السعودية تتخذ إجراءات لتحسين مناخ الاستثمار
السعودية تتخذ إجراءات لتحسين مناخ الاستثمار

قالت وكالة بلومبرغ إن السعودية تسعى إلى تخفيف القيود المفروضة على تدفق الاستثمارات الأجنبية، من خلال "تقليص البيروقراطية وتسهيل إجراءات ضخ الأموال في المملكة"، وهو ما قد يساعد في تحقيق أهداف رؤية 2030 لولي العهد، محمد بن سلمان.

ونقلت الوكالة بيانا لوزارة الاستثمار، جاء فيه أن الحكومة السعودية تعتزم إطلاق آلية "عملية التسجيل لمرة واحدة" للمستثمرين، مما يلغي الحاجة إلى الحصول على العديد من التراخيص والموافقات المسبقة، و"الحد بشكل كبير من الأعمال الورقية والعقبات البيروقراطية".

وقالت وزارة الاستثمار، وفق البيان المرسل لبلومبرغ، إنها تخطط لنشر تفاصيل هذه القواعد للتشاور العام، بحلول أواخر سبتمبر.

وأشارت الوكالة إلى أن قانون الاستثمار الجديد، الذي أعلنته السعودية، الشهر الماضي، يستهدف المعاملة المتساوية للأجانب والسكان المحليين، وحرية إدارة الاستثمارات، والطعن على العقوبات في حالات مخالفة القواعد، ومنح المستثمرين مزيدا من المرونة في كيفية اختيار طرق حل النزاعات، بما في ذلك القيام بذلك خارج المحكمة.

وتأتي هذه التغييرات بينما "تكافح" المملكة في جذب الاستثمارات الأجنبية، وهو هدف أساسي في رؤية 2030 لتنويع الاقتصاد السعودي بعيدا عن النفط.

ويحذر مستثمرون أجانب وشركات المحاماة من أن نجاح التدابير الجديدة سيعتمد على كيفية تنفيذ القوانين.

وقال غراهام كوب، الشريك في بينسنت ماسونز في لندن: "التطبيق العملي هو كل شيء... بمجرد أن نرى اللوائح التنفيذية وكيفية تنفيذها عمليا، سنكون قادرين بشكل أفضل على الحكم على ما إذا كان قانون الاستثمار الجديد واللوائح سيكون لها بالفعل كل التأثير الإيجابي".

وتقول بلومبرغ إن السعودية تواجه منافسة شديدة من مراكز مثل دبي وأبوظبي، حيث توجد مراكز مالية تتبع القانون العام الإنكليزي واللوائح الصديقة للأعمال، ساعدت على جذب الاستثمار الأجنبي والشركات العالمية والمواهب لسنوات.

وتلقت المملكة حوالي 19 مليار دولار من تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر العام الماضي. وكان هذا أعلى من المتوسط السنوي البالغ 17 مليار دولار، من عام 2017 إلى عام 2022، لكنه أقل من هدف العام البالغ 22 مليار دولار. 

وبحلول عام 2030، تأمل الرياض أن ينمو الرقم إلى أكثر من 100 مليار دولار سنويا.

وفي حين "يبدو هذا بعيد المنال في الوقت الحالي، فإن قطع البيروقراطية سيكون خطوة أولى"، وفق الوكالة.

وقال كاسيدي ليون، الذي يعمل مع المسؤولين التنفيذيين في مجال الاستثمارات الأجنبية إن التحدي الرئيسي الذي يواجه المستثمرون الجدد هو "عملية شاقة تتطلب الذهاب إلى وكالات حكومية متعددة للحصول على الموافقات". 

وقال ليون: "هذا يأخذ من وقتهم في الإعداد. ينصب الكثير من تركيزهم على محاولة اجتياز هذه العملية الأولية".

وقد يؤدي تدفق المزيد من الأموال الأجنبية أيضا إلى تحسين أوضاع المملكة المالية مع معاناة بعض المشروعات من قيود التمويل.

ومع مواجهة العجز في الميزانية، قد تساعد اللوائح الجديدة في زيادة الإيرادات غير النفطية والمساعدة في تقليص هذا العجز المالي، وفقا لشركة المحاماة BLK Partners.

وكانت صحيفة عكاظ نشرت بعض تفاصيل القانون الجديد، الذي نشر الشهر الماضي، وأشارت إلى أنه "منح المستثمر حقوقا ومزايا منها معاملته معاملة عادلة ومنصفة، وعدم مصادرة استثماره كليا أو جزئيا إلا بحكم قضائي نهائي، وعدم نزع ملكيته، وله حرية تحويل أمواله داخل المملكة أو خارجها".

ومنح القانون المستثمر "حرية  إدارة استثماره وحماية الملكية الفكرية والمعلومات التجارية السرية، وأقر النظام عقوبات "متدرجة" في حال ارتكب المستثمر مخالفة غير جسيمة".

ترامب وبن سلمان أثناء حضورهما قمة مجلس التعاون الخليجي في الرياض، 14 مايو 2025. رويترز
ترامب وبن سلمان أثناء حضورهما قمة مجلس التعاون الخليجي في الرياض، 14 مايو 2025. رويترز

قبل أربعة أعوام، وجد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان صعوبة في عقد لقاء مع الرئيس الأميركي آنذاك جو بايدن، الذي قال إنه يريد أن يجعل المملكة منبوذة بعد أن أشارت تقارير إلى أن حاكمها الفعلي أمر بقتل صحفي مقيم في واشنطن.

ولكن الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب أغدق المديح أمس الثلاثاء على الأمير محمد الحاكم الفعلي للسعودية، واصفا إياه بأنه "رجل رائع" و"رجل عظيم"، دون أي إشارة إلى مخاوف متعلقة بحقوق الإنسان في المملكة.

ووسط وميض الكاميرات وتصفيق الحضور في قمة استثمارية في الرياض، حيث بدأ الرئيس الأميركي أول جولة خارجية كبيرة في ولايته الثانية، قال ترامب بحماسة عن الأمير محمد "أنا معجب به كثيرا. أحبه كثيرا".

وإظهار المودة لقائد له تاريخ مثير للجدل يماثل ما كان يفعله ترامب في ولايته الأولى، عندما أقام تحالفا مع الأمير محمد ازداد قوة عبر سنوات من الإطراء المتبادل وعقد الصفقات.

ولا تزال العلاقات راسخة في ما يتعلق بالمصالح المشتركة، إذ يسعى ترامب إلى تحقيق مكاسب اقتصادية كبيرة وإحياء دور الولايات المتحدة في المنطقة، في حين يسعى ولي العهد السعودي إلى كسب تكنولوجيا متقدمة ودعم عسكري وحليف قوي في إطار سعيه لتحديث المملكة وتأكيد ريادتها الإقليمية.

وخلال القمة، وافقت واشنطن على اتفاقية دفاعية بقيمة 142 مليار دولار وتعهدت السعودية بحزمة استثمارات هائلة بقيمة 600 مليار دولار تشمل الذكاء الاصطناعي والبنية التحتية والطاقة.

وأثارت علاقات ترامب مع ولي العهد السعودي انتقادات من أعضاء بالكونغرس الأميركي ومنظمات لحقوق الإنسان ومحللين معنيين بالسياسة الخارجية لما اعتبروه تفضيل المصالح الاقتصادية على حقوق الإنسان.

وفي حين نفى ولي العهد أي ضلوع له في مقتل الصحفي جمال خاشقجي وأشار إلى إصلاحات مثل تعزيز حقوق المرأة باعتبارها دليلا على التقدم، قال محللون إن هذه التغييرات تقوضها إجراءات صارمة مستمرة ضد المعارضة والحريات السياسية.

ويرتبط ترامب بعلاقات أفضل كثيرا مع الأمير محمد مقارنة بعلاقة سلفه في البيت الأبيض مع ولي العهد السعودي. ومع ذلك، تحول تعامل بايدن مع الأمير محمد إلى علاقات ودية عملية بعد الانتقادات القاسية في البداية.

بايدن اختار إعادة ضبط العلاقات

في عام 2019، توعد الرئيس الديمقراطي بايدن بجعل السعودية "منبوذة" على الساحة العالمية بسبب مقتل خاشقجي وسجلها في مجال حقوق الإنسان.

إلا أن الوقائع الجيوسياسية مثل الارتفاع الهائل في أسعار النفط، ومن أسبابه غزو روسيا لأوكرانيا عام 2022، أبرزت الحاجة إلى التعاون بين واشنطن والرياض.

ودفع ذلك بايدن إلى اتخاذ قرار بإعادة ضبط العلاقات الاستراتيجية، وزار ولي العهد في نهاية المطاف في يوليو تموز 2022.

تبادل الرجلان التحية بقبضة اليد مما أثار انتقادات باعتبارها لفتة ودية مبالغا فيها بالنظر إلى المخاوف المتعلقة بحقوق الإنسان.

لكن مساعديه بالبيت الأبيض قالوا إنها وسيلة لتقليل خطر إصابة بايدن بكوفيد-19.

وتحسنت العلاقات سريعا مع سعي إدارته للتوسط في اتفاق لتطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل مقابل اتفاقية دفاع أوسع نطاقا مع واشنطن.

إلا أن تلك المساعي أصابها الجمود مع هجوم حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023 وحرب إسرائيل اللاحقة على غزة.

وخلال زيارة ترامب أمس الثلاثاء، استقبل ولي العهد الرئيس الأميركي شخصيا واصطحبه في عربة جولف قادها بنفسه قبل مأدبة عشاء رسمية.

وفي لحظة أكدت عمق علاقتهما الشخصية، تعهد ترامب برفع العقوبات الأميركية عن سوريا، في خطوة تمثل تحولا هائلا في الموقف الأميركي قال إنها جاءت بناء على طلب من الأمير محمد بن سلمان.

وقال ترامب "ماذا عساي أن أفعل لولي العهد"، بينما وضع ولي العهد يده على صدره واستهل تصفيقا حارا من الحضور.