صورة تعبيرية لعلم السعودية
صورة تعبيرية لعلم السعودية

قال الرئيس الفلبيني فرديناند ماركوس، الثلاثاء، إن حكومته استنفدت كل الجهود لمنع تنفيذ عقوبة الإعدام بحق أحد مواطنيها الذي كان يقيم في السعودية.

ووصف، في إيجاز صحفي، إعدامه بأنه "مأساة فظيعة" مضيفاً "لقد جربنا كل شيء على مدى سنوات كثيرة"، وفق ما نقلت وكالة فرانس برس.

ولم يكشف المسؤولون الفلبينيون اسم العامل الذي أُعدم، أو تفاصيل الجريمة وتاريخ الإعدام، لطلب الأسرة احترام الخصوصية.

وكانت وزارة الداخلية السعودية، أعلنت السبت الماضي، في بيان، تنفيذ "حكم القتل قصاصاً" بحق فلبيني الجنسية بعد إدانته بجريمة قتل مواطن سعودي، عن طريق "ضربه بمطرقة حديدية على رأسه، نتيجة خلاف كان بينهما".

من جانبها، قالت وزارة الخارجية الفلبينية في بيان إنها بذلت جهوداً لمنع تنفيذ الحكم، شملت تقديم طلب رئاسي، لكنّ "عائلة الضحية رفضت قبول الدية في مقابل العفو عن الفلبيني"، بالتالي تم إعدامه.

وقال ماركوس إن الحكومتين الفلبينية والسعودية أجرتا مفاوضات بشأن هذه القضية خلال خمس إلى ست سنوات ماضية، لكن "للأسف، القانون هناك صارم جدا" وفق تعبيره.

وتعهد الرئيس الفلبيني بالمساعدة لإعادة جثة العامل إلى موطنه.

ويعمل ملايين الفلبينيين في الخارج، وتتركز أعداد كبيرة منهم في الشرق الأوسط بسبب محدودية فرص العمل في بلادهم.

وفي 28 سبتمبر الماضي، قالت منظمة العفو الدولية في تقرير إن السلطات السعودية أعدمت أكثر من 198 شخصاً  منذ بداية 2024، وهو أعلى عدد من عمليات الإعدام يُسجل في تاريخ البلاد منذ عام 1990.

وزادت السلطات السعودية من عمليات الإعدام رغم الوعود المتكررة بالحد من استخدامها، في حين أنها أخفقت على نحو مألوف في التقيّد بالمعايير والضمانات الدولية للمحاكمات العادلة للمتهمين، بحسب ما ذكرت المنظمة الحقوقية.

وأوضحت أن "عمليات الإعدام بالنسبة للجرائم المرتبطة بالمخدرات شهدت ارتفاعًا هائلًا هذا العام، حيث نُفّذت 53 عملية حتى الآن – بمعدل عملية إعدام واحدة كل يومين في شهر يوليو وحده- وبذلك ارتفعت من مجرد عمليتي إعدام تتعلقان بالمخدرات في عام 2023".

كذلك، تابعت المنظمة، استخدمت السلطات السعودية عقوبة الإعدام "كسلاح لإسكات المعارضة السياسية، ومعاقبة مواطنين من الأقلية الشيعية في البلاد أيّدوا الاحتجاجات المناهضة للحكومة التي جرت بين عامي 2011 و2013".

وزارة الدفاع السعودية نشرت صورا لزيارة رئيس الأركان إلى طهران
وزارة الدفاع السعودية نشرت صورا لزيارة رئيس الأركان إلى طهران

مع إعلان فوز دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة، ووسط الحرب الدائرة في إسرائيل وغزة والتي امتدت إلى لبنان وطالت إيران أيضًا، واصلت الرياض إشاراتها بشأن توطيد العلاقة مع طهران، وتوجه رئيس أركان الجيش السعودي إلى إيران خلال الأيام الماضية، في زيارة نادرة.

والإثنين، دعا ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، إسرائيل إلى "احترام سيادة إيران" والامتناع عن مهاجمة أراضيها، خلال كلمته في افتتاح أعمال قمة عربية إسلامية في الرياض.

ورأى محللون وخبراء أن التقارب السعودي الإيراني في الفترة الحالية "يقوده عدم وضوح في الرؤية من جانب ترامب"، خصوصا بعدما شاب "تناقض" ولايته الأولى، من وجهة نظر البعض، حيث "فرض عقوبات قوية على طهران، في حين لم يبذل الجهد المطلوب لحماية السعودية عندما طالتها ضربات جماعة الحوثي اليمنية المدعومة من إيران".

ورأت المحللة السياسية الأميركية، إيرينا تسوكرمان، أن زيارة رئيس الأركان السعودي فيّاض بن حامد الرويلي، ولقاءه بنظيره محمد باقري، تشير إلى أن "التعاون أصبح أعمق بين البلدين، مقارنة بما كان مستحيلا عام 2016، عندما قطعت المملكة علاقاتها الدبلوماسية مع إيران بسبب هجوم على سفارتها".

كما لفتت في حديث لموقع "الحرة"، إلى أن ما يحدث حاليا "يمكن اعتباره شكلا من أشكال التفاوض حول الخطوات التالية في العلاقات الثنائية".

أما الباحث بالشؤون السياسية والاقتصادية الإيرانية، سعيد شاوردي، فاعتبر أن الطرفين أمام "معادلة رابح – رابح"، يشعر فيها البلدان بأن "الابتعاد عن التوترات سيجلب نجاحا ومكاسب أكثر لكل منهما".

واستطرد في حديثه لموقع "الحرة": "هناك رؤية قد تكون جديدة في السعودية، مبنية على أن العداء مع إيران لن يخدم مشاريعها المستقبلية، وسيأتي بنتائج عكسية على طموحاتها، سواء سياسيا أو اقتصاديا، والمثال هنا الحرب في اليمن".

"غموض ترامب"

واعتبرت تسوكرمان أن السعودية "غير متيقنة" من موقف الولايات المتحدة بشأن إيران، "على الرغم من خطاب ترامب المتشدد ضدها، وذلك لأن سياسته تجاه طهران خلال ولايته الأولى جاءت برسائل مختلطة"، على حد تعبيرها.

إيران حول إمكانية التواصل مع إدارة ترامب: سنعمل وفقا لما يحقق مصالحنا
أكدت المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية، فاطمة مهاجراني، الثلاثاء، أن طهران سوف تسعى لتحقيق كل ما يحقق "مصالحها"، وذلك ردا على سؤال بشأن إمكانية إجراء محادثات مباشرة مع إدارة الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب.

ووفق المحللة الأميركية، فإن ترامب "مارس أقصى ضغط اقتصادي، وصنف الحوثيين كمنظمة إرهابية، حيث كانت الجماعة اليمنية تخوض حربا مع السعودية، بجانب قتل قائد الحرس الثوري قاسم سليماني (في غارة أميركية ببغداد)، لكنه لم يمنع هجمات استهدفت شركة (أرامكو) السعودية، أو حتى رد عليها".

وفي أعقاب إعلان فوز ترامب، نقلت وسائل إعلام رسمية عن الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، قوله إن طهران لن تتمكن من تجاهل الولايات المتحدة، ويتعين عليها التعامل معها على الساحتين الإقليمية والدولية، ومن الأفضل أن تدير طهران هذه العلاقة.

وكان ترامب قد أكد في أكتوبر الماضي، أن "على إسرائيل ضرب المنشآت النووية في إيران"، ردا على هجوم أطلقته الأخيرة تجاه إسرائيل في ذات الشهر.

لكنه في نفس الوقت، أكد بشكل متكرر أنه سيمنع الحروب في المنطقة، بوصوله إلى البيت الأبيض.

وقالت تسوكرمان: "لذلك، لا يزال من غير الواضح ما إذا كان ترامب سيتحرك نحو ضمانات أكبر للأمن السعودي أو في الاتجاه المعاكس. كما أن تعليقاته الأخيرة بشأن غزة ولبنان تعكس رسائل مختلطة".

واعتبر شاوردي أن زيارة رئيس أركان الجيش السعودي إلى إيران "مهمة جدا في الظروف الحالية التي تشهدها المنطقة في غزة ولبنان، إلى جانب عودة ترامب".

والشهر الماضي، أعلنت السعودية أنها أجرت في بحر العرب مناورات عسكرية مشتركة مع عدة دول، من بينها إيران.

وحذرت المحللة الأميركية من أن هذا التقارب الإيراني السعودي يمكن أن يكون "إشارة إلى إعادة تنظيم إقليمي قد لا تتمكن الولايات المتحدة من التراجع عنه تمامًا، حتى من خلال تقديم ضمانات أمنية أو معاهدة دفاعية طالبت بها المملكة".

ديمومة العلاقة؟

مرت العلاقات السعودية الإيرانية بمحطات صعود وهبوط على مدار العقود الماضية منذ "الثورة الإسلامية". وفي ظل التوترات الجارية في المنطقة، رأى المستشار السابق في وزارة الخارجية السعودية، الباحث في العلاقات الدولية، سالم اليامي أن "الطرفين يوجهان قدراتهما ليكونا مرنين أو أن يكونا بعيدا عن الصراع قدر الإمكان".

وأوضح في حديثه لبرنامج "الحرة الليلة"، أنه "منذ 10 مارس 2023، عندما تم الاتفاق بين البلدين على عودة العلاقات برعاية الصين، فإن هناك اتجاها مفصليا بين الجانبين يتمثل في تجاهل الماضي والتحول إلى المستقبل بعلاقات جيدة".

وأضاف أن الاتفاق "كان يشمل كل أوجه التعاون، السياسي والاقتصادي وأيضًا العسكري"، مشيرًا إلى أنه خلال الفترة الأخيرة "هناك تغيّر، حيث يريد الجانبان علاقات هادئة جدا وأكثر تصالحا، ويحاولان الالتزام بالمرونة والابتعاد عن الصراع".

شاوردي أكد على هذا الأمر، وقال إن العلاقات القوية بين البلدين على المستوى الحكومي جيدة، وعندما تمتد إلى المستوى العسكري "حينها لن يشعر أي طرف بتهديد أو خطر من الآخر".

واعتبر أن "هناك نجاحا في تطوير العلاقات عسكريا وسياسيا، ولو حدث ذلك على المستوى الاقتصادي سنتوجه إلى مرحلة رسوخ العلاقات وديمومتها".

ورقة الحوثي

بناء على التطورات التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط، ذكر تقرير لوكالة رويترز، أن "القلق الرئيسي بالنسبة لإيران الآن هو إمكانية تمكين ترامب لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، من ضرب المواقع النووية الإيرانية، وتنفيذ اغتيالات وإعادة فرض سياسة الضغط الأقصى".

ونقلت الوكالة عن مسؤولين إيرانيين وعرب وغربيين توقعاتهم بأن يمارس ترامب "أقصى قدر من الضغط على المرشد الإيراني علي خامنئي، للاستسلام من خلال قبول اتفاق احتواء نووي، بشروط يحددها هو وإسرائيل".

وهنا يأتي دور إبعاد المملكة عن الولايات المتحدة أو تحييدها في أي عمل مضاد لإيران، وخصوصا بعدما تلاشت جهود واشنطن من أجل التوصل إلى اتفاق لبناء علاقات دبلوماسية بين السعودية وإسرائيل في أعقاب الحرب الأخيرة في غزة، التي اندلعت شرارتها بهجوم حماس في السابع من أكتوبر 2023.

وفي هذا الشأن، قالت تسوكرمان إن السعودية تحاول إبقاء الأوضاع هادئة مع الحوثيين "لكن أي مفتاح سلام هو بيد طهران"، مضيفة أن إيران هنا "تسعى إلى الحفاظ على صراع مجمد يمكن إعادة إشعاله في أية لحظة وفق أجندتها الجيوسياسية".

وأوضحت أن طهران "تسعى للعب ورقة احتمال تجدد الصراع السعودي مع الحوثيين، من أجل إبقاء الرياض على مسافة من واشنطن".

اليامي أكد من جانبه أن السعودية "ستسعى إلى تحقيق مصالحها، والجانب الذي تكون لها مصالح أكبر معه، ستكون أكثر ميلا نحوه"، لكنه أكد أيضًا أن من الضروري "استغلال هذه المرونة الموجودة في إيران حاليا، ومن المفيد والمنطقي البناء عليها".

واعتبر أن "إيران بغض النظر عن موقفها الكلاسيكي من أميركا وإسرائيل، فإنها قادرة خلف الأبواب المغلقة على تقديم تنازلات وتسويات للوصول إلى حلول معينة. وبالنهاية هذه مرحلة اختبار لكل الأطراف إقليميا ودوليا".

من جانبها، أكدت تسوكرمان أنه في الوقت الحالي تظل إيران "لاعباً رئيسا في المنطقة"، مضيفة: "قد تكون مكروهة ومخيفة، لكن لا يمكن تجاهلها بالتأكيد".