودي. ومع ذلك، تحول تعامل بايدن مع الأمير محمد إلى علاقات ودية عملية بعد الانتقادات القاسية في البداية.

بايدن اختار إعادة ضبط العلاقات

في عام 2019، توعد الرئيس الديمقراطي بايدن بجعل السعودية "منبوذة" على الساحة العالمية بسبب مقتل خاشقجي وسجلها في مجال حقوق الإنسان.

إلا أن الوقائع الجيوسياسية مثل الارتفاع الهائل في أسعار النفط، ومن أسبابه غزو روسيا لأوكرانيا عام 2022، أبرزت الحاجة إلى التعاون بين واشنطن والرياض.

ودفع ذلك بايدن إلى اتخاذ قرار بإعادة ضبط العلاقات الاستراتيجية، وزار ولي العهد في نهاية المطاف في يوليو تموز 2022.

تبادل الرجلان التحية بقبضة اليد مما أثار انتقادات باعتبارها لفتة ودية مبالغا فيها بالنظر إلى المخاوف المتعلقة بحقوق الإنسان.

لكن مساعديه بالبيت الأبيض قالوا إنها وسيلة لتقليل خطر إصابة بايدن بكوفيد-19.

وتحسنت العلاقات سريعا مع سعي إدارته للتوسط في اتفاق لتطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل مقابل اتفاقية دفاع أوسع نطاقا مع واشنطن.

إلا أن تلك المساعي أصابها الجمود مع هجوم حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023 وحرب إسرائيل اللاحقة على غزة.

وخلال زيارة ترامب أمس الثلاثاء، استقبل ولي العهد الرئيس الأميركي شخصيا واصطحبه في عربة جولف قادها بنفسه قبل مأدبة عشاء رسمية.

وفي لحظة أكدت عمق علاقتهما الشخصية، تعهد ترامب برفع العقوبات الأميركية عن سوريا، في خطوة تمثل تحولا هائلا في الموقف الأميركي قال إنها جاءت بناء على طلب من الأمير محمد بن سلمان.

وقال ترامب "ماذا عساي أن أفعل لولي العهد"، بينما وضع ولي العهد يده على صدره واستهل تصفيقا حارا من الحضور.