السعودية تتخذ إجراءات لتحسين مناخ الاستثمار
السعودية تتخذ إجراءات لتحسين مناخ الاستثمار

أظهرت بيانات حكومية، الاثنين، أن صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر في السعودية في الربع الثاني من العام الجاري بلغت قيمته 11.7 مليار ريال (3.12 مليار دولار) بانخفاض 7.5 بالمئة على أساس سنوي، ما يسلط الضوء على الصعوبات التي تواجهها المملكة لجذب الأموال لدعم خطة التحول الاقتصادي.

وتكشف بيانات الهيئة العامة للإحصاء المنشورة على موقعها الإلكتروني أن قيمة صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، في الربع الأول، بلغت 9.5 مليار ريال، بينما بلغت 11.7مليار ريال (3.12 مليار دولار) في الربع الثاني.

وتسعى المملكة إلى جذب استثمارات أجنبية بقيمة 100 مليار دولار، بحلول 2030، في إطار استراتيجية استثمارية شاملة لتعزيز النمو في القطاعات غير النفطية، وذلك ضمن خطة التحول الاقتصادي لرؤية 2030 التي تهدف إلى تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على إيرادات النفط.

وتبنت المملكة، العام الماضي، منهجية جديدة لحساب ونشر بيانات الاستثمار الأجنبي المباشر، وأعلنت وزارة الاستثمار، في وقت سابق من العام الجاري، عزمها تحديث قوانين الاستثمار الحالية لتعزيز الشفافية وتشجيع المساواة في المعاملة بين المستثمرين المحليين والأجانب.

ورغم تسارع الجهود الحكومية، لا تزال تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر أقل بكثير من المستهدف، وفق رويترز، وهي أيضا أقل من دول أخرى مثل الإمارات، وفق بلومبرغ.

ورغم زيادة الاستثمار الأجنبي المباشر في الربع الثاني من العام الجاري بنسبة 14.5في المئة عن الربع الأول، فإن إجمالي التدفقات في النصف الأول كان مماثلا للأشهر الستة الأولى من العام الماضي.

ويرجع التباطؤ في زيادة الاستثمارات إلى تراجع إبرام صفقات كبرى خارج مجال الطاقة في السنوات الأخيرة.

وتستهدف المملكة تدفقات استثمارية مباشرة أجنبية بقيمة 29 مليار دولار، هذا العام، ولتحقيق هذا الهدف الآن، ستحتاج إلى ضخ استثمارات كبيرة في النصف الثاني.

وقالت شركة "كابيتال إيكونوميكس" في تقرير الأسبوع الماضي: "إن أحد العوائق الرئيسية أمام تنويع الاقتصاد هو كفاح السعودية لجذب الاستثمار الأجنبي".

وأصبحت الحاجة إلى التمويل أكثر أهمية مع تراجع أسعار النفط التي أدت إلى حدوث عجز بالميزانية.

وقالت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية، في تقرير سابق، إن السعودية ماضية في خططها الطموحة لتطوير اقتصادها لكنها تواجه "ضغوطا" مالية مع تراجع حجم الأموال لدى صندوق الثروة، و"اعتدال" أسعار النفط بما لا يلبي طموحات المملكة.

وقال صندوق النقد الدولي في تقرير صدر مؤخرا عن المملكة: "إن الإصلاحات الرامية إلى تعزيز جاذبية السعودية للاستثمار الأجنبي تتقدم"، مشيدا بزيادة تراخيص الاستثمار الأجنبي وزيادة التراخيص للشركات لإنشاء مقار إقليمية في البلاد.

وأضاف الصندوق: "تعزيز تنمية القطاع الخاص سيتطلب توفير المزيد من الوضوح للمستثمرين وإزالة العوائق المتبقية، بما في ذلك تلك الموجودة في البيئة التنظيمية والتجارية".

مخاوف من تكلفة بشرية باهظة بسبب المشاريع الكبرى في السعودية. السعودية
مخاوف من تكلفة بشرية باهظة بسبب المشاريع الكبرى في السعودية. السعودية

رغم إقرار السعودية لأول سياسة وطنية ضد العمل الجبري في الدول العربية، إلا أن خبراء يشككون في أن تكون ذات جدوى في سوق العمل السعودية.

ويتخوف خبراء تحدثوا في برنامج "حديث الخليج" من أن تكون هذه السياسة التي أقرت في يناير الماضي مجرد حبر على ورق، وآلا توقف الانتهاكات التي ترصدها العديد من تقارير المنظمات الدولية.

وتعرف منظمة العمل الدولية العمل الجبري بأنه "أي عمل أو خدمة يتم استخلاصها من أي شخص تحت طائلة التهديد بأي عقوبة، دون أن يكون قد عُرض عليه ذلك العمل طواعية".

المتخصص في الموارد البشرية في الخليج، عبدالله الغامدي قال إن "السياسة الجديدة، تضفي من خلال المبادئ التشريعية والسياسات حماية لحقوق العاملين الأجانب خاصة من محاولات لتسخيرهم للعمل بالإجبار".

وأكد لـ "الحرة" أن القوانين في السعودية تحمي العاملين على أراضيها، وهناك وزارة الموارد البشرية التي تتابع هذا الملف، ويمكن لأي عامل التقدم ببلاغ من خلال منصات إلكترونية أو المكاتب المتخصصة، ناهيك عن وجود زيارات ميدانية مفاجئة.

وكشف أن وزارة الموارد البشرية تسعى إلى تحديث منظومة القوانين بشكل دائم، وهناك من المواد القانونية ما يحمي العمال في السعودية.

والسعودية عضو في عدة اتفاقيات دولية تهدف إلى مكافحة العمل الجبري، أبرزها "اتفاقية العمل الدولية رقم 29 لعام 1930"وبروتوكولها المكمل لعام 2014. 

وقد اعتادت العديد من المنظمات الحقوقية على توجيه اتهامات لدول الخليج، بما فيها السعودية، بشأن انتهاكات تحصل بحق العمال المغتربين فيها.

ترحيب "حذر"

تشكيك بتطبيق سياسة حماية العمال في داخل السعودية . أرشيفية

المتحدث من منظمة هيومان رايتس ووتش للشرق الأوسط، أحمد بن شمسي قال "نقر أن السعودية أول دول عربية تتبنى سياسة لمكافحة العمل الجبري، ونرحب بذلك بحذر، طالما أنها لا تكون لتجنب الانتقادات التي أثارتها شكوى منظمة العمل الدولية.

وأضاف أن السعودية لديها سجل سابق بإعلانها الإصلاحات، ولكن على أرض الواقع لا تتم.

وأشار إلى أنه على الرغم من الإصلاحات في نظام الكفالة ما زال أصحاب العمل لديهم سلطة على العمال، وهناك خوف متجذر من الانتقام، حتى لو توجه للقانون، منتقدا غياب وجود لمنظمات المجتمع المدني والنقابات في المملكة.

وأكد شامسي أنه لا تزال هناك انتهاكات واسعة فيما يخص تنقل العمال بين الوظائف، أو عملية الخروج من البلاد.

وقال إن المشكلة في المملكة ليس بإعلان السياسة، بل بكيفية تنفيذها، إذ أن توسعها في المشاريع العملاقة، لا يجب أن يكون على حساب تعريض ملايين العمال لمخاطر جسيمة.

السعودية.. تفاصيل "أول" سياسة وطنية ضد "العمل الجبري" في الدول العربية
في خطوة وصفتها وسائل إعلام محلية بالمهمة والمؤثرة على الصعيدين الداخلي والدولي، أعلنت السعودية، مؤخرا، عن اعتماد سياسة وطنية للقضاء على العمل الجبري، لتكون أول دولة خليجية وعربية تقر مثل تلك الاستراتيجية الشاملة.

وأكد أنها "خطوة إيجابية أولى، خاصة في ظل الأدلة على وجود عمال في أوضاع ترقى إلى العمل القسري.

وحدد شامسي أبرز الانتهاكات في السعودية، بعدم توفير الحماية للعمال من العمل الجبري، وفرض رسوم توظيف باهظة، وسرقة الأجور، أو حتى العمل تحت الشمس رغم أن القوانين تمنعهم من ذلك.

وقال إنهم قضوا أكثر من عامين من البحث وإجراء مقابلات مع أكثر من 150 مهاجرا، وعائلات عاملين متوفين، والتي تم توثيقها في تقارير ضخمة عن الانتهاكات في السعودية.

وقال إن العاملين يأتون للسعودية لأنهم لا يعرفون عن المشاكل، فهم يبحثون عن عيش كريم لمساعدة عائلاتهم.

وطالبت منظمة "هيومن رايتس ووتش" دول الخليج، في الصيف الماضي، بحماية العمال المهاجرين من الحر خلال، مشيرة إلى "المخاطر الصحية الشديدة" التي يتعرّضون لها في ظل ارتفاع درجات الحرارة المرتبط بالتغير المناخي.

وفي أكتوبر من العام 2023، صدر تقرير لمنظمة العفو الدولية ندد بتعرض عمال من النيبال لظروف معيشية مريعة ومخاطر تتعلق بالسلامة أثناء العمل في السعودية، إضافة لحرمانهم من أجورهم.

من جانبه رفض الغامدي الاتهامات بوجود انتهاكات وعدم حماية للعمال، وقال إن المحاكم العمالية تعمل وتتعامل مع الشكاوى بشكل رسمي، وتنصف العمال.

وأبدى استغرابه من الانتهاكات التي يتم الحديث عنها في سوق العمل السعودية، وقال "لو كان هناك انتهاكات لحقوق العاملين في سوق العمل السعودية لما توافد الناس عليها".

وأكد "لسنا جمهورية أفلاطون، لدينا انتهاكات فردية" ولكن القانون لا يسمح بها، وأي شكوى يتم التعامل معها.

الفيلم مبني على رواية  نشرت قبل سنوات
"حياة الماعز".. تشويه للسعودية أم واقع حقيقي؟
"هذا الفيلم لا يحمل إساءة لأي دولة، أو شعب، أو مجتمع، أو عرق"، بهذه العبارة ينطلق الفيلم الهندي "حياة الماعز" الذي يعرض على منصة "نتفليكس"، ويحكي "قصة حقيقية" لعامل هندي يدعى "نجيب" وصل مطلع التسعينيات إلى السعودية، ليجد نفسه تحت رحمة "كفيل" وهمي، أودى به إلى الصحراء، في رحلة استعباد وظروف غير إنسانية للعيش امتدت لـ 3 أعوام قبل الهرب.

وبشأن إلغاء نظام الكفالة، قال الغامدي إذا كانت هناك تشريعات تساعد على حفظ حقوق الطرفين من الممكن أن يتم في الفترة القادمة، وبما يحقق التوازن بين حقوق العاملين وأصحاب العمل.

وتحدث عن نظام الإقامة الذهبية، الذي يتيح التنقل والاستثمار والتملك داخل السعودية من دون وجود كفيل.

ورد شامسي أن الحديث عن وجود انتهاكات فردية ليس بالأمر الصحيح، إذ يوجد شكوى من الاتحاد الدولي لعمال البناء، والتي تستند إلى آلاف الحالات الموثقة من العمال الذين لم يتقاضوا أجورا منذ عقد من الزمان.

وقال إذا كانت السعودية جادة في سياستها الجديدة على إثبات ذلك بتعويض هؤلاء.

وتخوف شامسي من مشاريع كأس العالم في السعودية حيث سيتم بناء 11 ملعب جديد، وتشييد 185 ألف غرفة فندقية، وشبكة بنية تحتية هائلة والتي ستكون بتكلفة بشرية هائلة من العمال، قد تطال أجيال من العمال.

ورغم إصلاحات قانون العمل التي اعتمدت عام 2021، يقول العمال إن تغيير وظائفهم أو مغادرة البلاد يبقى رهن أصحاب العمل، وهو نظام تصفه هيومن رايتس بأنه استغلالي.

انتهاكات بالجملة

العمل الجبري .. السعودية في مرمى الانتقادات

"وهم جديد" هكذا وصف الناشط الحقوقي السعودي، والمتحدث باسم حزب التجمع الوطني أحمد حكمي في حديثه لـ "الحرة" ما أعلنته السعودية بشأن سياسة حماية العاملين.

ويتفق مع كلام شمسي بأن السعودية لطالما تعلن عن إصلاحات شكلية، ولكن عند اختبارها تكون غير حقيقية.

واستشهد بتقرير وثائقي رصد أوضاع العمال، يتحدث عن 21 ألف قتيل من ثلاث دول خلال ثمانية أعوام في أحد المشاريع الكبرى في السعودية، في إشارة إلى مشروع نيوم.

وقال حكمي إن هذا السجل من انتهاكات العمال لن يصلحه مجرد سياسة أو مشروع قانون تحتاج لفترة طويلة قبل تطبيقه.

وأكد أن ما ترصده التقارير الدولية لا يعكس حجم ما تصل إليه الانتهاكات، إذ ينتشر على شبكات التواصل الاجتماعي مقاطع مصورة لعمال تعرضوا للضرب والتحرش والاغتصاب.

وفقا لتقرير صادر عن البنك الدولي، يشكل العمال المغتربون حوالي30 بالمئة من إجمالي سكان المملكة، مما يجعلهم ركيزة أساسية في الاقتصاد السعودي.

انتقادات لقطر خلال التجهيز لكأس العالم. أرشيفية

وفي أكتوبر من 2024 ذكر تقرير لمنظمة العفو أن "الأجانب المتعاقدين للعمل في مواقع مرخص لها باستخدام الاسم التجاري للشركة الفرنسية كارفور في السعودية، يواجهون الخداع على أيدي وكلاء الاستقدام، ويرغمون على العمل لساعات مفرطة، ويحرمون من أيام العطلة، ويتعرضون للغش ولنهب مستحقاتهم".

الكاتب الصحفي فيصل الشمري، انتقد ما أسماه بـ "موجات الانتقادات الموسمية" من المنظمات الدولية لدول الخليج بشأن حقوق العمال.

وقال لـ "الحرة" أنا لا أشكك بنوايا هذه المنظمات، ولكن قطر فيها عمالة وافدة من عقود، ولم يتم عنها أحد بالانتهاكات إلا في سياق كأس العالم، وكذلك الحال الآن للسعودية، موجة الانتقاد تأتي بالتزامن مع المشاريع الكبرى مثل نيوم، والتحضير لكأس العالم.

وسبق لدولة قطر أن واجهت الكثير من الانتقادات بسبب ما أشيع عن ظروف عمل قاسية ومجحفة بحق العديد من العمال الذين شاركوا في أعمال البنية التحتية لملاعب وإنشاءات كأس العالم لكرة القدم في العام 2022.

وأكد أنه يجب التفرقة بين العمالة السائبة، أو العمالة النظامية التي تعمل في القطاعات الرسمية وغير الرسمية، فيما تتركز الانتهاكات في فئة ما يطلق عليه "العمالة السائبة" والتي تكون غير قانونية في بعض الآحيان.

مونديال قطر.. اتهامات لمقاولين بالالتفاف على القوانين في "انتهاكات حقوق الإنسان"
طالب عدد من النشطاء والمنظمات غير الحكومية بتسليط الضوء على الانتهاكات التي يتعرض لها العمال في قطر بالتزامن مع قرب انطلاق كأس العالم 2022، الذي تحتضنه الدوحة، فيما اعتبرت اللجنة العليا المنظمة للمونديال أن تلك التقارير "تهدف لتشويه البطولة".

وحمل الشمري الشركات الوسيطة العبء الأكبر في الانتهاكات، إذ أنها هي من لا تلتزم بعقودها مع العمال، لتتركهم وتحمل عبئهم للحكومات.

وقال دول الخليج جاذبة لكل المهارات، ولكن بعض الشركات تستخدم العمالة وتتاجر في حقوقهم، بإيقاعهم في عقود غير قانونية.

وذكر أن التقديرات تتحدث عن 30 مليون عامل يتوافدون لدول الخليج، نصفهم في السعودية، والبقية يتوزعون في بقية دول الخليج.

وأقر بوجود انتهاكات سببها تلك الشركات العابرة للحدود، ومن غير المنصف تحميل الحكومات عبء ذلك.

ودعا الشمري إلى تناول إنساني لقضايا العمال في دول الخليج بعيدا عن تسيس الملف، وطالب المنظمات الدولية بإرسال محامين لتوعية العمال في دولهم، وتقديم الدعم الذي يحتاجونه.

ما بين التشكيك بالتطبيق، والأمل بالسياسة التي وضعت، قد تكون هذه الخطوة الأولى لحماية العمال من العمل القسري في السعودية وبقية دول الخليج.

ونجاحها في ظل الخطط الطموحة للسعودية قبل كأس العالم في 2034، ستبقى رهنا بالتطبيق الفعلي خلال الفترة المقبلة.